أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 46 - صـ 499

جلسة 19 من مارس سنة 1995

برئاسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حافظ - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ خلف فتح الباب، حسام الدين الحناوي، محمد محمود عبد اللطيف - نواب رئيس المحكمة، وحامد مكي.

(99)
الطعن رقم 1791 لسنة 61 القضائية

(1 - 4) إيجار "إيجار الأماكن" "الإخلاء للتنازل عن الإيجار". مهجرون إزالة أثار العدوان.
(1) سلب حق المؤجر في طلب الإخلاء متى كان التنازل عن الإيجار أو التأجير من الباطن لأحد مهجري مدن القناة.
(2) صدور تشريع يقضي بزوال آثار العدوان أو عودة المهجر إلى موطنه الذي هجر منه واستقراره فيه ومباشرته لعمله على وجه معتاد. أثره. زوال آثار العدوان بالنسبة له. علة ذلك. زوال صفة التهجير التي أكسبته الحماية. مؤدى ذلك عودة حق المؤجر في طلب إخلائه.
(3) الحماية التي أسبغها المشرع على المهجرين ق 76 لسنة 1969 المعدل. مؤداها. الحيلولة بين المؤجر واستعمال حقه في طلب الإخلاء للتنازل عن الإيجار. قبض المؤجر الأجرة من المهجر ليس من شأنه إنشاء علاقة مباشرة بينهما. علة ذلك. انصراف هذا الحكم على جميع الأماكن المؤجرة للمهجرين لأغراض السكني.
(4) إقامة المهجر بالمسكن المتنازل إليه هي إقامة مؤقتة. أثره. لا حق له في طلب تحرير عقد إيجار له عنه أو إثبات العلاقة الإيجارية.
(5) حكم "حجية الأحكام". قوة الأمر المقضي.
حجية الحكم المانعة م 101 إثبات. ثبوتها للأحكام التي لها قوة الأمر المقضي. شرطه. وحدة الموضوع والخصوم والسبب.
1 - النص في المادة الأولى من القانون رقم 76 لسنة 1969 المعدل بالقانون رقم 48 لسنة 1970 - يدل - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - على أن المشرع استثنى حالة تنازل المستأجر الأصلي عن الإيجار أو التأجير من الباطن إلى المهجر من حكم الفقرة الثانية من المادة 23 من القانون رقم 52 لسنة 1969 المقابلة للفقرة "ب" من المادة الثامنة من القانون رقم 49 لسنة 1977 والفقرة "ج" من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 ولم يجعل منها سبباً من أسباب الإخلاء وسلب المؤجر حق طلب الإخلاء متى كان التنازل عن الإيجار أو التأجير من الباطن قد تم لأحد المهجرين من مدن القناة وسيناء وأثبت المتنازل إليه أو المستأجر من الباطن أنه ممن كانوا يقيمون بإحدى تلك المدن وأنه هجر منها بسبب ظروف العدوان فيمتنع عندئذ الحكم بالإخلاء وتظل هذه الصفة تلازمه كما يظل متمتعاً بالحماية التي كفلها له القانون إلى حين إزالة آثار العدوان.
2 - إزالة آثار العدوان بصدور تشريع يقضي بذلك أو تحقق إزالة آثار العدوان فعلاً وواقعاً بعودة المهجر إلى موطنه الذي هجر منه واستقر فيه ومباشرته لعمله على وجه معتاد فبذلك تبلغ حماية القانون له أجلها ووقتئذ يعود للمؤجر الحق في الاستناد من جديد إلى قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية في طلب الحكم بالإخلاء وإذا توافرت شروطه.
3 - الحماية التي أسبغها المشرع على المهجرين قد حالت فقط بين المؤجر وبين استعمال حقه في طلب الإخلاء للتنازل عن الإيجار بحيث أضحى ولا خيار أمامه وقد انقطعت صلته من حيث الواقع بالمستأجر الأصلي - إلا قبض الأجرة من المتنازل إليه المهجر لا باعتباره مستأجراً وإنما باعتباره شاغلاً للعين لا بموجب عقد تم بإرادته كمؤجر بل بسند من القانون لا يملك صرفاً ولا عدلاً مما لازمه القول أن هذه الميزة تقصر عن إنزال المهجر منزلة المستأجر وترتيباً على ذلك فإن كان الطاعن قد شغل شقة النزاع بعد أن تنازل له المستأجر الأصلي عنها باعتباره من المهجرين من مدن القناة أثناء الحرب فليس له أن يدعي قيام علاقة إيجارية مباشرة بينه وبين المطعون ضده الثالث بصفته مالكاً أو طلب تحرير عقد إيجار استناداً إلى الحماية التي أسبغها ذلك القانون على المهجرين لأنه لا وجود لمثل هذه العلاقة وإنما فرض القانون شرعية إقامته بتلك الشقة على خلاف الأصل إلى حين مستهدفاً مواجهة حالة ملحة عاجلة استتبعت تهجير طائفة من المواطنين من مساكنهم الأصلية ونزوحهم إلى سائر الجمهورية واضطرارهم إلى استئجار مساكن فيها فيجب عدم التوسع في تطبيقه باعتباره استثناء من قوانين إيجار الأماكن وينصرف هذا الحكم على جميع الأماكن المؤجرة لأغراض السكنى ولا تفرقه في ذلك بين الوحدات السكنية المملوكة للأفراد أو الشركات أو المؤسسات أو الأشخاص الاعتبارية الخاصة أو تلك المملوكة للدولة ملكية خاصة أو لإحدى إدارتها أو فروعها أو الوحدات المحلية التابعة لها أو الهيئات أو المؤسسات العامة.
4 - المقرر أن إقامة المهجر بالمسكن المتنازل إليه عن إيجاره هي إقامة مؤقتة ومن ثم فلا حق له في طلب إلزام المؤجر بتحرير عقد إيجار له عنه أو إثبات العلاقة الإيجارية عنه.
5 - الحجية المانعة لا تثبت وفق نص المادة 101 من قانون الإثبات إلا للأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي فيما فصلت فيه من حقوق في نزاع قائم بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتعلق بذات الحق محلاً وسبباً.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون ضدهم الدعوى رقم 10 سنة 1982 مدني الجيزة الابتدائية بطلب الحكم بإثبات العلاقة الإيجارية بينه وبينهم عن الشقة المبينة بالصحيفة اعتباراً من 10/ 9/ 1967 وإلزامهم بتحرير عقد إيجار له وقال بياناً لها أنه استأجر منهم هذه الشقة ووضع منقولاته بها وكان يقوم بسداد أجرتها بعد أن تنازل مستأجرها السابق له عنها باعتباره من مهاجري السويس أثناء الحرب وقد امتنع المطعون ضد الثالث عن تحرير عقد إيجار رغم مطالبته له بذلك فأقام الدعوى بطلبيه سالفي البيان - وأقام المطعون ضده الأول على الطاعن دعوى فرعية بطلب طرده من تلك الشقة وإخلائها وتسليمها له على سند من أنه يشغلها بلا سند - أحالت المحكمة الدعوى للتحقيق, واستمعت إلى شاهدي الطاعن ثم حكمت برفض الدعويين الأصلية والفرعية - استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1106 لسنة 107 قضائية, وبتاريخ 4 من فبراير سنة 1991 حكمت بتأييد الحكم المستأنف - طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض, وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن, وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره, وفيها طلب الحاضر عن الطاعن ترك الخصومة في الطعن والتزمت النيابة رأيها.
وحيث إنه عن طلب الطاعن ترك الخصومة في الطعن, فلما كان لا يصح بغير تفويض خاص ترك الخصومة في الدعوى تطبيقاً لنص المادة 76 من قانون المرافعات مما يسري على الخصومة في الطعن وكان الوكيل رقم 570 سنة 1990 الجيزة النموذجي الصادر من الطاعن لمحاميه ولا يخوله ترك الخصومة, فمن ثم يكون هذا الطلب في غير محله يتعين الرفض.
وحيث إن الطعن استوفي أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعي بها الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول إن الحكم الابتدائي الذي أيده ذهب إلى القول بأنه وإن كان يشغل الشقة محل النزاع بطريقة تخلو من الغضب باعتباره من المهجرين من مدن القناة أثناء الحرب ويحق له الاستفادة من نص المادة الأولى من القانون 76 لسنة 1969 المعدل بالقانون رقم 48 لسنة 1970 إلا أن إقامته بها موقوتة بإزالة آثار العدوان مما لا يخوله طلب إثبات العلاقة الإيجارية أو تحرير عقد إيجار من المطعون ضده الثالث لها عنها وبذلك يكون الحكم قد اشترط استدامة إقامته بتلك الشقة للاستفادة من الحكم الوارد بالمادة سالفة الذكر مع أنها لم تستلزم هذا الشرط لاستمرار العلاقة الإيجارية للمهجر في الشقة التي يشغلها بهذه الصفة. كما أن آثار العدوان لا زالت قائمة بالنسبة له فقد هدم مسكنه الكائن بمدينة السويس واستقرت إقامته في شقة النزاع هو وأسرته منذ أكثر من خمسة عشر عاماً هذا إلى أن هذه الشقة من الأملاك الخاضعة للدولة ولا ضير عليها من شغله لها لأنها الملزمة بإيجاد مسكن له ولا يصح معه قياس حالتها على حالة الوحدات السكنية التي يقيمها الأفراد فضلاً عن ذلك فإن الحكم فيما انتهى إليه من عدم صلاحية إقامته الموقوتة بسبب التهجر في شقة النزاع في إثبات العلاقة الإيجارية عنها يكون قد خالف أحكاماً صدرت في دعاوي مماثلة سابقة مما يعيبه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله، ذلك بأن النص في المادة الأولى من القانون رقم 76 لسنة 1969 المعدل بالقانون رقم 48 لسنة 1970 على أنه "استثناء من أحكام القوانين المنظمة للعلاقة بين المؤجرين والمستأجرين في شان الأماكن المبنية، لا يجوز الحكم بالإخلاء أو الطرد من الأماكن المؤجرة للمهجرين من محافظات بورسعيد والإسماعيلية والسويس وسيناء إذا كان شغلهم لها بطريق التنازل أو التأجير من الباطن دون تصريح من المؤجر ويوقف تنفيذ الأحكام الصادرة بذلك ما لم يكن قد تم تنفيذها وذلك حتى إزالة آثار العدوان". يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن المشرع استثنى حالة تنازل المستأجر الأصلي عن الإيجار أو التأجير من الباطن إلى المهجر من حكم الفقرة الثانية من المادة 23 من القانون رقم 52 لسنة 1969، المقابلة للفقرة "ب" من المادة 31 من القانون رقم 49 لسنة 1977، والفقرة "ج" من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 ولم يجعل منها سبباً من أسباب الإخلاء وسلب المؤجر حق طلب الإخلاء متى كان التنازل عن الإيجار أو التأجير من الباطن قد تم لأحد المهجرين من مدن القناة وسيناء، وأثبت المتنازل إليه أو المستأجر من الباطن أنه ممن كانوا يقيمون بإحدى تلك المدن وأنه هجر منها بسبب ظروف العدوان، فيمتنع عندئذ الحكم بالإخلاء وتظل هذه الصفة تلازمه كما يظل متمتعاً بالحماية التي كفلها له القانون إلى حين إزالة آثار العدوان بصدور تشريع يقضي بذلك، أو تحقق إزالة آثار العدوان فعلاً وواقعاً بعودة المهجر إلى موطنه الذي هجر منه واستقر فيه ومباشرته لعمله على وجه معتاد فبذلك تبلغ حماية القانون له أجلها ووقتئذ يعود للمؤجر الحق في الاستناد من جديد إلى قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية في طلب الحكم بالإخلاء وإذا توافرت شروطه، مما مفاده أن هذه الحماية التي أسبغها المشرع على المهجرين قد حالت فقط بين المؤجر وبين استعمال حقه في طلب الإخلاء للتنازل عن الإيجار بحيث أضحى ولا خيار أمامه وقد انقطعت صلته من حيث الواقع بالمستأجر الأصلي إلا قبض الأجرة من المتنازل إليه المهجر لا باعتباره مستأجراً وإنما باعتباره شاغلاً للعين لا بموجب عقد تم بإرادته كمؤجر بل بسند من القانون لا يملك صرفاً ولا عدلاً مما لازمه القول أن هذه الميزة تقتصر عن إنزال المهجر منزلة المستأجر وترتيباً على ذلك فإن كان الطاعن قد شغل شقة النزاع بعد أن تنازل له المستأجر الأصلي عنها باعتباره من المهجرين من مدن القناة أثناء الحرب فليس له أن يدعي قيام علاقة إيجارية مباشرة بينه وبين المطعون ضده الثالث بصفته مالكاً أو طلب تحرير عقد إيجار استناداً إلى الحماية التي أسبغها ذلك القانون على المهجرين، لأنه على ما سلف القول لا وجود لمثل هذه العلاقة، وإنما فرض القانون شرعية إقامته بتلك الشقة على خلاف الأصل إلى حين مستهدفاً مواجهة حالة ملمة عاجلة استبقت هي تهجير طائفة من المواطنين من مساكنهم الأصلية ونزوحهم إلى سائر الجمهورية واضطرارهم إلى استئجار مساكن بها فيجب عدم التوسع في تطبيقه باعتباره استثناء من قوانين إيجار الأماكن وينصرف هذا الحكم على جميع الأماكن المؤجرة لأغراض السكنى ولا تفرقه في ذلك بين الوحدات السكنية المملوكة للأفراد أو الشركات أو المؤسسات أو الأشخاص الاعتبارية الخاصة أو تلك المملوكة للدولة ملكية خاصة أو لإحدى إدارتها أو فروعها أو الوحدات المحلية التابعة لها أو الهيئات أو المؤسسات العامة وإذا التزم الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه هذا النظر بما أورد بمدوناته "إن الثابت للمحكمة من مطالعة المستندات المقدمة من المدعي - الطاعن - ومن شهادة شاهديه الذين تطمئن المحكمة إليهما أن المدعي من مهجري محافظة السويس وأن المكان الذي يقيم فيه هو الذي أقام فيه منذ التهجير في 1967 أي عقب العدوان الإسرائيلي فمن ثم فإن صفة المهجر ثابتة للمدعي ويحق له الاستفادة من الاستثناء الوارد بحكم القانون رقم 76 لسنة 1969 المعدل بالقانون رقم 48 لسنة 1970 إلا أن الثابت للمحكمة من مطالعة الطلبات الختامية للمدعي أنه يطلب الحكم بإثبات العلاقة بينه وبين المدعى عليهم عن العين محل إقامته اعتباراً من 10/ 9/ 1967 وإلزامه بتحرير عقد إيجار له وكان من المقرر أن إقامة المهجر بالمسكن المتنازل إليه عن إيجاره هي إقامة مؤقتة ومن ثم فلا حق له في طلب إلزام المؤجر بتحرير عقد إيجار له عنه أو إثبات العلاقة الإيجارية عنه "وانتهى من ذلك إلى رفض دعوى الطاعن. فإنه يكون قد أنزل صحيح القانون على ما ثبت لدى المحكمة أنه الواقع ولا يجدي الطاعن مجرد قوله بمخالفة الحكم المطعون فيه لأحكام سابقة صادره في دعاوي مماثلة سابقة. لأن الحجية المانعة لا تثبت وفق نص المادة 101 من قانون الإثبات إلا للأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي فيما فصلت فيه من حقوق في نزاع قائم بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتعلق بذات الحق محلاً وسبباً، وهو ما لم يدع به الطاعن، ولم يقيم عليه في الأوراق دليل. ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون عليه بهذه الأسباب يكون على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.