مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1989 إلى آخر سبتمبر سنة 1989) - صـ 955

(136)
جلسة 13 من مايو سنة 1989

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد حامد الجمل - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة عبد اللطيف أحمد أبو الخير ود. إبراهيم علي حسن وإسماعيل صديق راشد وأحمد شمس الدين خفاجي - المستشارين.

الطعن رقم 2000 لسنة 30 القضائية

عاملون مدنيون بالدولة - الواجبات الوظيفية والمخالفات التأديبية - (دستور) (صحافة).
المادتان 47 و48 من الدستور الحالي والمادة 77 من القانون رقم 47 لسنة 1978 كفل الدستور حرية الرأي والتعبير والنقد بشرط أن تكون ممارستها في حدود القانون - نظم قانون العاملين المدنيين بالدولة ممارسة العامل هذا الحق فحظر عليه الإدلاء بتصريحات للصحافة إلا إذا كان مصرحاً له بذلك كتابة من الرئيس المختص - مخالفة هذا الحظر يرتب المسئولية التأديبية - لا يحول دون قيام المخالفة ما يدعيه الموظف من أنه قام بالنشر بوصفه مراسلاً للجريدة - مهمته كمراسل للجريدة فيما لو فرض له مباشرتها لا تحول دون التزامه كموظف بما فرضه عليه قانون العاملين الذي حظر أن يفضي الموظف بأخبار أو بيانات عن أعمال وظيفته بطريق النشر في الصحف ما لم يكن مصرحاً له بذلك من الرئيس المختص - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 19 من مايو سنة 1984 أودعت إدارة قضايا الحكومة (هيئة قضايا الدولة) بصفتها نائبة عن السيدين وزير المالية ومحافظ المنوفية قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2000 لسنة 30 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بطنطا بجلسة 20 من أغسطس سنة 1983 في دعوى الطعن رقم 37 لسنة 12 القضائية المقامة من...... ضد الطاعنين والقاضي بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مدير عام الضرائب العقارية بالمنوفية. بتاريخ 20/ 8/ 1983 فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وطلب الطاعنان - للأسباب الموضحة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات عن درجتي التقاضي.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده على الوجه المبين بالأوراق.
وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون لهذه المحكمة جلسة 13 من يناير سنة 1988، وبجلسة 22 من يونيو سنة 1988 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة فنظرته بجلسة 15 من أكتوبر سنة 1988، وبجلسة 25 من مارس سنة 1989 أبدى المطعون ضده أنه لا يعمل في صحيفة الأهالي وإنما هو رئيس لجنة الإعلام بحزب التجمع وقد تم التصريح باعتباره مراسل لجريدة الحزب وهذه ليست وظيفة، وما نشر ليس بياناً عن أعمال وظيفته ولا يتعلق بعمله في مصلحة الضرائب، وقدم مذكرة وطلب حجز الطعن للحكم، فقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة السبت الموافق 13 من مايو سنة 1989 وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة، والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 18 من ديسمبر سنة 1983 أقام السيد/...... دعوى الطعن رقم 37 لسنة 12 القضائية بإيداع صحيفته قلم كتاب المحكمة التأديبية بطنطا طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من مدير عام الضرائب العقارية بالمنوفية بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وأقال الطاعن شرحاً لطعنه أن النيابة الإدارية اتهمته في القضية رقم 329 لسنة 1983 بإفشائه لأمور اطلع عليها بحكم وظيفته دون إذن وإفضائه بتصريح عن أعمال وظيفته عن طريق جريدة الأهالي - العدد (84) الصادر بتاريخ 18/ 5/ 1983 - دون إذن من رئيسه المباشر وأصدرت قرارها المطعون عليه بمجازاته بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه، وإذ تظلم من القرار المطعون عليه طالباً العدول عنه لمخالفته القانون والواقع، والتفتت جهة الإدارة عن تظلمه.
ونعى الطاعن على القرار المطعون عليه مخالفته القانون لأمرين أولهما، افتقاره إلى ركن السبب. حيث لم يثبت أنه أفشى أموراً اطلع عليها بحكم وظيفته أو أنه أدلى بتصريح عن أعمال وظيفته دون إذن بجريدة الأهالي، لكون المنشور في هذه الجريدة لا يتعلق التبة بأعمال وظيفته وقد حصلت الجريدة على معلوماتها من مصادرها الصحفية وثانيها أن القرار المطعون عليه قد انطوى على إساءة لاستعمال السلطة لأن هدف القرار كان النيل من الطاعن والانتقام منه والكيد له بسبب انتمائه لحزب معارض.
وبجلسة 19 من مارس سنة 1984 أصدرت المحكمة التأديبية بطنطا حكمها بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وأقامت المحكمة قضاءها على أنه بالاطلاع على الخبر الذي نشره الطاعن بجريدة الأهالي تبين أن الغرض منه نقد سياسة مأمورية الضرائب العقارية بشبين الكوم، فتأكد للمحكمة أنه لم يقصد في نشره هذه المعلومة أموراً شخصية، فلا جناح عليه إذا كان في سبيل خدمة الجماهير كشف الحقيقة وأظهر المخالفات الصارخة للقانون التي ارتكبتها جهة عمله فمصلحة المواطنين أسمى وأثمن من أن يكون النضال عنها مقيداً بأي قيد من القيود. فالدستور كفل حرية الرأي، وأولو الأمر في الحكومة عرضة بطبيعة مراكزهم لنقد أعمالهم وما يصدر عنهم ولا يعد ما يوجه إليهم بسبب تأدية وظائفهم من نقد خدشاً لاعتبارهم أو إفشاء لأسرار الوظيفة ما دام النقد لم يتناول شئونهم الشخصية وما دام الخبر المنشور لم ينص على إفشاء لأسرار الوظيفة.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد صدر معيباً بعيب مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، وذلك لأن ما نشر بالجريدة المشار إليها على لسان المطعون ضده يترتب عليه الإساءة للجهاز الذي يعمل به ولسمعته ويحرك نفوس قارئيه إلى فقد الثقة في الجهاز الضريبي بالدولة مما يدفع للتهرب الضريبي، وقد حظر المشرع في المادة 77/ 7 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 على الموظف أن يفضي بأي تصريح أو بيان عن أعمال وظيفته عن طريق الصحف أو غير ذلك من طريق النشر إلا إذا كان ذلك مصرحاً به كتابة من الرئيس المباشر. وهذا النص جاء مطلقاً بحيث لا يحظر فقط التصريح بالبيانات السرية، بل بسائر البيانات الخاصة بوظيفة الموظف العام. وطالما أن المطعون ضده قد نشر ما يتعلق بأعمال وظيفته دون إذن سابق من رئاسته فإنه يكون قد خالف نص القانون بما يرتب مسئوليته التأديبية.
ومن حيث إنه إذا كان الأصل الذي كفله الدستور في المادة 47 منه هو أن "حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون. والنقد الذاتي والنقد البناء فإن ذلك لسلامة البناء الوطني" وكذلك ما كفله الدستور في المادة (48) من أن "حرية الصحافة والطباعة والنشر في وسائل الإعلام مكفولة".
وإذا كان الأصل الذي كفله الدستور في هذين النصين هو كفالة حرية الرأي والتعبير والنقد، فقد قيد الدستور هذا الحق كغيره من الحقوق العامة بأن تكون ممارسته في حدود القانون.
ومن حيث إن قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 قد نظم ممارسة الموظف العام لحق إبداء الرأي والتعبير والنقد من خلال وسائل الإعلام فحظر على العامل في المادة (77) منه أموراً من بينها...
7 - أن يفضي بأي تصريح أو بيان عن أعمال وظيفته عن طريق الصحف أو غير ذلك من طريق النشر إلا إذا كان مصرحاً له بذلك كتابة من الرئيس المختص.
8 - أن يفشي الأمور التي يطلع عليها بحكم وظيفته إذا كانت سرية بطبيعتها أو بموجب تعليمات تقضي بذلك.
ومن حيث إن ما نسبته النيابة الإدارية إلى المطعون ضده في مذكرتها التي انتهت إليها من تحقيقات في القضية رقم 329 لسنة 1983 هي أنه أفضى بأمور اطلع عليها بحكم وظيفته دون إذن، وأفضى بتصريح عن أعمال وظيفته عن طريق جريدة الأهالي (العدد 84 في 18/ 5/ 1983) وذلك دون إذن من رئيسه المختص.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ما نشره المطعون ضده بعدد جريدة الأهالي المشار إليه أنه جاء تحت عنوان (توقيع الحجوزات الذهبية على الأهالي) وقد ورد تحت هذا العنوان كتب (.....) الطاعن ثم ورد الخبر الذي مفاده قيام الإدارة العامة للضرائب العقارية بالمنوفية بإجراء تحقيق مع.... رئيس مأمورية شبين الكوم لرفضه توقيع حجوزات وهمية على أصحاب الأطيان المقامة عليها مبان والتي فرضت عليها ضريبة عوائد بمعرفة مجلس المدينة والضرائب العقارية في ذات الوقت وما زالت ضريبة الأطيان مربوطة عليها وجاء بذات الخبر أن الإدارة العامة للضرائب العقارية تتقاعس عن نظر شكاوى الأهالي في هذا الخصوص وأيضاً قول مدير عام الضرائب للسيد/...... (أنت مالك القانون لا يحمى المغفلين).
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على أوراق التحقيق أنه بمواجهة المطعون ضده بما نشره على النحو المتقدم أقر بنشره (صفحة 11 من التحقيق) وإن كان قد اعتبر هذا النشر قد تم باعتباره مراسل جريدة الأهالي في المنوفية وأدعى أن الواقعة التي نشرها سليمة.
ومن حيث إن الثابت من أوراق التحقيق أن ما نشره المطعون ضده ليس بصحيح، حيث شهد....... مدير الربط والتحصيل بالضرائب العقارية بشبين الكوم بأنه لم يجر تحقيق مع...... وقد نفى...... في التحقيق كل ما ورد بما نشر من معلومات.
ومن حيث إن المطعون ضده يعمل صرافاً لناحية البتانون مركز شبين الكوم، أي أنه يعمل بأحد فروع الإدارة العامة للضرائب العقارية بالمنوفية التي كان النشر المشار إليه مركزاً على أعمالها.
ومن حيث إن مؤدى ذلك أن الطاعن قد أفضى بأخبار غير صحيحة وبيانات عن أعمال وظيفته عن طريق إحدى الصحف ودون أن يكون مصرحاً له بذلك كتابة من الرئيس المختص.
ومن حيث إن ذلك يشكل مخالفة لنص المادة 77/ 7 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة سالفة الذكر وبالتالي يشكل مخالفة تأديبية في حق المطعون ضده من غير أن يحول دون قيام المخالفة في حقه ما يدعيه من أنه قام بالنشر بوصفه مراسلاً لجريدة الأهالي لأن مهمته كمراسل لجريدة الأهالي فيما لو افترض منه مباشرتها دون أن تتعارض مع أعمال الوظيفة المنوط به وبناء على علمه وموافقة الجهة الإدارية التي يتبعها وفقاً لأحكام القانون لا يجوز أن تحول دون التزامه كموظف عام بما فرضه عليه نظام العاملين المدنيين بالدولة من محظورات من بينها أن يفضي بأخبار أو بيانات عن أعمال وظيفته عن طريق الصحف ما لم يكن مصرحاً له بذلك كتابة من الرئيس المختص.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد ذهب خلاف هذا المذهب فإنه يكون قد خالف صحيح حكم القانون، ومن ثم يكون واجب الإلغاء.
ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها تطبيقاً للمادة (184) مرافعات، إلا أن هذا الطعن معفى من الرسوم القضائية بصريح نص المادة (90) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض دعوى الطعن رقم 37 لسنة 12 القضائية.