مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1959 إلى آخر يناير سنة 1960) - صـ 142

(20)
جلسة 2 من يناير سنة 1960

برياسة السيد/ السيد علي السيد - رئيس المجلس، وعضوية السادة: السيد إبراهيم الديواني وعلي إبراهيم بغدادي والدكتور محمود  سعد الدين الشريف والدكتور ضياء الدين صالح - المستشارين.

القضية رقم 356 لسنة 4 القضائية

ديوان المحاسبة - اصطباغ وظائفه الإدارية بطبيعة متميزة - توصية ديوان الموظفين بعدم شغل ما يخلو منها إلا بمن يحمل بكالوريوس التجارة أو ليسانس الحقوق - قاصرة على شغل الوظائف من الخارج سواء بالتعيين أو بالنقل ولا تمس ترقيات الموجودين من غير الحاصلين على التأهيل المذكور.
لئن كانت اللجنة المالية قد اقترحت بناء على توصية ديوان الموظفين في مذكرتها لمجلس الوزراء عند إعداد مشروع ميزانية الدولة لسنة 953/ 1954 بألا تشغل درجات الكادر الإداري بديوان المحاسبة سواء بالنقل أو بالتعيين إلا بالحاصلين على المؤهلات المتفقة وطبيعة عمل الديوان, وهي بكالوريوس التجارة, وليسانس الحقوق, العمل على إحلال حملة هذين المؤهلين محل الموجودين بالفعل من ذوى المؤهلات الأخرى التي لا تتفق مع أعمال الديوان ومن غير ذوى المؤهلات, إلا أنه لا يقصد من هذا وقف ترقيات من عينوا من قبل في ديوان وكانوا غير حاصلين على التأهيل الخاص بل هؤلاء يأخذون حظهم في الترقية طبقاً للقانون, وإنما المنحى الذي اتجهت إليه تلك التوصية هو العمل على شغل الوظائف من الخارج سواء بالتعيين أن بالنقل من حملة بكالوريوس التجارة وليسانس الحقوق لحلوا محل من خرجوا من الديوان أو انتهت خدمتهم فيه وكانوا لا يحملون هذين المؤهلين أو كانوا من غير حملة المؤهلات, وغنى عن القول أن سياسة الشغل بهاتين الأداتين وفقاًًً لهذا المنحى سيترتب عليهما في النهاية أن يكون تأهيل الموظفين بالديوان متفقاً مع طبيعة العمل فيه - أما بالنسبة لترقية من هم في الداخل فإن كانت الترقية بالأقدمية فليس من شك في أنهم يرقون في حدود النسبة المقررة لذلك قانوناً, طبقاًً للفقرة الأولى من المادة (38) إذ من البداهة أن تلك التوصية ولو أقرها مجلس الوزراء لا يمكن أن تغير حكم القانون طبقاًً للفقرة الأولى من تلك المادة, أما إن كانت الترقية بالاختيار فإن الأصل أن للإدارة سلطة الترخص في الترقية بحسب الأفضلية ولا تثريب عليها إن هي وضعت ضوابط ومعايير تجرى على سننها عند إعمال سلطتها في هذا الشأن, وعلى هذا الأساس يجوز لها أن تأخذ بتلك التوصية من حيث المبدأ ولو أنها خاصة بالذات بشغل الوظائف من الخارج سواء بالنقل أو بالتعيين حسبما سلف القول, أن تأخذ بها عند أعمال سلطتها في الترقية بالاختيار, وهذا هو ما اتجهت إليه المحكمة في الخصوصية التي صدر فيها الحكم الذي أشار إليه الطعن, إذ كانت الوظيفة المرقى إليها هي وظيفة وكيل الديوان المساعد وكان الطاعن مهندساًً, فاختارت الإدارة لشغل تلك الوظيفة الرئيسية الكبرى من قدرت أنه يحمل المؤهل الخاص الذي رأت في تقديرها أنه يتفق وطبيعة العمل في هذه الوظيفة الكبرى بالذات, أما الترقية موضوع المنازعة الحالية فكانت إلى وظائف أدنى (مراقب عام), وقد رشحت لجنة شئون الموظفين للترقية إلى الوظائف الثلاث الخالية أفضل الثلاثة في ترتيب الأقدمية, ولئن كان أحدهم يحمل دبلوم مدرسة المعلمين العليا فلا جناح عليها إن هي اختارته لشغل إحدى تلك الوظائف بحسب درجة كفايته مقدرة في الوقت ذاته أن تأهله بمثل هذا الدبلوم لا يتجافى وطبيعة العمل في تلك الوظيفة بعينها - هذا, ومما يجب مراعاته في خصوصية النزاع أن المجال هو مجال ترقية بالاختيار وليس مجال شغل والوظائف من الخارج نقلاً أو تعييناًً, وهو الأمر الذي انصبت عليه التوصية سالفة الذكر, التي وردت بمناسبة إعداد مشروع ميزانية الدولة لسنة 1953/ سنة 1954, هذا إلى أن الدرجات موضوع المنازعة الحالية قد خلت بعد ذلك. [(1)]


إجراءات الطعن

في 29 من مارس سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتارية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 356 لسنة 4 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - الهيئة الثالثة "أ"- بجلسة 30 من يناير سنة 1958 في الدعوى رقم 1830 لسنة 10 القضائية المقامة من فرج جبران ضد ديوان المحاسبة, والذي قضى: (برفض الدعوى وألزمت المحكمة المدعي بالمصروفات). وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة الطعن: (الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء القرار الصادر في 29 من فبراير سنة 1956 فيما تضمنه من ترقية محمد التهامي أحمد سالم، إلغاء مجرداً مع إلزام المدعي بالمصروفات.) وقد أعلن هذا الطعن إلى كل من ديوان المحاسبة والمطعون لصالحه في 23 من إبريل سنة 1958. وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 13 من يونيه سنة 1959 وفيها قررت الدائرة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا بجلسة 3 من أكتوبر سنة 1959 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوى الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت التأجيل لضم بعض الملفات والأوراق. وبجلسة 12 من ديسمبر سنة 1959 قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم. قد أودع المطعون لصالحه في 31 من أكتوبر سنة 1959 مذكرتين بملاحظاته على صحيفة الطعن وحافظة جديدة ببعض المستندات وانتهى إلى طلب قبول الطعن شكلاً وموضوعاً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون الصالحة أقام الدعوى رقم 1830 لسنة 10 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتارية تلك المحكمة في 31 من أغسطس سنة 1956 طلب فيها الحكم (بإلغاء القرار رقم 5 لسنة 1956 الصادر في 29 من فبراير سنة 1956 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الأولى بالاختيار، مع ما يترتب على ذلك من آثار مالية وغيرها مع إلزام السيد رئيس ديوان المحاسبة بالمصروفات ومقابل الأتعاب). وقال شرحاً لدعواه أنه تخرج من مدرسة المعلمين العليا في عام 1930 ثم عمل بعد تخرجه مدرساً بالمدارس الثانوية ووصل إلى مرتبة المدرس الأول ثم عين في عام 1942 بديوان المحاسبة في وظيفة من الدرجة الخامسة، والحق بالتفتيش الفني حتى عين مديراً للإدارة بمراقبة المخازن والأعمال الصناعية والمزارع الحكومية في 30 من يونيه سنة 1945 ثم صدر قرار بترقيته إلى الدرجة الرابعة في أول أكتوبر سنة 1946 وفى 23 من أغسطس سنة 1950 رقى بالاختيار إلى الدرجة الثالثة. وفى 29 من يوليه سنة 1952 عين في منصب وكيل مراقبة البحوث الفنية. ثم صدر قرار رئيس الديوان بترقيته إلى الدرجة الثانية في 30 من إبريل سنة 1954 - بعد ذلك أجريت حركتان للترقية، الأولى في 30 من أكتوبر سنة 1955 والثانية 29 من فبراير سنة 1956. وقد شملت حركة سنة 1955 ترقية جميع وكلاء المراقبات الذين كانوا في الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى بشرط أن يتوافر فيهم: (1) الحصول على شهادة عالية. (2) أن يكون قد مضى عام على الأقل على منحهم الدرجة الثانية، (3) أن تكون قد صدرت قرارات بتعيينهم في وظائف وكلاء المراقبات. فرقى هذا القرار السادة: أحمد محفوظ، وعبد الرحمن الباطش، وعبد العزيز بدوى. بل أن هذه الحركة قد شملت أيضاً وكيل مراقبة كان لا يزال في الدرجة الثالثة، فرقى إلى الدرجة الثانية ولما كان جميع الذين شملتهم الترقية إلى الدرجة الأولى هم أقدم من المدعي فقد كان مما آثار دهشته أن تنحصر الحركة فيمن ذكرهم مع وجود درجات خالية وقتذاك تسمح بترقيته مباشرة باعتباره أول مستحق تنطبق عليه الشروط المذكورة بعد الذين رقوا في القرار. وقد فهم المدعي من الدكتور رئيس الديوان أن الحركة القادمة سوف تشمله إذ لا مانع يحول دون ترقيته. ومن أجل هذا فإن المدعي لم يعترض على قرار سنة 1955 وظل يرتقب دوره في الترقية إلى الدرجة الأولى حتى فوجئ في 29 من فبراير سنة 1956 بصدور قرار السيد رئيس ديوان المحاسبة بترقية زملائه السادة: (1) السعيد علي إبراهيم كامل (2) محمد التهامي أحمد سالم (3) عبد الحي محمود الألفي - ويعلق المدعي على هذا القرار بقوله أنه ولئن كان الأول منهم أقدم منه في الدرجة الثانية إلا أن هذا الأول لم يسبق له أن تولى وظيفة وكيل المراقب العام، ولم يتعد عمله التفتيش كما أنه لا يمكن مقارنة عمله بعمل المدعي. فأما عن الثاني (سالم) فإن عمله لم يتعد التفتيش ولم يمنح الدرجة الثانية إلا في 31 من مارس سنة 1955 أي بعد المدعي الذي رقى إلى الثانية في 30 من إبريل سنة 1954 - وأما عن الثالث (الألفي) فإنه عين مع المدعي في ذات التاريخ وكيلاً لمراقبة أخرى من مراقبات الديوان. وكان المدعي سابقاً عليه في الترتيب كما سبقه كذلك في الترقية إلى الدرجة الثانية التي لم يرق إليها (الألفي) إلا في 31 من مارس سنة 1955 أي أن المدعي أسبق من الألفي في ترتيب الوظيفة وأقدم منه في الدرجة الثانية. واستطردت صحيفة الدعوى قائلة أن المدعي بادر إلى رفع تظلمه في 25 من إبريل سنة 1956 وتلقى رد الإدارة في 30 من يوليه سنة 1956 ينبئه بأن السيد مفوض الدولة أفاد بأن القرار المتظلم منه لم يخرج عن حدود القانون. وينعى المدعي على القرار المطعون فيه بالإلغاء الأوجه الآتية - أولاً - أن الترقية بالاختيار تجد حدها الطبيعي - إذ رئي ترقية الأحدث - في أن يكون أكفأ من الأقدم. أما عند التساوي في درجة الكفاية فتكون الترقية بمراعاة الأقدمية فيما بين المرشحين. وتأسيساً على ذلك لا يجوز ترقية الأحدث إلا إذا امتاز عن الأقدم، وأنه لا يجوز بحال من الأحوال تخطى الأقدم ما دام المدعي ممتازاً. ثانياً - أن أول المرقين في قرار فبراير سنة 1956 (كامل) وإن كان أقدم من المدعي في الدرجة الثانية إلا أنه لم يشغل أي وظيفة رئيسية فقد كان على الدوام يشغل وظيفة (مفتش). بينما عين المدعي بقرار سنة 1952 (وكيل مراقبة) وهو برأس الكثيرين من المفتشين. أما عن ثاني المرقين (سالم) فإن عمله لم يتعد التفتيش أيضاً، والمدعي أقدم منه في الدرجة الثانية بما يقرب من السنة. أما عن ثالث المرقين (الألفي) فإنه وإن كان قد عين مع المدعي في قرار واحد في وظيفة (وكيل مراقبة) إلا أن المدعي يمتاز عليه بكفايته التي لا يمكن أن يجحدها أحد. وكذلك أقديمته في الدرجة الثانية إذا أن المدعي أسبق من الألفي فيها بما يقرب من السنة. وعلاوة على ذلك فإن اسم المدعي ورد في قرار التعيين في وظيفة وكيل المراقبة، سابقاً على اسم الألفي. ويخلص المدعي من هذه المقارنة إلى أنه كان يتعين أن يرقى هو قبل السعيد علي إبراهيم كامل لأنه أكفأ منه. ومن باب أولى كان يجب أن يرقى قبل سالم والألفي لأنه أكفأ منهما وأقدم عليهما. ثالثاً - يقطع ملف خدمة المدعي والمستندات المقدمة منه على أنه موظف كفء وممتاز. آية ذلك أنه في سنة 1950 زار في رحلة خاصة مصلحة المحاسبة والمراجعة البريطانية وأطلع على أنظمتها بما يكفل أحكام الرقابة في ديوان المحاسبة. كما زار في نفس السنة محكمة المحاسبة البلجيكية في بروكسل وقدم تقريراً عن تلك الزيارة إلى السيد رئيس ديوان المحاسبة. وفى عام 1951 سافر إلى أمريكا حيث التحق بمكتب الميزانية الأمريكية وقال خلال ثلاثة شهور ببحوث مستفيضة في أنظمة مصلحة المحاسبة الأمريكية. وقد عنى المدعي أثر عودته بتقديم عدة تقارير ضمنها خلاصة خبرته ومقترحاته وقام بإلقاء عدة محاضرات فنية بين موظفي ديوان المحاسبة. وقدم المدعي التقريرين الآخرين عن عمله في وظيفته وهما بدرجة (جيد). وقد رفض ديوان المحاسبة الموافقة على ندبه لديوان الموظفين ومعنى هذا الرفض تمسك ديوان المحاسبة بكفايته وامتيازه. وقد اختاره السيد وكيل الديوان لتمثيله في اللجنة الخاصة ببحث موضوع الاستراحات الحكومية وجميع أعضاء هذه اللجنة بدرجة مدير عام من مختلف الوزارات والمصالح. وملف خدمة المدعي يؤكد وجهة نظره التي أفاضت صحيفة الدعوى ومذكراتها الشارحة في بيان أسبابها. رابعاًً - للمدعى مؤلفين علميين في مادته باللغة العربية أولهما كتاب الرقابة المالية في بريطانيا، وثانيهما كتاب محاكم ودواوين المحاسبة ورقابتها على الأموال العامة وهو بحث مقارن في نظم محاكم ومصالح المحاسبة في بريطانيا وأمريكا وفرنسا وبلجيكا. ويقع الكتاب الأول في تسعين صفحة والثاني في 35 صحفه من الحجم الصغير. وانتهى المدعي إلى طلب الحكم بإلغاء القرار رقم 5 لسنة 1956 الصادر من السيد رئيس ديوان المحاسبة في 29 من فبراير سنة 1956 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الأولى بالاختيار مع ما يترتب على ذلك من آثار مالية. ثم قدم المدعي في 13 من ديسمبر سنة 1956 مذكرة أولى شارحة لصحيفة دعواه، وفى 23 من مايو سنة 1957 قدم مذكرة ثانية وفى 26 منه قدم مذكرة ثالثة. وفي 2 من يوليو سنة 1957 قدم مذكرة رابعة وفى 30 من يوليو سنة 1957 قدم مذكرة خامسة. وفي 31 من أكتوبر سنة 1959 أمام هذه المحكمة قدم مذكرتين أخيرتين خلص فيهما إلى طلب القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، والصادر ضده لصالح ديوان المحاسبة وصمم على طلب إلغاء قرار ديوان المحاسبة رقم 5 لسنة 1956 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الأولى، مع ما يترتب على ذلك من آثار. مع إلزام ديوان المحاسبة بالمصروفات ومقابل الأتعاب.
وفي 30 من سبتمبر سنة 1956 قدم ديوان المحاسبة مذكرة بدفاعه جاء فيها أن الترقيات التي تمت بموجب القرار الذي يطعن عليه المدعي قد تمت وفقاً للأصول التي أرست قواعدها هذه المحكمة، وبالتطبيق لحكم الفقرة الأخيرة من المادة (38) من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 الذي ينص صراحة على أن (الترقيات من الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى، ومن الأولى إلى ما يعلوها من درجات فكلها الاختيار دون التقيد بالأقدمية) ومقتضى هذا النص أن الترقية إلى الدرجات الأولى أنما تتم بالاختيار دون مراعاة الأقدمية، وأن الجهة الإدارية تترخص في ذلك الاختيار بمراعاة الصالح العام، وبلا معقب عليها ما دام أن قرارها في هذا الشأن قد خلا من سوء استعمال السلطة. ولم يرسم القانون للاختيار ضوابط معينة تلتزمها الجهة الإدارية بل أطلق لها ذلك طبقاً لما تراه محققاً للمصلحة العامة، ومؤدياً إلى اختيار الأصلح والأجود للترقية من بين المرشحين بحسب ما يتجمع لديها من معلومات وتلمسه فيهم من كفاية واستعداد للوظائف المراد ترقيتهم إليها، حيث يستخلص هذا الاختيار من عناصر شتى منها ما يتصل بدرجة المعرفة من المعلومات، وبمبلغ المران والنضوج، ومقدار الذكاء الشخصي والنشاط، وبحسن الاستعداد للعمل والإقبال عليه، والإخلاص فيه............ إلى غير ذلك من العناصر الذاتية التي يجب عند المقارنة بين المرشحين للترقية النظر إلى كل شخص بذاته لمعرفة ما يتخلى به منها، وإجراء المفاضلة بينهم على هذا الأساس، وبالتالي فإن لتقدير الملاءمة في هذا الاختيار مدى واسع وحظ موفور. كل ذلك على هدى المصلحة العامة وابتغاء وجهها دون أن يشوب الاختيار باعث من بواعث الغرض أو نوازع الهوى. وقد راعى ديوان المحاسبة في الترقيات التي تمت بموجب القرار الصادر في 29 من فبراير سنة 1956 مصلحة العمل به إذ أن وظائف الدرجة الأولى بالديوان من الوظائف الرئيسية التي تستلزم توافر صفات معينة فيمن يشغلها. ولما كانت هذه الصفات قد توافرت في المرقين إلى تلك الوظائف، وكانوا جميعاً أصلح من المدعي، وأقدر منه على القيام بأعبائها، فقد تمت ترقيتهم إليها بالاختيار دون المدعي. ولا وجه للتحدث بالأقدمية في مجال هذا الترقية التي نص القانون على أن تكون كلها بالاختيار مراعاة للصالح العام، ولا وجه لذلك ما دام أن المطعون في ترقيتهم يمتازون عن المدعي وفقاً للمفاضلة التي أجراها ديوان المحاسبة بينهم. فأول المرقين (كامل)، فإنه فضلاً عن امتيازاه وكفاءته أسبق من المدعي بكثير في أقدمية الدرجة الثانية. إذ أن أقدميته فيها ترجع إلى 21 من نوفمبر سنة 1951 بينهما أقدميه المدعي فيها ترجع إلى 30 من إبريل سنة 1954. أما عن ثاني المرقين (سالم) فإنه يحمل نفس المؤهل الذي يحمله المدعي من مدرسة المعلمين العليا وكان حصوله عليه قبل المدعي بعام. هذا إلى أنه رقى بالديوان هو والمدعى إلى الدرجة الثالثة في تاريخ واحد (23 من أغسطس سنة 1950) ولم يسبقه المدعي في الترقية إلى الدرجة الثانية إلا لأن هذه الترقية قد تمت بالأقدمية. فقد رقى المدعي إلى الثانية في 30 من إبريل سنة 1954 بينما رقى إليها (سالم) في 31 من مارس سنة 1955. ويضاف إلى ذلك ما يمتاز به (سالم) عن المدعي من حيث الكفاءة والامتياز فضلاً عن طول مدة خدمته في الحكومة إذ أنها ترجع إلى 20 من يونيه سنة 1923 بضم نصف مدة خدمته في التعليم الحر، على حين أن مدة خدمة المدعي بالحكومة لا ترجع إلا إلى أول يوليه سنة 1937 وذلك أيضاً بضم نصف مدة خدمته في التعليم الحر والثابت من ملف خدمة المدعي أنه التحق بخدمة الحكومة لأول مرة في سنة 1942 بديوان المحاسبة ولم يعمل قبل ذلك من وظائف الدولة - أما عن ثالث المرقين (الألفي) فإنه يحمل بكالوريوس كلية التجارة ودبلوم معهد الدراسات الاقتصادية والمالية. وقد رقى أيضاً مع المدعي إلى الدرجة الثالثة في تاريخ واحد (23 من أغسطس سنة 1950)، ولم يسبقه المدعي في الترقية إلى الدرجة الثانية إلا لأن هذه الترقية تمت بالأقدمية. فرقى إليها الألفي في 21 مارس سنة 1955 بينما رقى إليها المدعي في 30 من إبريل سنة 1954. والألفي يشغل وظيفة مماثلة تماماًً لتلك التي يشغلها المدعي وهى وظيفة (وكيل مراقبة). وملف خدمة الألفي حافل بما يشهد بكفاءته وامتيازه، فقد انتدب مندوباً عن ديوان المحاسبة في اللجنة التي كانت قد شكلت لفحص حالة العمل بمصانع الطائرات، واقتراح السياسة الكفيلة بإصلاحها. وقد كان عمله ومجهوده بهذه اللجنة محل ثناء وتقدير عظيمين مما حدا برئيس اللجنة أن يطلب إلى ديوان المحاسبة توجيه الشكر إليه رسمياً. كما اشترك عضواً بهيئة التحكيم في النزاع بين الحكومة وشركة السكر، وقد طلب رئيس تلك الهيئة في ذلك الحين ترقية (الألفي) ترقية استثنائية لجهوده الموفقة، وإذ كانت هذه الترقية غير جائزة بعد صدور قانون التوظف، فقد رئي منحه مكافأة تشجيعية بموجب قرار مجلس الوزراء الصادر في 21 من سبتمبر سنة 1955. ويقول ديوان المحاسبة أن المدعي لم يوجه إلى أي من زملائه المرقين الثلاثة مطعناً يستخلص منه أن الديوان قد أساء استعمال السلطة عندما أصدر القرار المطعون فيه بالإلغاء. وخلص الديوان إلى طلب الحكم برفض الدعوى معه إلزام رافعها المصروفات. كما أودع الديوان مع مذكرته حافظة بمستندات تشمل على (1) صورة من القرار رقم 5 الصادر في 29 من فبراير سنة 1956 وهو القرار المطعون فيه (2) صورة من القرار رقم 69 لسنة 1950 الصادر بترقية المدعي جبران وسالم والألفي إلى الدرجة الثالثة (3) كتاب الشكر الموجه من رئيس لجنة الفحص بمصانع الطائرات واقتراح السياسة الكفيلة بإصلاحها إلى السيد الألفي (4) كتاب رئيس قضايا الحكومة إلى الدكتور رئيس الديوان يطلب فيه ترقية الألفي ترقية استثنائية لجهوده الموفقة في هيئة التحكيم بين الحكومة وشركة السكر. (5) قرار مجلس الوزراء الصادر في 21 من سبتمبر سنة 1955 يمنح عبد الحي الألفي مكافأة تشجيعية تعادل ماهية شهرين لجهوده في التحكيم (6) صورة من التظلم المقدم من المدعي في 25 من إبريل سنة 1956 (7) كتاب الأستاذ مفوض الدولة المتضمن الرأي الذي انتهى إليه برفض التظلم لعدم قيامه على أساس سليم من القانون. وفي 3 من إبريل سنة 1957 قدم الديوان مذكرة ثانية بدفاعه ثم قدم مذكرة ثالثة في 20 من إبريل سنة 1957 ورابعة في 17 من يوليو سنة 1957 وأخيراً قدم حاصلاً لدفاعه في 25 من أغسطس سنة 1957 برفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصروفات.
وبجلسة 30 من يناير سنة 1958 أصدرت محكمة القضاء الإداري - الهيئة الثالثة "أ" - حكمها في الدعوى (برفضها وألزمت المدعي المصروفات) وأقامت قضاءها على ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة 38 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بنظام موظفي الدولة وجاء بها: (أما الترقيات من الدرجة الثانية إلى الأولى، ومن الأولى إلى ما يعلوها من درجات فكلها بالاختيار دون التقيد بالأقدمية) وجاء بالمذكرة الإيضاحية للقرار بقانون رقم 73 لسنة 1957 الذي عدل النص القديم للمادة 38 على أن يعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية في 4 من إبريل سنة 1957، "أنه لما كانت هذه الطائفة من الموظفين لا تخضع لنظام التقارير السرية، وإنما يتصل أفرادها بحكم مناصبهم في درجات الوظائف العليا أوثق صلات العمل برؤساء الجهات الإدارية التابعين لها، وبذلك يجتمع لهذا الجهات أقرب الحقائق والمعلومات عن كفايتهم وأهليتهم مما يجعل من الملائم أن يكون القول الفصل في ترقياتهم إلى جهات الإدارة المذكورة دون تعقيب عليها من سلطة القضاء). ولئن أحل القانون جهة الإدارة من التقيد بالأقدمية، إلا أنها تعتبر مع ذلك عنصراً من عناصر التقدير بحيث تكون أداة للترجيح إذا عز هذا الترجيح في مجال وزن العناصر الأخرى. على أنه ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أن القانون لم يرسم للإدارة ضوابط أو معايير معينة تلتزمها في تقدير الصلاحية عند الاختيار، وأن تلك الصلاحية وخاصة في المناصب الهامة كمناصب المراقبين العامين بديوان المحاسبة، تتسم بسمة النسبية فتختلف في وظيفة عنها في أخرى، هذا إلى أن عناصر هذه الصلاحية، تبعاً لما يتطلب في شاغلي المناصب المذكورة من مميزات ومؤهلات لا يمكن أن تتعدد وتتنوع بحيث تحيط بشتى الصفات ومختلف النواحي من خبرة بصنوفها المتنوعة، عملية أو عملية، فنية أو إدارية، ومن مواهب ذاتية واستعداد شخصي وخلق وأقدمية، إلى غير هذا وذاك، وهى في تعددها هنا، إلى جانب غلبة طابع التقدير عليها، لا تتمثل بالنسبة للكثير منها في الأوراق التي تضمها عادة ملفات الخدمة، لاسيما وأن موظفي الدرجة الثانية وما فوقها لا يخضعون لنظام التقارير السنوية. وعلى هدى كل هذا فإن تقرير رجحان الصلاحية، وخاصة بالنسبة للمناصب المتقدم ذكرها، أن هو إلا ملائمة تقديرية ترجع إلى مطلق اختصاص الإدارة بحسب ما تراه محققاً لصالح العمل، ولا يحدها إلا عيب إساءة استعمال السلطة إذا قام الدليل عليه، فإذا برئت من هذا العيب فلا سلطان للقضاء على تقديرها، وغنى عن البيان أصل الأصل في القرار الإداري هو سلامته في العيب وأنه صدر بباعث من المصلحة العامة، والإدعاء بأن الإدارة قد أساءت استعمال سلطتها عند إصداره منبعثة عن أهواء وأغراض لا صلة لها بالصالح العام، إنما يقع عبء إثباته على من يدعيه كما أن للمحكمة أن تستخلصه من أوراق الدعوى وملفات الخدمة. وجاء في أسباب الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تستبين من أوراق الدعوى وملفات الخدمة دليلاً كافياً على أن ديوان المحاسبة في إيثاره المطعون على ترقياتهم دون المدعي، في الترقية إلى الدرجة الأولى المخصصة لوظيفة (مراقب عام) قد أساء استعمال سلطته واستهدف غير وجه الصالح العام. يساند هذا القول (أولاً): أنه فيما يتعلق بالمطعون عليه الأول (كامل) فالثابت أنه يسبق المدعي في أقدميته في الدرجة الثانية بما يزيد على سنتين ونصف، وليس في ملف خدمته ما ينفى القول بصلاحيته للوظيفة التي رقى إليها. بل أن كفايته قد قدرت في النص الأخير من سنة 1949 بدرجة (جيد جداً)، وفي النصف الأول من سنة 1950 بدرجة (ممتاز)، وفي سنتي 1951 و1952 بدرجة (جيد) وقد انتهى قضاء المحكمة الإدارية العليا إلى أنه في الترقيات من الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى وما يعلوها قد جعل الشارع ولاية الترقية اختيارية للإدارة وأطلق سلطتها في تقدير ملاءمتها ووزن مناسباتها فيجوز لها أن تجريها على أساس الأقدمية إذا توافرت الصلاحية في صاحب الدور، ويجوز لها أن تجريها بالمفاضلة بين المرشحين، فترقى الأحدث إذا كان أكفأ من الأقدم ولا معقب عليها في هذا كله، ما دام خلا تصرفها من إساءة استعمال السلطة وبشرط أنه عند التساوي في درجة الكفاية بين المرشحين تكون الترقية بينهم بالأقدمية. (ثانياً): أن كفاية المطعون عليهما الثاني (سالم) والثالث (الألفي) قد قدرت في 24 من إبريل سنة 1954 في آخر تقرير وضع عنهما قبل إجراء حركة الترقيات المطعون فيه قرارها الصادر في 29 من فبراير سنة 1956، برقم 66 درجة للثاني (سالم) وبرقم 100 درجة للثالث (الألفي)، في حين أن كفاية المدعي (جبران) قدرت في نفس الوقت برقم 92 درجة فقط وهذا وحده كاف لأن يجعل درجة كفايته دون درجة كفاية سالم والألفي. وهذا المعيار بالطيع وفق الأساس المقرر للترقية بالاختيار حتى الدرجة الثانية. وتلاحظ المحكمة أن هذا التقدير لدرجة الكفاية في سنة 1954 والذي تقدم فيه سالم والألفي علي جبران كان لاحقاً لزيارة المدعي وبحوثه المعلقة بهيئات المحاسبة بإنجلترا وبلجيكا وأمريكا، وبعد أن أودعت بملف خدمته الكتب المتعلقة بتلك الزيارات الثقافية والخاصة برحلاته، وكذلك بعد أن رفض ديوان المحاسبة ندبه لديوان الموظفين أو نقله إليه مما يفيد أن تلك الزيارات والبحوث والمحاضرات وما حققته له من نتائج، وما استخلص منها في شأن كفايته لم يرتفع بهذه الكفاية إلى مستوى زميليه اللذين يطعن عليهما المدعي، ولم يحل كل ذلك دون تقدمهما عليه في مضمار العمل بالديوان. وتلاحظ المحكمة أيضاً أن تقدير كفايتهم، هم الثلاثة، بالدرجات المذكورة: (سالم 96)، (الألفي 100)، (جبران 93) كان يطوع لجهة الإدارة ترقية سالم والألفي قبل جبران بالاختيار إلى الدرجة الثانية، وليس من السائغ أن تكون ترقيتهما هذه قد طوعت لجهة الإدارة في حدود الدرجة الثانية على أساس أنهما أعلى كفاية من المدعي، وفى ذات الوقت يستغلق السبيل إليها بالنسبة للدرجة الأولى التي أطلقت فيها سلطة الاختيار لجهة الإدارة على مدى أوسع. وليس يفوت المحكمة أن القانون، لم يخضع الترقيات إلى الدرجة الأولى، وما يعلوها من الدرجات، للتقارير السنوية بحكم أنها لا توضع إلا عن موظفي الدرجة الثالثة وما دونها، إلا أن المحكمة تستخلص من تقدير كفاية المطعون عليهما (سالم والألفي) في آخر هذه التقارير الموضوع في 24 من إبريل سنة 1954 بما يعلو بها على كفاية المدعي جبران، ما ينفى عن جهة الإدارة عيب الانحراف باعتبارهما أكثر كفاية منه، وفى إيثارهما عليه تبعاً لذكره عند الترقية إلى الدرجة الأولى في 29 من فبراير سنة 1956، ولما كانت قد مضت قرابة سنتين بين وضع ذلك التقرير الأخير في إبريل سنة 1954 وبين إجراء الترقية المطعون فيها سنة 1956 إلا أنه ليس ثمة بالأوراق وما يدل على أن المطعون عليهما قد نزلا خلال تلك المدة إلى ما هو دون مستواهما في إبريل سنة 1954 أو أنه جد على المدعي ما يرتفع به عن درجته التي نالها سنة 1954 إلى ما فوق المطعون عليهما أو إلى ما يقرب من مستواهما. (ثالثاً) أن الثابت مما ورد صراحة في القرار الصادر في 30 من إبريل سنة 1954 أن ترقية المدعي إلى الدرجة الثانية كانت بالأقدمية المطلقة ولم تكن بالاختيار كما جاء ذكر ذلك من صحيفة الدعوى ومذكراتها الشارحة. (رابعاً) أنه لا حجة في قول المدعي بأفضليته على المطعون عليهما الأول والثاني (كامل وسالم) تبعاً لأنه يشغل وظيفة (وكيل مراقب) في حين أنهما كانا يشغلان وظيفة (مفتش) وذلك ما داموا جميعاً في الدرجة الثانية وما دام لم يصدر قرار جمهوري بالتطبيق لحكم الفقرة الثالثة من المادة 40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بحصر الترقية إلى وظيفة (مراقب عام) في شاغلي وظيفة (وكيل مراقب). وكون الميزانية قد أدرجت بعض الدرجات الثانية لوظائف المفتشين، يفيد الاتجاه إلى إفساح مجال الترقية أمامهم من وظائفهم إلى الدرجة الأولى رأساً دون أن يكون استمرارهم في وظائف مفتشين وتدرجهم في الترقية فيها حتى الدرجة الثانية عائقاً دون اختيارهم للترقية إلى الدرجة الأولى أو مبرراً لتفصيل وكلاء المراقبين عليهم في ذلك ما دامت قد توافرت فيهم الصلاحية للترقية. (خامساً) أن ما ذكره المدعي عن مجهوداته المثمرة في ميدان البحث والتأليف عن الرقابة المالية ودراسة أساليبها بمختلف الدول، لا يكفى في حد ذاته، مهما بلغت ذروته، للقول بتميزه على غيره من زملائه في الصلاحية لتولى وظيفة (مراقب عام) إذ أن تقدير الاصلحية لشغل هذه الوظيفة لا ينحصر في ذلك النطاق وحده بل تجاوزه إلى دائرة أوسع شاملة لعناصر أخرى متنوعة مما يستلزمه توافر الصلاحية بحيث إذا ما قدر ديوان المحاسبة، أن المدعي، رغم مجهوداته المشكورة التي بذلها، لم يكن وقت إجراء الترقية المطعون فيها قد بلغ نفس المستوى مع آخرين من موظفي الديوان، أو مستوى أعلى من مستواهم، في خصوص توافر الصلاحية، للاضطلاع بمنصب المراقب العام، فإن هذا لا يعنى في حد ذاته أن الديوان قد أساء استعمال سلطته في الاختيار، وانحرف عن أغراض الصالح العام. وقد سبق القول أنه في إبريل سنة 1954 بعد رحلات المدعي إلى هيئات المحاسبة بالدول الأجنبية ووضعه تقاريره عنها وتأليف كتابيه في مادة تخصصه، قد قدرت كفايته باثنين وتسعين درجة في المائة وجاءت هذه الدرجة دون كفاية المطعون في ترقيتهم وقد حصل الثالث منهم (الألفي) على درجة التقدير القصوى. وتأسيساً على كل ما تقدم تكون دعوى المدعي غير قائمة على أساس سليم من القانون متعيناً رفضها.
ومن حيث إن الطعن يقوم على ما سبق لهذه المحكمة إن قضت به في الطعن رقم 878 لسنة 3 القضائية من أن أعمال ديوان المحاسبة، بحسب قانون إنشائه، ولائحته الداخلية، يغلب عليها أما الطابع الحسابي، أو الطابع القانوني، وأن التأهيل الطبيعي لوظائفه هو الثقافة القانونية أو الحسابية فقط. وأن اللجنة المالية بناء على توصية ديوان الموظفين في مذكرتها لمجلس الوزراء عند إعداد مشروع ميزانية الدولة (لسنة 1953/ سنة 1954) قد اقترحت بألا تشغل درجات الكادر الإداري بديوان المحاسبة، سواء بالنقل أو بالتعيين إلا بالحاصلين على المؤهلات المتفقة وطبيعة عمل الديوان وهى بكالوريوس التجارة وليسانس الحقوق. والعمل على إحلال حملة هذين المؤهلين محل الموجودين بالفعل من ذوى المؤهلات الأخرى التي لا تنفق مع أعمال الديوان، ومن غير ذوى المؤهلات، وقد وافق مجلس الوزراء على ذلك - إذا كان الثابت هو ما تقدم - فإن هذا يشير إلى أن الوظائف الإدارية بالديوان قد اصطبغت بطبيعة متميزة منذئذ. بحيث أصبح لا يجوز شغل ما يخلو منها بعد ذلك إلا بمن كان حاملاً لبكالوريوس التجارة أو ليسانس الحقوق. وإذ كان القرار المطعون فيه قد اشتمل على تعيين محمد التهامي أحمد سالم، بطريق الترقية إلى الدرجة الأولى في 29 من فبراير سنة 1956 رغم أنه حاصل على دبلوم مدرسة المعلمين العليا، وهو ذات المؤهل الحاصل عليه المدعي، بحيث ما كان يجوز ترقية كليهما، فإنه يتعين القضاء بإلغاء ترقية الأول (سالم) إلغاء مجرداً، حيث إن المدعي ليس له حق هو الآخر في تلك الترقية. وانتهى تقرير الطعن إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء القرار الصادر في 29 من فبراير سنة 1956 فيما تضمنه من ترقية محمد التهامي أحمد سالم، إلغاء مجرداً، مع إلزام المدعي بالمصروفات.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه، قد أصاب الحق في قضائه للأسباب التي استند إليها وتأخذ بها هذه المحكمة، وتنوه بوجه خاص بأن الترقية محل المنازعة، وهى ترقية إلى الدرجة الأولى تكون بالاختيار دون التقيد بالأقدمية طبقاً للفقرة الأخيرة من المادة (38) من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بموظفي الدولة. وقد بان من الأوراق أن ترقية المطعون في ترقيتهم قد تمت بالاختيار بحسب الأفضلية، كما تدل على ذلك التقديرات التي وضعت لهم جميعاً، الطاعن والمطعون في ترقيتهم، في آخر سنة قدروا عنها وهى سنة 1953 إذ بينما نال الطاعن (92) درجة نال سالم (96) درجة ونال الألفي (100) درجة.
ومن حيث إنه لا وجه لما ذهب إليه الطعن من أنه ما كانت تجوز ترقية "سالم" بمقولة أنه غير حاصل على بكالوريوس التجارة أو ليسانس الحقوق، وإن هذا يخالف القاعدة التي كانت اقترحتها اللجنة المالية بناء على توصية ديوان الموظفين عند إعداد مشروع ميزانية الدولة (لسنة 1953/ سنة 1954) والتي أخذت بها المحكمة العليا في الدعوى سابقة - لا وجه لذلك - لأنه ولئن كانت اللجنة المالية قد اقترحت بناء على توصية ديوان الموظفين في مذكرتها لمجلس الوزراء عند إعداد مشروع ميزانية الدولة في السنة المذكورة 53/ 1954: "بألا تشغل درجات الكادر الإداري بديوان المحاسبة سواء بالنقل أو بالتعيين إلا بالحاصلين على المؤهلات المتفقة وطبيعة عمل الديوان, وهي بكالوريوس التجارة, وليسانس الحقوق, والعمل على إحلال حملة هذين المؤهلين محل الموجودين بالفعل من ذوى المؤهلات الأخرى التي لا تتفق مع أعمال الديوان ومن غير ذوى المؤهلات" - إلا أنه ليس المقصود من هذا أن يقف ترقيات من عينوا من قبل في الديوان وكانوا غير حاصلين على هذا التأهيل الخاص بل هؤلاء يأخذون حظهم في الترقية طبقاً للقانون, وإنما المنحى الذي اتجهت إليه تلك التوصية هو العمل على شغل الوظائف من الخارج سواء بالتعيين أن بالنقل من حملة بكالوريوس التجارة وليسانس الحقوق لحلوا محل من خرجوا من الديوان أو انتهت خدمتهم فيه وما كانوا يحملون هذين المؤهلين أو كانوا من غير حملة المؤهلات, وغنى عن القول أن سياسة الشغل بهاتين الأداتين وفقاً لهذا المنحنى سيترتب عليهما في النهاية أن يكون تأهيل الموظفين بالديوان متفقاً مع طبيعة العمل فيه - أما بالنسبة لترقية من هم في الداخل فإن كانت الترقية بالأقدمية فليس من شك في أنهم يرقون في حدود النسبة المقررة لذلك قانوناً, طبقاً للفقرة الأولى من المادة (38) إذ من البداهة أن تلك التوصية ولو أقرها مجلس الوزراء لا يمكن أن تغير حكم القانون طبقاً للفقرة الأولى من تلك المادة, أما إن كانت الترقية بالاختيار فإن الأصل أن للإدارة سلطة الترخص في الترقية بحسب الأفضلية ولا تثريب عليها إن هي وضعت ضوابط ومعايير تجرى على سننها عند إعمال سلطتها في هذا الشأن, وعلى هذا الأساس يجوز لها أن تأخذ بتلك التوصية من حيث المبدأ (ولو أنها خاصة بالذات بشغل الوظائف من الخارج سواء بالنقل أو بالتعيين حسبما سلف القول) - أن تأخذ بها عند أعمال سلطتها في الترقية بالاختيار, وهذا هو ما اتجهت إليه المحكمة في الخصوصية التي صدر فيها الحكم الذي أشار إليه الطعن إذ كانت الوظيفة المرقى إليها هي وظيفة وكيل الديوان المساعد وكان الطاعن مهندساًً, فاختارت الإدارة لشغل تلك الوظيفة الرئيسية الكبرى من قدرت أنه يحمل المؤهل الخاص الذي رأت في تقديرها أنه يتفق وطبيعة العمل في هذه الوظيفة الكبرى بالذات, أما الترقية موضوع المنازعة الحالية فكانت إلى وظائف أدنى (مراقب عام) , وقد رشحت لجنة شئون الموظفين للترقية إلى الوظائف الثلاث الخالية أفضل الثلاثة في ترتيب الأقدمية, ولئن كان أحدهم يحمل دبلوم مدرسة المعلمين العليا فلا جناح عليها إن هي اختارته لشغل إحدى تلك الوظائف بحسب درجة كفايته مقدرة في الوقت ذاته أن تأهله بمثل هذا الدبلوم لا يتجافى وطبيعة العمل في تلك الوظيفة بعينها - هذا, ومما يجب مراعاته في خصوصية النزاع أن المجال هو مجال ترقية بالاختيار وليس مجال شغل والوظائف من الخارج نقلاً أو تعييناً, وهو الأمر الذي انصبت عليه التوصية سالفة الذكر, التي وردت بمناسبة إعداد مشروع ميزانية الدولة لسنة 1953/ سنة 1954, هذا إلى أن الدرجات موضوع المنازعة الحالية قد خلت بعد ذلك - ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر مطابقاً للقانون، ويكون الطعن قد قام على غير أساس سليم متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.


[(1)] راجع حكم المحكمة الإدارية العليا في القضية رقم 878 لسنة 3 القضائية الصادر بجلسة 2 من نوفمبر سنة 1957 والمنشور بمجموعة السنة الثالثة ص 3 بند 1.