أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 43 - صـ 970

جلسة 19 من يوليه سنة 1992

برئاسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حافظ نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ فاروق يوسف سليمان، خلف فتح الباب، حسام الدين الحناوي نواب رئيس المحكمة ومحمد محمود عبد اللطيف.

(201)
الطعن رقم 1139 لسنة 56 القضائية

(1، 2) إيجار "إيجار الأماكن" "حظر احتجاز أكثر من مسكن". محكمة الموضوع "سلطتها في مسائل الإيجار". إعلان.
(1) حظر احتجاز الشخص مالكاً أو مستأجراً أكثر من مسكن في البلد الواحد دون مقتض. م 8/ 1 ق 49 لسنة 1977. مناطه. عبء إثبات الحظر على من يدعيه. لمحكمة الموضوع سلطة إثبات ونفي واقعة الاحتجاز من الأدلة المطروحة في الدعوى متى كان استخلاصها سائغاً.
(2) إعلان المستأجر في عقار آخر. لا يفيد بذاته وقوع الاحتجاز المحظور قانوناً ما لم يثبت أنه مالك أو مستأجر له.
(3) استئناف "الحكم في الاستئناف". حكم "تسبيب الحكم الاستئنافي".
إلغاء محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي. عدم التزامها بتنفيذ أسبابه. حسبها إقامة قضاءها على أسباب تكفي لحمله.
(4) حكم "حجية الحكم". قوة الأمر المقضي.
حجية الحكم الصادر في إحدى الدعاوي في دعوى تالية. مناطه. اتحاد الخصوم والموضوع والسبب فيهما. تغيير الخصمان أو أحدهما. أثره. انتفاء الحجية ولو كان الحكم السابق صادراً في موضوع غير قابل للتجزئة.
(5) حكم "تسبيبه".
وجوب تضمين الحكم ما يطمئن المطلع عليه أن المحكمة محصت الأدلة وحصلت منها ما تؤدي إليه بما ينبئ عن بحث ودراسة أوراق الدعوى عن بصر وبصيرة. علة ذلك. مثال في استئناف.
1- النص في المادة 8/ 1 من القانون رقم 49 لسنة 1977 على أنه "لا يجوز للشخص أن يحتجز في البلد الواحد أكثر من مسكن دون مقتض" يدل على أن المشرع حظر على المالك والمستأجر أن يحتفظ بأكثر من مسكن في البلد الواحد دون مبرر مشروع يقتضيه، وأن مناط الاحتجاز هو انفراد الشخص بالسيطرة المادية والقانونية على المسكنين، ومن ثم فإن إقامة شخص في مكان ما لا يتوافر بها الاحتجاز المحظور قانوناً ما لم يثبت أنه المالك أو المستأجر لهذا المكان، ويقع عبء إثبات الحظر على من يدعيه، ولمحكمة الموضوع بما لها من سلطة مطلقة في تقدير الأدلة إثبات ونفي واقعة الاحتجاز من كافة أوراق الدعوى والأدلة المطروحة فيها بما لا معقب متى كان استخلاصها سائغاً.
2- إعلان المطعون ضده الأول في عقار آخر لا يفيد الاحتجاز المحظور قانوناً لخلو أوراق الدعوى من أنه المالك أو المستأجر لهذا العقار.
3- المقرر أن محكمة الاستئناف إذا ما ألغت الحكم الابتدائي في الموضوع فلا تكون ملزمة ببحث وتفنيد أسباب هذا الحكم وحسبها أن تقيم قضاءها على أسباب تكفي حمله.
4- المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط حجية الحكم الصادر في إحدى الدعاوي في دعوى تالية سواء كان الحكم السابق صادراً في ذات الموضوع أو في مسألة كلية شاملة أو في مسألة أساسية واحدة في الدعويين أن يكون الحكم السابق صادراً بين الخصوم أنفسهم في الدعوى التالية مع اتحاد الموضوع والسبب في الدعويين، فلا تقوم الحجية متى كان الخصمان في الدعوى الأولى قد تغير أحدهما أو كلاهما في الدعوى التالية حتى ولو كان الحكم السابق صادراً في موضوع غير قابل للتجزئة، إذ لا يستفيد الخصم منه أو يضار به إلا إذا تدخل أو أدخل في الدعوى وأصبح بذلك طرفاً في هذا الحكم.
5- المقرر - أن الحكم يجب أن يكون فيه بذاته ما يطمئن المطلع عليه إلى أن المحكمة قد محصت الأدلة التي قدمت إليها وحصّلت منها ما تؤدي إليه، وذلك باستعراض هذه الأدلة والتعليق عليها بما ينبئ عن بحث ودراسة أوراق الدعوى عن بصر وبصيرة، والإفصاح عن مصادر الأدلة التي كونت منها عقيدتها وفحواها من مأخذها الصحيح من الأوراق، وأن يكون ما استخلصته سائغاً ومؤدياً إلى النتيجة التي انتهت إليها حتى يتأتى لمحكمة النقض أن تعمل رقابتها على سداد الحكم لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قضى برفض طلب الطاعنين فسخ عقد الإيجار وإخلاء الشقة محل النزاع المؤسس على تنازل المطعون ضده الأول عنها إلى المطعون ضده الثاني بدون تصريح من المالك وأقام قضاءه على أن الحكم النهائي الصادر في الدعوى رقم (.....) مدني جنوب القاهرة الابتدائية قد قضى برفض هذا الطلب وأن شرط وحدة الخصوم متوافر في الدعويين السابقة والحالية دون أن يتحقق مما تمسك به الطاعنون في دفاعهم من عدم تحقق هذا الشرط لاختلاف الخصوم في الدعويين واستدلالهم عليه بأن المتنازل إليه عن عقد إيجار الشقة محل النزاع الذي اختصم في الدعوى السابقة يدعي (....) وشهرته (.....) وهو شخص آخر بخلاف المطعون ضده الثاني (.....) الذي اختصم في الدعوى الحالية باعتباره متنازلاً إليه عن ذلك العقد مع أنه لا يسوغ ما خلص إليه الحكم في هذا الصدد إلا بالتثبيت بأحد الأدلة المتاحة قانوناً من عدم وجود خلاف في الواقع بين اسم من اختصم باعتباره متنازلاً إليه في الدعويين أو التيقن بأن شخص واحد لم يتغير رغم اختلاف بعض بيانات اسمه في كل منهما وذلك حتى يتسنى القول بتحقق وحدة الخصوم فيهما، أما وقد فات الحكم المطعون فيه ذلك، واكتفى في هذا الصدد بعبارة عامة أطلق فيها القول بتوافر وحدة الخصوم في الدعويين مما لا يصلح رداً على هذا الدفاع الجوهري من شأنه - لو صح - أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى كما يعجز محكمة النقض عن إعمال رقابتها على سداد الحكم، فمن ثم يكون قد شابه القصور المبطل.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنين أقاموا على المطعون ضدهما الدعوى رقم 2956 لسنة 1982 مدني جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 1/ 5/ 1960 وإخلائهما من الشقة المبينة به والتسليم. وقالوا بياناً لها إنه بموجب هذا العقد استأجر المطعون ضده الأول من شركة الشرق للتأمين المالكة السابقة تلك الشقة لاستعمالها لسكناه وبعد أيلولة العقار وحوالة العقد إليهم تبين لهم أن هذا الأخير قد تنازل عن تلك الشقة للمطعون ضده الثاني الذي استعملها مخزناً لمحله التجاري وذلك دون تصريح من المالك خلافاً لشروط العقد، كما أن المطعون ضده الأول يحتجز مسكناً آخر بذات البلد دون مقتض مما حدا بهم إلى إقامة الدعوى بطلباتهم سالفة البيان. دفع المطعون ضده الثاني بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم 2092 لسنة 1977 مدني جنوب القاهرة الابتدائية فأحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق، وبعد أن استمعت إلى الشهود حكمت بإجابة الطاعنين لطلباتهم. استأنف المطعون ضدهما هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 5709 لسنة 102 قضائية. وبتاريخ 13 من فبراير سنة 1986 قضت بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن. وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعي الطاعنون بثانيهما على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقولون إنه نفى واقعة احتجاز المطعون ضده الأول لمسكن آخر بذات البلدة بدون مقتض تأسيساً على أن شاهديهم قد قررا في أقوالهما بأنهما لا يعلمان شيئاً عن واقعة احتجاز الأخير لمسكن آخر وأنه لا يكفي لثبوتها إعلانه لشخصه في العقار الكائن بشارع......، في حين أن الحكم الابتدائي أثبت هذا الاحتجاز من جملة القرائن والأدلة التي أوردها وأغفل الحكم المطعون فيه الرد عليها مما يعيبه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأن النص في المادة 8/ 1 من القانون رقم 49 لسنة 1977 على أنه "لا يجوز للشخص أن يحتجز في البلد الواحد أكثر من مسكن دون مقتض" يدل على أن المشرع حظر على المالك والمستأجر أن يحتفظ بأكثر من مسكن في البلد الواحد دون مبرر مشروع يقتضيه، وأن مناط الاحتجاز هو انفراد الشخص بالسيطرة المادية والقانونية على المسكنين، ومن ثم فإن إقامة شخص في مكان ما لا يتوافر بها الاحتجاز المحظور قانوناً ما لم يثبت أنه المالك أو المستأجر لهذا المكان، ويقع عبء إثبات الحظر على من يدعيه، ولمحكمة الموضوع بما لها من سلطة مطلقة في تقدير الأدلة إثبات ونفي واقعة الاحتجاز من كافة أوراق الدعوى والأدلة المطروحة فيها بلا معقب متى كان استخلاصها سائغاً. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه في هذا الخصوص على قوله "والبين من أوراق الدعوى أن المستأنف ضدهم - الطاعنين - أشهدوا شاهدين هما....... و...... وقد نفى كل منهما علمه عما إذا كان المستأنف الأول - المطعون ضده الأول - له شقة أخرى ومن ثم يكونوا قد عجزوا عن إثبات أن المذكور له مسكن آخر ولا ينال من ذلك الدفاع الذي طرحه المستأنف ضدهم أن المستأنف الأول أعلن لشخصه في مسكن يقع بشارع........... لأن ذلك الإعلان لا يدل على أن المسكن المعلن فيه المذكور خاص به أو يستأجره لنفسه ومن ثم فإن الأوراق قد خلت من دليل على أن المستأنف الأول يحتجز أكثر من مسكن....." وإذ يبين من هذه الأسباب أن الحكم المطعون فيه قد نفى واقعة احتجاز المطعون ضده الأول لأكثر من مسكن وأرجع ذلك إلى عجز الطاعنين عن إثباتها حسبما أسفر عنه تحقيق محكمة أول درجة ودلت عليه أقوال شاهديهم، وأن إعلان المطعون ضده الأول في عقار آخر لا يفيد ذلك لخلو أوراق الدعوى من أنه المالك أو المستأجر لهذا العقار وكان هذا الاستخلاص سائغاً وله مأخذه الصحيح من الأوراق ومن شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، وكان من المقرر أن محكمة الاستئناف إذا ما ألغت الحكم الابتدائي في الموضوع فلا تكون ملزمة ببحث وتفنيد أسباب هذا الحكم وحسبها أن تقيم قضاءها على أسباب تكفي حمله. فإن النعي بهذا السبب لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل بغية الوصول إلى نتيجة أخرى غير التي انتهى إليها الحكم المطعون فيه مما لا يجوز، ومن ثم يضحى على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقولون إنهم تمسكوا في دفاعهم أمام محكمة الموضوع بدرجتيها رداً على دفع المطعون ضده الثاني بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم 2092 لسنة 1977 مدني جنوب القاهرة الابتدائية بأن الحكم الصادر برفض دعواهم السابقة بطلب فسخ عقد إيجار الشقة محل النزاع لتنازل المطعون ضده الأول عنه بدون تصريح من المالك الذي تأيد في الاستئناف رقم 3799 لسنة 96 قضائية القاهرة لا يحوز قوة الأمر المقضي في الدعوى المطروحة لاختلاف الخصوم في الدعويين إذ الثابت أن المتنازل إليه عن الشقة محل النزاع الذي اختصم في الدعوى السابقة يدعي........ وشهرته...... وهو غير المطعون ضده الثاني...... ومع ذلك فإن الحكم المطعون فيه لم يفطن لاختلاف الخصوم في الدعويين وقضى برفض طلب الإخلاء المؤسس على واقعة تنازل المطعون ضده الأول عن عقد إيجار الشقة محل النزاع إلى المطعون ضده الثاني بدون تصريح من المالك لأن هذا الطلب سبق القضاء برفضه بالحكم النهائي الصادر في الدعوى السابقة واكتفى رداً على دفاعهم بمجرد القول بأن وحدة الخصوم متوافرة بين الدعويين السابقة والحالية مما يعيبه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك بأنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط حجية الحكم الصادر في إحدى الدعاوي في دعوى تالية سواء كان الحكم السابق صادراً في ذات الموضوع أو في مسألة كلية شاملة أو في مسألة أساسية واحدة في الدعويين أن يكون الحكم السابق صادراً بين الخصوم أنفسهم في الدعوى التالية مع اتحاد الموضوع والسبب في الدعويين، فلا تقوم الحجية متى كان الخصمان في الدعوى الأولى قد تغير أحدهما أو كلاهما في الدعوى التالية حتى ولو كان الحكم السابق صادراً في موضوع غير قابل للتجزئة، إذ لا يستفيد الخصم منه أو يضار به إلا إذا تدخل أو أدخل في الدعوى وأصبح بذلك طرفاً في هذا الحكم. ومن المقرر أيضاً أن الحكم يجب أن يكون فيه بذاته ما يطمئن المطلع عليه إلى أن المحكمة قد محصت الأدلة التي قدمت إليها وحصلت منها ما تؤدي إليه، وذلك باستعراض هذه الأدلة والتعليق عليها بما ينبئ عن بحث ودراسة أوراق الدعوى عن بصر وبصيرة، والإفصاح عن مصادر الأدلة التي كونت منها عقيدتها وفحواها من مأخذها الصحيح من الأوراق، وأن يكون ما استخلصته سائغاً ومؤدياً إلى النتيجة التي انتهت إليها حتى يتأتى لمحكمة النقض أن تعمل رقابتها على سداد الحكم. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قضى برفض طلب الطاعنين فسخ عقد الإيجار وإخلاء الشقة محل النزاع المؤسس على تنازل المطعون ضده الأول عنها إلى المطعون ضده الثاني بدون تصريح من المالك وأقام قضاءه على أن الحكم النهائي الصادر في الدعوى رقم 2092 لسنة 1977 مدني جنوب القاهرة الابتدائية قد قضى برفض هذا الطلب وأن شرط وحدة الخصوم متوافر في الدعويين السابقة والحالية دون أن يتحقق مما تمسك به الطاعنون في دفاعهم من عدم تحقق هذا الشرط لاختلاف الخصوم في الدعويين واستدلالهم عليه بأن المتنازل إليه عن عقد الإيجار الشقة محل النزاع الذي اختصم في الدعوى السابقة يدعي...... وشهرته..... وهو شخص آخر بخلاف المطعون ضده الثاني.......... الذي اختصم في الدعوى الحالية باعتباره متنازلاً إليه عن ذلك العقد مع أنه لا يسوغ ما خلص إليه الحكم في هذا الصدد إلا بالتثبت بأحد الأدلة المتاحة قانوناً من عدم وجود خلاف في الواقع بين اسم من اختصم باعتباره متنازلاً إليه في الدعويين أو التيقن بأن شخص واحد لم يتغير رغم اختلاف بعض بيانات اسمه في كل منهما وذلك حتى يتسنى القول بتحقق وحدة الخصوم فيهما، أما وقد فات الحكم المطعون فيه ذلك، واكتفى في هذا الصدد بعبارة عامة أطلق فيها القول بتوافر وحدة الخصوم في الدعويين مما لا يصلح رداً على هذا الدفاع الجوهري من شأنه - لو صح - أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى كما يعجز محكمة النقض عن إعمال رقابتها على سداد الحكم، فمن ثم يكون قد شابه القصور المبطل بما يوجب نقضه جزئياً في هذا الخصوص.