مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1989 إلى آخر سبتمبر سنة 1989) - صـ 819

(116)
جلسة الأول من إبريل سنة 1989

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ عبد اللطيف أحمد أبو الخير ويحيى السيد الغطريفي ود. إبراهيم علي حسن وإسماعيل صديق راشد - المستشارين.

الطعن رقم 280 لسنة 34 القضائية

عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - الدعوى التأديبية (إثبات) - في أدلة الإثبات في الدعوى التأديبية - قرينة البراءة (مادة 67) من الدستور الصادر في 11 سبتمبر 1971.
من المبادئ الأساسية في المسئولية العقابية سواء كانت جنائية أم تأديبية وجوب الثبوت اليقيني لوقوع الفعل المؤثم وأن يقوم ذلك على توافر أدلة كافية لتكوين عقيدة المحكمة ويقينها في ارتكاب المتهم للفعل المنسوب إليه - لا يسوغ قانوناً أن تقوم الإدانة على أدلة مشكوك في صحتها أو دلالتها وإلا كانت تلك الإدانة مزعزعة الأساس متناقضة المضمون - أساس ذلك: القاعدة التي قررها الدستور من أن الأصل هو البراءة ما لم تثبت إدانة المتهم في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه عن أفعال محددة - إذا شاب الشك وقوع الفعل أو نسبته إلى متهم معين يفسر الشك لصالحه وحمل أمره على الأصل الطبيعي وهو البراءة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 26/ 12/ 1987 أودع الأستاذ/..... المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 280 لسنة 34 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم بجلسة 27/ 10/ 1987 في الدعوى رقم 221 لسنة 29 ق والقاضي بمجازاتهما بالوقف عن العمل لمدة ستة أشهر مع صرف نصف الأجر، وطلب الطاعنان للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعنين من التهمة المسندة إليهما.
وبعد أن تم إعلان الطعن على النحو المبين بالأوراق، قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وتوقيع الجزاء الذي تراه المحكمة مناسباً، وما ثبت في حقهما من مخالفات.
وقد حدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 23/ 11/ 1988 وتداول بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها حتى قررت بجلسة 11/ 1/ 1989 إحالة الطعن إلى هذه المحكمة فنظرته بجلسة 28/ 1/ 1989 وبجلسة 25/ 2/ 1989 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم 1/ 4/ 1989 وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 24/ 1/ 1987 أودعت النيابة الإدارية قلم كتاب المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم أوراق الدعوى التأديبية رقم (221) لسنة 29 ق متضمنة تقريراً باتهام 1 -......... الممرضة بمستشفى باب الشعرية الجامعي من الدرجة الرابعة. 2 -........ فني صيانة بالمستشفى المذكورة من الدرجة الرابعة. لأنهما بتاريخ 23/ 10/ 1986 بدائرة المستشفى آنفة الذكر خرجا على مقتضى الواجب الوظيفي وسلكا مسلكاً لا يتفق والاحترام الواجب بأن: وضعا نفسهما موضعاً مخلاً بالكرامة والشرف بتواجد الأولى بحجرة الصيانة الخاصة بالمولد الكهربائي في الصباح الباكر تاركة نوبتجية عملها وتعمد الأخير غلق الغرفة عليهما لإخفاء تواجد الممرضة المذكورة معه. وأنهما بذلك قد ارتكبا المخالفة الإدارية المنصوص عليها في المادتين 76/ 3، 78/ 1 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة المعدل بالقانون رقم 115 لسنة 1983 وطلبت النيابة الإدارية محاكمتهما تأديبياً بالمواد المذكورة والمادتين 80، 82/ 4 من القانون سالف الذكر والمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية والمادتين 15/ 1، 19/ 1 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن تنظيم مجلس الدولة.
وبجلسة 27/ 10/ 1987 حكمت المحكمة بمجازاة كل منهما بالوقف عن العمل لمدة ستة أشهر مع صرف نصف الأجر. وأقامت قضاءها على أنه يبين من أقوال الشهود الذين تطمئن المحكمة إليهم أن المتهمة ذهبت إلى حجرة الصيانة التي بها المولد بالمستشفى حوالي الساعة الخامسة والربع صباح يوم 23/ 10/ 1986 لمطلقها السابق (..........) رغم علمها بشك زوجها بوجود علاقة بينهما وتردده على المستشفى للتأكد من سلوكها في هذا الشأن علاوة على أنها تركت عملها المكلفة به في الوقت آنف الذكر بدون إذن رؤسائها في العمل، وذلك بدعوى أنها ذهبت إلى المتهم لمصالحته، في حين كان يتعين عليها أن تبلغ رؤسائها أولاً بالمكان الذي ستذهب إليه، كما أنه لا يوجد بالأوراق سبباً واحداً جدياً يضطرها للذهاب إلى المتهم في الصباح الباكر على النحو المذكور، وبالإضافة إلى ذلك فإن وجود المتهمة بحجرة الصيانة لمدة ساعتين تقريباً مغلق عليهما باب من الخارج دون أن تعترض على ذلك في وجود زوجها الذي كان يبحث عنها في المستشفى فهذا يجعل الشك والريبة متوافران بجانبها وبجانب المتهم من أنهما كان في وضع لا تقره الأخلاق والدين، ومن ثم يكونا قد وضعا نفسهما موضعاً مخلاً بالكرامة والشرف. وأضافت المحكمة أنه لما كانت المخالفة المنسوبة إلى المتهمين ثابتة ثبوتاً يقينياً، الأمر الذي يعد خروجاً صارخاً على واجباتهما الوظيفية خاصة، وأنهما يعملان بالأزهر الشريف الذي يجب توقيره واحترام تعاليمه السامية.
ومن حيث إن مبنى الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه فساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك أن ما حدث كان مؤامرة من أمين الشرطة زوج الطاعنة الأولى وزميله أمين الشرطة بالمستشفى والحكيمة......، وأن لفظ الصباح الباكر لا تأثير له في مؤسسة تعمل (24) ساعة ولا يستدل من ذلك الوقت أن الطاعنة كانت في وضع لا تقره الأخلاق والدين، فضلاً عن أن حجرة المولد الكهربائي بها نافذة بطول الباب تقريباً مقفولة بحديد طولي وليس لها ذلف خشبية بحيث يستطيع من الخارج أن يرى كل بالحجرة دون أي عناء ولو أن معاينة أجريت لتبين ذلك، وشاب الحكم أيضاً القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع والاستخلاص غير السائغ، وأنه لا إدانة بغير دليل يقره المنطق السليم وأن الشك يفسر لمصلحة المتهم.
وقدم الحاضر عن الطاعنين حافظة مستندات تضمنت رسماً توضيحياً لغرفة توليد القوى الكهربائية بالمستشفى أعده رئيس الشئون الهندسية ومعتمد من مدير المستشفى. وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاع النيابة الإدارية أثناء حجز الطعن للحكم طلبت في ختامها الحكم برفض الطعن.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أنه في حوالي الساعة الخامسة والربع صباح يوم 23/ 10/ 1986 لم تتواجد الطاعنة الأولى بعملها بقسم الاستقبال بالمستشفى وأتضح وجودها بحجرة المولد الكهربائي مع الطاعن الثاني، وإزاء تواجد زوجها في ذلك الوقت بالمستشفى فقد تم غلق الحجرة عليهما وحدهما حتى انصرف زوجها.
ومن حيث إنه من المبادئ العامة الأساسية في المسئولية العقابية سواء أكانت جنائية أم تأديبية وجوب الثبوت اليقيني لوقوع الفعل المؤثم من المتهم. أن يقوم هذا الثبوت على أساس توفير أدلة كافية لتكوين عقيدة المحكمة ويقيناً في ارتكاب المتهم للفعل المنسوب إليه، ولا يسوغ قانوناً أن تقوم الإدانة تأسيساً على أدلة مشكوك في صحتها، أو في دلالتها، وإلا كانت تلك الإدانة مزعزعة الأساس متناقضة المضمون مفرغة من ثبات اليقين وما دام أن الأصل في هذا الشأن طبقاً لصريح نص المادة (67) من الدستور البراءة ما لم يثبت إدانة المتهم في محاكمة قانونية عادلة يكفل له خلالها الدفاع عن نفسه عن أفعال محددة فإنه إذا شاب الشك وقوع الفعل أو نسبته إلى متهم معين تعين تفسير الشك لصالحه وحمل أمره على الأصل الطبيعي وهو البراءة.
ومن حيث إنه بناء على ما سلف ذلك وعلى أنه لم يثبت من الأوراق أو أقوال الشهود ما يفيد بيقين ما نسبه الحكم المطعون فيه إلى الطاعنين من أنهما وضعا نفسيهما موضعاً يفيد أنهما قد ارتكبا ما يعد مخلاً بالشرف والكرامة حيث لا يوجد دليل على ذلك في أقوال شهود الحادث أو التحقيقات بل أن غاية ما تكشف عنه بيقين الأوراق والتحقيقات أن الطاعنة قد تركت عملها وذهبت إلى الطاعن الثاني بغرفة المولد الكهربائي أثناء وقت العمل الرسمي المكلف كل منهما به فحضر زوجها وأغلق الطاعن الثاني الباب عليهما وأبلغ ممرض وطبيب بذلك مستهدفاً مساعدتهما لعدم معرفة الزوج بوجود الزوجة بالحجرة الأمر الذي ينطوي على الإخلال بواجبات الوظيفة التي تفرض على الطاعنة الأولى تخصيص جهدها وقت العمل في رعاية المرضى باعتبارها ممرضة بالمستشفى ومكلفة في ذلك الوقت بالعمل بقسم الاستقبال كما أنه فيما يتعلق بالطاعن الثاني فإن واجبه الوظيفي يوجب عليه أن يخصص وقت العمل لمباشرة مهامه في صيانة المولد الكهربائي وعدم الانشغال عن هذا الواجب وحيث إنه فضلاً عما تقدم فإن الطاعنين قد تسببا بما ارتكباه في إرباك أطباء المستشفى وإدارتها نتيجة شغلها بمشاكل وبأمور خاصة. عن أداء رسالة وواجب المستشفى الأساسي في علاج ورعاية وحسن استقبال المرضى، ومن ثم فإنه يتعين مساءلتهما عن هذا الإخلال بالواجب الوظيفي، وفقاً للتكييف الصحيح السالف ذكره والذي يتفق والثابت يقيناً من الأوراق والتحقيقات.
ومن حيث إنه لا يسوغ قانوناً ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من نسبة أمور مخلة بالشرف والكرامة إليهما لم تثبت بيقين من التحقيقات، وحيث بنى الحكم هذه الإدانة للطاعنين على الاستنتاج الذي تلمسه من ظروف المكان والزمان فقط على نحو لا يستقيم مع المبادئ والأسس العامة الحاكمة للمسئولية التأديبية من حتمية قيام الإدانة على الثبوت واليقين، وليس على الشك والتخمين، ومن حيث إن الحكم الطعين قد تعمد تبريراً لما ذهب إليه حسبما سلف البيان إلى الزج بالأزهر الشريف دون مبرر موضوعي لذلك على الإطلاق فكون المستشفى الذي وقعت فيه المخالفة تابعاً للجامعة الأزهرية لا صلة له بحتمية أن تتوافر بأدلة الإدانة الكافية واللازمة لنسبة ما وقع من مخالفات للطاعنين أيا ماً كانت درجة جسامتها في ضوء ما تسفر عنه الأوراق ولا يجوز أن يكون ذلك وحده مبرراً لتشديد الجزاء على نحو ما انتهت إليه المحكمة في حكمها المطعون فيه والذي شابه الغلو وعدم التناسب بين جسامة ما هو ثابت بيقين قبل الطاعنين وبين ما انتهى إليه الحكم من عقوبة تأديبية لكل منهما.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم فإن الحكم الطعين يكون قد صدر مخالفاً للقانون حيث استخلص الإدانة التي انتهى إليها للطاعنين بالوصف والتكييف الذي ذهب إليه على خلاف الثابت من الأوراق والتحقيقات الأمر الذي يتعين معه الحكم بإلغائه وتوقيع الجزاء المناسب الذي تقدره المحكمة في ضوء الثابت إدانة الطاعنين به من جرائم تأديبية بالتكييف الصحيح حسب الثابت يقيناً من الأوراق على النحو السالف الذكر وحيث إن الجزاء المناسب لما وقع من المتهمين هو الخصم من المرتب لمدة شهرين.
ومن حيث إن هذا الطعن معفى من الرسوم القضائية طبقاً لأحكام المادة (90) من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبمجازاة كل من الطاعنين....... و..... بخصم شهرين من الأجر.