مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1959 إلى آخر يناير سنة 1960) - صـ 118

(16)
جلسة 19 من ديسمبر سنة 1959

برياسة السيد/ السيد علي السيد - رئيس المجلس، وعضوية السادة: الإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي وعادل شعبان ونبيه الفزي -المستشارين.

القضية رقم 465 لسنة 5 القضائية

موظف - تعريفه - مجند - لا يعتبر موظفاً عاماً - أساس ذلك - ليس حتماً أن يعتبر موظفاً عاماً كل من يؤدى خدمه.
سبق لهذه المحكمة أن قررت أنه لكي يعتبر الشخص موظفاً عاماً خاضعاً لأحكام الوظيفة العامة التي مردها إلى القوانين واللوائح, يجب أن تكون علاقته بالحكومة لها صفة الاستقرار والدوام في خدمة مرفق عام تديره الدولة بالطريق المباشر أو بالخضوع لإشرافها. فالموظف العام هو التي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الأخرى عن طريق شغله منصباً يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق, ومن ثم يشترط لاعتبار الشخص موظفاً عاماً توافر شرطين: أن يكون قائماً بعمل دائم, وأن يكون هذا العمل في خدمة مرفق عام أو مصلحة عامة.
ويبين من استقراء الأحكام الواردة سواء في الدستور المؤقت أو في قانون التجنيد العام أن الخدمة الإلزامية في الجيش لا تعدو أن تكون عملاً موقوتاً لا دائما, وإنها تكليف عام واجب على كل مواطن بخلاف الوظيفة التي لا تتسم بهذا الوصف, ولئن كان بدهياً أن كل موظف يقوم بخدمة عامة, وأن المجند يقوم هو الآخر بخدمة من هذا النوع, إلا أن كل من يؤدى خدمة عامة لا يدخل دواماً في عداد الموظفين الخاضعين لأحكام الوظيفة العامة حسبماً تنظمه القوانين واللوائح, ومتى كان الأمر كذلك, فإن المطعون لصالحه لا يصح وصفه بالموظف العام أثناء أدائه خدمة العلم الإلزامية, وبالتالي فإن النزاع القائم بينه وبين الحكومة بصدد المكافآت عن تلك الخدمة يخرج عن اختصاص قضاء مجلس الدولة بمقتضى أحكام المادة 8 من قانون هذا المجلس.


إجراءات الطعن

في 7 من مارس سنة 1959 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتارية المحكمة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة الحربية بجلسة 5 من يناير 1959 في الدعوى رقم 170 لسنة 4 القضائية المرفوعة من السيد/ ميخائيل عوض ميخائيل ضد وزارة الحربية, القاضي "بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى, مع إلزام المدعي بالمصروفات". وطلب الطاعن الأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء باختصاص المحكمة الإدارية وإحالة القضية إليها بحالتها للفصل فيها". وقد أعلن هذا الطعن للحكومة في 3 من يونيه سنة 1959 وللمطعون لصالحه في 14 من يونيو سنة 1959 وعين لنظره جلسة 5/ 12/ 1959 ثم أرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع هذه المنازعة, حسبما يبين من الأوراق, تتحصل في أن المطعون لصالحه أقام الدعوى بصحيفة أودعها سكرتارية المحكمة الإدارية لوزارة الحربية في 20 من مايو سنة 1957 طالباً "الحكم بأحقيته في صرف مكافأته عن مدة الخدمة الإلزامية مع إلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقال شرحاً لدعواه أنه جند في الخدمة العسكرية بالجيش المصري في 2 من يناير سنة 1939 مدة خمس سنوات تحت رقم 261355 حتى تم تسريحه منه إلى كتيبة الاحتياط الثانية المشاة بمنقباد وقتئذ في أول يوليه سنة 1944 ثم ألحق بخدمة البوليس في 6 من يوليه سنة 1944 وللآن لم تصرف له المكافأة عن مدة خدمته الإلزامية بالجيش ومقدارها خمس عشر جنيها بالرغم من تقديمه طلبات عدة لصرفها وبالرغم من المستندات التي قدمها. ولم ترد الجهة الإدارية على الدعوى ولم يحضر مندوب عنها بالجلسات. وقد قدم مفوض الدولة تقريراً برأيه انتهى فيه إلى طلب الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى تأسيساً على أن المدعي ليس من الموظفين العموميين وأن اختصاص مجلس الدولة في المنازعات المتعلقة بالمكافآت مقصور على الموظفين العموميين. وعقب المدعي على ذلك بمذكرة طلب بها في حالة الحكم بعدم اختصاص المحكمة أن تحيل القضية إلى دائرة القضاء الإداري المختصة بمنازعات الأفراد على أساس أنها مطالبة بإلغاء قرار إداري هو الامتناع عن صرف مكافأته, ومن باب الاحتياط أن تحل الدعوى إلى المحكمة المدنية المختصة. وفى جلسة 5 من يناير سنة 1959 قضت المحكمة الإدارية بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.
وأسست قضاءها على أن المجندين بالقوات المسلحة لا تربطهم بالحكومة رابطة توظف عامة ولا تنتظمهم قواعد وظائفية وبذلك لا يلحقهم وصف الموظفين العموميين, وأن المادة 8 من القانون رقم 165 لسنة 1955 نصت في فقرتها الثانية على أن المجلس بهيئة قضاء إداري يختص بالفصل في المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة للموظفين العموميين أو لورثتهم, ومقتضى ذلك أن مجلس الدولة لا يختص بالنسبة للمنازعات في المكافآت إلا بما كان منها خاصاً بالموظفين العموميين دون غيرهم, فإذا كان طالب المكافأة فرداً من الأفراد فلا يختص القضاء الإداري بنظر دعواه. ولما كان المدعي ليس من الموظفين العموميين كما تقدم فإن دعواه بالمطالبة بمكافأته تخرج عن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري, ويتعين الحكم بذلك.
ومن حيث إن حاصل ما بني عليه الطعن أن المجند يساهم في خدمة عامة وهى الدفاع عن الوطن وتحكم علاقته قواعد تنظيمية بعيدة كل البعد عن علاقة الأجير برب العمل, ومن ثم يصدق عليه وصف الموظف العام ويكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون.
ومن حيث إن هذه المنازعة تستلزم أول الأمر معرفة ما إذا كانت العلاقة بين الحكومة والقائم بالخدمة العسكرية الإلزامية هي علاقة الموظف العام فيستقيم آنئذ اختصاص مجلس الدولة بنظر الدعوى الهادفة إلى صرف مكافأته عن تلك الخدمة. أم أن المجند على هذا النحو ليست له صفة الموظف العام مما يخرج الدعوى عن اختصاص القضاء الإداري.
ومن حيث إنه سبق لهذه المحكمة أن قررت أنه لكي يعتبر الشخص موظفاً عاماً خاضعاً لأحكام الوظيفة العامة التي مردها إلى القوانين واللوائح, ويجب أن تكون علاقته بالحكومة لها صفة الاستقرار والدوام في خدمة مرفق عام تديره الدولة بالطريق المباشر أو بالخضوع لإشرافها، فالموظف العام هو الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الأخرى عن طريق شغله منصباً يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق, ومن ثم يشترط لاعتبار الشخص موظفاً عاماً توافر شرطين: أن يكون قائماً بعمل دائم, وأن يكون هذا العمل في خدمة مرفق عام أو مصلحة عامة.
ومن حيث إنه يبين من استقراء الأحكام الواردة سواء في الدستور المؤقت أو في قانون التجنيد العام أن الخدمة الإلزامية في الجيش لا تعدو أن تكون عملاً موقوتاً لا دائما, وإنها تكليف عام واجب على كل مواطن بخلاف الوظيفة التي لا تتسم بهذا الوصف, ولئن كان بدهيا أن كل موظف يقوم بخدمة عامة وأن المجند يقوم هو الآخر بخدمة من هذا النوع, إلا أن كل من يؤدى خدمة عامة لا يدخل دواماً في عداد الموظفين الخاضعين لأحكام الوظيفة العامة حسبما تنظمه القوانين واللوائح.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك, فإن المطعون لصالحه لا يصح وصفه بالموظف العام أثناء أدائه خدمة الإلزامية, وبالتالي فإن النزاع القائم بينه وبين الحكومة بصدد المكافآت عن تلك الخدمة يخرج عن اختصاص قضاء مجلس الدولة بمقتضى أحكام المادة 8 من قانون هذا المجلس.
وعلى ذلك يكون الحكم المطعون فيه القاضي بعدم الاختصاص قد صادف الصواب, ويكون الطعن والحالة هذه على غير أساس متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.