أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 43 - صـ 948

جلسة 16 من يوليه سنة 1992

برئاسة السيد المستشار/ محمد رأفت خفاجي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد محمد طيطه نائب رئيس المحكمة، محمد بدر الدين توفيق، شكري جمعه حسين وفتيحه قرة.

(198)
الطعن رقم 1150 لسنة 51 القضائية

(1 - 4) إيجار "إيجار الأماكن" "أسباب الإخلاء" "الإضرار بسلامة المبنى" "تغيير الغرض من استعمال العين المؤجرة". قانون "سريان القانون" "القانون الواجب التطبيق". حكم "تسبيب الحكم". نظام عام. نقض. "سلطة محكمة النقض".
(1) الأحكام الخاصة بتعيين أسباب الإخلاء. تعلقها بالنظام العام. سريانها بأثر فوري على المراكز والوقائع التي لم تستقر نهائياً وقت نفاذها ولو كانت ناشئة قبل تاريخ العمل بها.
(2) صدور تشريع لاحق يستحدث حكماً جديداً يتعلق بذاتية القاعدة الموضوعية الآمرة. سريانه بأثر فوري على المراكز والوقائع القائمة وقت نفاذه.
(3) إخلاء المستأجر للتغيير في وجه استعمال العين المؤجرة في ظل العمل بأحكام المادة 31/ ج ق 49 لسنة 1977 المقابلة للمادة 23 ق 52 لسنة 1969. رهين بتوافر الضرر. علة ذلك. انتفاء الضرر. أثره. امتناع الحكم بالإخلاء.
(4) انتهاء الحكم المطعون فيه إلى النتيجة الصحيحة قانوناً برفض طلب الإخلاء لتغيير الغرض من استعمال العين المؤجرة. لا يعيبه تطبيقه خطأ المادة 23/ ج ق 52 لسنة 1969 بدلاً من المادة 31/ ج ق 49 لسنة 1977. لمحكمة النقض تصحيحه دون أن تنقضه. علة ذلك.
(5 - 10) إيجار "إيجار الأماكن" "التأجير من الباطن". إثبات "الإثبات بالكتابة" "البينة". حكم "عيوب التدليل" "ما يعد قصوراً". محكمة الموضوع "سلطتها في تفسير المحررات" "سلطتها بالنسبة للمنازعات الناشئة عن العقود: في عقد الإيجار". التزام.
(5) إسقاط الحق. عدم وقوعه إلا بالتنازل الصريح عنه أو باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته عليه.
(6) ترخيص المالك للمستأجر بالتأجير من الباطن. وجوب إثباته بالكتابة. م 31/ 7 ق 49 لسنة 1977 المقابلة للمادة 23/ ب ق 52 لسنة 1969. التنازل الضمني عن الشرط المانع من التأجير. جواز إثباته بالبينة والقرائن.
(7) استخلاص موافقة المؤجر على التأجير من الباطن وتنازله الضمني عن حقه في طلب الإخلاء. واقع. خضوعه لتقدير محكمة الموضوع. شرطه.
(8) لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تفسير المحررات وفهم المقصود منها متى كان استخلاصها سائغاً ولا خروج فيه عن المعنى الظاهر لها. عدولها وأخذها بما يخالف ذلك. شرطه.
(9) بناء الحكم على واقعة مستخلصة من مصدر لا وجود له أو موجود ولكنه مناقض لما أثبته أو غير مناقض ولكن يستحيل استخلاص تلك الواقعة منه. قصور.
(10) إبرام شركة التأمين المؤجرة وثيقة تأمين مع الشركة المستأجرة من الباطن. عدم اعتبار ذلك موافقة من الشركة المؤجرة على واقعة تأجير شقة النزاع من الباطن. استخلاص الحكم المطعون فيه من وثيقة التأمين المذكورة دليلاً على موافقتها على هذا التأجير ونزولها الضمني عن الحق في طلب الإخلاء. خطأ.
1- المقرر قانوناً - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة وهيئتها العامة - أن الأحكام الخاصة في قوانين إيجار الأماكن بتعيين أسباب الإخلاء هي قواعد آمرة ومتعلقة بالنظام العامة فتسري بأثر فوري على جميع المراكز والوقائع القائمة التي لم تستقر نهائياً وقت نفاذها ولو كانت ناشئة قبل تاريخ العمل بها.
2- إذا صدر قانون لاحق يتضمن تعديلاً في تشريعات إيجار الأماكن كان من شأنه استحداث حكماً جديداً يتعلق بذاتية تلك القواعد الموضوعية الآمرة سواء بإلغاء أو التغيير بالإضافة أو الحذف، فإن هذا التعديل يأخذ حكم القاعدة الآمرة من حيث سريانه بأثر فوري على المراكز والوقائع القائمة وقت نفاذه.
3- إذ كانت المادة 31/ ج من القانون 49 لسنة 1977 - المقابلة للمادة 23 من القانون 52 لسنة 1969 - قد استحدثت حكماً جديداً بما نصت عليه من جواز الإخلاء إذا استعمل المستأجر المكان المؤجر أو سمح باستعماله بطريقة تخالف شروط الإيجار المعقولة والمتعارف عليها وتضر بمصلحة المؤجر أو استعمله في غير الأغراض المؤجر من أجلها، فإن هذا النص يكون هو الواجب التطبيق على واقعة الدعوى. وإذ كان حق المؤجر في طلب الإخلاء وفقاً لحكم المادة 23/ ج من القانون 52 لسنة 1969 لا يقوم بمجرد الاستعمال المحظور على المستأجر بل يشترط أن يقع عنه ضرر للمؤجر بحيث إذا انتفى الضرر امتنع الحكم بالإخلاء، وكانت المادة 31/ ج سالفة الذكر قد نصت صراحة على هذا الحكم في حالة مخالفة المستأجر لطريقة استعمال العين المؤجرة مما قد يوحي في ظاهره بانتفاء هذا الشرط في حالة مخالفة الغرض من الاستعمال باعتبار أن شرط الضرر حسبما ورد في النص قد اقترن بمخالفة شروط الإيجار المعقولة دون مخالفة الغرض من الاستعمال إلا أن ذلك مردود بأن المستفاد من مناقشات مجلس الشعب في شأن هذه الفقرة أن واضعي النص اعتبروا أن توافر الضرر شرطاً للحكم بالإخلاء في الحالتين المنصوص عليهما لوحدة العلة بينهما وهي حماية المستأجر من عنت المالك باعتبار أن طلب الإخلاء مع عدم توافر الضرر ينطوي على تعسف في استعمال الحق، مما مفاده أن حق المؤجر في طلب إخلاء العين المؤجرة لتغيير وجه استعمالها المتفق عليه طبقاً لنص المادة 31/ ج من القانون رقم 49 لسنة 1977 لا يقوم بمجرد تغيير وجه الاستعمال بل يشترط أن يقع عنه ضرر للمؤجر بحيث إذا انتفى الضرر امتنع الحكم بالإخلاء.
4- إذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى - النتيجة الصحيحة - ورفض طلب الإخلاء لتغيير الغرض من استعمال العين المؤجرة، فلا يعيبه أو يؤثر فيه أن طبق المادة 23/ ج من القانون 52 لسنة 1969 بدلاً من المادة 31/ ج من القانون 49 لسنة 1977 - المنطبق على واقعة الحال - ما دام أن حق المؤجر في طلب الإخلاء في ظل القانونين مما لا يقوم بمجرد تغيير وجه الاستعمال بل يشترط أن يقع عنه ضرر للمؤجر، بحيث إذا انتفى الضرر امتنع الحكم بالإخلاء، ولمحكمة النقض أن تصحح هذا الخطأ وأن ترده إلى الأساس السليم دون أن تنقضه.
5- المقرر - في قضاء هذه المحكمة - إن إسقاط الحق بوصفه تعبيراً عن إرادة صاحبه في التخلي عن منفعة مقررة يحميها القانون لا يكون إلا صراحة أو باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود منه.
6- لئن كانت المادة 31/ ب من القانون 49 لسنة 1977 - والمقابلة للمادة 23/ ب من القانون 52 لسنة 1969 - تشترط حصول المستأجر على إذن كتابي بالتأجير من الباطن حتى لا يدع للمؤجر سبيلاً إلى طلب الإخلاء، والكتابة في هذا الإذن الخاص ليست ركناً شكلياً بل هي مطلوبة لإثبات التنازل عن الشرط المانع لا لصحته فيمكن الاستعاضة عنها بالبينة والقرائن في الحالات التي تجيزها القواعد العامة استثناء فيجوز إثبات التنازل الضمني بالبينة والقرائن باعتبار أن الإدارة الضمنية تستمد من وقائع مادية وهي تثبت بجميع الوسائل.
7- استخلاص موافقة المؤجر على التصريح للمستأجر بتأجير العين من الباطن وتنازله الضمني عن حقه في طلب الإخلاء من مسائل الواقع التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع، إلا أن شرط ذلك أن تكون أسبابها في هذا الخصوص سائغة وتكفي لحمل قضائها ولها أصل ثابت في الأوراق وتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها.
8- لئن كان لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تفسير المحررات وفهم المقصود منها وتقدير مدى صلاحيتها فيما أريد الاستدلال به قانوناً، إلا أن ذلك مشروط - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بأن يكون استخلاصها سائغاً ولا يخالف الثابت في الأوراق ولا خروج فيه على المعنى الظاهر للمحرر، فإن رأت العدول إلى خلافه تعين عليها أن تبين في أسبابها لم عدلت وكيف أفادت عبارات المحرر المعنى الذي اقتنعت به بحيث يتضح من هذا البيان أنه قد أخذت في تفسيرها باعتبارات مقبولة يصح استخلاص ما استخلصته منه.
9- إذ كان ابتناء الحكم على واقعة مستخلصة من مصدر لا وجود له أو موجود ولكنه مناقض لما أثبته أو غير مناقض ولكن يستحيل عقلاً استخلاص تلك الواقعة منه مما يرميه بالقصور.
10- إذ كان مجرد إبرام الشركة المؤجرة لوثيقة التأمين مع الشركة المطعون ضدها الثانية لا يعني سوى التأمين على موجودات ومنقولات شقة النزاع، وهي واقعة منبته الصلة بالعلاقة الإيجارية التي نشأت بينها كشركة مالكة للعقار وبين المطعون ضدها الأولى المستأجرة لشقة النزاع، ولا يؤدي ذلك كله إلى افتراض موافقة الأولى على واقعة التأجير من الباطن، ولما كان الحكم المطعون فيه قد استخلص افتراضاً منه - وخروجاً على ما تحويه عبارات الخطاب المشار إليه وما يؤديه إليه مدلولها - ومن وثيقة التأمين التي أبرمت بين الشركة الطاعنة والشركة المطعون ضدها الثانية دليلاً على موافقة الأولى على التأجير من الباطن ونزولها الضمني عن حق طلب الإخلاء لهذا السبب وهي أسباب غير سائغة لا تكفي لحمل قضائه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الشركة الطاعنة أقامت على المطعون ضدهما الدعوى رقم 5486 لسنة 1977 جنوب القاهرة الابتدائية بطلب إخلاء العين المؤجرة المبينة بالصحيفة مع التسليم، وقالت شرحاً لدعواها إنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 10/ 5/ 1960 استأجرت المطعون ضدها الأولى عين النزاع لاستعمالها مسكناً، وإذ أجرتها من الباطن للشركة المطعون ضدها الثانية لاستعمالها مكاتب مخالفة للحظر الوارد في العقد والقانون كما سمحت بتغيير وجه الاستعمال الوارد في العقد فأقامت الدعوى. ومحكمة أول درجة بعد أن ندبت خبيراً في الدعوى وقدم تقريره، حكمت بالإخلاء مع التسليم. استأنف المطعون ضدهما هذا الحكم بالاستئنافين رقمي 1050، 1284 لسنة 97 ق القاهرة. وبتاريخ 28/ 2/ 1981 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى طعنت الشركة الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض. وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب تنعي الشركة الطاعنة بالخامس منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه. وفي بيان ذلك تقول إن أسباب الإخلاء تتعلق بالنظام العام فتسري بأثر فوري على المراكز القانونية القائمة وقت العمل بها ولو نشأت قبل ذلك، وإذ كان نص المادة 31 من القانون رقم 49 لسنة 1977 قد استحدث حكماً جديداً يخول للمؤجر طلب إخلاء العين المؤجرة لمجرد استعمال المستأجر لها في غير الأغراض المؤجرة من أجلها دون اشتراط حصول ضرر له كما كان الحال في القانون 52 لسنة 1969، فإن لازم ذلك ومقتضاه إعمال النص المذكور بأثر فوري مباشر. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر ورفض طلب الإخلاء بسبب تغيير الغرض من استعمال العين المؤجرة بمقولة أن الدعوى قد رفعت في 1/ 9/ 1977 أي في تاريخ سابق على تاريخ العمل به فتخضع لأحكام القانون 52 لسنة 1969 سالف الذكر الذي يستلزم حدوث الضرر، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن المقرر قانوناً - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة وهيئتها العامة - أن الأحكام الخاصة في قوانين إيجار الأماكن بتعيين أسباب الإخلاء هي قواعد آمرة ومتعلقة بالنظام العامة فتسري بأثر فوري على جميع المراكز والوقائع القائمة التي لم تستقر نهائياً وقت نفاذها ولو كانت ناشئة قبل تاريخ العمل بها، فإذا صدر قانون لاحق يتضمن تعديلاً في تشريعات إيجار الأماكن كان من شأنه استحداث حكماً جديداً يتعلق بذاتية تلك القواعد الموضوعية الآمرة سواء بإلغاء أو التغيير بالإضافة أو الحذف، فإن هذا التعديل يأخذ حكم القاعدة الآمرة من حيث سريانه بأثر فوري على المراكز والوقائع القائمة وقت نفاذه، وإذ كانت المادة 31/ جـ من القانون 49 لسنة 1977 - المقابلة للمادة 23 من القانون 52 لسنة 1969 - قد استحدثت حكماً جديداً بما نصت عليه من جواز الإخلاء إذا استعمل المستأجر المكان المؤجر أو سمح باستعماله بطريقة تخالف شروط الإيجار المعقولة والمتعارف عليها وتضر بمصلحة المؤجر أو استعمله في غير الأغراض المؤجر من أجلها، فإن هذا النص يكون هو الواجب التطبيق على واقعة الدعوى. وإذ كان حق المؤجر في طلب الإخلاء وفقاً لحكم المادة 23/ ج من القانون 52 لسنة 1969 لا يقوم بمجرد الاستعمال المحظور على المستأجر بل يشترط أن يقع عنه ضرر للمؤجر بحيث إذا انتفى الضرر امتنع الحكم بالإخلاء، وكانت المادة 31/ ج سالفة الذكر قد نصت صراحة على هذا الحكم في حالة مخالفة المستأجر لطريقة استعمال العين المؤجرة مما قد يوحي في ظاهره بانتفاء هذا الشرط في حالة مخالفة الغرض من الاستعمال باعتبار أن شرط الضرر حسبما ورد في النص قد اقترن بمخالفة شروط الإيجار المعقولة دون مخالفة الغرض من الاستعمال إلا أن ذلك مردود بأن المستفاد من مناقشات مجلس الشعب في شأن هذه الفقرة أن واضعي النص اعتبروا أن توافر الضرر شرطاً للحكم بالإخلاء في الحالتين المنصوص عليهما لوحدة العلة بينهما وهي حماية المستأجر من عنت المالك باعتبار أن طلب الإخلاء مع عدم توافر الضرر ينطوي على تعسف في استعمال الحق، مما مفاده أن حق المؤجر في طلب إخلاء العين المؤجرة لتغيير وجه استعمالها المتفق عليه طبقاً لنص المادة 31/ ج من القانون رقم 49 لسنة 1977 لا يقوم بمجرد تغيير وجه الاستعمال بل يشترط أن يقع عنه ضرر للمؤجر بحيث إذا انتفى الضرر امتنع الحكم بالإخلاء. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى تلك النتيجة الصحيحة ورفض طلب الإخلاء لتغيير الغرض من استعمال العين المؤجرة، فلا يعيبه أو يؤثر فيه أن طبق المادة 23/ جـ من القانون 52 لسنة 1969 بدلاً من المادة 31/ جـ من القانون 49 لسنة 1977 - المنطبق على واقعة الحال - ما دام أن حق المؤجر في طلب الإخلاء في ظل القانونين معاً لا يقوم بمجرد تغيير وجه الاستعمال بل يشترط أن يقع عنه ضرر للمؤجر، بحيث إذا انتفى الضرر امتنع الحكم بالإخلاء، ولمحكمة النقض أن تصحح هذا الخطأ بحيث إذا انتفى الضرر امتنع الحكم بالإخلاء، ولمحكمة النقض أن تصحح هذا الخطأ وأن ترده على الأساس السليم دون أن تنقضه، ويكون النعي والحال هذه على غير أساس ويتعين رفضه.
وحيث إن مما تنعاه الشركة الطاعنة على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفساد الاستدلال، ومخالفة الثابت في الأوراق، والإخلال بحق الدفاع ذلك أن الحكم المطعون فيه إذ استخلص من خطاب الشركة الطاعنة إلى المطعون ضدها والمؤرخ 17/ 2/ 1976، ومن وثيقة التأمين التي أبرمتها على منقولات شقة النزاع لصالح الشركة المطعون ضدها الثانية دليلاً على حصول موافقتها على قيام المطعون ضدها الأولى بتأجير العين المؤجرة لها من الباطن مفروشة إلى الشركة المطعون ضدها الثانية بموجب العقد المؤرخ 15/ 3/ 1977 وأن الغرض من استعمال العين هو إيواء طيارين ومهندسين أجانب لهم الحق في الإقامة في مصر، رغم أن قصارى ما تضمنه الخطاب المشار إليه هو التصريح بالتأجير للأجانب المرخص لهم في الإقامة في مصر أو لإحدى الهيئات الأجنبية أو لأحد العاملين بها من الأجانب في خلال مدة معينة لا تتجاوز نهاية شهر ديسمبر سنة 1976، وكان الواقع في الدعوى أن الشركة المطعون ضدها الثانية ليست بهيئة أجنبية وإنما هي شركة مصرية وقد تضمن عقد الإيجار من الباطن المشار إليه الذي أبرم في تاريخ لاحق لانتهاء الترخيص - استعمال شقة النزاع كاستراحة لطياري ومهندسي الشركة ومكاتب لإدارتها، فضلاً عن أن العلاقة التي تنشأ بموجب وثيقة التأمين سالفة الذكر لا تعدو أن تكون مجرد تأمين على الموجودات الكائنة بعين النزاع لا تفيد البتة قيام المستأجرة الأصلية بتأجير شقة النزاع من الباطن، ولا تدل بطريق اللزوم العقلي والمنطق على موافقتها على التأجير من الباطن والنزول عن حقها في طلب الإخلاء لهذا السبب، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله. ذلك أن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن إسقاط الحق بوصفه تعبيراً عن إرادة صاحبه في التخلي عن منفعة مقررة يحميها القانون لا يكون إلا صراحة أو باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود منه. وأنه ولئن كانت المادة 31/ ب من القانون 49 لسنة 1977 - والمقابلة للمادة 23/ ب من القانون 52 لسنة 1969 - تشترط حصول المستأجر على إذن كتابي بالتأجير من الباطن حتى لا يدع للمؤجر سبيلاً إلى طلب الإخلاء، والكتابة في هذا الإذن الخاص ليست ركناً شكلياً بل هي مطلوبة لإثبات التنازل عن الشرط المانع لا لصحته فيمكن الاستعاضة عنها بالبينة والقرائن في الحالات التي تجيزها القواعد العامة استثناء فيجوز إثبات التنازل الضمني بالبينة والقرائن باعتبار أن الإدارة الضمنية تستمد من وقائع مادية وهي تثبت بجميع الوسائل. وكان استخلاص موافقة المؤجر على التصريح للمستأجر بتأجير العين من الباطن وتنازله الضمني عن حقه في طلب الإخلاء من مسائل الواقع التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع، إلا أن شرط ذلك أن تكون أسبابها في هذا الخصوص سائغة وتكفي لحمل قضائها ولها أصل ثابت في الأوراق وتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها. وأنه لئن كان لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تفسير المحررات وفهم المقصود منها وتقدير مدى صلاحيتها فيما أريد الاستدلال به قانوناً، إلا أن ذلك مشروط - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بأن يكون استخلاصها سائغاً ولا يخالف الثابت في الأوراق ولا خروج فيه على المعنى الظاهر للمحرر، فإن رأت العدول إلى خلافه تعين عليها أن تبين في أسبابها لم عدلت وكيف أفادت عبارات المحرر المعنى الذي اقتنعت به بحيث يتضح من هذا البيان أنه قد أخذت في تفسيرها باعتبارات مقبولة يصح استخلاص ما استخلصته منه. وكان ابتناء الحكم على واقعة مستخلصة من مصدر لا وجود له أو موجود ولكنه مناقض لما أثبته أو غير مناقض ولكن يستحيل عقلاً استخلاص تلك الواقعة منه مما يرميه بالقصور. لما كان ذلك كان البين من الأوراق - في حدود ما حصله الحكم الابتدائي والحكم المطعون فيه بمدوناتهما - أن الخطاب المؤرخ 17/ 2/ 1976 الموجه من الشركة الطاعنة إلى المطعون ضدها الأولى، قد اقتصر على التصريح بالتأجير للأجانب المرخص لهم في الإقامة بالجمهورية أو لإحدى الهيئات الأجنبية أو لأحد العاملين بها من الأجانب في خلال مدة معينة لا تتجاوز نهاية شهر ديسمبر سنة 1976 مع جواز إلغائه من جانب الشركة الطاعنة، وكان ما تضمنه هذا الخطاب لا يعدو أن يكون تصريحاً بالتأجير من الباطن محدد بمدة زمنية ومشروط بأن يكون التأجير لأجانب أو لإحدى الهيئات الأجنبية، وكان عقد التأجير من الباطن قد أبرم في 15/ 3/ 1977 - وهو تاريخ لاحق للحد الزمني لهذا الترخيص - ، وقد خلت الأوراق مما يدل على أن التأجير من الباطن مصرح به في القانون دون إذن المؤجر أو أن وثيقة التأمين أشارت إلى أن الشركة المطعون ضدها الثانية استأجرت الشقة محل النزاع من المستأجرة الأصلية من الباطن، وإذ كان مجرد إبرام الشركة المؤجرة لوثيقة التأمين مع الشركة المطعون ضدها الثانية لا يعني سوى التأمين على موجودات ومنقولات شقة النزاع، وهي واقعة منبته الصلة بالعلاقة الإيجارية التي نشأت بينها كشركة مالكة للعقار وبين المطعون ضدها الأولى المستأجرة لشقة النزاع، ولا يؤدي ذلك كله إلى افتراض موافقة الأولى على واقعة التأجير من الباطن، ولما كان الحكم المطعون فيه قد استخلص افتراضاً منه - وخروجاً على ما تحويه عبارات الخطاب المشار إليه وما يؤديه إليه مدلولها - ومن وثيقة التأمين التي أبرمت بين الشركة الطاعنة والشركة المطعون ضدها الثانية دليلاً على موافقة الأولى على التأجير من الباطن ونزولها الضمني عن حق طلب الإخلاء لهذا السبب وهي أسباب غير سائغة لا تكفي لحمل قضائه وقد حجبه ذلك عن بحث دفاع الطاعنة في هذا الخصوص مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ولما تقدم يتعين نقض الحكم المطعون فيه