مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1989 إلى آخر سبتمبر سنة 1989) - صـ 613

(92)
جلسة 4 من مارس سنة 1989

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد حامد الجمل - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: عبد اللطيف أحمد أبو الخير ويحيى السيد الغطريفي وإسماعيل صديق راشد وأحمد شمس الدين خفاجي - المستشارين

الطعن رقم 1682 لسنة 31 القضائية

( أ ) عاملون مدينون بالدولة - تأديب - دعوى تأديبية - ميعاد السقوط من تاريخ علم الرئيس المباشر. يقصد بالرئيس المباشر في مجال تطبيق ميعاد سقوط الدعوى التأديبية بمضي سنة - الرئيس المباشر (للمحالين) مباشرة وليس الرئيس الأعلى - لا يسري الميعاد متى كان الرئيس المباشر متورطاً بدوره في المخالفات المنسوبة للمحالين - في حالة علم الرئيس الأعلى بتلك المخالفة يسري ميعاد السقوط السنوي. أساس ذلك: أنه لا يسوغ إبقاء سيف الدعوى التأديبية مسلطاً على رقاب العاملين المرؤوسين طالما كان الرئيس المباشر باقياً إذا ما علم الرئيس الأعلى منه مرتبة بتلك المخالفة - يتعين أيضاً لسريان الميعاد من تاريخ علم الرئيس الأعلى مرتبة أن لا يكون هو ذاته متورطاً أيضاً في تلك المخالفات مثل الرئيس المباشر ذاته - تطبيق.
(ب) رسوم - رسم دلالة - تحصيله وفرضه:
تحصيل وصرف الأموال العامة تحكمها قواعد قانونية ومالية واجبة الإتباع وهى تحتم موافقات الجهات الأعلى طبقاً للقانون - ليس فى موافقة السلطة الرئاسية أو إقرارها لما وقع من مخالفات تأديبية من العاملين ما يعفيهم من المسئولية ويعصمهم من العقاب إلا إذا ثبت أن ارتكاب المخالفة كان تنفيذاً لأمر مكتوب صادر من الرئيس بالرغم من تنبيهه كتابة إلى المخالفة - تطبيق.
(ج) موظف - تأديب - الجزاءات التأديبية - فكرة القانون الأصلح للمتهم.
لا يجوز توقيع عقوبة تأديبية ما لم تكن مقررة ونافذة وقت وقوع الفعل التأديبي الذي يجازي من أجله ما لم يكن العقاب التأديبي قد تعدل بصورة أصلح إعمالاً للمبدأ المقرر في مجال العقاب الجنائي وما تحتمه وحدة الأسس العامة للعقاب التي تجمع بينه وبين العقاب التأديبي رغم تميز كل منهما في الإجراءات والنطاق وتكييف الأفعال ونوعية العقوبات ما لم يكن قد استحال ذلك نتيجة تغير الحالة الوظيفية بالتقاعد فيوقع على العامل العقوبة المقررة لمن ترك الخدمة - تطبق ذات القاعدة السابقة في حالة إذا ما حصل التعديل إلى الأصلح للعامل من ناحية العقاب التأديبي في مرحلة الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا - تطبيق [(1)].


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين 8/ 4/ 1985 أودع الأستاذ........ المحامي والوكيل عن الطاعنين الثلاثة، تقرير الطعن الماثل قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا - طعناً على الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا بالإسكندرية بجلسة 27/ 2/ 1985 في الدعوى التأديبية رقم 54 لسنة 12 ق المقامة من النيابة الإدارية ضد الطاعنين، والقاضي بمجازاة الأول بغرامة تعادل الأجر الأساسي الذي كان يتقاضاه في ثلاثة أشهر عند انتهاء خدمته، ومجازاة كل من المحال الثاني والثالث بعقوبة الوقف عن العمل لمدة أربعة أشهر مع صرف نصف الأجر لكل منهما.
وطلب الطاعنون - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة الطاعنين بالعقوبات المذكورة، والحكم ببراءتهم مما نسب إليهم بتقرير الاتهام، وما يترتب على ذلك من آثار.
أعلن تقرير الطعن إلى هيئة قضايا الدولة نائبة عن المطعون ضدهم بصفاتهم، وذلك بتاريخ 20/ 4/ 1985 وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن مؤرخاً أكتوبر سنة 1986 انتهت فيه - لما ورد به من أسباب - إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بجلسة 28/ 10/ 1987 والجلسات التالية على النحو الثابت بمحاضر الجلسات. وبجلسة 8/ 6/ 1988 قررت الدائرة المذكورة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة فنظرته بجلسة 8/ 10/ 1988 حيث قررت المحكمة التأجيل لجلسة 29/ 10/ 1988 لحضور الطاعنين وبالجلسة المذكورة أودعت هيئة قضايا الدولة - نائبة عن المطعون ضدهم - مذكره بدفاعها انتهت فيها إلى طلب الحكم برفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه فيما قضى به من جزاء وقررت إصدار الحكم في الطعن بجلسة 19/ 11/ 1988 ثم قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة 26/ 11/ 1988 لإتمام المداولة ثم إعادة الطعن للمرافعة لجلسة 10/ 12/ 1988 وتداول بالجلسات حسب الثابت بالمحاضر حتى تقرر حجزه للحكم لجلسة 18/ 2/ 1989 حيث مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم 4/ 3 / 1989 وفيما صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة، والمداولة.
من حيث إن تقرير الطعن أودع من الطاعنين قلم كتاب المحكمة في الميعاد القانوني أي خلال ستين يوماً التالية لصدور الحكم المطعون فيه. وفقاً لما تقضي به المادة (44) من القرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة حيث تم إيداع الطعن بتاريخ 8/ 4/ 1985 في الحكم الصادر بجلسة 27/ 2/ 1985 مستوفياً باقي أوضاعه القانونية - لذا فالطعن مقبول شكلاً.
ومن حيث إنه عن الموضوع، فإن واقعاته تخلص - في أنه بتاريخ 22/ 12/ 1983 أقامت النيابة الإدارية الدعوى التأديبية رقم 116 لسنة 26 ق بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية بالإسكندرية متضمنة تقريراً باتهام:
1 - ....... رئيس مدينة حوش عيسى سابقاً بدرجة مدير عام، وحالياً بالمعاش.
2 - ........ رئيس حسابات الوحدة المحلية لمركز حوش عيسى، بالدرجة الثالثة.
3 - ........ رئيس إيرادات الوحدة المحلية لمركز حوش عيسى، بالدرجة الثالثة.
لأنهم في المدة من ديسمبر سنة 1981 إلى مارس سنة 1982 بالوحدة المحلية لمركز حوش عيسى بمحافظة البحيرة لم يؤدوا العمل المنوط بهم بدقة وخالفوا القواعد والأحكام المالية المقررة بما يمس مصلحة مالية للدولة بأن - حصلوا مبلغاً قدره 12723.845 جنيه من المشتريات لأراضي التقسيم بمدينة حوش عيسى كرسم دلالة لم يقوموا بإضافتها للإيرادات بموجب إيصالات غير حكومية وقاموا بتوزيعها كمكافآت على بعض العاملين بالمصالح المختلفة، وبعض وجوه الصرف الأخرى على النحو المبين بالأوراق.
وطلبت النيابة الإدارية محاكمة المحالين بالمواد الموضحة بتقرير الاتهام.
وبجلسة 3/ 3/ 1984حكمت المحكمة التأديبية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبإحالتها إلى المحكمة التأديبية للعاملين من مستوى الإدارة العليا بالإسكندرية، حيث قيدت برقم 54 لسنة 12ق، وحدد لنظر الدعوى أمام تلك المحكمة جلسة 26/ 12/ 1984. وبجلسة 27/ 2/ 1985 أصدرت حكمها المطعون فيه.
وقد أقامت المحكمة قضائها على أن المخالفة المنسوبة للمحالين الثلاثة ثابتة في حقهم جميعاً وذلك بأنهم قاموا بتحصيل نسبة مئوية (2%) من أثمان بيع الأراضي المباعة كرسم دلالة ومصاريف الإعلان والنشر والطبع ومكافآت للعاملين بلجان البيع. في حين أن رسم الدلالة لا يفرض إلا مقابل قيام أحد الخبراء المثمنين بعملية بيع المنقولات مع أن بيع الأراضي تم بواسطة العاملين بالوحدة المحلية وبديوان محافظة البحيرة، ومديرية الإسكان بها وغيرهم. ولم ينكر أحد الثلاثة قيامهم بذلك. كما أنهم لم ينكروا أنهم لم يقوموا بإضافة المبالغ التي حصلوها بموجب قسائم غير حكومية إلى الإيرادات العامة. كما ثبتت موافقة المحال الأول (الطاعن الأول) على شراء عدد (2) فسبا خصصت إحداهما للمحال الثاني بوصفه رئيساً للحسابات، وخصصت الثانية للمحال الثالث بوصفه رئيساً للإيرادات وهو يعلم أن حاجة العمل لا تستدعي ذلك الشراء. وقد عجز كل منهم عن إيضاح المبرر المعقول لعملية الشراء والتخصيص. وانتهت المحكمة إلى أنه وقد ثبتت المخالفة المنسوبة إلى كل من المحالين الثلاثة فإنهم بذلك يكونوا قد خالفوا الواجبات المفروضة على كل عامل والمنصوص عليها في المادة (76) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978. ويتعين لذلك وعملاً بحكم المادة (88) من القانون المذكور مجازاتهم تأديبياً.
ومن حيث إن الطعن الماثل يقوم على الأسباب الآتية:
أولاً - الخطأ في تطبيق القانون: ذلك أن الحكم المطعون فيه قضى برفض الدفع المبدي من الطاعنين الثاني والثالث بسقوط الدعوى التأديبية بمضي سنة من تاريخ علم الرئيس المباشر بالواقعة، طبقاً لحكم المادة (91) من القانون رقم 47 لسنة 1978 لأنه يشترط لذلك ألا يكون الرئيس المباشر مشتركاً في ارتكاب ذات المخالفة كما هو الشأن بالنسبة للمحال الأول وهو الرئيس المباشر للمحالين الثاني والثالث. وهذا النظر وليد اجتهاد القضاء بالرغم من أنه لا اجتهاد مع صراحة النص وخلوه من مثل هذا النظر، ويستوجب المنطق تطبيق أحكام سقوط الدعوى التأديبية بمضي سنة من تاريخ علم رئيس الرئيس المباشر أو الرئيس الأعلى. وإذ علم محافظ البحيرة بالمخالفات المسندة إلى الطاعنين بتاريخ 26/ 7 / 1982 ولم يتخذ بشأنها أي إجراء من إجراءات التحقيق والاتهام قبل قيام النيابة الإدارية بالتحقيق بتاريخ 11/ 9/ 1983 أي بعد مضى سنة من تاريخ علمه بها، فمن ثم فإن رفض الحكم للدفع يكون خطأ في تطبيق القانون.
وقد طبق الحكم التعديل الذي جاء به القانون رقم 115 لسنة 1983 في المادة 88/ 3 برفع الحد الأدنى للعقوبة الواردة بها إلى (25) جنيهاً والحد الأقصى إلى خمسة أضعاف الأجر الأساسي. مع أن المخالفة المسندة إلى الطاعنين وقعت في الفترة من ديسمبر سنة 1981 إلى مارس سنة 1982 أي قبل هذا التعديل. حيث لم تكن تتجاوز الغرامة الأجر الإجمالي الذي كان يتقاضاه الطاعن الأول في الشهر عند انتهاء الخدمة. وبالتالي فإنه يكون الحكم قد أخطأ في تطبيق القانون.
ثانياً - فساد الاستدلال. لأن الثابت أن بيع تلك الأراضي قد تم على أكمل وجه، وأن تحصيل النسبة (2%) كان بعد دراسة من جهات متعددة، وأن كافة الإجراءات والشروط والقواعد قد اعتمدت من المجالس المحلية والمجلس التنفيذي بمحافظة البحيرة. كما اعتمدها السيد المحافظ والسيد سكرتير عام المحافظة، وأن الطاعنين لم يستقلوا بإرادتهم المنفردة بأي إجراء من هذه الإجراءات لذا كان لزاماً عليهم أن ينفذوا هذه القرارات، وبالنسبة لشراء عدد (2) فسبا فإن رئيس الوحدة أقدر من غيره على معرفة مدى احتياج الوحدة لهما. وهو ما يتضح منه أن الطاعنين لم يهملوا في أداء واجبات وظائفهم. بل الثابت من تقرير اللجنة التي شكلت لفحص الموضوع بقرار من المحافظ أن الذين حصلوا على مكافآت قد بذلوا جهداً غير عادى لإنجاز عملية بيع تلك الأراضي. وتأسيساً على ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه يكون مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن الموضوع يخلص - حسب الثابت من الأوراق - في أن الوحدة المحلية لمركز حوش عيسي بمحافظة البحيرة قد قامت خلال الفترة من ديسمبر سنة 1981 حتى مارس سنة 1982 ببيع أراضي التقسيم بالمدينة. وفرضت (2%) من ثمن الأرض المباعة كرسم دلالة يدفعها المشتري بلغت قيمتها 12623.845 جنيه قامت الوحدة بتوزيعها على بعض العاملين بالمحافظة ومديرية الإسكان والوحدة المحلية والمجلس الشعبي المحلى ومركز الشرطة بحوش عيسى. فضلاً عن بعض المصاريف الأخرى. وكانت الوحدة المحلية المشار إليها قد عرضت على المحافظ مذكرة خاصة بشروط البيع تضمنت في البند الخامس منها تحصيل (2%) من إجمالي ثمن البيع قيمة دلالة ومصاريف إعلان ونشر وطبع ومكافأة العاملين بلجان البيع. وقد وافق على ذلك سكرتير عام المحافظة. غير أنه ثبت من تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات أن هذه القيمة ليست رسم دلالة الذي يحظر تحصيله وفقاً لقانون رسم الدلالة رقم 100 لسنة 1957 بواسطة أحد الموظفين غير المقيدين بسجل الخبراء المثمنين. وإنما هي في حقيقتها من قبيل المصاريف الإدارية. كما كشف الجهاز المركزي للمحاسبات عن عدة مخالفات تنحصر في أسلوب تحصيل هذه المبالغ وتوريدها وأوجه الصرف منها، فقد تم تحصيلها بموجب إيصالات تم طبعها بمعرفة مدير الإيرادات بالوحدة المحلية ولم يتم تحصيلها على قائمة التحصيل الحكومية (033ع ح) حسب تعليمات وزارة المالية الصادرة في هذا الشأن كما أن رئيس الإيرادات(.....) الطاعن الثالث لم يقم بتوريد تلك المبالغ ضمن إيرادات الوحدة المحلية لتدخل في الميزانية العامة. وهو أمر أقره عليه رئيس المدينة (الطاعن الأول) هذا فضلاً عن أنهم قد خالفوا مبدأ شمول الموازنة العامة أو تخصيص إيراد معين لمواجهة مصروف محدد إلا في الأحوال الضرورية. إذ قاموا بشراء عدد (2) فسبا خصصت إحداهما للطاعن الثاني، والثانية للطاعن الثالث مع أن طبيعة عمل كل منهما لا تستوجب ذلك.
وقد أجرت النيابة الإدارية التحقيق في شأن تلك المخالفات التي تضمنها تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، وبسؤال الطاعن الأول قرر أنه بعد أن وافقت المجالس المحلية والمجلس التنفيذي للمدينة والمحافظة على بيع هذه الأراضي، قامت إدارة الأملاك بمديرية الإسكان بالمحافظة بالاتصال بالوحدة المحلية وطلبت عرض شروط البيع عليها للموافقة ومن ضمن هذه الشروط تحصيل نسبة (2%) من ثمن الأراضي المباعة كمصروفات للإعلان والنشر والمطبوعات ومكافآت العاملين وأنه تمت الموافقة على هذه الشروط، وأضاف القول بشأن وضع المبالغ المحصلة بأن اللجنة المشكلة من سكرتير الوحدة المحلية والشئون القانونية والمراقب المالي ومدير الإيرادات قد رأت أن تجنب النسبة المئوية المشار إليها في حساب خاص بعد تحصيلها بموجب إيصالات خاصة. وبرر الطاعن الأول تحصيل تلك المبالغ بغير القسائم الحكومية قائلاً أن اللجنة المشار إليها رأت أن تلك النسبة المئوية لا تعتبر من الأموال العامة، وأنه لذلك استخرجت عنها إيصالات خاصة ونفى الطاعن الأول أنه أصدر توجيهات إلى رئيس الإيرادات (الطاعن الثالث) بالاحتفاظ بتلك المبالغ المحصلة خارج نطاق الإيرادات وأقر الطاعن الأول أنه فعلاً اعتمد شراء عدد (2) فسبا من جملة تلك النسبة بقصد خدمة أغراض التحصيل للأقساط من المشترين، لأن حاجة العمل كانت تتطلب ذلك، وأن الشراء تم بالطريق القانوني، وأنه تم إضافتهما إلى المخازن.
وبسؤال....... المدير الإداري لإدارة الأملاك بالبحيرة قرر أن بيع الأراضي المشار إليها تم وفقاً للشروط الواردة بمذكرة الوحدة المحلية لمركز ومدينة حوش عيسى والتي تمت مراجعتها من الشئون القانونية بالمحافظة واعتمدت من المحافظ، لأن هذه الأراضي ملك للوحدة المحلية.
وبمواجهته بما جاء بأقوال الطاعن الأول من أن إدارة الأملاك هي التي طلبت عرض شروط البيع ومنها تحصيل النسبة المئوية المشار إليها، وأن إدارة الأملاك وافقت على هذه الشروط في شهر يونيه سنة 1981 - أجاب الشاهد المذكور أن هذه كانت مجرد مقترحات عرضت على الوحدة المحلية للأخذ بها من عدمه، وأن الوحدة المحلية اتخذت إجراءات الموافقة عليها من المحافظ. وعندما سئل عن طبيعة المبالغ التي حصلت بتلك النسبة أجاب بأن هذه المبالغ في حقيقتها مصاريف إدارية للنشر والإعلان والمكافآت ولا تعتبر دلالة حسب التسمية الواردة بمقولة أن الدلالة نوع من السمسرة للتقريب بين البائع والمشتري.
وبسؤال الطاعن الثاني قرر أنه يوجد فعلاً شرط ضمن شروط البيع وهو تحصيل نسبة (2%) من ثمن البيع من المشتري وتخصيصها كمكافآت لأعضاء لجان البيع وتسليم الأراضي واللجان الأخرى التي ساهمت في البيع وتمت الموافقة على تلك الشروط من المحافظ وأصر الطاعن الثاني على القول بأن المبالغ المحصلة تعتبر مخصصة حسب الموافقات المسبقة على التحصيل كمكافآت ومصروفات نشر وإعلان مصروفات أخرى تتعلق بعملية البيع، ونفى وصفها بأنها مصروفات إدارية حسبما وصفها الجهاز المركزي للمحاسبات، وأضاف أن تحصيل تلك النسبة تم بموجب إيصالات خاصة مختومة بختام شعار الجمهورية الخاص بالوحدة المحلية، وأن هذا التحصيل تم بمعرفة قسم الإيرادات بها وتم تخصيص حساب خاص لها، وأن الوحدة المحلية لم تعتبرها من قبيل الإيرادات العامة حتى يمكن إضافتها إلى إيرادات الوحدة المحلية. وبالنسبة لشراء عدد (2) فسبا قرر الطاعن الثاني أن الوحدة المحلية قامت بشرائهما بإجراءات قانونية وبموافقة رئيس مجلس المدينة (الطاعن الأول) وتم إضافتهما إلى مخازن الوحدة في نفس يوم الشراء، وأنه قد تم صرف إحداهما إليه، والأخرى إلى رئيس الإيرادات (الطاعن الثالث) وذلك للاستعمال في الأغراض المصلحية كعهدة شخصية.
وبسؤال الطاعن الثالث قرر أنه قد تم الإعلان عن بيع أراضي التقسيم بحوش عيسى، وعرضت مذكرة على المحافظ متضمنة الشروط الخاصة بالبيع ومنها شرط فرض نسبة 2% على المشتري كرسم دلالة وكحوافز للعاملين ومصروفات إدارية. ووافق المحافظ على هذه الشروط ذلك أن هذه المبالغ كانت مخصصة لأغراض معينة كحوافز للعاملين. ولو أنها دخلت في الإيرادات لصعب تحقيق الغرض منها. وبرر عدم تحصيل المبالغ بموجب إيصالات حكومية (33.ع ح) بأن اللجنة رأت أن يتم التحصيل بموجب إيصالات معتمدة ومختومة بخاتم شعار الجمهورية. لأنه لو تم تحصيلها بموجب قسائم التحصيل الحكومية لدخلت في الإيراد العام وبالتالي يصعب تنفيذ الغرض منها. وأقر الطاعن الثالث بأنه احتفظ فعلاً بهذه المبالغ وأنه قام بتجنيبها بخزينة الإيرادات. وأسند قيامه باحتفاظه بتلك المبالغ على هذا النحو إلى صدور توجيهات من رئيس مجلس المدينة (الطاعن الأول) وموظفي الإدارة القانونية بلجنة البيع. وعن شراء الفسبا قال الطاعن الثالث أنه تم شراء هذه الفسبا لقسم الإيرادات لأعمال التحصيل وأنها أضيفت إلى المخازن في حينه، وسلمت إليه كعهدة شخصية، وأنه يقوم بدوره بتسليمها للمحصلين كما يقوم باستعمالها في أغراض العمل.
ومن حيث إنه - بالبناء على ما تقدم - فإن ما أسند إلى الطاعنين يكون ثابتاً في حق كل منهم، ويكون الحكم المطعون فيه بمجازتهم عما ثبت في حقهم قد أقام قضاءه على أساس سليم من الواقع والقانون.
ومن حيث إنه عما أثاره الطاعنون من الدفع بسقوط الدعوى التأديبية بمضي سنة من تاريخ علم الرئيس المباشر وهو المحافظ نظراً لان المحال الأول رئيس مدينة حوش عيسي ضمن المنسوب إليهم ذات المخالفة إذ لم تتخذ الإجراءات التأديبية خلال سنة من تاريخ علمه بوقوع المخالفة وهذا ما تقرره أحكام المادة (62) فقرة أولى من القانون رقم 58 لسنة 71 النافذ وقت وقوع الجرائم التأديبية المنسوبة للطاعنين وكذلك الفقرة الأولى من المادة (91) من القانون رقم 47 لسنة 1978 قبل استبدالها بالقانون رقم 115 لسنة 1983 - فإن الحكم المطعون فيه قد رد بحق على هذا الدفع بأن المقصود بالرئيس المباشر مباشرة وليس الرئيس الأعلى وهو المحافظ ولما كان الرئيس المباشر رئيس مدينة حوش عيسى مشتركاً مع الآخرين في ارتكاب ذات المخالفة فإن الدعوى التأديبية لا تسقط بالنسبة للطاعنين بمضي سنة من تاريخ علمه بوقوع المخالفة كذلك فإن ما ذهب إليه الطاعنون من أن يبدأ الميعاد من تاريخ علم الرئيس الأعلى للرئيس المباشر لو كان متورطاً مردود عليه بأن المقصود بالرئيس المباشر الذي يبدأ من قعوده عن اتخاذ الإجراءات التأديبية في مواجهة المخالفين من مرؤوسيه سريان ميعاد سقوط المسئولية التأديبية ذلك الرئيس الذي يتولى المسئولية في متابعة أعمال مرؤوسه وله السلطة في اتخاذ ما يراه من إجراءات لمحاسبتهم على مخالفاتهم للقانون أو النظام الإداري رعاية للصالح العام دون أن يكون ثمة حائل يمنعه من مباشره تلك السلطة بحيث يجري الميعاد ويتحقق السقوط على قرينة أن إغفال ذلك الرئيس المحايد وغير المتورط في الجرائم التأديبية لمرؤوسيه اتخاذ الإجراءات التأديبية قبلهم تقوم على مبرر مفترض ومحمول على وجه من وجوه مقتضيات الإدارة غير المنحرفة - أما إذا كان ذلك الرئيس مشتركاً مع مرؤوسيه فإنه ممتنع عليه بحكم الطبيعة البشرية أن يحاسبهم وإلا أدان نفسه ومن ثم فإنه يمتنع سريان ميعاد السقوط مع محمل قرينة أن سكوت الرئيس المحايد غير المتورط في الجريمة التأديبية تقوم على وجه من وجوه مقتضيات الإدارة غير المنحرفة للمصالح أو المرافق العامة فضلاً عما يستهدفه تحديد ميعاد للسقوط من عدم تأبيد المسئولية التأديبية على رؤوس العاملين مما يربكهم في أداء واجباتهم ويدفعهم إلى الجمود والتردد في أداء أعمال وظائفهم إذا بقوا مهددين لفترات طويلة بالعقاب التأديبي عما يكون قد وقع منهم من مخالفات وذلك فإنه حيث تقضي حكمة النص المحدد لميعاد سقوط الدعوى التأديبية وبدء سريان هذا الميعاد بعلم الرئيس المباشر، فإنه مع التسليم بصحة ما ذهب إليه الحكم الطعين من عدم سريان الميعاد لو كان هذا الرئيس المباشر مباشرة للمتهمين تأديبياً - متورطاً - في هذه الجرائم حسبما سلف البيان فإنه لا يسوغ إبقاء سيف الدعوى التأديبية مسلطاً على رقاب العاملين المرؤوسين طالما بقي هذا الرئيس المباشر رئيساً لهم وذلك إذا ما علم بتلك المخالفات الرئيس الأعلى منه مرتبة والذي يملك حق الإحالة للتحقيق أو التبليغ للسلطات التي تملك الأمر بهذا التحقيق ويتعين أيضاً لسريان الميعاد من تاريخ علم هذا الرئيس الأعلى مرتبة أن لا يكون هو ذاته متورطاً أيضاً في تلك المخالفات مثل الرئيس المباشر ذاته ولذات الإعتبارات والأسباب المبينة فيما سبق، ومن ثم وإذ أن الثابت من الأوراق أن ما تم من مخالفات سواء في البيع بالمزاد وتحصيل نسبة مالية لا سند لها من القانون من المواطنين وإدراجها خارج الإيرادات العامة وصرفها كمكافآت للعاملين وشراء فسبا..... إلخ قد تم بعض العرض على الرئاسات المختصة المتوالية وفى قمتها المحافظ، ومن ثم فإن هذه الرئاسات الأعلى المتوالية حتى قمتها يمتنع أن يجري ميعاد سقوط الدعوى التأديبية من تاريخ علمها مثل الرئيس المباشر للطاعنين لما سلف بيانه ومن ثم فلا سند من القانون للقول بسقوط الدعوى التأديبية قبل الطاعنين سواء من تاريخ علم الرئيس المباشر أو من تراه متدرجاً في السلطة الرئاسية حتى المحافظ ما دام أن هذه الرئاسات كانت تعلم بما وقع من مخالفات على نحو يمكنها من مباشرة سلطتها في الرقابة أو المتابعة والتبليغ للسلطات المختصة أو إحالة الطاعنين إلى التحقيق وتحريك مسئوليتهم التأديبية.
ومن حيث إنه أخيراً على القول بأن تحصيل نسبة 2% إنما كان وليد دراسة أجهزة الوحدة المحلية وموافقة محافظة البحيرة، فإن هذه الموافقة لا يمكن الاستناد إليها في إعفاء الطاعنين من المسئولية. إذ أن التحصيل والصرف للأموال العامة إنما تحكمهما قواعد قانونية ومالية واجبة الإتباع وهى تحكم حتى موافقات الجهات الأعلى، كالسيد المحافظ والذي يتعين أن تكون موافقاته محكومة بالقانون. وليس في موافقة المحافظ أو السلطات الرئاسية المذكورة أو إقرارهم لما وقع من مخالفات تأديبية من الطاعنين ما يعفيهم من المسئولية ويعصمهم من العقاب التأديبي ذلك لأن القاعدة التي قررها المشرع في نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر به القانون رقم 58 لسنة 1971والنافذ وقت وقوع المخالفات المنسوبة للطاعنين تقضي بأن لا يعفى العامل من العقوبة استناداً لأمر رئيسه إلا إذا أثبت أن ارتكابه للمخالفة كان تنفيذاً لأمر مكتوب بذلك صادر إليه من هذا الرئيس بالرغم من تنبيهه كتابة إلى المخالفة وفى هذه الحالة تكون المسئولية على مصدر الأمر وحده - ولم يثبت أن الطاعنين قد نبهوا المحافظ أو غيره للمخالفات التي ارتكبوها فأمرهم كتابة رغم تنبيهه إلى ذلك بالاستمرار في تنفيذ هذه المخالفات المالية والإدارية - إلا أن وقوع المخالفات المنسوبة للطاعنين مع علم الرئاسات الأجهزة المحلية صاحبة الإشراف والرقابة والمتابعة على أعمالهم وبموافقة المحافظ الرئيس الأعلى للعاملين بالمحافظة لا شك يمثل طرفاً موضوعياً يدل على أن خللاً عاماً في إدارة العمل قد أسهم في وقوع الطاعنين في المسئولية التأديبية يتمثل في التهاون في احترام الأحكام والنصوص القانونية المنظمة لبيع الأراضي ولوضع الموازنات، وتحصيل الإيرادات والصرف منها وفقاً للإجراءات وبمراعاة الأوضاع المقررة لذلك والتهافت على الحصول على موارد غير قانونية خارج الموازنة للصرف منها مكافآت للعاملين دون اعتماد على هذا النحو ويتعين أن يراعى هذا كله في تقدير الجزاء ومن ثم فإن الطعن على الحكم بفساد الاستدلال يكون في غير محله، متعيناً الالتفات عنه بدوره.
ومن حيث إنه بشأن من أثاره الطاعنون من أوجه للطعن على الحكم المطعون فيه فيما يتعلق بشرعية العقوبة التأديبية التي وقعها الحكم المذكور فإن المادة (66) من الدستور تنص على أن "العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون".
كما أن المادة (67) من الدستور تنص على أن "المتهم برى حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه... إلخ". وتنص المادة (70) على أنه "لا تقام الدعوى الجنائية إلا بأمر من جهة قضائية فيما عدا الأحوال التي يحددها القانون".
كما نصت المادة (14) على أن "الوظائف العامة حق للمواطنين وتكليف القائمين بها لخدمة الشعب، وتكفل الدولة لهم حمايتهم وقيامهم بأداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب، ولا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي إلا في الأحوال التي يحددها القانون".
وحيث إنه يبين من النصوص الدستورية السابقة أن المشرع قد قرر في المادة (66) بصفة عامة مطلقة المبادئ التي قررتها الأديان السماوية وخاتمها الإسلام ورددتها نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن المبادئ العامة الحاكمة لمشروعية العقاب سواء أكان جنائياً أو تأديبياً وهو أنه شخصي يتعلق بشخص المتهم وحده ولا يمتد لغيره وأنه يتعين أن يتم التجريم وتحديد العقاب بأداة تشريعية عامة سواء بقانون أو بناء على قانون، ولا يجوز أن يعاقب أحد بأية عقوبة إلا عن فعل لاحق على نفاذ القانون بالتجريم وتحديد العقاب، كذلك فإن المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية يكفل له فيها تحقيق دفاعه، ويؤكد عموم تلك النصوص وسريانها على المسئولية التأديبية بأركانها الثلاثة من جريمة تأديبية، وعقوبة تأديبية، وإجراءات تأديبية عموم عبارات تلك النصوص المرددة لمبادئ أعلى منها قداسة وإلزاماً من جهة، وما ألزم به المشرع الدستوري المصري وسلطات الدولة الأخرى من كفالة حماية الموظفين العموميين وقيامهم بأداء خدماتهم وواجباتهم في رعاية مصالح الشعب وعدم جواز فصلهم بغير الطريق التأديبي إلا في الأحوال التي يحددها القانون، بحيث يكون تقرير مجازاتهم تأديبياً وفصلهم كذلك في الأحوال التي يحددها القانون بمراعاة تلك المبادئ الأساسية الضابطة للعقوبات بكل أنواعها في الدولة الخاضعة لسيادة القانون وفقاً لصريح المادة (64) من الدستور.
ومن حيث إنه يؤكد ما سبق ما نصت عليه أنظمة العاملين المتعاقبة الصادرة بقوانين والتي أخرها القانون رقم 47 لسنة 1978 من تحديد للجريمة التأديبية ووصفها في القانون رقم 210 لسنة 1951 أو القانون رقم 46 لسنة 1964 أو القانون رقم 58 لسنة 1971 والتي أخرها القانون رقم 47 لسنة 1978من تحديد للجريمة التأديبية ووصفها بصفة عامة وكذلك في أوصاف متعلقة بالواجبات الأساسية للعامل والأفعال المحظور عليه ارتكابها، وإن كان هذا التحديد لا يتضمن ربط كل فعل بالتحديد بالجزاء الواجب توقيعه عليه إلا في حالة النص الصريح على ذلك كما في لوائح الجزاءات التي تصدرها السلطة المختصة من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 والمواد 78، 79، 80، 81، 82، والمواد 52، 53، 55، 56، 57، 58، 64، 65، من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 58 لسنة1971 وحظر توقيع أية عقوبة تأديبية مما حدده المشرع على سبيل الحصر على العامل إلا بعد التحقيق معه كتابة وتحقيق دفاعه وبشرط تسبيب قرار الجزاء كقاعدة عامة وتحديد السلطة التأديبية التي توقع ومدى ولايتها التأديبية وحدودها سواء كانت السلطة الرئاسية أو المحكمة التأديبية وحيث إنه قد نص الدستور في المادة (187) منه على أنه (لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها، ومع ذلك يجوز في غير المواد الجنائية النص في القانون على خلاف ذلك بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشعب".
ومن حيث إن المشرع قد حسم بذلك الأمر بالنسبة لرجعية القوانين وغيرها من التشريعات من باب أولى، فلم يجعل لأي منها سلطان حاكم إلا بالنسبة للوقائع التي تحدث في تاريخ نفاذها وحظر أي أثر فيما وقع قبلها وأجاز الدستور استثناء في غير المواد الجنائية تقرير الأثر الرجعي للقانون ومثله في ذلك التشريع الأدنى مرتبة من باب أولى كما سلف القول.
وحيث إنه وإن جري الفقه والقضاء الإداريين وبخاصة القضاء التأديبي على استقلال المسئوليتين التأديبية والجنائية فيما يتعلق بغير ما سبق من أصول عامة لشريعة العقاب القانوني أياً كان نوعه، فإنه وإن لم يرد النص سالف الذكر صراحة على حظر رجعية العقاب التأديبي مثل الحظر الذي أورده على الرجعية في المواد الجنائية، فإن هذا الحظر باعتباره أصلاً من الأصول العامة للعقاب القانوني يسري على العقوبة التأديبية وبحكم المسئولية التأديبية تشريعاً وقضاءً إعمالاً للمبدأ العام الذي تفرضه شرعية العقاب من جهة وعموم عبارة نص المادة (66) من الدستور في فقرتها الأخيرة التي حظرت العقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون المقرر للتجريم والعقاب من جهة أخرى، ولأن عبارات نصوص نظام العاملين المدنيين بالدولة بشأن المسئولية التأديبية تردد هذا الأصل العام صراحة وهو أن المسئولية التأديبية تتحرك بمجرد وقوع الفعل الذي يشكل الجريمة التأديبية أو فور كتابته كما أن العقوبة التأديبية التي توقع على العامل هي تلك النافذة والمعمول بها وقت ارتكابه للجريمة التأديبية وهذا هو ما يجري بالفعل في الغالبية العظمى للمخالفات التأديبية حيث يتم التحقيق وتوقيع الجزاء في وقت لا يسمح بتعديل القوانين فالفقرة الأولى من المادة (78) من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 تنص على أن " كل عامل يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة يجازى تأديبياً.... الخ".
وتنص الفقرة الأولى من المادة (79) على أنه "لا يجوز توقيع جزاء على العامل إلا بعد التحقيق معه كتابة وسماع أقواله وتحقيق دفاعه، ويجب أن يكون القرار الصادر بتوقيع الجزاء مسبباً، وتنص الفقرة الأولى من المادة (80) على أن الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على العاملين هي.... إلخ"@ وتنص المادة (55) من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1971على أن "كل عامل يخالف الواجبات المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة يعاقب تأديبياً...... إلخ" وتنص المادة (56) على أنه لا يجوز توقيع عقوبة على العامل إلا بعد التحقيق معه وسماع أقواله وتحقيق دفاعه ويطابق نص الفقرة الأولى من المادة (57) من هذا النظام الفقرة الأولى من المادة (80) من القانون رقم 47 لسنة 1978ويبين من هذه النصوص جميعها أن العقاب التأديبي الجائز توقيعه هو ذلك المقرر قانوناً والنافذ وقت حدوث الجريمة التأديبية يؤكد ما سبق أن نظام المحاكم التأديبية وبصفة خاصة وفقاً لأحكام القانون رقم 58 لسنة 1971والقانون رقم 47 لسنة 1978 تقضي بأن المحكمة التأديبية المختصة هي المحكمة التي تختص بالمحاكمة التأديبية للعاملين بالجهة الإدارية التي وقعت بها الجرائم التأديبية كما تنص على توقيع العقوبة على العامل الذي يترك الخدمة لأي سبب أثناء المحاكمة التأديبية متى كان قد بدئ في التحقيق قبل انتهاء خدمته في المخالفات الإدارية ولو كان قد بدئ في التحقيق بعد انتهاء خدمته وخلال خمس سنوات من انتهائها بعقوبة من العقوبات التأديبية التي حددها المشرع بالنص لتتلاءم مع التغيير الذي حدث في الوضع الوظيفي للعامل حيث يجعل تركه للخدمة توقيع عقوبة من العقوبات المقررة للعاملين بالخدمة غير محققة الهدف العقابي فيها أو مستحلية التنفيذ من ناحية أخرى ولم يكن المشرع في حاجة إلى هذه الأحكام إلا لو كان الأصل أن العقوبة التي يجازى بها العامل هي تلك المقررة قانوناً وقت ارتكابه المخالفة التأديبية وقبل انتهاء خدمته المادة 64 من القانون رقم 58 لسنة 1971، والمادة (88) من القانون رقم 47 لسنة 1978.
ويضاف إلى ما سبق أن الأصل وفقاً لمقتضيات حسن الإدارة التي توجب سرعة الردع والزجر لمن يرتكب مخالفات تأديبية من العاملين أن يتم بسرعة التحقيق وتوقيع الجزاء المناسب بناء عليه على المسئول تحقيقاً للانضباط الإداري وحسن الأداء للعاملين بحيث لا يستغرق حسم المسئولية التأديبية وقتاً بين وقوع الأفعال المؤثمة وتوقيع الجزاء يسمح عادة بحدوث تعديل في الجزاءات المقرر توقيعها قانوناً عن وقت حدوث المخالفات التأديبية كذلك فإنه بالنص الصريح يحسب ميعاد سقوط الدعوى التأديبية من تاريخ حدوث المخالفة التأديبية بصفة أساسية أو من تاريخ علم الرئيس الإداري المباشر بها (م 62 من القانون رقم 58 لسنة 1971، م 91 من القانون رقم 47 لسنة 1978). ويحسم الأمر بالنسبة لذلك أنه في لائحة الجزاءات التي تضعها السلطة المختصة حيث ترتبط المخالفة بالجزاء المقرر لها، لا يتصور على أي وجه أن تثور شبهة أو يقوم شك في أن الجزاء المقرر هو ذلك الذي حدد للجريمة التأديبية في لائحة الجزاءات وقت وقوعها، ولا يتصور أن يذهب رأى بمقولة إلى أن التعديل في تلك اللائحة في الفترة من وقوع الجريمة التأديبية حتى انتهاء التحقيق وتوقيع الجزاء يترتب عليه سريان اللائحة الجديدة على الجرائم الواقعة وسابقة على نفاذها فالرجعية أمر لا تملكه اللوائح بنص الدستور بصفة عامة حيث الأثر الرجعي يختص به القانون فقط من ناحية، كما أنه كما سلف القول محظور هذا الأثر الرجعي في المجال العقابي جنائياً كان أو تأديبياً على القانون ذاته لحماية الإنسان محل المساءلة الجنائية أو التأديبية من تعرضه لأية عقوبات مشددة عما كان موقعاً عليه عند ارتكابه الجريمة الجنائية أو التأديبية من ناحية أخرى وهذه المحكمة هي ذاتها التي أجازت للمشرع الجنائي أن ينص في المادة (50) من قانون العقوبات على أن "يعاقب على الجرائم بمقتضى القانون المعمول به وقت ارتكابها ومع ذلك إذا صدر بعد وقوع الفعل وقبل الحكم فيه نهائياً قانون أصلح للمتهم فهو الذي يتبع دون غيره وإذا صدر قانون بعد حكم نهائي يجعل الفعل الذي حكم على المجرم من أجله غير معاقب عليه يوقف تنفيذ الحكم وتنتهي آثاره الجنائية... إلخ".
ومن حيث إنه إعمالاً لما سبق من أصول عامة تحكم العقاب والمسئولية التأديبية فإنه يتعين التسليم بأنه لا يجوز أصلاً كقاعدة عامة توقيع عقوبة تأديبية على العامل إلا العقوبة المقررة والنافذة وقت وقوع الفعل التأديبي الذي يجازى من أجله وذلك ما لم يكن العقاب التأديبي قد تعدل بصورة أصلح إعمالاً للمبدأ المقرر في مجال العقاب الجنائي تطبيقاً لما تحتمه الوحدة في الأسس العامة للعقاب الجامعة بينه وبين العقاب التأديبي وذلك رغم تميز كل منهما في الإجراءات والنطاق والتكييف للأفعال المؤثمة ونوعية العقوبات أو ما لم يكن قد أصبح مستحيلاً توقيع العقوبة على المتهم نتيجة تغير حالته الوظيفية بإحالته للتقاعد حيث يوقع عليه العقاب الذي حدده المشرع لمن ترك الخدمة وما يماثل ذلك من حالات.
ومن حيث إنه من الضروري في هذا المجال ذكر أنه يتعين التمييز بين ما سبق وهو ما تلتزم به كل من السلطة التأديبية الرئاسية، والسلطة القضائية التأديبية نزولاً على سيادة الدستور والقانون وصحيح فهم أحكامه، وبين نطاق ولاية الإلغاء التي أناطها المشرع بالمحاكم التأديبية إذ أن هذه الولاية ولاية محدودة تتمثل في رقابة مشروعية القرار الإداري أو التأديبي وهى لا تعدو مراجعة أوجه الطعن على القرار بحسب النظام القانوني الخاضع له وقت صدوره وبحث مدى مشروعيته في ضوء أحكام هذا النظام وحده، والقضاء بإلغاء القرار التأديبي أو برفض هذا الإلغاء بناء على ذلك، دون أن يملك القضاء الإداري أو التأديبي الحلول محل الجهة الإدارية مصدرة القرار في توقيع الجزاء التأديبي، ومن ثم فلا مجال في حدود ونطاق ولاية الطعن بالإلغاء للمحكمة التأديبية أو للمحكمة الإدارية العليا عند نظرها الطعن في الحكم الصادر من المحاكم التأديبية (طعون بإلغاء قرارات تأديبية للنظر في تطبيق القانون الأصلح للطاعن بالإلغاء إذا ما تعدلت العقوبة التأديبية في الفترة من تاريخ صدور القرار التأديبي حتى الفصل في الطعن عليه بالإلغاء وذلك سواء أمام المحكمة المختصة بنظر الطعن بالإلغاء ابتداء أو أمام المحكمة الإدارية التي تنظر الطعن في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية في دعوى الطعن بالإلغاء إذ لا يسوغ لمحاكم مجلس الدولة بحسب نص الدستور أو قانون مجلس الدولة (المواد 68، 172 من الدستور، المواد 10، 15 من القرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 بتنظيم مجلس الدولة) أن تحل محل الجهة الرئاسية التأديبية المختصة في توقيع الجزاء التأديبي الذي خوله لها المشرع في أنظمة العاملين المدنيين.
ففي هذه الحالة الخاصة بالطعون بالإلغاء في القرارات التأديبية يحكم شرعية الجزاء التأديبي كونه مقرراً تشريعياً وقت وقوع الفعل التأديبي وهذا ما تلتزم به السلطة التأديبية الرئاسية ومحاكم مجلس الدولة المختصة بنظر الطعن بالإلغاء ولا سبيل بحسب الطبيعة القانونية للطعن بالإلغاء وولاية القضاء الإداري كجزء من السلطة القضائية للحلول محل السلطة التأديبية الرئاسية وتعديل الجزاء سواء بحجة الغلو فيه أو استناداً إلى مبدأ تطبيق القانون التأديبي الأصلح للطاعن بالإلغاء لخروج ذلك أصلاً عن ولاية المحكمة التأديبية التي تختص بالطعن بالإلغاء وذلك إلا إذا كان تعديل القانون التأديبي قد تم في المرحلة بين وقوع الفعل المؤثم تأديبياً ومباشرة السلطة الرئاسية التأديبية لولايتها في العقاب بحيث أصبح العقاب التأديبي المقرر أصلح للعامل ففي هذه الحالة يكون إهدار السلطة التأديبية الرئاسية تطبيق القانون الأصلح للمتهم في قرارها بالجزاء مسبباً لإلغائه لعدم مشروعيته حيث كان يتعين على تلك السلطة الرئاسية قانوناً إصدار قرار الجزاء بحسب القانون النافذ الأصلح وقت توقيعه ولكن الأمر يختلف في مجال الدعوى التأديبية التي تختص بنظرها والفصل فيها ابتداء المحاكم التأديبية تحت رقابة المحكمة الإدارية العليا طبقاً لأحكام المادة (172) من الدستور وأحكام المادة 34 وما بعدها، 44 وما بعدها من القرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن تنظيم مجلس الدولة آنف الذكر فهذه المحاكم تباشر السلطة التأديبية قضائياً وتستمد ولاياتها مباشرة من أحكام الدستور والقانون كسلطة عقاب تأديبي للعاملين باسم الشعب وعلى استقلال تام من السلطة الرئاسية التنفيذية ومن ثم فإنها تلتزم مثلها في ذلك مثل السلطة التأديبية الرئاسية بتوقيع العقاب التأديبي المقرر تشريعياً وقت وقوع الفعل المؤثم إدارياً أو مالياً والمكون للجريمة التأديبية فإذا تعدلت العقوبة التأديبية تشريعياً خلال مراحل المساءلة التأديبية وقبل الحكم في الدعوى وجب على المحكمة التأديبية توقيع العقوبة الأصلح للمتهم، وإذا ما حدث هذا التعديل إلى الأصلح للعامل من ناحية العقاب التأديبي في مرحلة الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في أحكام المحاكم التأديبية في الدعاوى التأديبية وجب على المحكمة الإدارية العليا تطبيق القانون الأصلح للعامل إعمالاً لمبدأ أساسي من مبادئ العقاب على النحو السالف بيانه وذلك تأسيساً على أن المحكمة الإدارية العليا عند إلغائها للحكم التأديبي لعدم مشروعيته تباشر سلطتها في الرقابة على هذا الحكم كقمة القضاء التأديبي باعتبارها محكمة قانون والسلطة العليا القضائية التأديبية في ذات الوقت.
ومن حيث إنه بناء على ما سبق جميعه وحيث إن الثابت أن الجرائم التأديبية التي أدان الحكم التأديبي للطاعنين فيها قد ثبت وقوعها خلال الفترة من ديسمبر سنة 1981 إلى مارس سنة 1982 ومن ثم فإنه لا يسوغ توقيع أية عقوبات تأديبية عما ثبت نسبه إلى كل منهم من جرائم تأديبية إلا طبقاً لأحكام نظام العاملين المدنيين بالدولة الساري وقت وقوع ما ثبت قبلهم أي الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1971 وذلك دون أحكام القانون رقم 47 لسنة 1978 بشأن نظام العاملين المدنين بالدولة الذي كان سارياً وقت صدور الحكم المطعون فيه. ومن حيث إنه إذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فنص في أسبابه على أن المحكمة تعاقبهم استناداً إلى أحكام المواد (76)، (78)، (80) والفقرة الثالثة من المادة (88) من القانون رقم 47 لسنة 1978 المعدلة بالقانون رقم 115 لسنة 1983 فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون حيث وقع على الطاعنين عقوبة تأديبية منصوص عليها في قانون لاحق على وقوع الجرائم التأديبية التي أدانهم فيها من جهة كما أنه قضى بعقوبة تأديبية تم تشديدها بالقانون رقم115 لسنة 1983 على الطاعن الأول مما يتعين معه إلغاء هذا الحكم فيما قضى به، وتوقيع الجزاء القانوني المناسب لما هو ثابت قبل كل منهم بمراعاة ما سلف بيانه وبصفة خاصة ما يتعلق بتهاون السلطات الرئاسية للطاعنين في الحفاظ على الشرعية واحترام النظم والقواعد المالية في تحديد الإيرادات وتحصيلها وصرفها والتهافت على صرف ما تم تحصيله بدون سند من القانون من مكافآت ومزايا للعاملين.
ومن حيث إنه بناء على ذلك تقضي المحكمة بمجازاة الطاعن الأول طبقاً لأحكام المواد (55)، (56)، (58)، (64) من القانون رقم 58 لسنة 1971 بإصدار نظام العاملين المدنيين بالدولة وباعتباره كان قد ترك الخدمة قبل صدور الحكم المطعون فيه بغرامة تعادل الأجر الإجمالي الذي كان يتقاضاه في الشهر وقت وقوع المخالفة، كما تقضي بمجازاة الطاعنين الثاني والثالث طبقاً لأحكام ذات المواد من ذات القانون بالوقف عن العمل لمدة ثلاثة أشهر مع صرف نصف الأجر بالنسبة لكل منهما.
ومن حيث إن هذا الطعن معفي من الرسوم طبقاً لأحكام المادة (90) من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 وهو ذات ما كان يقرره نص المادة 63 من القانون رقم 58 لسنة 1971 سالف الذكر.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبمجازاة الطاعن الأول (........) بغرامة تعادل الأجر الإجمالي الذي كان يتقاضاه في الشهر وقت وقوع المخالفة، وبمجازاة كل من الطاعنين الثاني (........) والثالث (.......) بالوقف عن العمل لمدة ثلاثة أشهر مع صرف نصف أجرهما.


[(1)] راجع الطعن رقم 1137 لسنة 26 ق بجلسة 26/ 3 / 1988 حيث قضت المحكمة بأن فكرة القانون الأصلح للمتهم لا تنطبق على النصوص المقررة لإجراء إداري يتحدد على مقتضاه المركز القانوني.