مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1989 إلى آخر سبتمبر سنة 1989) - صـ 662

(96)
جلسة 11 من مارس سنة 1989

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد أنور محفوظ - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: عبد الفتاح السيد بسيوني ومحمد المهدي مليحي وصلاح عبد الفتاح سلامة وسعد الله محمد حنتيره - المستشارين.

الطعنان رقما 404 - 517 لسنة 33 القضائية

( أ ) قرار إداري - معنى نهائية القرار في مفهوم دعوى الإلغاء وفي مفهوم حصانة بعض القرارات من رقابة القضاء.
المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972. المادة الثالثة من القانون رقم 72 لسنة 1963 بتأميم بعض الشركات والمنشآت.
صفة النهائية في القرار الإداري لا تحجب رقابته قضائياً سواء بطلب إلغائه أو التعويض عنه أياً كان العيب الذي لحقه في مرحلة تكوينه - صفة النهائية في القرار الإداري لازمة لقبول دعوى الإلغاء - تعني عدم خضوع القرار لتصديق جهة إدارية أخرى وتحمل بذاتها عناصر قوتها التنفيذية الواجبة التطبيق بعد ذلك - تنطبق هذه الصفة على قرار لجنة تقييم أصول المنشأت المؤممة - لا يغير من وصف النهائية بالمعنى السابق صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المادة الثالثة من القانون رقم 72 لسنة 1963 المشار إليه وما ورد به من أسباب من بينها أن لجان التقييم لا تعدو أن تكون مجرد لجان إدارية تعتبر قراراتها قرارات إدارية وليست قضائية وأن المادة المذكورة وقد حصنت قرارات تلك اللجان من رقابة القضاء تكون قد انطوت على مصادرة لحق التقاضي وإخلال بمبدأ المساواة على نحو يخالف المادتين 40 و68 من الدستور - أساس ذلك: أن حكم المحكمة الدستورية العليا ينصرف إلى معنى آخر للنهائية هو عدم قابلية تلك القرارات للطعن فيها قضاء وهو ما يختلف عن مدلول النهائية للقرار الإداري كشرط لقبول الدعوى بإلغائه - تطبيق.
(ب) كيفية تقدير أصول المنشأت المؤممة.
العبرة بالأسعار السائدة في تاريخ نقل الملكية للدولة أي في تاريخ العمل بالقانون رقم 72 لسنة 1963 تحقيقاً للمساواة بين أصحاب الشركات المؤممة بقانون واحد مهما تأخر قرار لجنة التقييم - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 30/ 12/ 1986 أودع الأستاذ/...... المحامى عن نفسه وبصفته وكيلاً عن أخوته قلم كتاب هذه المحكمة تقرير الطعن رقم 404 لسنة 33 ق ضد السيد/ رئيس مجلس الوزراء وآخرين في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد) بجلسة 9/ 12/ 1986 في الدعوى رقم 832 لسنة 26 ق والقاضي "بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار لجنة تقييم شركة أبو الهول لصناعة وتجارة الغزل والمنسوجات فيما تضمنه من تقييم الأرض المملوكة للشركة وذلك على النحو الموضح بالأسباب ورفض ما عدا ذلك من طلبات وإلزام المدعين والجهة الإدارية بالمصروفات مناصفة. وطلب الطاعنون للأسباب المبينة في تقرير الطعن الحكم أولاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، ثانياً بإلغائه وندب مكتب خبراء وزارة العدل لأداء المأمورية المبينة بالطعن وغيرها مما تراه عدالة المحكمة مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات هذا وقد أعلن الطعن قانوناً على النحو الثابت في الأوراق.
وبتاريخ 13/ 1/ 1987 أودعت هيئة قضايا الدولة تقرير الطعن رقم 517 لسنة 33 ق عن ذات الحكم وطلبت للأسباب المبينة في التقرير أولاً: وقف تنفيذ الحكم بصفة مستعجلة، وثانياً: قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام المطعون ضدهم بالمصروفات عن درجتي التقاضي، وأعلن الطعن قانوناً.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني رأت فيه أولاً: بالنسبة للطعن رقم 517 لسنة 33 ق قبوله شكلاً ورفضه بشقيه العاجل والموضوعي وإلزام الجهة الإدارية المصروفات، ثانياً: بالنسبة للطعن رقم 404 لسنة 33 ق قبوله شكلاً وبرفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وإلزام الطاعنين بمصروفاته وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما أغفله من تقييم مقر الشركة بحسبانه من أصول الشركة وإلزام الطاعنين والجهة الإدارية بالمصروفات المناسبة.
وعرض الطاعنان على دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة فقررت ضمهما للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد وتداولتهما بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر ثم قررت بجلسة 5/ 12/ 1988 إحالتهما إلى المحكمة الإدارية العليا( دائرة منازعات الأفراد والهيئات والتعويضات) لنظره بجلسة 31/ 12/ 1988 فتم نظره في تلك الجلسة وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 25/ 2/ 1989 وفي هذه الجلسة تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لإتمام المداولة وفيها صدر الحكم مشتملاً على منطوقه وأسبابه المودعة عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الطعنين أقيما خلال الستين يوماً التالية لصدور الحكم المطعون فيه واستوفيا أوضاعهما القانونية الأخرى فيكونان مقبولين شكلاً.
ومن حيث إن وقائع المنازعة تتحصل - حسبما جاء في الأوراق - في أنه بتاريخ 15/ 1/ 1972 أقام السيد/..... وأخوته الدعوى رقم 832 لسنة 26 ق أمام محكمة القضاء الإداري ضد السيد/ رئيس مجلس الوزراء وآخرين بطلب الحكم بإبطال قرار لجنة تقييم شركة أبو الهول لصناعة وتجارة الغزل والمنسوجات واعتباره معدوماً وما يترتب على ذلك من آثار أهمها إعادة تقييم الشركة المذكورة على الأسس العادلة المطابقة للقانون وللعدالة وتعديله تبعاً لذلك توطئة للحكم على المدعى عليهم بإصدار سندات تأميم تكميلية كأثر من آثار تعديل التقييم مع إلزام من ينازع بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وأوضح المدعون أن الشركة المذكورة بدأت كمشروع فردي سنة 1924 وبموجب عقد برقم 3404 بتاريخ 23/ 5/ 1946 مسجل بالقلم التجاري بمحكمة القاهرة المختلطة تكونت شركة توصية بسيطة (بين والديهما) ثم عدل العقد في 1/ 5/ 1959 بإدخال المدعين كشركاء موصين ثم صدر القانون رقم 72 لسنة 1963 بتأميم هذه الشركة وشكلت لجنة لتقييمها وأصدرت قرارها بتاريخ 5/ 4/ 1964 بأن أصول الشركة تبلغ 127277.980 جنيهاً وأن الخصوم تبلغ 68661.707 جنيهاً وبذلك يكون صافي الأصول هو مبلغ 58615.980 جنيهاً ولما كانت المادة الثالثة من هذا القانون تنص على أن قرارات لجنة التقييم نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأي وجه من أوجه الطعن فإنها تكون مخالفة للدستور ومن حقهم الطعن فيها أمام القضاء، وأنه بمراجعة قرار لجنة تقييم الشركة المذكورة يتضح أنه بني على أسس خاطئة وخالف ما هو ثابت بالأوراق وانعدام ركن السبب فيه ومن أمثلة ذلك أن اللجنة قدرت قيمة أرض المصنع بقيمة رمزية (جنيه واحد) رغم أن الأرض المملوكة للشركة بوضع اليد الهادي ولمدة أكثر من 15 سنة ولم ينازعها أحد في تلك الملكية منذ نشأتها سنة 1924 حتى تاريخ التقييم، كما قدرت اللجنة قيمة المباني بعد الاستهلاك بمبلغ 4477.155 جنيهاً رغم أن قيمتها الدفترية 10218.025 جنيهاً كما أن قيمة الآلات والعدد والأنوال سجلت بالميزانية بمبلغ 18875.389 جنيهاً فنزلت بها اللجنة إلى مبلغ 6645 جنيهاً كما أن قيمة الخامات التي وجدت بالمخازن من الصوف الملون العرقات والصوف الأسود المعسول والعوادم والكهنة كانت تصل إلى ثمانين ألف جنيه نزلت بها اللجنة إلى مبلغ 2038.475 جنيهاً ومن ذلك أيضاً أن خيوط الصوف قدرت بمبلغ 12680.5 جنيهاً وكان يجب أن تكون أكثر من خمسة وعشرين ألف جنيه كما قدرت اللجنة قيمة السجاد والكليم بمبلغ 2669.678 جنيهاً مع أنها تساوي أكثر من ذلك طبقاً للأسعار التي كانت الشركة تبيع بها قبل التأميم، كما خفضت اللجنة قيمة خيوط القطن من 9285.322 جنيهاً إلى 6963.992 جنيه وماكينات التريكو قدرت بمبلغ جنيه في حين أن قيمتها بالميزانية 445 جنيه وأن قطع الغيار والمهمات قيمتها في الميزانية 9655.545 جنيه ووردت في تقرير اللجنة بالمبلغ 6054.191 جنيه كما ورد بتقرير اللجنة مسحوبات للشركات قبل التأميم بمبلغ 14683.083 جنيه ومن البديهي أن مسحوبات الشركاء قبل التأميم من حقهم بوصف الشركة من شركات الأشخاص وبوصفهم جميعاً أصحابها وهم الذين قاموا بتلك المسحوبات ويكون خصمها من القيمة النهائية للمشروع المؤمم خصماً مخالفاً للقانون ويرجح التأميم إلى تاريخ سابق على القانون الذي قرره مما يخالف الدستور ومن ناحية أخرى فإن جميع المبالغ التي استنزلتها اللجنة سواء تحت عنوان "الخصوم" أو "المخصصات" لا أساس لها من واقع وفي ذلك مبلغ 6700 جنيه مخصص للضرائب ومبلغ 3500 جنيه خصص لمكافآت ترك الخدمة، وبجلسة 17/ 1/ 1978 حكمت المحكمة بوقف الدعوى لمدة ثلاثة أشهر ليرفع المدعون خلالها
الدعوى أمام المحكمة العليا بعدم دستورية المادة 3 من القانون رقم 72 لسنة 1963 فأقام المدعون تلك الدعوى بتاريخ 25/ 3/ 1978 برقم 16 لسنة 1 دستورية فحكمت المحكمة الدستورية العليا بجلسة 30/ 4/ 1983 بعدم دستورية المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 72 لسنة 1963 بتأميم بعض الشركات والمنشأت فيما تضمنه من النص على أن تكون قرارات لجان التقييم "نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأي وجه من أوجه الطعن، وألزمت الحكومة المصروفات، وبجلسة 9/ 12/ 1986قضت محكمة القضاء الإداري بحكمها سالف الذكر وأقامت حكمها على أن تقييم المشروع المؤمم تدخل فيه قيمة الأرض التي كانت مخصصة لمزاولة النشاط الإنتاجي له وأن لجنة تقييم شركة أبو الهول المذكورة لم تغفل تقييم الأرض على أساس أنها غير مخصصة لمزاولة النشاط أو على أساس أنها غير مملوكة لأصحاب المشروع أنفسهم بل أفصحت اللجنة عن أن الأرض مملوكة فعلاً للشركة فكان يتعين إدخلها في أصول الشركة بغض النظر عما إذا كانت الشركة اكتسبت ملكية هذه الأرض بمقابل نقدي أو بدون مقابل وإذ خالفت اللجنة ذلك فإنها تكون قد استبعدت في حقيقة الأمر - مالاً نص المشروع صراحة على تأميمه مما يجعل قرارها باطلاً وعديم الأثر في هذا الخصوص، وفيما يتعلق بتقدير قيمة باقي العناصر فإن لجنة التقييم قد اطلعت على محاضر الجرد وتقارير الخبراء الحسابيين والمهندسين وأنها اعتنقت تلك التقارير في الكثير من عناصر التقدير واتخذتها أسباباً لما انتهت إليه في التقييم وفي القليل لم تأخذ برأي الخبير على إطلاقه وأوضحت أسباب ذلك وأن اللجنة راعت جميع عناصر رأس المال المملوك للشركة ولم يعترض عليه المدعون وانصب اعتراضهم على تقرير اللجنة لبعض تلك العناصر وهو ما يدخل في نطاق السلطة التقديرية لها بعد أن روعي في تشكيلها وجود عناصر فنية وقانونية ولم يثبت من الأوراق أن ثمة انحراف أو إساءة لاستعمال السلطة في هذا الصدد، والمحكمة إذ تقضي بإلغاء القرار في الشق المتعلق بتقييم الأرض فلكي تعيد جهة الإدارة المختصة تقييم أحد العناصر الجوهرية والهامة والداخلة في نطاق التأميم إذ أن مقتضى الإلغاء هو إعادة الحال إلى ما كان عليه وقت صدور القرار المقضى بإلغائه وأن ما طلبه المدعون في هذا الصدد من ندب خبير لتقدير قيمة الأرض على النحو الصحيح أمر سابق لأوانه بحسبان أن الجهة المختصة أصلاً بالتقييم وعملاً بمقتضى هذا الحكم يتعين عليها أن تمارس التقييم لعنصر من عناصر المشروع المؤمم تم استبعاده من التقييم بسبب غير صحيح قانوناً.
ومن حيث إن الطعن رقم 404 لسنة 33 ق المقام من..... وأخوته يقوم على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتفسيره وتأويله، ذلك أنهم طالبوا بندب خبير لتقدير قيمة العناصر المؤممة بالأسعار السائدة وقت مباشرة الخبير لهذه المأمورية وليس بالأسعار التي كانت عند التأميم في أغسطس سنة 1963 أو عند تقدير لجنة التقييم في إبريل سنة 1964 نظراً لانخفاض القوة الشرائية للنقد والاختلاف الأسعار، وأن مقتضى حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في 30/ 4/ 1983 بعدم دستورية المادة الثالثة من القانون رقم 72 لسنة 1963أن تتجرد قرارات لجنة التقييم من السلطة التقديرية المطلقة التي لا معقب عليها، ولم يفطن الحكم المطعون فيه إلى ذلك وكان عليه أن يطلق قضاءه ببطلان قرار لجنة التقييم على القرار بأسره شاملاً جميع العناصر من أصول وخصوم، كما أن الحكم أحال في تقدير أحد العناصر المؤممة (الأرض) إلى جهة إدارية لا وجود لها وهى لجنة التقييم التي كانت مشكلة بقرار وزير الصناعة رقم 891 لسنة 1963 وانتهى وجودها القانوني والمادي يوم أن فرغت من تقريرها في شهر إبريل سنة 1964 ولا تملك أية جهة أخرى - إدارية أو قضائية - أن تكلف وزير الصناعة بإصدار قرار ثان بإعادة الحياة إلى لجنة قد انتهت ولا يكون ذلك إلا بإرادة المشرع باعتبار أن ذلك بمثابة تأميم لا يجوز دستورياً أن يتم إلا بقانون ولاعتبارات الصالح العام ومقابل تعويض (م 25 دستور سنة 1971) كما أنه قد استرعى نظر الطاعنين أن لجنة التقييم عقدت اجتماعاتها في مقر الشركة 43 شارع شريف بالقاهرة وأن هذا المقر لا شك يدخل في التقدير وقد أغفلته اللجنة تماماً ولم يفطن الحكم إلى ذلك.
ومن حيث إن الطعن رقم 517 لسنة 33 ق المقام من رئيس مجلس الوزراء ووزير الصناعة ووزير المالية يقوم على أن الحكم المطعون فيه جانب الصواب فيما يتعلق بتقييم وتقدير قيمة الأرض، ذلك أن المستقر عليه قضاء أن لجنة التقييم تتمتع بسلطة تقديرية في تقييم العناصر المؤممة وبلا معقب على قراراتها، ونظراً لان الأرض المقام عليها المشروع لم تكن ضمن رأس مال المشروع ولم تكن مملوكة لأصحاب المشروع فمن ثم لا تدخل في تقييم رأس مال الشركة وإنما قدرت لها اللجنة مبلغاً رمزياً (جنيه واحد) لعدم وجود مالك ظاهر لها وقت التأميم وخاصة أن أصحاب الشركة لم يقدموا مستنداً يدل على تملكهم للأرض المقام عليها المصنع ولهذا فإن قرار لجنة التقييم يستند إلى أصول قانونية ومادية تجعله حصيناً من الإلغاء، ويصبح الحكم المطعون فيه مخالفاً للقانون ويتعين إلغاؤه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بما أثاره الطاعن....... وأخوته من أن الحكم المطعون فيه لم يفطن إلى ما قضت به المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 30/ 4/ 1983 بعدم دستورية المادة الثالثة من القانون رقم 72 لسنة1963 بتأميم بعض الشركات والمنشأت فيما تضمنه من النص على أن تكون قرارات لجان التقييم "نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأي وجه من أوجه الطعن" باعتبار أن ذلك يشمل أيضاً إهدار فكرة السلطة التقديرية وما أضفى على قرار اللجنة من نهائية، فإن المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة تنص على أن "تختص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في المسائل الآتية (أولاً): ....... (خامساً): الطلبات التي يقدمها الأفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية. (ثامناً) الطعون التي ترفع عن القرارات النهائية الصادرة من جهات إدارية لها اختصاص قضائي...... (عاشراً) طلبات التعويض عن القرارات المنصوص عليها في البنود السابقة.... ويشترط في طلبات إلغاء القرارات الإدارية النهائية أن يكون مرجع الطعن عدم الاختصاص أو عيباً في الشكل أو مخالفة القانونين أو اللوائح أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو إساءة استعمال السلطة فواضح من ذلك أن الصفة "النهائية" في القرار الإداري لا تحجب رقابته قضائياً سواء بطلب إلغائه أو التعويض عنه وأياً كان العيب الذي لحقه في مرحلة تكوينه بل أن النهائية صفة لازمة لقبول دعوى الإلغاء، ومن ثم فإن نهائية قرار لجنة التقييم لم تكن لتتجاوز المعنى الذي استقر فقهاً وقضاءً وهو عدم خضوع قراراتها لتصديق جهة إدارية أخرى وأنها تحمل بذاتها عناصر قوتها التنفيذية الواجبة التطبيق بعد ذلك ومن ثم فإن حكم المحكمة الدستورية سالفة الذكر في ضوء أسبابه المرتبطة به ومنها أن هذه اللجان لا تعدو أن تكون مجرد لجان إدارية وتعتبر قراراتها قرارات إدارية وليست قرارات قضائية وأن المادة الثالثة من القانون رقم 72 لسنة 1963 قد حصنت تلك القرارات من رقابة القضاء وانطوت على مصادرة لحق التقاضي وإخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين في هذا الحق مما يخالف المادتين 40 و68 من الدستور، إنما ينصرف إلى ما كانت تنص عليه هذه المادة من عدم قابلية تلك القرارات للطعن فيها، وإذ التزم الحكم المطعون فيه بما يتفق وهذا النظر عند بحث الأسباب الواقعية والقانونية لقرار لجنة تقييم شركة أبو الهول فإنه يكون قد وافق صحيح حكم القانون وحكم المحكمة الدستورية العليا.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بمدى مشروعية قرار لجنة تقيم شركة أبو الهول الصادر في إبريل سنة 1964 وفي ضوء ما ورد به من وقائع وبيانات، فالثابت أنه (فيما عدا الأرض) فإن اللجنة قد اطلعت على التقارير المقدمة إليها من الخبراء وما كان تحت يدها من مستندات وما توصلت إليه من معلومات وبعد جرد أصول الشركة والموجودات وما تكشف لها من خصوم فإنها - في ضوء ذلك - قدرت قيمة كل عنصر بمبلغ نقدي سواء في جانب الأصول أو الخصوم وأنها لم تستبعد ما لا يدخل في التقييم كما لم تدخل ما لا يخرج عن التأميم ولم يقدم المدعون أي مستنداً أو دليل بنقض ذلك، وإذ كان تقدير القيمة هو مما يدخل في اختصاص اللجنة وفي نطاق الموازنة الواقعية والترجيح بين آراء الخبراء فإن ذلك مما تملكه اللجنة بحسب صلاحيتها في تحديد صافي الأصول ما دام التقرير بني على أسباب واقعية منتجة فيما انتهت إليه اللجنة، وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بهذا النظر فإنه لا مطعن عليه، أما ما ادعاه الطاعنون بشأن مقر الشركة فلم يقم أي دليل على أن ذلك كان تحت نظر اللجنة وأهملته كما لم يقدم أي مستند يدل على طبيعة هذا المقر وكنهة وسند شغله سواء في مرحلة الدعوى أو مرحلة الطعن.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بتقييم الأرض، فالثابت بقرار اللجنة أنه "لم يرد بالميزانية المقدمة من الشركة أية قيمة لأرض المصنع وبتتبع كيفية اكتساب ملكيتها تبين أن الشركة وضعت اليد عليها واكتسبتها بهذه المثابة ولم يرد بأوراق أو أقوال ذوي الشأن في الشركة ما يفيد أن الشركة قد تلقت ملكيتها أو بعضها بمبلغ معين يمكن أن تعوض عنه ولذلك ترى اللجنة تقدير أرض المصنع بقيمة رمزية هي 1 جنيه" فواضح أن اللجنة تحققت من أسباب كسب الشركة المؤسسة لملكية أرض المصنع موضوع التأميم وأن هذه الملكية تكاملت أركانها واستقرت لها في تاريخ سابق على التأميم ومن ثم فلم يكن من اختصاص اللجنة بحث مقدار المقابل النقدي الذي تحملته الشركة لكسب هذه الملكية وإنما يقف اختصاصها - كنص القانون - عند تحديد سعر الأسهم وسعر المنشأت غير المتخذة شكل شركات مساهمة وبذلك فإن قرار اللجنة بتقييم الأرض بجنيه واحد يكون فاقداً لركن السبب واقعاً وقانوناً مما يتعين معه إلغاؤه، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه هذا المذهب فإنه يكون قد أصاب الحق في قضائه ويغدو الطعن المقام من جهة الإدارة غير قائم على أساس.
ومن حيث إنه عن السعر الذي تقوم به الأرض وكيفية ذلك فإن المادة الأولى من القانون رقم 72 لسنة 1963 تنص على أن "تؤمم الشركات والمنشأت المبينة بالجدول المرافق لهذا القانون وتؤول ملكيتها إلى الدولة". وتنص المادة الثانية على أن "تتحول أسهم الشركات ورؤوس أموال المنشأت المشار إليها إلى سندات أسمية على الدولة لمدة خمس عشرة سنة بفائدة 4% سنوياً". وتنص المادة الثالثة على أن "يحدد سعر كل سند بسعر السهم حسب أخر إقفال لبورصة الأوراق المالية بالقاهرة قبل صدور هذا القانون، فإذا لم تكن الاسم متداولة.. فيتولى تحديد سعرها لجان من ثلاثة أعضاء يصدر بتشكيلها وتحديد اختصاصها قرار من وزير الصناعة كما يتولى هذا اللجان تقييم المنشأت غير المتخذة شكل شركات مساهمة". وتنص المادة التاسعة على أن "يصدر وزير الصناعة القرارات اللازمة لتنفيذ هذا القانون" ونشر هذا القانون وعمل به من 8 أغسطس سنة 1963، ومفاد ذلك أن المشرع حين قرر تأميم الشركات المنشأت الواردة بالجدول المرافق لهذا القانون ومنها شركة أبو الهول لصناعة وتجارة الغزل والمنسوجات إنما قرر صراحة أيلولة ملكيتها إلى الدولة بما تشمله من أصول وخصوم وذلك من تاريخ العمل بهذا القانون ومن ثم فإن أصول المشروع المؤمم تكون قد خرجت من هذا التاريخ من ملكية أصحاب المنشأة إلى ملكية الدولة وأنه في مقابل ذلك قرر المشروع تعويض المالكين السابقين بما يعادل صافي القيمة الإجمالية بين الأصول والخصوم مقدرة أسعارها بما هو سائد في تاريخ نقل الملكية أي في تاريخ العمل بهذا القانون وليس في تاريخ آخر وبذلك تتحقق العدالة والمساواة بين أصحاب الشركات والمنشأت المؤممة بقانون واحد وفي تاريخ واحد ومهما كان تاريخ قرار لجنة التقييم متأخراً عن ذلك أو لاحقاً للشهرين المحددين في القانون لإصدار قرارها بعد أن يتم تشكيلها، وإذ كان القانون رقم 72 لسنة 1963 سالف الذكر لم يسقط في التطبيق العملي ولم يتم إلغاءه بقانون لاحق فمن ثم فإن وزير الصناعة يكون هو المختص بإصدار القرارات اللازمة لتنفيذ هذا القانون ومن ذلك تشكيل لجنة جديدة لتحديد سعر الأرض التي سبق تأميمها وأيلولتها للدولة في 8/ 8/ 1963 وبمراعاة الأسعار القائمة والظروف السائدة في ذلك الحين وبديهي أن للجنة أن تستعين بمن تحتاجه من أهل الخبرة ولها الاطلاع على ما يقدم إليها من مستندات من ذوي الشأن وما تقرره اللجنة هو بمثابة تقدير تكميلي لتدارك ما فات اللجنة السابقة وفي إطار قانون التأميم سالف الذكر وما صدر بشأن تطبيقه من أحكام قضائية كاشفة عن حقوق ذوى الشأن في أصل التعويض (التكميلي) ومقداره......
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى نتيجة تأخذ بها هذه المحكمة استناداً إلى الأسباب الواردة به وكذا الواردة بهذا الحكم، ومن ثم يتعين رفض الطعنين وإلزام كل طاعن بمصروفات طعنه عملاً بالمادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وبرفضهما موضوعاً وبإلزام كل طاعن بمصروفات طعنه.