مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1959 إلى آخر يناير سنة 1960) - صـ 272

(33)
جلسة 30 من يناير سنة 1960

برياسة السيد/ السيد علي السيد - رئيس المجلس، وعضوية السادة: علي إبراهيم بغدادي وعادل شعبان والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور - المستشارين.

القضية رقم 94 لسنة 4 القضائية

براءة اختراع - لفظ الاختراع الوارد في نص المادة الأولى من القانون رقم 132 لسنة 1949 - لا يقتصر معناه على الابتكار الجديد للمنتجات فحسب بل يشمل كل تطبيق جديد لطرق أو وسائل صناعية مطروقة - الأمر في ذلك مرجعه إلى تقدير الجهات المختصة - مدى رقابة القضاء الإداري على هذا التقدير - مثال.
إن لفظ الاختراع الوارد في نص المادة الأولى من القانون رقم 132 لسنة 1949 لا يقتصر معناه على مجرد ابتكار منتجات صناعية قابلة للاستغلال بل كذلك إلى كل تطبيق جديد لطرق أو وسائل صناعية معروفة أي كل استعمال لطرق أو وسائل صناعية معروفة في غرض جديد لم يكن معروفاً من قبل فيضفي القانون حمايته على هذا الابتكار في الاستعمال أسوة بالابتكار الجديد في أصله والأمر في تقرير اعتبار ابتكار ما تطبيقاً جديداً لطرق أو وسائل معروفة أم لا إنما يرجع إلى تقدير الجهات الفنية المختصة، فإذا كانت وزارة التجارة والصناعة قد انتهى بها الأمر بعد الأبحاث الفنية التي قامت بها إداراتها المختلفة وبعد استئناس برأي مصلحة الصناعة وهي المصلحة الفنية التي لرأيها الفني في الموضوع قيمته ووزنه، إلى أنه ولئن كانت عملية جدل الخوص المصري المتبعة في صنع أكياس حب العزيز معروفة من قديم إلا أن ما اهتدى إليه المطعون لصالحه من استعمال الخوص المصري مجدولا على نفس النسق المتبع في جدول أكياس حب العزيز في صنع خوص الطرابيش بدلاً من الخوص الذي كان يستورد من الخارج وهو استعمال لم يسبقه إليه أحد، إن ما اهتدى إليه السيد المذكور يعتبر تطبيقاً جديداً للطريقة المستعملة في جدل أكياس حب العزيز تشمله الحماية التي يضفيها القانون رقم 132 لسنة 1949 على كل ابتكار جديد ويجوز منح براءة اختراع عنه وقد خلا تصرفها من إساءة استعمال السلطة الأمر الذي لم يدعيه المدعي ولم يقم عليه دليل من الأوراق فليس للقضاء الإداري أن يعقب عليها في هذا الأمر الفني الذي هو من صميم اختصاصها.


إجراءات الطعن

في 12 من يناير سنة 1958 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) بجلسة 19 من نوفمبر سنة 1957 في الدعوى رقم 7135 سنة 8 القضائية المرفوعة من السيد/ عباس عبد الله زيادة ضد وزارة التجارة والصناعة وحسن راشد البارودي الذي قضى "بإلغاء القرار الصادر من وزارة التجارة والصناعة في 27 من فبراير سنة 1954 بمنح حسن راشد البارودي براءة الاختراع الخاصة بتطبيق جديد لصناعة خوص الطرابيش واعتباره كأن لم يكن مع إلزام الحكومة بالمصروفات وبمبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة" وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن "بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون ورفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات" وقد أعلن الطعن للحكومة في 20 من يناير سنة 1958 وللخصم الثالث في أول فبراير سنة 1958 وللمدعي في 25 من فبراير سنة 1958 وعين لنظره جلسة 3 من يناير سنة 1959 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أنه بصحيفة أودعت سكرتارية محكمة القضاء الإداري في 3 من مايو سنة 1954 أقام المدعي الدعوى رقم 7135 سنة 8 القضائية ضد وزارة التجارة طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من وزارة التجارة والصناعة بمنح حسن رشاد البارودي براءة الاختراع الخاصة بتطبيق جديد لصناعة خوص الطرابيش المعروفة واعتبار هذا القرار كأن لم يكن مع إلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقال في بيان ذلك أن أهل رشيد اشتهروا بعمل المقاطف الصغيرة وساعد على ذلك كثرة النخيل في بلادهم فكانوا يستخرجون من فروعها بعد تجفيفها خوصاً يقسمونه إلى أفرع صغيرة رفيعة ومن هذه الفروع تصنع المقاطف بشكلها المعروف وكان المدعي على رأس الرجال الذين وجهوا جل اهتمامهم لتحسين هذه الصناعة فأدخل عليها تعديلاً في سمك النسائر مما يكسب المقاطف شكلاً جذاباً دقيقاً، ولما قامت الحرب العالمية الكبرى الثانية وامتنع استيراد كثير من المصنوعات ومنها خوصة الطربوش اتجهت الأفكار في رشيد إلى محاولة إدخال تعديلات على مقطف حب العزيز حتى يتلاءم بقدر ما مع خوصة الطربوش ونجحت الفكرة نجاحاً باهراً وساهم المدعي بنصيب كبير في تقدم هذه الصناعة دفع القائمين على أمر هذه الصناعات الريفية إلى التنويه بفضله، وقد دفع انقطاع ورود خوصة الطربوش تجار الطرابيش إلى تكليف أهل رشيد بصناعة هذه الخوصة وسارع البعض منهم إلى هناك باعتبارهم مستوردين وكان من بين من وفد إليها حسن رشاد البارودي التجار بالقاهرة. وفي 22 من ديسمبر سنة 1943 تقدم المذكور إلى محكمة الإسكندرية المختلطة وادعى أنه اخترع خوص الطرابيش المعمول بها في الصناعة المصرية وذلك بمقتضى محضر الإيداع رقم 31 وأجرى النشر بجريدة البصير في 29 من ديسمبر سنة 1943 وظن بذلك أن له حقاً في أن يطلب من المحاكم حماية هذا الاختراع المزعوم وأن تسجيل هذا الاختراع على هذه الصورة - ومع العلم بأن طريقة صنع خوص الطرابيش لا تختلف في شيء عن صناعة مقطف حب العزيز - لدليل على قيمة هذا التسجيل من الناحية القانونية والفنية، إذ أن نظام تسجيل المخترعات القديم ينحصر في عملية دفع رسوم التسجيل والاحتفاظ بمثال للشيء المخترع ويختم بخاتم إثبات تاريخ التسجيل، وقد فعل البارودي هذا ونشر اختراعه في جريدة غير متداولة دون بحث للطابع الفني الجديد الذي تتميز به المخترعات الحديثة حتى يمكن أن يقال أن هناك ابتكاراً. وفي عام 1944 علم حسن رشاد البارودي أن المدعي وآخرين أسسوا شركة غرضها الاتجار عموماً وخاصة تشغيل الخوص والاتجار فيه، فأقام ضدهم الدعوى رقم 86 لسنة 1944 اتهمهم فيها بالاعتداء على ملكيته الصناعة للخوص، وطلب مبلغ 500 جنيه بمثابة تعويض ومصادرة جميع الخوص المقلد والذي تم تقليده وكذلك مصادرة الخامات والخوص المغزول المعد للصنع، وفي 5 من فبراير سنة 1956 حكمت المحكمة برفض التعويض لأنه ليس هناك ضرر حتى يمكن أن يقضي بالتعويض من أجله وجاء بأسباب هذا الحكم "أنه يخلص من شهادة شهود الإثبات والنفي أنه كان في رشيد من قديم صناعة مقاطف حب العزيز وهي تصنع من الخوص وتبعاً للتطور في كل الصناعات تطورت هذه الصناعة واندفعت نحو التحسين وصار كل مشتغل بها يعمل على تحسينها وتهذيب ما يصنع من الخوص حتى استطاع المدعي أن يدخل ما يصنع من الخوص في صناعة الطرابيش إلا أنه ليس هو الذي ابتكر هذه الصناعة......"، وبعد أن صدر هذا الحكم تقدم المذكور إلى المدعي وطلب منه أن يتعاوناً سوياً على السير بالصناعة كما كانت من قبل في طريقها إلى التحسن، وقد لفت نظر إدارة الصناعات الصغرى بوزارة التجارة التقدم الذي طرأ على هذه الصناعة، فأرسل مدير عام المصلحة كتاباً إلى شريك المدعي - أحمد عرفة - في 9 من أكتوبر سنة 1945 خطاباً يطلب فيه بيانات بخصوص خوص الطرابيش وغيرها من منتجات النخيل، وأوفدت وزارة التجارة مندوبين من لدنها لكتابة تقارير عن هذه الصناعة ثم أرسلت بعد ذلك كتاباً إلى شريك المدعي جاء به أن المصلحة يسرها أن تهنئ مصنعكم على ما يبذله حضرة عباس أفندي عبد الله زيادة (المدعي) من جهود وعناية لرفع مستوى خوص الطرابيش وقد لمست الإدارة الجهود التي بذلتموها في إخراجها بوضعها الحالي ومدى الصعوبات التي لاقيتموها من العينات التي لديها الآن من إنتاج مصنعكم التي تبين المراحل الصناعية التي تمر بها خوصة الطرابيش..."، ثم طلبت مصلحة الصناعة من شريك المدعي في 24 من مايو سنة 1947 إرسال عينات من إنتاج المصنع لعرضها في المعرض المزمع إقامته بالخرطوم ولو كان حسن راشد البارودي صاحب امتياز أو احتكار لوجهت إليه إدارة الصناعات الصغرى هذه الطلبات، وقد لجأ البارودي إلى طريقة أخرى يضمن بها رزقه فأبرم مع المدعي وشركاه، كمجموعة من جهة باعتبارهم طرفاً ثانياً ومحمود حسن حسين وشركاه باعتبارهم طرفاً أول، عقداً في 22 من يناير سنة 1948 بمقتضاه يتعهد هو والمدعي وشركاؤهم بأن يوردوا جميع ما يلزم من خوص الطرابيش اللازم للمصالح والوزارات عن طريق الطرف الثاني محمود حسن حسين وشركائه في نظير ربح معين.... واستمرت المعاملات المالية بين المدعي وحسن رشاد البارودي وتوثقت عراها حتى انتهى الأمر إلى أن كلف المدعي وشركاؤه حسن رشاد البارودي بالتحدث باسمهم في جميع ما يطلب منهم. وعند إنشاء إدارة براءات الاختراع بوزارة التجارة والصناعة سنة 1950 تمكن البارودي من أن يقنع المسئولين بالإدارة أنه ابتكر شيئاً جديداً فصدرت لصالحه البراءة رقم 2247 وفي 22 من أكتوبر سنة 1952 أرسل البارودي إلى المدعي وشريكه أحمد عرفة كتاباً أشار فيه أولاً إلى الدعوى التي رفعها ضد المدعي وشريكه وحكم فيها بالرفض وإلى اعتزامه استئناف هذا الحكم ثم ذكر أنه صدر أخيراً القانون الخاص ببراءات الاختراع وأن هذا القانون يؤيد دعواه الأولى وحقوقه القانونية التي طالب بها ولا زال مصراً على التمسك بها ونبه على المدعي في ختام كتابه بالكف عن الاستمرار في عملية التقليد مع احتفاظه بكافة حقوقه القانونية. وقد أرسل المدعي وشريكه عقد تسلمهما كتاب البارودي كتاباً مسجلاً إلى مدير إدارة براءات الاختراع في 7 من نوفمبر سنة 1952 ذكر فيه مجهودهما الضخم في تقدم صناعة الخوص ورسائل الشكر والتشجيع المرسلة إليهما من الوزارة فضلاً عن عرض منتجاتهما في المعارض الخارجية، وسرداً موقف البارودي من براءة الاختراع، ثم تقدما بشكوى إلى السيد وكيل وزارة التجارة الذي استدعاهما للتحقيق فقصا عليه قصة هذا الاختراع المزعوم وحقيق موقف البارودي من صناعة الخوص وقدموا المستندات التي تثبت أقوالهم وانعدام فكرة الابتكار في صناعة البارودي ثم ما لبث أن حصل البارودي على براءة الاختراع وأرسل إلى التجار يحذرهم من التعامل مع المدعي ولما كانت المادة الأولى من القانون رقم 132 لسنة 1949 تنص على أنه "تمنح براءة الاختراع وفقاً لأحكام هذا القانون عن كل ابتكار جديد قابل للاستغلال الصناعي سواء أكان متعلقاً بمنتجات صناعية جديدة أم بطرق ووسائل صناعية مستحدثه أم تطبيق جديد لطرق أو وسائل صناعية معروفة" ولما كانت التطبيقة الجديدة التي تعتبر عنصر ابتكار هي في واقع الأمر تطبيقة لمقطف حب العزيز وقد نص في البراءة على أنه "وفيما هو خاص بوسائل التنفيذ وطريقة الجدل فلا علاقة لها مطلقاً بعنصر الابتكار" فإذا ما عرف عنصر الابتكار معدوم ولا علاقة له فيما يتعلق بوسائل التنفيذ وطريقة الجدل فإن براءة الاختراع لن تنصب إلا على الاسم فقط وهو خوصة الطربوش لأن خامات هذه الصناعة معروفة وقديمة وطرق صناعتها قديمة قدم رشيد نفسها لأن هذه الصناعة قامت بقيام زراعة حب العزيز هناك، وإذ فرض جدلاً أن هناك اخترعاً جديداً فإن المدعي وأهل بلدته هم الذين عملوا على تشييد هذا البناء الضخم في كيان هذه الصناعة الجديدة. وقد ورد بالمادة السادسة من القانون المشار إليه أن الحق في البراءة يكون للمخترع أو لمن آلت إليه حقوقه "وإذا كان الاختراع نتيجة عمل مشترك بين عدة أشخاص كان الحق في البراءة لهم جميعاً شركة وبالتساوي بينهم" ورغم هذا فإنا لا نريد القول بأن المدعي وأشخاصاً معينين هم الذين ابتكروا هذه الصناعة بل أن أهالي رشيد جميعاً هم أصحاب الفضل في ابتكارها وعنصر المنافسة الحرة والتجديد هي الوسائل التي دفعت الصناعة إلى ما وصلت إليه من تحسين. ومن حيث إنه لكل ما تقدم تكون البراءة الصادرة من وزارة التجارة والصناعة تحت رقم 45 لصالح حسن راشد البارودي قد جاءت مخالفة لأحكام المادة الثالثة من القانون المذكور، من أجل ذلك أقام المدعي هذه الدعوى. وقد ردت الوزارة على الدعوى بمذكرة انتهت فيها إلى أن صدور براءة الاختراع لحسن راشد البارودي كان مطابقاً للقانون. وبجلسة 29 من يناير سنة 1957 التي حددت لنظر الدعوى طلب حسن راشد البارودي من المحكمة قبوله خصماً ثالثاً في الدعوى، فقررت المحكمة قبوله خصماً ثالثاً في الدعوى. وقدم الخصم الثالث مذكرة حدد فيها أولاً الابتكار محل النزاع فقال أن الثابت من براءة الاختراع أنها خاصة "باختراع تطبيق جديد لصناعة خوص الطرابيش المعروفة" ووصف الاختراع المختصر كما جاء بالبراءة أيضاً أن "التطبيق الجديد يتلخص في تغيير ابتداء الجدل من مركز دائرة القرص بأعلى خوصة الطربوش إلى أدناها" ثم قال أن المدعي ذكر بصحيفة دعواه أن الابتكار هو طريقة بدء الجدل "وهو ما لا يدعيه الخصم الثالث" والمدعي يغالط في ذلك ولا يفرق بين تطبيق طريقة الجدل في مقطف حب العزيز على صناعة خوص الطرابيش وهو محل براءة الاختراع وبين طريقة الجدل نفسها والمعروفة من قبل في مقطف حب العزيز ولكن لم يسبق الخصم الثالث أحد في تطبيقها على صناعة خوص الطرابيش والاهتداء إلى هذا التطبيق يبدو فكرة بسيطة شأنها شأن كل اختراع يتصور الناس أنه كان ميسوراً لكل منهم ولا يدركون أن العبقرية التي يمتاز بها كل مخترع أنه يسبق الناس إلى الحقيقة التي يكشفها وإلى الفكرة التي يهتدي إليها، ثم دفع الخصم الثالث بعدم قبول الدعوى، وأسس هذا الدفع على أنه كان يتعين أولاً على المدعي أن يعترض على إصدار البراءة في موعد الشهر المحدد في المادة 21 من القانون رقم 132 لسنة 1949. فقد تقدم الخصم الثالث بطلب البراءة في 8 من أغسطس سنة 1951 وأعلن عن هذا الطلب بجريدة براءات الاختراع في العدد 21 المؤرخ 21 من مايو سنة 1953 وكان يتعين على المدعي الاعتراض خلال شهرين من التاريخ المذكور، ولكنه قدم شكوى تتضمن اعتراضاته التي أوردها بصحيفة الدعوى في 3 من أكتوبر سنة 1953، ورغم أن هذه الشكوى لم تكن مقبولة فقد حققتها الإدارة وانتهت إلى إصدار البراءة، وإذا جاز للمدعي أن يتقدم باعتراضه إلى محكمة القضاء الإداري مباشرة فقد كان يجب أن يتقدم بدعواه في موعد لا يجاوز الشهرين من تاريخ 21 من مايو سنة 1953 وهو تاريخ الإعلان عن طلب البراءة، ولكن المدعي تقدم بدعواه في 3 من مايو سنة 1954. ثم انتقل الخصم الثالث إلى الكلام عن موضوع الدعوى فسرد لمحة من مجهوداته في سبيل الوصول إلى اختراعه وأشار إلى أبحاث وزارة التجارة في هذا الشأن وإلى الاعتراضات التي وجهت إلى اختراعه ثم إلى موافقة الوزارة أخيراً على إصدار البراءة، وانتهى من ذلك إلى طلب الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها وإلزام المدعي بالمصروفات في الحالتين. وبجلسة 19 من نوفمبر سنة 1957 حكمت المحكمة "بإلغاء القرار الصادر من وزارة التجارة والصناعة في 27 من فبراير سنة 1954 بمنح حسن راشد البارودي براءة الاختراع الخاصة بتطبيق جديد لصناعة خوص الطرابيش واعتباره كأن لم يكن مع إلزام الحكومة بالمصروفات وبمبلغ 500 قرش مقابل أتعاب المحاماة" وأقامت المحكمة قضاءها على أن "الثابت من وثيقة الاختراع أن تسمية الاختراع هو تطبيق جديد لصناعة خوص الطرابيش المعروفة، كما جاء بها أيضاً تحت عنوان العناصر الجديدة موضوع الحماية ما يأتي: تنحصر العناصر المبتكرة في التطبيق الجديد في حالة واحدة هي تحويل مركز ابتداء عملية الجدل اليدوي من مركز دائرة القرص بأعلى الخوصة إلى أدناها وبذلك أصبحت خوصة الطربوش بعد تنفيذ التطبيق الجديد عليها معدة للاستعمال وهي بدون القرص الزائد عن الحاجة، وقد أدى ذلك إلى خفض تكاليف الإنتاج بحوالي 20% على الأقل" وأنه يبين من الأوراق أن مقطف حب العزيز يبدأ فيه الجدل من أسفل إلى أعلى بينما الخوصة المستوردة من الخارج كان يبدأ الجدل فيها من أعلى إلى أسفل، وهذا ما قالته مصلحة الملكية الصناعية في مذكرتها المرفوعة إلى السكرتير العام بالوزارة، وقد جاء بها "أن عملية الجدل هذه البادئة من أسفل إلى أعلى كانت متبعة من زمن بعيد في صناعة أكياس حب العزيز......" ثم أشار الحكم إلى ما ورد بالحكم الصادر في الدعوى رقم 86 تجاري كلي إسكندرية والقاضي برفض دعوى التعويض من أنه خلص من شهادة الإثبات والنفي أنه كان في رشيد من قديم صناعة مقاطف حب العزيز وهي تصنع من الخوص وقد استطاع المدعي (الخصم الثالث) أن يدخل ما يصنع من الخوص في صناعة الطرابيش، وأنه وإن كان هو أول من فكر في إدخالها في صناعة الطرابيش إلا أنه ليس هو الذي ابتكر هذه الصناعة وأنه "يخلص من ذلك أن عنصر الابتكار في هذه البراءة وهو تحويل عملية الجدل من أسفل إلى أعلى كان معروفاً وشائعاً من قديم الزمان بين أهالي رشيد ولا فضل للخصم الثالث في ذلك، فلا شك والحالة هذه أن مثل هذا العمل لا يحميه القانون فليس هناك ابتكار جديد ولا تطبيق جديد ولا يعدو أن يكون العمل الذي قام به الخصم الثالث استغلالاً جديداً أو نموذجاً صناعياً، فالخوص كما يستغل في صناعة خوص الطرابيش يستغل في صنع الحقائب والمذبات وليس لمن يستغله في ذلك أن يطلب براءة اختراع" وأن "المحكمة لا تشاطر السيد المفوض فيما جاء بتقريره من أن إلغاء البراءات لا يكون إلا في نطاق المواد 2 و3 من القانون رقم 132 لسنة 1949، ذلك لأن من أركان القرار الإداري ركن السبب وهو الواقعة الصحيحة التي يقوم عليها، فإذا تخلف هذا الركن وقع القرار مخالفاً للقانون وفي الحالة المعروضة قام القرار الصادر بالبراءة على أن هناك ابتكاراً جديداً وتطبيقاً جديداً الأمر الذي ثبت عدم صحته فلا جدال في أن القرار المطعون فيه قد صدر وهو معدوم السبب ومن ثم يكون واجب الإلغاء....".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه يبين من المادة الأولى من القانون رقم 132 لسنة 1949 أن الجدة والقابلية للاستغلال الصناعي هما ركنا الارتباط الذي تمنح عنه البراءة فإذا توافر كان قرار المنح قائماً على سبب صحيح. وواضح أن العنصرين المذكورين قد توافر فيما انتهى إليه الخصم الثالث من إدخال لون جديد من الخوص على الطربوش يخالف الخوص الذي كان يستورد من الخارج في مادته الخام وفي طريقة نسجه، فالخوصة القديمة يبدأ الغزل فيها من أعلى في مركز دائرة القرص ثم يهبط إلى أدنى، والخوصة الجديدة يجرى فيها الجدل من أسفل إلى أعلى على نفس النسق الذي تجدل به مقاطف حب العزيز، والخوصة القديمة فوق ذلك كانت ذات قرص يستغنى عنه ويقص، والخوصة الجديدة على رخص صنعتها وقلة تكلفتها قد وفرت خامات القرص وجهود عمله. ولا شك أن ابتكارا جديداً طرأ على صناعة الطرابيش عندما عز استيراد الخوص من الخارج، فاهتدى الخصم الثالث دون غيره أو قبل غيره إلى فكرة إدخال الخوص المصري مجدولاً على نسق مقاطف حب العزيز في الطربوش ليحل محل خوصة الطربوش الأجنبية وحسب الخصم الثالث فيكون جديراً ببراءة الاختراع أن مقاطف حب العزيز تصنع في رشيد منذ قرن ونصف ومع ذلك لم يهتد أحد إلى اقتباس هذه الصناعة وإدخالها في صناعة الطرابيش حتى وفق إليها الخصم الثالث فهو صاحب الفكرة الجديدة وصاحب التطبيق الجديد لوسيلة أو طريقة صناعية معروفة من قبل، ثم أشار الطعن إلى نظام صدور البراءة وطريقته وما تقوم به الإدارة المختصة من فحصه ثم النشر عنه ليتقدم من يشاء بالمعارضة في منح البراءة ثم بحث الإدارة للاعتراض، ثم قال أنه ظاهر أن الخصم الثالث تقدم إلى الوزارة بطلب البراءة، فقامت الإدارة بفحص الطلب ثم قامت بالنشر عنه ولم تتلق خلال مدة الشهرين المنصوص عليها في المادة 24 من القانون رقم 132 لسنة 1949 أي اعتراض، ومع ذلك فإنها ما أن تلقت اعتراضات في الموعد القانوني حتى أولتها عنايتها وتولت دراستها بمعرفة الموظفين الفنيين بل واستعانت على هذه الدراسة بهيئة فنية أخرى وانتهت إلى إصدار البراءة لما تبين لها انطباق المادة الأولى من القانون، ومن ثم فإن القرار الصادر من وزارة التجارة والصناعة في 27 من فبراير سنة 1954 بمنح حسن راشد البارودي براءة الاختراع الخاصة بتطبيق جديد لصناعة خوص الطرابيش قد صدر صحيحاً إذ أن ابتكار الخصم الثالث هو تطبيق جديد لطريقة أو وسيلة صناعية معروفة، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أنه في 22 من ديسمبر سنة 1943 أودع السيد/ حسن أحمد راشد البارودي بمحكمة الإسكندرية المختلطة اختراع "صناعة خوص للطرابيش من خوص النخل وغيره"، وفي 5 من يوليه سنة 1951 قدم المذكور إلى وزارة التجارة والصناعة "مصلحة الملكية الصناعية" طلب براءة اختراع "تطبيق جديد لصناعة خوص الطرابيش المعروفة". وقال في طلبه أنه توصل إلى اتخاذ تطبيق جديد أدخله على صناعة خوص الطرابيش المعروفة، فأدى تنفيذه إلى خفض تكاليف وزمن الإنتاج بما يوازي 20% وهي نتيجة ذات أثر اقتصادي كبير وأرفق بطلبه الوصف التفصيلي والرسوم البيانية وطريقة الاستغلال، وقد أحيل الطلب إلى كل من الإدارة الهندسية وإدارة براءات الاختراع التابعين لمصلحة الملكية الصناعية، فبحثت كل من الإدارتين الطلب وقدمت تقريراً عنه، وقد تضمن تقرير الإدارة الهندسية "أن هذا الاختراع يعتبر ابتكاراً جديداً في صناعة خوص الطرابيش وأنه قابل للاستغلال الصناعي، وأن هذا الاختراع يتعلق بتطبيق جديد لطرق صناعية معروفة، وأنه لو أن مستوى الابتكار من الناحية العلمية ضعيف جداً إلا أنه من الناحية الصناعية يعتبر تحسيناً في صناعة خوص الطرابيش يترتب عليه نتائج لا بأس بها لهذه الصناعة ويمكن من أجلها منح براءة عنه "وبعد بحث الطلب من نواحيه المختلفة انتهت الإدارة إلى أن الطلب مطابق لأحكام مواد القانون رقم 132 لسنة 1949 ولائحته التنفيذية فيما عدا بعض استيفاءات شكلية. وتضمن تقرير إدارة براءات الاختراع مطابقة الطلب لنصوص القانون فيما عدا بعض استيفاءات شكلية أيضاً، وقد استوفى مقدم الطلب ما طلب إليه استيفاؤه، واقترحت كل من الإدارتين قبول الطلب. وفي 5 من فبراير سنة 1953 قبلت مصلحة الملكية الصناعية الطلب ونشر عنه في الجريدة براءات الاختراع الصادرة في مايو سنة 1953، باعتبار أن الطلب المقدم من حسن راشد البارودي عن اختراع تطبيق جديد لصناعة خوص الطرابيش المعروفة قد قبل وأنه يجوز لكل ذي شأن أن يقدم لإدارة براءات الاختراع - خلال شهرين من تاريخ نشر هذه الجريدة - إخطاراً كتابياً من نسختين بمعارضته في إصدار البراءة، ويجب أن يشمل هذا الإخطار على أسباب المعارضة. وفي 8 من أكتوبر سنة 1953 قدم الحاج أحمد عرفة وعباس عبد الله زيادة (المدعي) شكوى يعترضان فيها على منح حسن راشد البارودي براءة اختراع وقامت إدارة براءات الاختراع بتحقيق هذه الشكوى، وانتهى السيد المحقق إلى طلب حفظ الشكوى ومع ذلك أرسلت مصلحة الملكية الصناعية إلى مدير عام مصلحة الصناعة كتاباً في 19 من أكتوبر سنة 1953 أشارت فيه إلى القانون رقم 132 لسنة 1949 الخاص ببراءات الاختراع وإلى الطلب المقدم إليها من حسن راشد البارودي في 8 من أغسطس سنة 1951 لإصدار براءة عن اختراع باسم "تطبيق جديد لصناعة خوص الطرابيش المعروفة" وأن الوصف الكامل للاختراع أن العناصر المبتكرة تنحصر في التطبيق الجديد في حالة واحدة هي تحويل مركز ابتداء عملية الجدل اليدوي من مركز دائرة القرص بأعلى الخوصة إلى أدناها، ثم أشارت إلى الشكاوى المقدمة من الحاج عرفة أحمد وآخر عن هذا الطلب ولخصت أوجه الشكوى، ثم طلبت أخيراً دراسة الموضوع والإفادة عن الآتي: "أولاً - هل صناعة خوص الطرابيش من سعف النخيل يعتبر اختراعاً وفقاً لنص المادة الأولى من القانون رقم 132 لسنة 1949 ثانياً - هل حقيقة كانت عملية الجدل تبدأ من أعلى الخوصة إلى أدناها وأتى السيد حسن راشد البارودي بتطبيق جديد فجعل عملية الجدل تبدأ من أدنى إلى أعلى ثالثاً - هل هذه العملية قاصرة في الأسواق المصرية على السيد/ حسن راشد البارودي أم شائعة الاستعمال ويقوم غيره بتطبيقها على حسابه الخاص رابعاً - هل إصدار براءة اختراع باسم السيد/ حسن راشد البارودي، وبعبارة أخرى هل إعطاء المذكور وثيقة يستطيع أن يستخدمها لمنع أي شخص غيره من صناعة خوص الطرابيش من سعف النخيل، هل إصدار مثل هذه البراءة يعود بأي ضرر على الحياة الاقتصادية والصناعية......". وفي 28 من نوفمبر سنة 1953 ردت مصلحة الصناعة على كتاب مصلحة الملكية الصناعية، وقد تضمن الرد على أسئلة المصلحة الأخيرة ما يأتي: "أولاً - قد كان من ظروف الحرب العالمية الأخيرة أن انقطع الوارد من خوص الطرابيش الأجنبية وارتفعت أثمانها تدريجياً كلما نقصت الكميات الموجودة منها في السوق المحلي ارتفاعاً فاحشاً قد بلغ حوالي جنيه مصري للخوصة الواحدة التي كانت قيمتها بضعة قروش مما أدى إلى إحلال قماش الفرساليا وورق الكرتون وقماش التريكو الاسطواني المصمغ محل الخوصة الأجنبية بما لا يتناسب مع قوام الطربوش ومظهره - ولهذا فكر السيد حسن راشد البارودي في صنع خوصة الطربوش من سعف النخيل المحلي ونجحت تجاربه، فقام على نشر هذه الصناعة بين الأهلين ببلدته رشيد، وسجل ابتكاره بمحكمة الإسكندرية المختلطة في 22 من ديسمبر سنة 1943، كما سجل علامة تجارية لمنتجاته من هذه الصناعة بمصلحة التشريع التجاري والملكية الصناعية في 19 من ديسمبر سنة 1943، وبالرغم من هذا فإن بعض الأهالي والتجار تناولوا هذه الصناعة بالتشغيل والتسويق بنفس طريقة البارودي حتى صدر قانون براءات الاختراع رقم 132 لسنة 1949 فتقدم للحصول على براءة الاختراع بابتكاره الذي يعتبر متفقاً ونص المادة الأولى من القانون المذكور من حيث التطبيق الجديد الذي أوجده لهذه الصناعة. ثالثاً - أن حقيقة عملية جدل الخوصة من سعف النخيل المصري تصنع وفقاً للتطبيق الجديد الذي أوجده السيد حسن راشد البارودي، ويتلخص في تغيير موضوع ابتداء الجدل بجعله من أسفل الخوصة إلى أعلاها دون عمل قرص، خلافاً لما هو معروف في عملية جدل الخوصة الأجنبية المعروفة ذات القرص، إذ أن مركز القرص من أعلى الخوصة هو النقطة التي يبتدئ الجدل منها على النحو المألوف في صنع البرانيط من خامة البامبو باندونيسيا، وفي ذلك وفر ملحوظ في كمية الخامة اللازمة لعمل الخوصة، علماً بأن عملية الجدل هذه البادئة من أسفل إلى أعلا كانت متبعة من زمن بعيد في صناعة أكياس حب العزيز ثالثاً - تتداول منتجات هذه الصناعة محلياً في الأسواق منذ قيامها على يد مبتكرها السيد/ حسن راشد البارودي وصارت شائعة التطبيق بواسطة منتجين يعمل كل منهم لحسابه الخاص بنفس التطبيق الذي أوجده المبتكر المذكور وتتمشى إلى جانب منتجاته جنباً إلى جنب من حيث التشغيل والتسويق لا فرق بين مبتكر ومقلد رابعاً - صدور براءة الاختراع باسم السيد/ حسن راشد البارودي كوثيقة في يده (كغيرها من براءات الاختراع) قد يتسبب عنها ضرر للمشتغلين بهذه الصناعة ونقل المنافسة. أما الرد على الشكاوى الموجهة ضد المخترع والمبينة بخطابكم فتتلخص في الآتي: (1) فعلاً كانت هذه العملية متبعة في أكياس حب العزيز ولكن السيد البارودي اقتبسها في صناعة خوص الطرابيش قبل غيره (2) كانت عملية الجدل تبدأ من أسفل إلى أعلا في صناعة أكياس حب العزيز ولكن لم تكن متبعة في صناعة خوص الطرابيش وكان السيد البارودي أول من طبقها في الخوصة من أسفل إلى أعلا (3) هذه نقطة قانونية ولسيادتكم التصرف فيها على ضوء ما تقدم من بيانات فنية" وقد أحليت الأوراق إلى مدير الإدارة الهندسية لدراسة الموضوع وتقديم تقرير برأيه، فقد سيادته تقريراً في 4 من فبراير سنة 1954 استند فيه إلى المراجع العلمية، وانتهى فيه إلى أنه "مما سبق ذكره بالتقارير الفنية المرفقة بالملف يمكن اعتبار العملية التي ابتكرها الطالب في جدل خوصة الطربوش بتطبيق الطريقة المستعملة في جدل أكياس حب العزيز موضوع براءة، لما يترتب على هذه العملية من اقتصاد في الخامة والوقت وذلك بالاستغناء عن قرص الخوصة فضلاً عن عمل خوصة الطربوش من سعف النخيل المصري ولم تكن تعمل منه من قبل وهو ما يقطع تحت حكم البند جـ من المادة 1 من القانون رقم 132 لسنة 1949 الخاص ببراءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية" ومما ورد بذلك التقرير في تعريف منفعة الاختراع وتقدير قيمته المادية ما يأتي "أن الاختراع لا يقصد به صناعة جديد فحسب بل يجب أن يكون نافعاً أيضاً، والمنفعة يقصد بها كل تحسينات في النتائج التي يمكن الوصول إليها وليس من الضروري أن يكون هناك تغيير جوهري وضرب المؤلف لذلك مثلاً بأنه إذا اكتشف شخص إبرة جديدة لخياطة الأحذية ترتب عليها وفر قدره نصف ساعة في إنتاج الحذاء فهذه الإبرة تصبح موضوع براءة على أن تشمل التحسينات على تحوير في الأصل، وقد أدلى القاضي "كاي" بحقيقة هامة وهي أن محاولة تقليد اختراع ما بواسطة المنافسين دليل على نفع الاختراع وقد أشار "استبوري" بأن استعمال أية مادة معروفة في غرض جديد أو اكتشاف استعمال حديث لمادة شائعة من قبل - كان يظن أنه لا فائدة منها - يعتبر موضوع براءة، وقد ورد في كتاب "ونتز فوستر" مسألة تعدى نطاق الحماية في إنتاج رقائق معينة لاستعمالها في تبطين قاع السفن، فالتحسينات الخاصة باستعمال سبيكة الرصاص والنحاس - بنسب معينة في صناعة الرقائق - يعتبر موضوع براءة، وقد كان النحاس وحده يستعمل من قبل في هذا الغرض وكانت سبيكة الرصاص والنحاس تنتج ومعروفة تاماً من قبل، ولكن لم يكن استعمال هذه المادة لتبطين السفن قد اكتشفت" وعلى أساس اعتبار هذا الاستعمال تحسيناً لطريقة التبطين فقد استقر الرأي على اعتبارها موضوع براءة "وبناء على كل ما تقدم صدر قرار وزاري في 17 من فبراير سنة 1954 بمنح حسن راشد البارودي براءة اختراع رقم 45 على أن تبدأ مدة الحماية من 22 من ديسمبر سنة 1943 وهو تاريخ إيداع أوراق الاختراع في المحكمة المختلطة".
ومن حيث إن المادة الأولى من القانون رقم 132 لسنة 1949 الخاص ببراءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية تنص على أنه "تمنح براءة اختراع وفقاً لأحكام هذا القانون على كل ابتكار جديد قابل للاستغلال الصناعي سواء كان متعلقاً بمنتجات صناعية جديدة أم بطرق أو وسائل صناعية مستحدثة أم بتطبيق جديد لطرق أو وسائل صناعية معروفة"، ونص في المادة العاشرة على أن البراءة تخول "مالكها دون غيره الحق في استغلال الاختراع بجميع الطرق"، وفي المادة الثانية عشرة على أن "مدة براءة الاختراع خمس عشرة سنة تبدأ من تاريخ طلب البراءة...."، وتنص المادة العشرون على أنه "إذا توافرت في طلب البراءة الشروط المنصوص عليها في المادة 18 من هذا القانون قامت إدارة براءات الاختراع بالإعلان عن الطلب بالطريقة التي تحددها اللائحة التنفيذية" والمادة الواحدة والعشرون على أنه "يجوز لكل ذي شأن أن يقدم لإدارة البراءات في الميعاد الذي تحدده اللائحة التنفيذية إخطاراً كتابياً بمعارضته في إصدار البراءة ويجب أن يشتمل هذا الإخطار على أسباب المعارضة"، وتضمنت المادتان الثانية والعشرون والثالثة والعشرون إجراءات الفصل في المعارضة، ونصت المادة الخامسة والثلاثون على أن "لإدارة براءات الاختراع ولكل ذي شأن أن يطلب إلى محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة الحكم بإبطال البراءات التي تكون قد منحت مخالفة لأحكام المادتين 2 و3 من هذا القانون وتقوم الإدارة المذكورة بإلغاء هذه البراءات متى تقدم لها حكم بذلك حائز لقوة الشيء المقضي به.."، وقد حددت اللائحة التنفيذية للقانون سالف الذكر مهلة شهرين للمعارضة في إصدار البراءة.
ومن حيث إن نص المادة الأولى من القانون رقم 132 لسنة 1949 واضح الدلالة على أن لفظ الاختراع لا يقتصر معناه على مجرد ابتكار منتجات صناعية قابلة للاستغلال، بل ينصر كذلك إلى كل تطبيق جديد لطرق أو وسائل صناعية معروفة أو كل استعمال لطرق أو وسائل صناعية معروفة في غرض جديد لم يكن معروفاً من قبل، فيضفي القانون حمايته على هذا الابتكار في الاستعمال أسوة بالابتكار الجديد في أصله، والأمر في تقرير اعتبار ابتكار ما تطبيقاً جديداً لطرق أو وسائل معروفة أم لا إنما يرجع إلى تقدير الجهات الفنية المختصة، فإذا كانت وزارة التجارة والصناعة قد انتهى بها الأمر بعد الأبحاث الفنية التي قامت بها إداراتها المختلفة وبعد استئناس برأي مصلحة الصناعة، وهي المصلحة الفنية التي لرأيها الفني في الموضوع قيمته ووزنه، إلى أنه ولئن كانت عملية جدل الخوض المصري المتبعة في صنع أكياس حب العزيز معروفة من قديم إلا أن ما اهتدى إليه السيد حسن راشد البارودي من استعمال الخوص المصري مجدولاً على نفس النسق المتبع في جدول أكياس حب العزيز في صنع خوص الطرابيش بدلاً من الخوص الذي كان يستورد من الخارج، وهو استعمال لم يسبقه إليه أحد، إن ما اهتدى إليه السيد البارودي يعتبر تطبيقاً جديداً للطريقة المستعملة في جدل أكياس حب العزيز تشمله الحماية التي يضفيها القانون رقم 132 لسنة 1949 على كل ابتكار جديد ويجوز منح براءة اختراع عنه وقد خلا تصرفها من إساءة استعمال السلطة الأمر الذي لم يدعيه المدعي ولم يقم عليه دليل من الأوراق فليس للقضاء الإداري أن يعقب عليها في هذا الأمر الفني الذي هو من صميم اختصاصها، ومن ثم يكون الطعن في محله ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله ويتعين من أجل ذلك إلغاؤه والقضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.