مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1959 إلى آخر يناير سنة 1960) - صـ 106

(15)
جلسة 12 من ديسمبر سنة 1959

برياسة السيد/ سيد علي الدمراوى - نائب رئيس المجلس، وعضوية السادة: السيد إبراهيم الديواني وحسن أبو علم والإمام الإمام الخريبي ومحيي الدين حسن - المستشارين.

القضية رقم 689 لسنة 4 القضائية

( أ ) عقد إداري - القوة القاهرة والحادث الفجائي - الشروط الواجب توافرها في الحادث حتى يعتبر قوة قاهرة لا تتحقق معه المسئولية - تطبيق القواعد الواردة في القانون المدني في هذا الشأن على الروابط الإدارية - أساسه - اعتبار هذه القواعد من الأصول العامة التي يجب النزول عليها في تحديد الروابط الإدارية في مجال القانون العام.
(ب) إصرار الحكومتين الفرنسية والايطالية على منع تصدير الأسلحة المتعاقد عليها - اعتباره سبباً أجنبياً تتحقق به القوة القاهرة - أساس ذلك.
1 - أن أحكام المسئولية العقدية تقتضي أن يكون هناك خطأ وضرر وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ الضرر وأنه إذا استحال على المدين أن ينفذ التزامه عيناً كان مسئولاً عن التعويض لعدم الوفاء ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب أجنبي لا يد له فيه, واستحالة التنفيذ إما أن تكون استحالة فعلية أو استحالة قانونية وذلك في الوقت الذي يجب فيه التنفيذ. وغنى عن القول أن الاستحالة الفعلية هي من مسائل الواقع الذي يقدره القاضي ويختلف هذا التقدير بحسب ظروف الأحوال وملابساته, وإذا كانت الاستحالة راجعة إلى خطأ المدين لا ينقضي الالتزام وإن كان أصبح تنفيذه العيني مستحيلاً ووجب التنفيذ عن طريق التعويض, وبذا يتحول محل الالتزام من التنفيذ العيني إلى التعويض, فتبقى التأمينات التي كانت تكفل التنفيذ العيني وتتحول إلى كفالة التعويض, وتبقى مدة التقادم سارية, أما إذا كانت الاستحالة راجعة إلى سبب أجنبي فإن الالتزام ينقضي أصلاً سواء من حيث التنفيذ العيني أو التنفيذ بالتعويض, والسبب الأجنبي هو الحادث الفجائي أو القوة القاهرة أو خطأ الدائن أو فعل الغير ويجب أن تكون القوة القاهرة أو الحادث الفجائي أمراً غير ممكن التوقع ومستحيل الدفع, فإن توافر هذان الشرطان كان الحادث أجنبياً عن الشخص لا يد له فيه ويجب أن يكون عدم استطاعة التوقع لا من جانب المدين بل من جانب أشد الناس يقظة وبصراً بالأمور, فالمعيار موضوعي لا ذاتي فلا يكتفي فيه بالشخص العادي ولكن يتطلب أن يكون عدم الإمكان مطلقاً كما يجب أن تكون القوة القاهرة أو الحادث الفجائي مستحيل الدفع فإن أمكن دفع الحادث حتى ولو استحال توقعه لم يكن ثمة قوة قاهرة أو حادث فجائي كما يجب أن يكون من شأنه جعل التنفيذ مستحيلاً استحالة مطلقة لا بالنسبة للمدين وحده بل بالنسبة إلى أي شخص يكون في موقف المدين وهذا هو ما يميز القوة القاهرة والحادث الفجائي عن الحوادث الطارئة التي تجعل تنفيذ الالتزام مرهقاً لا مستحيلاً, ويختلف أثر القوة القاهرة أو الحادث الفجائي بحسب الأحوال فإذا كان هو السبب الوحيد في وقوع الضرر انعدمت علاقة السببية فلا تتحقق المسئولية, وقد يكون من أثره لا الإعفاء من تنفيذ الالتزام بل وقف تنفيذه حتى يزول الحادث فيبقى الالتزام موقوفاً على أن يعود واجب التنفيذ بعد زوال الحادث, وغنى عن القول أنه يجوز للطرفين أن يعدلا باتفاقهما من أثر القوة القاهرة أو الحادث الفجائي فيتفقان مثلاً على أن المدين لا يخلى من التزامه ويتحمل بذلك تبعة السبب الأجنبي فلا ينقضي الالتزام حتى ولو استحال تنفيذه بسبب أجنبي ويتحول محله إلى تعويض ويكون المدين في هذه الحالة إزاء الدائن بمثابة المؤمن يؤمنه من الحوادث التي ترجع إلى القوة القاهرة, كل ما تقدم من قواعد قد قننها المشرع المصري في القانون المدني, ولئن كان مجال تطبيق هذه القواعد في مجال روابط القانون الخاص إلا أن القضاء الإداري قد اطرد على الأخذ بها باعتبارها من الأصول العامة التي يجب النزول عليها في تحديد الروابط الإدارية في مجال القانون العام ما دامت تتسق مع تسيير المرافق العامة وتكفل التوفيق بين ذلك وبين المصالح الفردية الخاصة, وقد ردد البند الخامس من العقود الثلاثة المبرمة مع المطعون عليه النص على إعفائه من المسئولية عند وقوع القوة القاهرة.
2 - أن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه فيما انتهى إليه بعد استظهاره لظروف الحال وملابساته من أن عدم وفاء المدين بالتزامه يرجع إلى سبب أجنبي لا يد له فيه, فتحققت القوة القاهرة التي جعلت التنفيذ مستحيلاً وذلك بسبب إصرار الحكومتين الفرنسية والايطالية على منع تصدير الأسلحة المتفق عليها إلى الحكومة المصرية وهذا السبب الأجنبي ليس في مكان أي شخص في مثل مركز المدين أن يتوقعه أو يدفعه بل أن المطعون عليه بعد إذ عجز عن الحصول على ترخيص الحكومتين حاول تنفيذ التزامه بوسائل أخرى عرضها على الملحقين العسكريين في روما وباريس وذلك بإرسال الأسلحة برسم أثيوبيا على أن تستولي عليها الحكومة في أثناء مرورها عابرة بمصر بعد الاتفاق مع الحكومة الأثيوبية وغير ذلك من الوسائل الأخرى التي اقترحها ولكن الحكومة المصرية لم تقبلها وكل ذلك يدل على أنه لم يترك وسيلة ممكنة لتنفيذ التزامه إلا لجأ إليها ولكن حال دون التنفيذ السبب الأجنبي الذي لا يد له فيه أي القوة القاهرة التي تعفيه من المسئولية.


إجراءات الطعن

في أول يوليه سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة المفوضين طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الخامسة) بجلسة 27 من إبريل سنة 1958 في الدعوى رقم 13 لسنة 9 القضائية المرفوعة من وزارة الحربية والبحرية ضد السيد/ فيليب فريد لاندر القاضي "برفض الدعوى وبإلغاء الأمر الصادر بتاريخ 28 من سبتمبر سنة 1955 من رئيس محكمة القضاء الإداري بتوقيع الحجز تحت يد الوزارة المدعية على صناديق الذخيرة المبينة بالأمر المذكور وألزمت الحكومة بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب الواردة بعريضة الطعن "الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء للحكومة بالطلبات وإلزام المدعي عليه بالمصروفات". وقد أعلن الطعن للحكومة في 3 من أغسطس سنة 1958 وللمدعى عليه فيه 6 من نوفمبر سنة 1958 وعين لنظره جلسة 13 من ديسمبر سنة 1958 ثم تداولت القضية بالجلسات إلى أن نظرت أخيراً بجلسة 23 من مايو سنة 1959 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن وزارة الحربية والبحرية تقدمت بطلب إلى السيد رئيس محكمة القضاء الإداري قالت فيه أنه بتاريخ 28 من أكتوبر سنة 1951 أبرمت مع المدعى عليه في الخارج العقد رقم 190 تعهد بمقتضاه بأن يورد لها مائة مدفع عيار 120 ملليمتر صنع المصانع الايطالية بسعر 3500 دولار أمريكي للمدفع الواحد وأن يورد لها كذلك مائة ألف طلقة جديدة لهذه المدافع بسعر 73 دولاراً أمريكياً للطلقة الواحدة تسليم أحد المواني الايطالية على أن يقوم المتعهد بإجراء اللازم نحو شحن هذه الأسلحة والذخيرة من الميناء الايطالي إلى مخازن الجيش بالإسكندرية وأن يؤمن عليها ويدفع مصاريف الشحن والتأمين وتوردها له الوزارة مع ثمن المهمات, ونص في البند الرابع من العقد على أن يكون التسليم بمخازن الجيش بالإسكندرية خلال ستين يوماً من تاريخ قيام الوزارة بإخطار المتعهد بفتح الاعتماد بالثمن بالليرات الايطالية ونص في البند السادس على أن يقدم المتعهد خطاب ضمان بمبلغ يساوى 1% من قيمة العقد كضمان للتنفيذ كما نص في ذلك البند على أن يتعهد المورد بأن يضع نفسه تحت تصرف الوزارة في مصر لمدة ثلاثة شهور كمستشار فني وذلك بمجرد تسليم البضائع نهائياً ونص في البند السابع على ألا يكون مسئولاً عن عدم تنفيذ العقد إذا كان ذلك راجعاً إلى القوة القاهرة. ونص في البند التاسع على أنه في حالة التأخير في التوريد يكون للوزارة الحق في أن توقع على المتعهد غرامة قدرها 1% من قيمة المهمات التي حصل التأخير عن توريدها وذلك عن كل أسبوع فإذا زادت مدة التأخير عن شهر كان للوزارة الحق في إلغاء العقد ومصادرة التأمين ونص في البند العاشر على أن لا يكون هذا العقد نافذ المفعول من جانب الوزارة إلا من يوم إخطارها المتعهد بموافقة مجلس الدولة عليه ونص في البند الحادي عشر على أن جميع المنازعات التي تنشأ عن هذا العقد تفصل فيها نهائياً المحاكم المصرية طبقاً للقوانين المصرية, وفى 13 من نوفمبر سنة 1951 أرسلت الوزارة إلى المتعهد الكتاب رقم 13 - 13/ 190 أبغلته فيه موافقة مجلس الدولة على العقد وطالبته بسرعة تقديم خطاب الضمان كما أبلغته فيه أيضاً أنها بسبيل اتخاذ الإجراءات اللازمة لفتح الاعتماد بالثمن وفقاً للبند الخامس من العقد وفى 10 من نوفمبر سنة 1951 كان قد حصل تعديل في العقد تضمن تقديم الثمن بالعملة المصرية فبلغ ثمن المائة مدفع 122800 جنيه مصري وبلغ ثمن المائة ألف طلقة 1.158.000 جنيه مصري وبذلك يكون قيمة العقد 1.280.800 جنيه مصري كما تضمن هذا التعديل أن تفتح الوزارة اعتماداً بهذا الثمن إليه مبلغ تقريبي مقابل مصاريف الشحن والتأمين لدى أحد البنوك المصرية في القاهرة أو الإسكندرية كما تم الاتفاق حفظاً لسرية العقد وخوفاً من تسرب أخبار الصفقة عن طريق البنك الذي يحصل المتعهد منه على خطاب الضمان المطلوب, وتنازل الوزارة عن خطاب الضمان وذلك مقابل تخفيض الاعتماد بالثمن قبل فتحه بمقدار 1% من قيمة العقد بحيث لا يصرف هذا الخصم إلى المتعهد إلا بعد انقضاء مدة الضمان, وفى 21 من يناير سنة 1952 أخطر المتعهد بفتح الاعتماد. وفى 10 من نوفمبر سنة 1951 أبرمت الوزارة مع ذات المتعهد في الخارج أيضاً عقداً ثانياً برقم 203 تعهد فيه بأن يورد للوزارة "150000" طلقة ذخيرة هاون 81 م بمبلغ 325000 ج تسليم أي ميناء ايطالي, وهذا العقد لا تخرج نصوصه في مجموعها عن نصوص العقد السابق, وفى 24 من نوفمبر سنة 1951 أخطرت الوزارة المتعهد بموافقة مجلس الدولة على العقد كما أخطرت في 21 من يناير سنة 1952 بفتح الاعتماد. وفى 7 من ديسمبر سنة 1951 أبرمت الوزارة مع هذا المتعهد وفى الخارج عقداً ثالثاً رقم 224 تعهد فيه بأن يورد لها ألف مدفع ماكينة 42 صنع ألمانيا أصلاً والمعدات الخاصة بها بثمن إجمالي قدره 315500 دولار أمريكي تدفع بالفرنكات الفرنسية تسليم ميناء مرسيليا بذات شروط العقدين السابقين حيث نص فيه كذلك على ألا يكون نافذاً من جانب الوزارة إلا بعد موافقة مجلس الدولة وأن مدة التوريد ستون يوماً من تاريخ إخطار الوزارة المتعهد بفتح الاعتماد بالثمن كما تضمن هذا العقد أيضاً ذات النص الوارد في العقدين السابقين من حيث عدم مسئولية المتعهد في حالة عدم تنفيذ العقد متى كان سبب ذلك القوة القاهرة، وقد أرسلت الوزارة إلى المتعهد برقية في 24 من نوفمبر سنة 1951 تخطره فيها بموافقة مجلس الدولة على العقد ثم أيدت هذه البرقية بكتاب أرسلته له في ذات اليوم وفتح الاعتماد بالثمن في 5 من فبراير سنة 1952. وفى 15 من فبراير سنة 1952 كتب المتعهد إلى الوزارة يخطرها بأنه بالنسبة للعقد الثالث فإنه قد تبين له من اتصالاته غير الرسمية بالسلطات الفرنسية استحالة الحصول على ترخيص من تلك السلطات لتصدير المدافع موضوع هذا العقد إلى مصر وأنه بمناسبة قيامه بمفاوضات مع الحكومة الأثيوبية لتوريد مدافع إليها من ذات النوع ولعدم وجود مانع لدى السلطات الفرنسية من التصدير إلى أثيوبيا فإنه يرى أن الحل الوحيد لإمكان توريد المدافع المتعاقد عليها مع الوزارة أن يقوم بتصديرها إلى أثيوبيا وأن تستولي عليها الحكومة المصرية عند مرورها وذلك بعد الاتفاق مع حكومة أثيوبيا التي ستكون في هذه الحالة أمام السلطات الفرنسية هي المشترية, لكن الوزارة ردت عليه في 9 من مارس سنة 1952 بأن تدبير الإجراءات اللازمة لضمان تنفيذ العقد هو أمر من شأنه هو وأن الوزارة غير مستعدة للأخذ باقتراحه ثم حدث بعد ذلك أن تلقت الوزارة من وزارة الخارجية خطاباً مؤرخاً في 27 من مارس سنة 1952 جاء به أن الملحق العسكري بالسفارة المصرية بروما أرسل إليها برقية بأن شخصاً يدعى piretti تقدم إليه بطلب وساطته لدى وزارة الحربية الايطالية لتسهيل تصدير ذخيرة مدافع الهاون التي عهدت الحكومة المصرية إلى المدعي عليه بتوريدها فكتبت وزارة الحربية والبحرية إلى الملحق العسكري بأنها لا علم لها بالشخص المذكور إلا أنه يمكن تقديم أية مساعدة للمدعى عليه لدى السلطات الايطالية بدون أي التزام من جانب الحكومة المصرية, وفى 24 من إبريل سنة 1952 أرسل الملحق العسكري بروما الوزارة الكتاب رقم 15/ 16/ 1/ 194 جاء به أنه يبدو له أن المدعى عليه أبرم عقوداً ليس في استطاعته تنفيذها وأنه حضر لمقابلته يوم 21 من إبريل سنة 1952 وكان معه مدير الشركة ركسيم السويسرية واتضح أن هذه الشركة هي الممولة للمتعهد كما كان معه مدير شركة جرينار الايطالية وقال الملحق العسكري أنه اتضح له أن عقد ذخيرة الهاون 81 م خاص بدانات هاون فارغة ستبيعها الحكومة الايطالية في مزاد لشركات ايطالية وأن الشركة التي سيقع عليها المزاد ستقوم بتعبئتها وبيعها وأن المتعهد يريد من شركة جرينار أن تشترى هي هذه الدانات وتحل محله ولكن الشركة تخشى أن تكون مواصفاتها مخالفة لمواصفات الدانات المتعاقد عليها وفى هذه الحالة لا تجد الشركة مشترياً بعد أن يرسو المزاد عليها وذكر الملحق العسكري في ذات الكتاب أنه بالنسبة للهاون 120 م وذخيرته والمدافع الماكينة 42 فإن إجابات المتعهد بشأنها كانت غامضة هذا وكان المتعهد قد كتب إلى الوزارة في 29 من مارس سنة 1952 يذكر أنه بالنسبة للعقود الثلاثة فإن الخطوات التي كان عليه أن يتخذها مع الوزارات والمصانع المختلفة أوشكت أن تتحقق وأنه يعتذر عن التأخير في دعوة خبراء الوزارة نظراً لأنه لم يكن قد حصل بعد على جميع تراخيص التصدير أو على الأقل لم يحصل على تأكيد بإعطائه هذه التراخيص كما تبين أنه أرسل خطاباً إلى الملحق العسكري المصري يبشره فيه بأن الأمور قد تتحسن في شهر يونيه سنة 1952 على الأقل بالنسبة لجزء من البضائع ويبلغه أمله في أن يتمكن في وقت قريب من إعطاء تأييد قاطع بخصوص التوريد, وفى 12 من يونيه سنة 1952 كتب المدعى عليه إلى الوزارة بأنه بخصوص العقدين الأول والثاني فإنه أبرمهما مع الوزارة على أساس تفاهم سابق بينه وبين السلطات الايطالية إلا أنه اعترضته بعد ذلك صعوبات منها (أولاً) أن الحكومة الايطالية رأت الاحتفاظ بهذه المهمات لاستعمالها الخاص - (ثانياً) أن مصلحة النقد الايطالية تعترض على الدفع بالعملة المصرية (ثالثاً) أن جنسيته السويسرية ضايقت الشركات الايطالية المنافسة التي تتجر في نفس الأصناف مع جهات متعددة وأضاف أنه اتفق مع شركة معينة على صنع هذه الأسلحة والذخيرة لكنها تشترط إطالة مدة العقود وتعديل بعض أحكامها إلى غير ذلك من الطلبات, ثم عاد المتعهد فكتب إلى الوزارة في 2 من أغسطس سنة 1952 بأنه فيما يتعلق بالمدافع الماكينة 42 فإنه ما زال في انتظار رخصة التصدير الفرنسية وأنه سبق أن طلب من الوزارة إعطاءه خطاباً برغبتها في تجديد الاعتماد وقال أنه عندما يحصل على هذا الخطاب سوف يشرع في التوريد بعد ثلاثة شهور وأنه فيما يتعلق بالقنابل 81 م والمدافع 120 م فإنه سبق أن شرح في كتابه المؤرخ 12 من يونيه سنة 1952 الصعوبات التي تعترضه وأنه لا زال يأمل في تنفيذ العقود كما أبدى استعداده لأن يقدم ضماناً مالياً وقد طالت بعد ذلك المكاتبات بين الوزارة والمدعى عليه ثم مع الملحق العسكري في شأن تنفيذ هذه العقود وكانت النتيجة أنه لم يورد شيئاً من الأسلحة أو الذخيرة المتعاقد عليها وإزاء ذلك فقد أرسلت الوزارة إلى المتعهد تخطره فيه بأنها بما لها من حقوق قد قررت إلغاء هذه العقود وتكتفي مؤقتاً بالمطالبة بمبلغ 205 مليم و281220 جنيه كتعويض مؤقت وذلك حسب البيان الآتي:
255 جنيه و158 مليم قيمة المصاريف التي تكبدتها الوزارة بشأن فتح الاعتماد،844 جنيه و180 مليم قيمة الخسارة الناتجة عن إلغاء الاعتماد، 75 جنيه و567 مليم ثمن تذكرة سفر بالطائرة إلى روما،2420 جنيه قيمة غرامة التأخير بواقع 1% عن كل أسبوعين لمدة شهر وفقاً لنص البند الثامن،1210 جنيه قيمة التأمين النهائي بواقع 1% من قيمة العقد وفقاً لنص البند السادس الذي يقتضي بمصادرة التأمين والجملة 4805 جنيه و705 مليم.
العقد الثاني "190"
56355 جنيه و200 مليم قيمة غرامة التأخير بواقع 1% على كل أسبوع لمدة شهر وفقاً للبند التاسع، 14088 جنيه و800 مليم قيمة التأمين النهائي بواقع 1% من قيمة العقد طبقاً للبند السادس من العقد الذي يقضي بمصادرة التأمين عن عدم التنفيذ والجملة 70444 جنيه.
العقد الثالث "203"
14322 جنيه قيمة غرامة التأخير بواقع 1% عن كل أسبوع لمدة شهر وفقاً للبند التاسع، 3480 جنيه و500 مليم قيمة التأمين النهائي بواقع 1 في % من قيمة العقد طبقاً للبند السادس الذي يقضى بمصادرة التأمين عن عدم التنفيذ والجملة 17902 جنيه و500 مليم.
وأما المصاريف الإدارية فتقدرها الوزارة بمبلغ 188068 ج للعقود الثلاثة بنسبة 10% من قيمة كل منها وبذلك يكون جملة المبالغ 205 مليم و281220 تطلب بها تعويضاً مؤقتاً عماً لحقها من أضرار من جراء عدم تنفيذ تلك العقود. وأضافت الوزارة أن المتعهد قد أحضر معه إلى مصر بعض الأسلحة والذخيرة داخل 388 صندوقاً أودعها الوزارة وما زالت لديها حتى الآن وإن كانت ليست في حاجة إليها إلا أنه يحق لها ضماناً لحقوقها قبل المتعهد أن تستصدر أمراً بالإذن لها بتوقيع الحجز على هذه الصناديق عملاً بنص المادة 545 مرافعات, وانتهت الوزارة إلى طلب توقيع الحجز التحفظي حجز ما للمدين لدى الغير على الـ 388 صندوقاً من الذخيرة المودعة تحت يد الوزارة من مدينها وذلك وفاء لمطلوب الوزارة قبله وقدره 205 مليم و281220 جنيه وفائدته القانونية بواقع 5% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام السداد وعشر هذا المبلغ نظير المصاريف الاحتمالية مع تحديد أقرب جلسة ليسمع المدعي عليه الحكم بإلزامه بأن يدفع بصفته مبلغ 205 مليم 281220 جنيه وفائدته القانونية بواقع 5% من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام الوفاء وصحة إجراءات الحجز التحفظي الموقع تحت يده على الـ 388 صندوقاً من الأسلحة والذخيرة المودعة من المدين وتثبيته وجعله نافذاً مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقد أصدر السيد رئيس محكمة القضاء الإداري أمراً في 28 من سبتمبر سنة 1955 بتقدير دين الوزارة مؤقتاً بمبلغ 205 مليم و281220 جنيه وبتوقيع الحجز التحفظي فوراً وتحت مسئولية الوزارة وتحت يدها على 388 صندوقاً المودعة تحت يدها من المدعى عليه وفاء للمبلغ سالف الذكر وعشره نظير المصاريف الاحتمالية وحدد لنظر الموضوع جلسة 18 من ديسمبر سنة 1955 وكلفت الوزارة استيفاء الإجراءات القانونية ولم تقيد الدعوى بجلسة 18 من ديسمبر سنة 1955 وطلبت الوزارة المدعية تحديد جلسة أخرى يعلن به المدعى عليه فحدد السيد رئيس محكمة القضاء الإداري جلسة 6 من مايو سنة 1956 لنظر الدعوى ثم أجلت القضية لإعلان المدعى عليه وقد أعلن بتاريخ 28 من فبراير سنة 1957 بجلسة 26 من مايو سنة 1957 وقدم المفوض مذكرة ارتأى فيها الحكم بما يأتي: (أولاً) إلزام المدعى عليه بأن يدفع للوزارة غرامات التأخير ومقدارها 200 مليم و73097 جنيه. (ثانياً) إلزام المدعى عليه بأن يدفع للوزارة المصروفات التي تكبدتها في فتح الاعتماد وإلغائه وثمن تذكرة السفر إلى روما وجملتها 705 مليماً و1175 جنيه. (ثالثاً) إلزام المدعى عليه بأن يدفع للوزارة مبلغ 300 مليم و18879 جنيه قيمة مبالغ التأمين (رابعاً) بالنسبة للمصروفات الإدارية التي تطالب بها الوزارة فتترك تقدير مبلغ التعويض الواجب الأداء للمحكمة. (خامساً) إلزام المدعي بأن يدفع للوزارة فوائد المبالغ سالفة الذكر بواقع 5% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام السداد (سادساً) تثبيت الحجز التحفظي الموقع على 388 صندوقاً من الذخيرة وفى 27 من إبريل سنة 1958 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها "برفض الدعوى وبإلغاء الأمر الصادر بتاريخ 28 من سبتمبر سنة 1955 من رئيس محكمة القضاء الإداري بتوقيع الحجز تحت يد الوزارة المدعية على صناديق الذخيرة المبينة بالأمر المذكور وألزمت الحكومة بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أنه "لا نزاع في أن امتناع الحكومتين الفرنسية والايطالية عن تسليم المدعى عليه الرخص اللازمة لتصدير المهمات التي تعهد بتوريدها للوزارة المدعية بموجب العقود الثلاثة المشار إليها, يعتبر قوة قاهرة لا دخل لإرادة المدعى عليه فيها تعفى المتعهد (المدعى عليه) من تنفيذ التزامه طبقاً للقانون فضلاً عما نص عليه في العقود الثلاثة من أن المتعهد لا يكون مسئولاً عن عدم تنفيذ العقد إذا كان ذلك راجعاً إلى القوة القاهرة ومن ثم فيكون المدعى عليه غير ملزم بدفع أي تعويض للوزارة عن أي ضرر يكون قد لحقها جراء عدم قيامه بتنفيذ التزاماته في هذه العقود".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن ما أثاره المدعى عليه من عدم موافقة السلطات الأجنبية على استخراج تراخيص التصدير هو من الأمور التي يمكن لأي شخص عادى أن يتوقعها باعتبار أن هذه من المسائل التي تترخص السلطات في منحها أو رفضها فكان لزاماً على المدعى عليه أن يحصل أولاً على تراخيص التصدير أو على الأقل أن يتحرى إمكان الحصول عليها قبل أن يتورط في الارتباط مع الحكومة وهذا في ذاته يعد خطأ من جانب المدعى عليه يستوجب مساءلته مما كان يتعين معه إجابة الحكومة إلى طلباتها.
ومن حيث إن أحكام المسئولية العقدية تقتضى أن يكون هناك خطأ وضرر وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ الضرر وأنه إذا استحال على المدين أن ينفذ التزامه عيناً كان مسئولاً عن التعويض لعدم الوفاء ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب أجنبي لا يد له فيه واستحالة التنفيذ إما أن تكون استحالة فعلية أو استحالة قانونية وذلك في الوقت الذي يجب فيه التنفيذ، وغنى عن القول أن الاستحالة الفعلية هي من مسائل الواقع الذي يقدره القاضي، ويختلف هذا التقدير بحسب ظروف الأحوال وملابساته, وإذا كانت الاستحالة راجعة إلى خطأ المدين لا ينقضي الالتزام وإن كان أصبح تنفيذه العيني مستحيلاً ووجب التنفيذ عن طريق التعويض, وبذا يتحول محل الالتزام من التنفيذ العيني إلى التعويض, فتبقى التأمينات التي كانت تكفل التنفيذ العيني وتتحول إلى كفالة التعويض, وتبقى مدة التقادم سارية, أما إذا كانت الاستحالة راجعة إلى سبب أجنبي فإن الالتزام ينقضي أصلاً سواء من حيث التنفيذ العيني أو التنفيذ بالتعويض, والسبب الأجنبي هو الحادث الفجائي أو القوة القاهرة أو خطأ الدائن أو فعل الغير ويجب أن تكون القوة القاهرة أو الحادث الفجائي أمراً غير ممكن التوقع ومستحيل الدفع, فإن توافر هذان الشرطان كان الحادث أجنبياً عن الشخص لا يد فيه ويجب أن يكون عدم استطاعة التوقع لا من جانب المدين بل من جانب أشد الناس يقظة وبصراً بالأمور, فالمعيار موضوعي لا ذاتي فلا يكتفي فيه بالشخص العادي ولكن يتطلب أن يكون عدم الإمكان مطلقاً كما يجب أن تكون القوة القاهرة أو الحادث الفجائي مستحيل الدفع فإن أمكن دفع الحادث حتى ولو استحال توقعه لم يكن ثمة قوة قاهرة أو حادث فجائي كما يجب أن يكون من شأنه جعل التنفيذ مستحيلاً استحالة مطلقة لا بالنسبة للمدين وحده بل بالنسبة إلى أي شخص يكون في موقف المدين وهذا هو ما يميز القوة القاهرة والحادث الفجائي عن الحوادث الطارئة التي تجعل تنفيذ الالتزام مرهقاً لا مستحيلاً, ويختلف أثر القوة القاهرة أو الحادث الفجائي بحسب الأحوال فإذا كان هو السبب الوحيد في وقوع الضرر انعدمت علاقة السببية فلا تتحقق المسئولية, وقد يكون من أثره لا الإعفاء من تنفيذ الالتزام بل وقف تنفيذه حتى يزول الحادث فيبقى الالتزام موقوفاً على أن يعود واجب التنفيذ بعد زوال الحادث, وغنى عن القول أنه يجوز للطرفين أن يعدلا باتفاقهما من أثر القوة القاهرة أو الحادث الفجائي فيتفقان مثلاً على أن المدين لا يخلى من التزامه ويتحمل لذلك تبعة السبب الأجنبي. فلا ينقضي الالتزام حتى ولو استحال تنفيذه بسبب أجنبي ويتحول محله إلى تعويض ويكون المدين في هذه الحالة إزاء الدائن بمثابة المؤمن يؤمنه من الحوادث التي ترجع إلى القوة القاهرة, كل ما تقدم من قواعد قد قننها المشرع المصري في القانون المدني. ولئن كان مجال تطبيق هذه القواعد في مجال روابط القانون الخاص إلا أن القضاء الإداري قد اضطرد على الأخذ بها باعتبارها من الأصول العامة التي يجب النزول عليها في تحديد الروابط الإدارية في مجال القانون العام ما دامت تتسق مع تسيير المرافق العامة وتكفل التوفيق بين ذلك وبين المصالح الفردية الخاصة, وقد ردد البند الخامس من العقود الثلاثة المبرمة مع المطعون عليه النص على إعفائه من المسئولية عند وقوع القوة القاهرة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق قضائه فيما انتهى إليه بعد استظهار لظروف الحال وملابساته من أن عدم وفاء المدين بالتزامه يرجع إلى سبب أجنبي لا يد له فيه, فتحققت القوة القاهرة التي جعلت التنفيذ مستحيلاً وذلك بسبب إصرار الحكومتين الفرنسية والايطالية على منع تصدير الأسلحة المتفق عليها إلى الحكومة المصرية وهذا السبب الأجنبي ليس في مكان أي شخص في مثل مركز المدين أن يتوقعه أو يدفعه بل أن المطعون عليه بعد إذ عجز عن الحصول على ترخيص الحكومتين حاول تنفيذ التزامه بوسائل أخرى عرضها على الملحقين العسكريين في روما وباريس وذلك بإرسال الأسلحة برسم أثيوبيا على أن تستولي عليها الحكومة في أثناء مرورها عابرة بمصر بعد الاتفاق مع الحكومة الأثيوبية وغير ذلك من الوسائل الأخرى التي اقترحها ولكن الحكومة المصرية لم تقبلها وكل ذلك يدل على أنه لم يترك وسيلة ممكنة لتنفيذ التزامه إلا لجأ إليها ولكن حال دون التنفيذ السبب الأجنبي الذي لا يد له فيه أي القوة القاهرة التي تعفيه من المسئولية.
ومن ثم يكون الطعن غير قائم على أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.