مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1989 إلى آخر سبتمبر سنة 1989) - صـ 831

(118)
جلسة 4 من إبريل سنة 1989

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عبد الفتاح إبراهيم صقر - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ حنا ناشد مينا حنا ورأفت محمد السيد يوسف وفاروق علي عبد القادر والدكتور محمد عبد السلام مخلص - المستشارين.

الطعنان رقما 1511 و1625 لسنة 31 القضائية

عقد إداري - مدى جواز الاتفاق في العقد على استبعاد بعض أحكام لائحة المناقصات والمزايدات.
المادة العاشرة من اللائحة الملغاه الصادرة بقرار وزير المالية رقم 542 لسنة 1953.
القوانين واللوائح التي يتم التعاقد في ظلها تخاطب الكافة ويفترض علمهم بمحتواها فإن أقبلوا حال قيامها على التعاقد مع الإدارة فالمفروض أنهم ارتضوا كل ما ورد بها من أحكام - حينئذ تندمج قواعدها في شروط عقودهم وتعتبر جزءاً لا يتجزأ منها - مؤدى ذلك: أنه لا فكاك من الالتزام بهذه القوانين ما لم ينص العقد صراحة على استبعاد أحكامها كلها أو بعضها عدا ما تعلق منها بالنظام العام - إذا كان العقد لم ينص على استبعاد أحكام لائحة المناقصات والمزايدات فإنه يتعين تطبيق نصوص هذه اللائحة - تطبيق [(1)].


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 25/ 3/ 1985 أودع السيد/ المستشار رئيس هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن رقم 1511/ 31 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 3/ 2/ 1985 المرفوعة من 1 -....... 2 -........ ضد 1 - وزير الإسكان 2 - محافظ أسيوط بصفتهما. في الدعوى 3328/ 37 ق طالباً الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى موضوعاً ومع إلزام المدعيين بالمصروفات.
وفي يوم الخميس 4/ 4/ 1985 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن السيدين/ وزير الإسكان ومحافظ أسيوط بصفتهما تقرير الطعن رقم 1625/ 31 ق في الحكم المشار إليه ذاته وطلب الطاعنان بصفتهما في ختام صحيفة الطعن الأمر بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه والحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضدهما مع إلزامها بالمصروفات والأتعاب عن الدرجتين.
وقد أعلن تقريري الطعن إلى المطعون ضدهما في 11/ 4/ 1985، 17/ 4/ 1985 وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها القانوني انتهت فيه إلى الحكم بقبول الطعنين شكلاً وبرفض طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المطعون ضدهما بالمصروفات.
وقد أودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعهما ورددت فيها ما ورد في صحيفة الطعن وعرض الطعنين على دائرة فحص الطعون فقررت إحالتهما إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) ونظرت المحكمة الطعنين على ما هو موضح بمحاضر جلساتها حيث سمعت ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات وقررت بجلسة 7/ 3/ 1989 إرجاء إصدار الحكم إلى جلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعنين قد استوفيا سائر الأوضاع الشكلية المقررة ومن ثم فهما مقبولان شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تخلص في أن المدعيين أقاما الدعوى رقم 3328/ 37 ق أمام محكمة القضاء الإداري وقال المدعيان شارحين لدعواهما أن مديرية الإسكان والتعمير بأسيوط طرحت عملية بناء فرع مصلحة الكيمياء بأسيوط في مناقصة عامة فتحت مظاريفها في 30/ 2/ 1975 وأسندت هذه العملية للمدعين الذين ضمنا عرضهما أن أي زيادة تطرأ على أسعار مواد البناء الخاضعة لقيود التوزيع والتي تصرف بتصاريح وهي الحديد والأسمنت وأخشاب الأبواب والشبابيك دون الشدات بعد تاريخ فتح المظاريف تحسب لهما مع إضافة علاوة قدرها 15% على هذه الزيادة وفوجئ المدعيان في نهاية سنة 1982 بخصم مبالغ كبيرة من المستخلصات استناداً إلى مناقضة الجهاز المركزي للمحاسبات الذي طلب الرجوع على المقاول بفروق الأسعار بالنسبة لمواد البناء بمقدار الانخفاض الذي طرأ على أسعارها بمقتضى قرار وزير الإسكان الذي ألغى نظام الأسعار المدعمة وغير المدعمة لمواد البناء وحدد سعراً واحداً لهذه المواد وقد بلغت المبالغ المخصومة من مستحقاتهما أربعين ألف جنيه مما اضطرهما لرفع الدعوى الماثلة طالبين الحكم بعدم جواز خصم أي مبالغ منها ورد ما سبق خصمه استناداً إلى أن المدعيين احتفظا لنفسهما بحرية الرجوع على الجهة الإدارية في حالة ارتفاع أسعار مواد البناء الخاضعة لقيود التوزيع مع علاوة مقدارها 15% وجاء العقد خالياً من أي أحكام في انخفاض الأسعار ومن ثم لا يجوز لجهة الإدارة الالتجاء إلى هذا الخصم وأودعت هيئة قضايا الدولة حافظتي مستندات طويت الأولى على تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات الذي انتهى إلى خصم فروق أسعار مواد البناء بعد ضغطها بقرارات وزير الإسكان وطويت الثانية على كتاب مديرية الإسكان والتعمير بأسيوط رقم 21451 في 4/ 10/ 1983 بالرد على الدعوى وصورة قرار وزير الإسكان والتعمير رقم 131 سنة 1980 في شأن تحديد متوسط أسعار بيع الحديد المحلي والمستورد وتنظيم تداوله وصورة قرار وزير الإسكان رقم 124 سنة 1980 بشأن تحديد أسعار بيع الأسمنت المحلي وتحديد السعر الموحد وشروط المناقصة وصورة أمر التشغيل الصادر للمدعيين والخصم صحيح ومحله لا يجاوز أربعين ألف جنيه من مجموع قيمة العقد البالغة مليون جنيه ولا إخلال بالتوازن المالي للعقد ولا أساس إذن للدعوى ولذلك طلبت الهيئة رفضها.
وبجلسة 3/ 2/ 1985 قضت محكمة القضاء الإداري بإلزام محافظ أسيوط بصفته بعدم خصم أي مبالغ من مستحقات المدعيين عن عملية فرع مصلحة الكيمياء بأسيوط نتيجة خفض أسعار الحديد والأسمنت ورد ما سبق خصمه لهذا السبب مع إلزام المحافظة بالمصروفات وأقامت المحكمة قضاءها على أساس أن العقد المبرم بين الجهة الإدارية وبين المدعين بعد رسو المناقصة عليهما في 30/ 12/ 1979 لم يتضمن نصاً يخول الإدارة الحق في محاسبة المقاول عن فروق أسعار مواد البناء المسعرة جبراً في حالة خفضها كما لم يتضمن العقد نصاً باعتبار أحكام لائحة المناقصات والمزايدات مكملة ومتممة لأحكامه وبناء على ذلك لا يجوز للإدارة الرجوع على المقاول بفارق السعر في حالة خفضه نتيجة صدور قرار من وزير الإسكان والتعمير بتوحيد أسعار الحديد والأسمنت طالما لم ينص العقد على حق الإدارة في محاسبة المقاول عن فرق السعر في حالة خفضه كما لا يجوز افتراض أن أحكام العقد مكملة بأحكام لائحة المناقصات والمزايدات طالما لم ينص صراحة في شروط المناقصة أو العقد على ذلك إذ أن أحكام هذه اللائحة موجهة إلى العاملين بالجهات الخاضعة لأحكامها يجب عليهم مراعاتها فإذا أغفلوا النص عليها فلا يلتزم المتعاقد مع الإدارة بأحكامها ومن ثم لا يجوز للإدارة خصم الفروق الناتجة عن خفض سعر الحديد والأسمنت وتلتزم برد ما سبق خصمه من مستحقات المدعين لهذا السبب.
ومن حيث أن كلا الطعنين يقوم على أن الحكم المطعون فيه جاء مخالفاً للقانون والمبادئ العامة التي تحكم العقود الإدارية ذلك أن أحكام القوانين واللوائح المنظمة للعقود الإدارية إنما تخاطب الكافة وعلمهم بمحتواها مفروض أنهم عند التعاقد قد ارتضوا أحكامها وحينئذ تندمج هذه الأحكام في عقودهم وتصير جزءاً منها فيتعين تطبيقها ما لم ينص العقد صراحة على استبعاد أحكامها عدا ما تعلق منها النظام العام ولما كانت المادة العاشرة من لائحة المناقصات والمزايدات الصادرة بقرار وزير المالية والاقتصاد رقم 542 لسنة 1957 والتي يقع العقد في المجال الزمني لانطباق أحكامها نصت صراحة على أنه إذا استلزم الأمر عند التعاقد على جواز تعديل الأثمان المتعاقد عليها بنسبة ما يطرأ على أسعار بعض المواد من ارتفاع فإنه يجب النص على حد أقصى بالنسبة لهذه الزيادة من حفظ حق الحكومة في الإفادة مما قد تتعرض له الأسعار أو الأجور من خفض، فإن هذا النص الوارد بلائحة المناقصات والمزايدات إنما يخاطب الإدارة والمتعاقد معها على حد سواء والعلم بمحتواه مفروض ويندمج بالتالي في العقد المبرم بين الطرفين خاصة وأن هذا العقد لم ينص على استبعاده وبالتالي يحق للإدارة الإفادة مما يطرأ من انخفاض على أسعار المواد في هذه الحالة طالما ورد النص في العقد على جواز تعديل الثمن المتفق عليه لصالح المتعاقد مع الإدارة بصرف الزيادة في أسعار المواد إليه فإنه بحكم الوجوب طبقاً للائحة المناقصات والمزايدات والتي هي خطاب لطرفي العقد الإداري يتعين إفادة الإدارة من الخفض في أسعار هذه المواد.
ومن حيث إن المادة العاشرة من لائحة المناقصات والمزايدات الصادرة بقرار وزير المالية والاقتصاد رقم 542 سنة 1957 والتي تنطبق زمنياً على العقد موضوع المنازعة قد نصت على أنه إذا استلزم الأمر عند التعاقد النص على جواز تعديل الأثمان المتعاقد عليها بنسبة ما يطرأ على أسعار بعض المواد من الارتفاع فإنه يجب النص على حد أقصى بالنسبة لهذه الزيادة مع حفظ حق الحكومة في الإفادة مما قد تتعرض له الأسعار أو الأجور من خفض وهذا النص واجب التطبيق على واقعة الدعوى إذ أنه لما سبق أن قضت به هذه المحكمة فإن القوانين واللوائح التي يتم التعاقد في ظلها إنما تخاطب الكافة وعلمهم بمحتواها مفروض فإن قبلوا حال قيامها على التعاقد مع الإدارة فالمفروض أنهم ارتضوا كل ما ورد بها من أحكام وحينئذ تندمج قواعدها في شروط عقودهم ويعتبر جزءاً لا يتجزأ منها حيث لا فكاك من الالتزام بها ما لم ينص العقد صراحة على استبعاد أحكامها كلها أو بعضها عدا ما تعلق منها بالنظام العام فإذا كان العقد المحرر مع صاحب الشأن لم ينص على استبعاد أحكام لائحة المناقصات والمزايدات فإنه يتعين تطبيق نصوص هذه اللائحة.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن العقد المبرم مع المطعون ضدهما بشأن عملية بناء فرع مصلحة الكيمياء في أسيوط لم تنص على استبعاد أحكام لائحة المناقصات والمزايدات الصادرة بقرار وزير المالية والاقتصاد رقم 542 سنة 1957 والتي أبرم في ظلها فإنه يتعين تطبيق نصوص هذه اللائحة ومنها نص المادة العاشرة التي أجازت لجهة الإدارة الإفادة مما قد تتعرض له الأسعار من خفض وليس في العقد ما يغير الاتفاق على غير ما تضمنه هذا النص كما أنه ليس فيه ما يقتضي صراحة أو ضمناً اتجاه إرادة طرفيه إلى مخالفة أحكام لائحة المناقصات والمزايدات في هذه الجزئية أو غيرها أو إلى استبعاد تطبيقها جملة، والنص في العقد على تحديد أسعار بعض المواد التي تستخدم في تنفيذه (الحديد والأسمنت) وهي المواد الخاضعة لقيود التوزيع والتي تصرف بتصاريح على أساس ما تضمنه من أن تصرف أي زيادة تطرأ على أسعارها بعد تاريخ التعاقد (فتح المظاريف) مع علاوة قدرها 15% من هذه الزيادة يتضمن بذاته تأثر هذه الأسعار بما يطرأ عليها من تعديل من الجهة المختصة بذلك ارتفاعاً أو نزولاً عن قيمتها عند التعاقد إذ أن اتفاق طرفي العقد على ذلك نصاً يقتضي الاعتداد بما تحدد عند التعاقد مع قابلية أسعار هذه المواد للتعديل زيادة أو نقصاً فيتم تحديد قيمة مستحقات المتعاقد مع الإدارة في هذه الخصوصية وفقاً لذلك بالنظر إلى الأسعار المقررة في حينه وبمراعاة مراحل تنفيذ العقد وتبعاً لما يحصل عليه من تراخيص يصرفها التزمت الإدارة بتقديمها إليه لتمكنه من الحصول على تلك المواد بتلك الأسعار ومن ثم فإنه لم يكون من حقه أن يقتضي تلك القيمة عند ثباتها أو يتقضاها مزيدة بمقدار ما يطرأ عليها من زيادة فإنه لا يفيد من الفرق عند انخفاضها بل تصرف مستحقاته عنها منقوصة بمقدار هذا الخفض ونسبته وهذا هو بذاته ما تقتضه نص اللائحة وهو يتفق مع مقتضى نصوص العقد والتي لم تنص على استبعاد حكمها ومن ثم فإنه كما يستفيد المتعاقد مع الإدارة بارتفاع هذه المواد الخاضعة لقيود التوزيع وأن الإدارة تستفيد بما يرد على هذه الأسعار من خفض بناء على قرارات تتخذها الجهة المتعاقدة فتتحدد مستحقاته بمراعاة قيمة هذا الخفض تبعاً لنسبته وعلى مقتضى ما تقدم فإن طلب المدعيين (المطعون ضدهما) الحكم بعدم جواز خصم أية مبالغ من مستحقاتهما عن عملية إنشاء مصلحة الكيمياء بأسيوط استناداً إلى انخفاض أسعار مواد البناء مع ما يترتب على ذلك من آثار ورد ما قد يكون قد خصم من مستحقاتهما هذا الطلب لا يستند إلى أساس من القانون جديداً بالرفض وإذ قضى الحكم المطعون فيه بغير ذلك فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون الأمر الذي يتعين معه الحكم بإلغائه ورفض الدعوى وإلزام المطعون ضدهما بمصروفات الدعوى والطعن رقم 1625 سنة 31 ق أما طعن هيئة مفوضي الدولة فهو معفى من المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي موضوعهما بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضدهما وألزمتهما مصروفات الدعوى والطعن رقم 1625 لسنة 31 ق.


[(1)] هذا المبدأ استقرار لما سبق أن انتهت إليه هذه المحكمة في الطعن رقم 858 لسنة 10 ق (جلسة 6/ 1/ 1968).