مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1989 إلى آخر سبتمبر سنة 1989) - صـ 786

(111)
جلسة 25 من مارس سنة 1989

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عبد الفتاح السيد بسيوني - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ محمد أمين المهدي وصلاح عبد الفتاح سلامة وفاروق عبد الرحيم غنيم وسعد الله محمد حنتيره - المستشارين.

الطعن رقم 1172 لسنة 35 القضائية

( أ ) مجلس الدولة - اختصامه - منازعات التنفيذ المتعلقة بأحكام القضاء الإداري. مادة (10) من القانون رقم 47 لسنة 1972 بإصدار قانون مجلس الدولة. مجلس الدولة هو صاحب الولاية العامة في المنازعات الإدارية كافة وما يتفرغ عنها من منازعات متعلقة بتنفيذ الأحكام الصادرة عن القضاء الإداري - أساس ذلك: أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع - مؤدى ذلك: عدم اختصاص قاضي التنفيذ بالمحاكم العادية بنظر منازعات التنفيذ بأحكام القضاء الإداري - تطبيق [(1)].
(ب) دعوى الإلغاء - إجراءاتها - طبيعة هذه الإجراءات - فتح باب المرافعة في الدعوى. المادة (173) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
لم يشترط المشرع عند فتح باب المرافعة إعلان طرفي النزاع - كل ما تطلبه هو أن يكون ذلك لأسباب جدية تبين في محضر الجلسة - يقوم النظام القضائي بمجلس الدولة أساساً على مبدأ المرافعات التحريرية في مواعيد محددة وليس من حق ذوي الشأن أن يصروا أمام المحكمة على طلب المرافعة الشفهية - تطبيق [(2)].
(ج) المحكمة الإدارية العليا - طبيعة الأحكام التي تصدرها. (دعوى بطلان أصلية) أحكام المحكمة الإدارية العليا لا تقبل التماس إعادة النظر ولا تملك أية محكمة التعقيب على قضائها بأية صورة من الصور ولا تتزعزع قرينة الصحة التي تظل تلازمها إلا بحكم يصدر من نفس المحكمة التي أصدرتها في دعوى بطلان أصلية مبتدأة قائمة بذاتها - تطبيق.
(د) دعوى - الحكم في الدعوى - الإشكال في التنفيذ (إشكال عكسي) القاعدة العامة في قبول الإشكال في التنفيذ أن يكون سببه قد جرى بعد صدور الحكم باعتباره منصباً على إجراءات التنفيذ - مبنى الإشكال دائماً وقائع لاحقه على صدور الحكم لا سابقة عليه وإلا كان ذلك طعناً في الحكم بغير الطريق القانوني - الإشكال المرفوع من الإدارة عن حكم صادر من القضاء الإداري ولو إلى محكمة غير مختصة ولائياً وكذلك الاستمرار في الامتناع عن تنفيذه لا يعتبر عقبة طارئة في تنفيذ الحكم بعكس الإشكال المقابل عن ذلك الإشكال - الامتناع عن التنفيذ ولو كان إرادياً عمدياً لا يدخل ضمن أسباب وصور الإشكال في التنفيذ الجبري - أساس ذلك: أن امتناع الإدارة الإرادي العمدي عن تنفيذ الحكم قد يتضمن قراراً صريحاً أو سلبياً بالامتناع عن التنفيذ - هذا القرار يجوز طلب إلغائه ووقف تنفيذه كما يجوز طلب التعويض عنه وهي أدوات قررها القانون لإجبار المحكوم ضده على التنفيذ - مؤدى ذلك: - أنه إذا رفع المحكوم لصالحه إشكالاً مضمونه الاستمرار في التنفيذ ومجابهة امتناع المحكوم ضده عن تنفيذ الحكم فلا صلة لذلك بعقبات التنفيذ التي يقوم عليها الإشكال بل يدخل ذلك في جوهر الإجبار على التنفيذ الذي يستهدف قهر إرادة المحكوم ضده في الامتناع وإجباره نزولاً على حكم القانون - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 14 من مارس سنة 1989 أودع الأستاذ...... المحامي بصفته وكيلاً عن كل من السادة: 1 -........ 2 - ........ 3 -....... 4 -........ 5 -........ 6 -......... - قلم كتاب هذه المحكمة عريضة دعوى قيدت بجدولها تحت رقم 1172 لسنة 35 القضائية ضد السيد: رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة. وطلب المدعون للأسباب المبينة بالعريضة الحكم بصفة مستعجلة أولاً: بقبول هذا الإشكال: ثانياً: وفي الموضوع بالاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بجلسة 4/ 3/ 1989 في الطعن رقم 3349 لسنة 34 قضائية الصادر لصالح المدعين طبقاً لما ورد في أسبابه ومنطوقه. ثالثاً: بوقف تنفيذ القرار السلبي الصادر من المدعى عليه بصفته فيما تضمنه من امتناع عن تنفيذ الحكم سالف الذكر. رابعاً: وفي جميع الحالات أن يكون تنفيذ الحكم في هذه الدعوى بمسودته الأصلية دون حاجة إلى إعلان وفي غير المواعيد الرسمية وإلزام المدعى عليه بصفته بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وبغير كفالة ومع حفظ كافة حقوق الطالبين الأخرى...
وأعلنت عريضة الدعوى على الوجه المبين بالأوراق وتحدد لنظر الدعوى أمام هذه المحكمة جلسة 18/ 3/ 1989 وفيها نظرتها المحكمة على ما هو ثابت بمحضرها وطلب الحاضر عن المدعين تنفيذ الحكم الصادر بجلسة 4/ 3/ 1989 في الطعن رقم 3349 لسنة 34 ق. عليا وقدم حافظة مستندات ضمت الصورة الضوئية للحكم وصورة من صحيفة إشكال مقام من المدعى عليه ضد المدعيين عن ذات الحكم ومقيد أمام محكمة قصر النيل للأمور المستعجلة ومحدد لنظره جلسة 10/ 4/ 1989 وصور من أوراق أخرى تتعلق بإعلان الحكم سالف الذكر وبخطاب الاتحاد المصري لكرة القدم المتضمن تحديد يوم 28/ 3/ 1989 موعداً لانتخاب مجلس الإدارة الجديد للاتحاد، وصور من ملخص حكمين صادرين من المحكمة الإدارية العليا لتأييد دفاع المدعيين، وعقب الحاضر عن المدعى عليه فدفع بعدم الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة بنظر الإشكال مستنداً إلى أن مجلس الدولة ليس هو قاضي التنفيذ كما دفع بعدم اختصاص المحكمة نوعياً بنظر الإشكال باعتبارها دعوى مبتداه لا تختص بنظرها محكمة الطعن ثم دفع بعدم قبول الإشكال لرفعه قبل الأوان تأسيساً على أنه كان يجب الانتظار حتى يفصل في الإشكال المطروح أمام قاضي التنفيذ. وقررت المحكمة في نفس الجلسة إصدار الحكم بجلسة اليوم على أن تقوم هيئة مفوضي الدولة بتقديم تقرير بالرأي القانوني في يومين وورد التقرير وقد ارتأت فيه الحكم أولاً: وبصفة أصلية: 1 - برفض الدفع بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الإشكال 2 - بعدم اختصاص المحكمة نوعياً بنظر الإشكال وبإحالته إلى محكمة القضاء الإداري بحالته مع إبقاء الفصل في المصروفات. ثانياً: بصفة احتياطية: بقبول الإشكال شكلاً وفي الموضوع بالاستمرار في تنفيذ الحكم المستكمل فيه والصادر من هذه المحكمة في الطعن رقم 3349 لسنة 34 ق بجلسة 4/ 3/ 1989 وتنفيذ الحكم بمسودته وبدون إعلان مع إلزام الإدارة المستشكل ضدها بالمصروفات. وقدم وكيل المدعى عليه مذكرة بالدفوع وأوجه الدفاع في الدعوى على التفصيل الوارد بها وسندها الأساسي هو انعدام الحكم المراد تنفيذه لما اعتراه من عيوب تفقده حجيته وتجعله عملاً مادياً غير حائز لأية حجية بما يجعل قاضي التنفيذ هو المختص بنظره وفي الجلسة المحددة صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة...
ومن حيث إن وقائع هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بعريضة مودعة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا بتاريخ 14/ 3/ 1989 أقام السادة: 1 -......... 2 -........3 -........ 4 -........ 5 -......... 6 -....... الدعوى رقم 1172 لسنة 35 ق ضد السيد/ رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة وطلبوا الحكم بصفة مستعجلة
أولاً: بقبول هذا الإشكال شكلاً ثانياً: وفي الموضوع بالاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بجلسة 4/ 3/ 1989 في الطعن رقم 3349 لسنة 34 قضائية الصادر لصالح الطالبين طبقاً لما ورد في أسبابه ومنطوقه. ثالثاً: بوقف تنفيذ القرار السلبي الصادر من المدعى عليه بصفته فيما تضمنه من امتناع عن تنفيذ الحكم سالف الذكر. رابعاً: وفي جميع الحالات أن يكون تنفيذ الحكم في هذه الدعوى بمسودته الأصلية ودون حاجة إلى إعلان وفي غير المواعيد الرسمية وإلزام المدعى عليه بصفته بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وبغير كفالة ومع حفظ كافة حقوق الطالبين الأخرى. وأوضحوا أنه بتاريخ 4/ 3/ 2989 استصدروا من المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والتعويضات) حكماً في الطعن رقم 3349 لسنة 34 ق يقضي بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وهو القرار الذي أصدره المدعى عليه بصفته برقم 205 لسنة 1988 في 19/ 5/ 1988 بحل مجلس إدارة الاتحاد المصري لكرة القدم وتعيين مجلس إدارة مؤقت لمدة سنة، وأنه لما كان هذا الحكم واجب النفاذ طبقاً للقانون فقد بادروا إلى إعلان الصورة التنفيذية للحكم إلى المدعى عليه بصفته إلا أنه ضرب عرض الحائط بكل قانون متحدياً حكم الدستور وحكم القضاء وامتنع عمداً عن تنفيذ الحكم بأن أقام إشكالاً كيدياً في محاولة لعرقلة تنفيذه أمام محكمة غير مختصة هي محكمة القاهرة للأمور المستعجلة التي قيد الإشكال بجدولها تحت رقم 746 لسنة 1989 وتحدد لنظره جلسة 10/ 4/ 1989 واستطردوا إلى أن المحكمة الإدارية العليا هي المختصة بالفصل في منازعات التنفيذ في الأحكام الصادرة منها الأمر الذي يحق معه لهم إقامة إشكالاً مستعجلاً أمام هذه المحكمة يطلبون فيه الحكم لهم بصفة مستعجلة بالاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر لصالحهم، ذلك أن امتناع المدعى عليه عن تنفيذ الحكم ومحاولته عرقلة تنفيذه بإشكالات أمام محاكم غير مختصة يشكل خطراً حالا على حقوقهم لا يمكن تداركه كما يشكل انتهاكاً ومساساً بقدسية أحكام القضاء واجبة النفاذ ويقوم على عنت ولدد في الخصومة وتمرد صارخ على سلطة الدستور وسيادة القانون بما يؤكد توافر حالة الاستعجال ولذلك فقد أقاموا هذه الدعوى..
ومن حيث إنه عن الدفوع المثارة في الدعوى فإن الدفوع المتعلقة بولاية المحكمة هي المسألة الأولية التي يتعين التصدي لها وحسمها أولاً: وقد أثار المدعى عليه الدفع بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى والدفع بعدم اختصاص هذه المحكمة نوعياً بنظرها أما بالنسبة إلى الدفع بعدم الاختصاص الولائي فقد أسسه على أن محاكم مجلس الدولة ليست هي قاضي التنفيذ وأن الذي يختص بنظر كافة منازعات التنفيذ باعتباره القاضي الطبيعي لهذه المنازعات هو قاضي التنفيذ بجهة القضاء العادي سواء تعلقت تلك المنازعات بأحكام صدرت من القضاء العادي أو القضاء الإداري، وهذا الدفع غير سديد ذلك أن المادة 172 من الدستور قد نصت على أن "مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى" ثم جاءت المادة (10) من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة فنصت على أن "تختص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في المسائل الآتية: أولاً........ رابع عشر: سائر المنازعات الإدارية" وبذلك أضحى مجلس الدولة هو صاحب الولاية العامة في المنازعات الإدارية كافة وكذلك بالنسبة إلى كل ما يتفرع عنها من منازعات متعلقة بتنفيذ الأحكام الصادرة من القضاء الإداري لما هو مقرر من أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع. وهذا هو ما اضطردت عليه أحكام هذه المحكمة فقد سبق أن قضت في الطعن رقم 2945 لسنة 31 القضائية بجلسة 26 من مارس 1988 بأنه ولئن كانت منازعات التنفيذ المتعلقة بالأحكام تحكمها الأصول العامة المقررة بقانون المرافعات المدنية والتجارية الذي وضع شروط قبول هذه المنازعات والقواعد العامة والضوابط التي يتم على أساسها الفصل فيها وهو ما يسري على منازعات التنفيذ المتعلقة بالأحكام الصادرة من القضاء الإداري بما لا يتعارض مع طبيعة المنازعة الإدارية وفي الحدود التي رسمتها المادة (3) من مواد إصدار قانون مجلس الدولة إلا أن قاضي التنفيذ المختص دون غيره بنظر منازعات التنفيذ المتعلقة بأحكام القضاء الإداري هو محاكم مجلس الدولة كل في حدود اختصاصها تأسيساً على أن منازعات التنفيذ المتعلقة بهذه الأحكام متفرعة من أصل المنازعة الإدارية التي تفصل فيها وقاضي الأصل هو قاضي الفرع وعلى ذلك فلا اختصاص لقاضي التنفيذ بالمحاكم العادية بنظر مثل هذه المنازعات فيكون رفعها إليه غير ذي أثر في صدد منازعة التنفيذ أمام القضاء الإداري (وبنفس المبدأ الطعن رقم 1273 لسنة 33 القضائية جلسة 25 يونيه 1988). ومن حيث إنه بالنسبة إلى ما أثاره المدعى عليه بمذكرة دفاعه عن انعدام الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بجلسة 4 من مارس 1989 في الطعن رقم 3349 لسنة 34 القضائية - موضوع الدعوى الماثلة - بما يجعل لقاضي التنفيذ بالمحاكم العادية اختصاص الفصل في الإشكال المقدم عنه باعتباره عملاً مادياً منعدم الأثر، فإن ذلك وقد بني على أساس أن المحكمة بجلسة النطق بالحكم التي حددت لها جلسة 4/ 3/ 1989 قررت إعادة الطعن إلى المرافعة لتغير تشكيل الهيئة وقررت إصدار الحكم أخر الجلسة دون إعلان الخصوم أن تكون الهيئة التي سمعت المرافعة هي الهيئة التي أصدرت الحكم، فإن ذلك بدوره دفاع منهار الأساس لفقدان سنده من القانون ذلك أن المادة 173 من قانون المرافعات لا تتطلب عند فتح باب المرافعة إعلان طرفي النزاع وكل ما تطلبته هو أن يكون فتح باب المرافعة لأسباب جدية تبين في ورقة الجلسة وفي المحضر وهذا ما حرصت المحكمة على إثباته في محضر الجلسة إذ قررت فتح باب المرافعة لتغير تشكيل الهيئة يضاف إلى ذلك أنه من المبادئ الأساسية في فقه المرافعات أنه إذا حضر المدعى عليه أية جلسة أو أودع مذكرة بدفاعه اعتبرت الخصومة حضورية في حقه ولو تخلف بعد ذلك كما أن النظام القضائي بمجلس الدولة يقوم أساساً على مبدأ المرافعات التحريرية في مواعيد محددة وليس من حق ذوي الشأن أن يصروا أمام المحكمة على طلب المرافعة الشفهية وهذا هو ما استقر في قضاء هذه المحكمة القديم منه والحديث (على سبيل المثال حكمها في الطعنين رقمي 1185 و1203 لسنة 14 القضائية جلسة 22 إبريل 1972 وفي الطعن رقم 1689 لسنة 26 القضائية جلسة 23 يونيه 1984 وفي الطعن رقم 410 لسنة 28 القضائية جلسة أول يونيه 1985) ومتى كان الثابت أن المطعون ضده ( المدعى عليه في هذه الدعوى) قدم مذكرات دفاعه قبل فتح باب المرافعة بجلسة 4/ 3/ 1989 التي حجز فيها الطعن للحكم أخر الجلسة فلا يكون هناك إخلال بحق الدفاع كما تكون الهيئة التي سمعت المرافعة هي بذاتها التي أصدرت الحكم وبالتالي يكون النعي على الحكم بالانعدام أو البطلان غير قائم على سند من القانون هذا بالإضافة إلى أن أحكام المحكمة الإدارية العليا وهي على قمة محاكم مجلس الدولة لا يجوز الطعن فيها بأي طريقة من طرق الطعن وأحكامها لا تقبل التماس إعادة النظر ولا تملك أية محكمة التعقيب على قضائها بأية صورة من الصور ولا تتزعزع قرينة الصحة التي تظل تلازمها إلا بحكم يصدر من نفس المحكمة التي أصدرتها في دعوى بطلان أصلية مبتدأة قائمة بذاتها أما بالنسبة إلى ما ورد بمذكرة الدفاع من أن المحكمة قد أثبتت على خلاف الحقيقة أنها سمعت الإيضاحات رغم عدم حضور أي من الخصوم جلسة 4/ 3/ 1989 فمردود عليه بأن الإيضاحات تسمعها المحكمة من أول جلسة حتى أخر جلسة كما أنها يمكن أن تبدي من السيد مفوض الدولة الذي يشترك مع هيئة المحكمة في الجلسة وما كان يصح إثارة ذلك أمام المحكمة الإدارية العليا إذ يعد لغواً لا طائل من ورائه...
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم يضحى الدفع بعدم الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة بنظر الدعوى في غير محله ويتعين الالتفاف عنه لعدم قيامه على سند سليم من القانون كما يكون الادعاء بانعدام الحكم الصادر من هذه المحكمة في الطعن رقم 3349 لسنة 34 القضائية المشار إليه بمنأى عن صحيح حكم القانون ويتعين إهداره في هذه المنازعة...
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص هذه المحكمة نوعياً بنظر الدعوى فمن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن القاعدة العامة في قبول الإشكال في التنفيذ أن يكون سببه قد جد بعد صدور الحكم باعتباره منصباً على إجراءات التنفيذ فمبناه دائماً وقائع لاحقة على صدور الحكم لا سابقة عليه وإلا كان ذلك طعناً في الحكم بغير الطريق القانوني ولا يعتبر الإشكال المرفوع من الإدارة عن حكم صادر من القضاء الإداري ولو إلى محكمة غير مختصة ولائياً والاستمرار في الامتناع عن تنفيذه عقبة طارئة في تنفيذ الحكم تبرر رفع إشكال مقابل عن ذلك الإشكال فأمر هذا الإشكال تفصل فيه المحكمة المرفوع أمامها على هدي أحكام القانون وامتناع المحكوم ضده عن تنفيذ الحكم ولو أصبح ظاهراً جلياً مخالفة لأحكام القانون لا يعتبر بذاته عقبة في التنفيذ فلذلك شرع القانون التنفيذ الجبري لقهر إرادة المحكوم ضده في الامتناع عن التنفيذ وإجباره على التنفيذ طبقاً لأحكام القانون ولا يدخل الامتناع عن التنفيذ ولو كان إرادياً عمدياً في أسباب وصور الإشكال في التنفيذ الجبري - وقد استقر القضاء الإداري على أن امتناع الإدارة الإرادي العمدي عن تنفيذ الحكم قد يتضمن قراراً صريحاً أو سلبياً بالامتناع عن تنفيذ الحكم يجوز طلب إلغائه ووقف تنفيذه، كما يجوز طلب التعويض عنه فهي كلها أدوات قررها القانون لإجبار المحكوم ضده على التنفيذ، أما رفع المحكوم لصالحه إشكالاً مضمونه الاستمرار في التنفيذ وقوامه حكم القانون بوجوب تنفيذ الحكم لمجابهة امتناع المحكوم ضده عن تنفيذ الحكم فأمر لا صلة له في حقيقته بعقبات التنفيذ التي يقوم عليها الإشكال وإنما هو صميم وجوهر الإجبار على التنفيذ الذي يستهدف قهر إرادة المحكوم ضده في الامتناع عن التنفيذ وإجباره على ذلك نزولاً على حكم القانون، ولن يضيف الإشكال المستهدف للاستمرار في التنفيذ قهراً للامتناع عن التنفيذ جديداً في هذا الصدد ولو اتخذ شكل الحكم فالتنفيذ والاستمرار فيه ثابتان واجبان بحكم القانون طالما لم تأمر جهة مختصة قانوناً وطبقاً للقانون بوقف تنفيذ الحكم (الطعن رقم 2945 لسنة 31 القضائية جلسة 26 مارس 1988 والطعن رقم 1273 لسنة 33 القضائية جلسة 25 يونيه 1988).
ومن حيث إنه على هدي ما تقدم لما كان الثابت أن المدعين قد صدر لصالحهم حكم من المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والتعويضات) بجلسة 4 من مارس 1989 في الطعن رقم 3349 لسنة 34 القضائية قضى بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وامتنعت الجهة الإدارية الصادر ضدها الحكم عن تنفيذه على سند من إشكال أقامته أمام محكمة قصر النيل للأمور المستعجلة برقم 746 لسنة 1989 المحدد لنظره جلسة 10/ 4/ 1989 فأقام المدعون دعواهم الماثلة رداً على هذا الإشكال لمجابهة امتناع الجهة الإدارية عن تنفيذ الحكم وإجبارها على تنفيذه وطلبوا الحكم بالاستمرار في تنفيذ الحكم الصادر لصالحهم كما طلبوا وقف تنفيذ القرار السلبي الصادر من المدعى عليه بصفته فيما تضمنه من امتناع عن تنفيذ الحكم سالف الذكر، ومن ثم تعد هذه الدعوى في حقيقة التكييف القانوني السليم وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة طعناً بالإلغاء في القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ حكم نهائي واجب التنفيذ مقترناً بطلب وقف تنفيذ هذا القرار، ذلك أن هذا التكييف هو الذي يتفق مع طلب المدعيين الاستمرار في تنفيذ الحكم والقائم على أساس امتناع الإدارة عن تنفيذه فقد انصب الطلب على هذا الموقف الإرادي بقصد إلغاء كل أثاره وقد تفرغ منه طلبهم الصريح بوقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ الحكم فجاء ذلك كله متفقاً مع الصورة التي حددها القانون لمجابهة امتناع الإدارة عن اتخاذ قرار يوجب القانون عليها اتخاذه فقد نص قانون مجلس الدولة في المادة (10) على أن "تختص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في المسائل الآتية: أولاً...... خامساً: الطلبات التي يقدمها الأفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية.......... ثم جاءت الفقرة الأخيرة من هذه المادة فنصت على أنه "ويعتبر في حكم القرارات الإدارية رفض السلطات الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقاً للقوانين واللوائح" وهي عين الحالة التي رفعت بشأنها هذه الدعوى. أما القول بأن الدعوى إشكال عكسي في تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا يستهدف الاستمرار في تنفيذه فلا سند له من وقائع الدعوى أو من واقع الطلبات المبدأه فيها فمهما يكن من أمر الألفاظ التي صاغ بها المدعون دعواهم والتي وصفت الدعوى بأنها إشكال عكسي فالعبرة ليست بظاهر الألفاظ وإنما بحقيقة معناها القانوني هذا فضلاً عن أن وصف الدعوى بأنها إشكال عكسي لا يتفق مع المدلول القانوني لإشكالات التنفيذ في أحكام القضاء الإداري طبقاً للمبادئ التي استقرت عليها أحكام هذه المحكمة على الوجه السالف بيانه.....
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم فإنه لما كانت الدعوى المنظورة هي من دعاوى الإلغاء المتضمنة طلباً بوقف التنفيذ ومتعلقة بالقرار السلبي بالامتناع عن تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا المشار إليه وقد رفعت رأساً إلى هذه المحكمة التي ينأى اختصاصها عن النظر فيها طبقاً للقانون ومن ثم فلا مناص من القضاء بعدم اختصاص المحكمة بنظرها وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) المختصة للفصل فيها وذلك عملاً بحكم المادة (110) من قانون المرافعات المدنية والتجارية....

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) للفصل فيها...


[(1)] راجع الطعن رقم 2945 لسنة 31 ق بجلسة 26/ 3/ 1988 والطعن رقم 1273 لسنة 33 بجلسة 25/ 6/ 1988.
[(2)] الطعنان رقما 1185 و1203 لسنة 14 بجلسة 22/ 4/ 1972 و410 لسنة 28 جلسة 1/ 6/ 1985.