مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1989 إلى آخر سبتمبر سنة 1989) - صـ 1034

(149)
جلسة 27 من مايو سنة 1989

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد أنور محفوظ - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة عبد الفتاح السيد بسيوني ومحمد المهدي مليحي ومحمد أمين المهدي والسيد عبد الوهاب أحمد - المستشارين.

الطعن رقم 1464 لسنة 32 القضائية

دستور - الضمانات التي كفلها للمواطنين - حق الهجرة وحرية التنقل.
المادة (52) من الدستور الصادر في 11 سبتمبر سنة 1971.
القانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر.
إن حرية التنقل من مكان إلى آخر ومن جهة إلى أخرى والسفر خارج البلاد مبدأ أصيل وحق دستورى مقرر للأفراد ولا يجوز المساس به ولا تقييده إلا لصالح المجتمع وحمايته والحفاظ على سمعته وكرامته وبالقدر الضروري لذلك - من الأصول المقررة أنه بحكم ما للدولة من سيادة على رعاياها فإن لها مراقبة سلوكهم داخل البلاد وخارجها للتثبت من عدم تنكبهم الطريق السوي في سلوكهم - مؤدى ذلك: أن الترخيص أو عدم الترخيص في السفر إلى خارج البلاد هو من الأمور المتروكة لتقدير الإدارة حسبما تراه متفقاً مع الصالح العام فلها أن ترفض الترخيص إذا قام لديها من الأسباب ما يبرر ذلك كما لو كان في سلوك طالب الترخيص ما يضر بمصلحة البلاد أو يؤذي سمعتها في الخارج - تطبيق [(1)].


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 10/ 4/ 1986 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن الطاعن بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد برقم 1664 لسنة 32 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) في الدعوى رقم 5604 لسنة 39 ق بجلسة 11/ 2/ 1986 بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ قرار منع المدعي من السفر للخارج وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية بمصروفات هذا الطلب. وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الأمر بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه لحين الفصل في موضوع الطعن، وبإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه بشقيه العاجل والموضوعي مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.
وحددت لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 5/ 12/ 1988 وتداول نظره على النحو المبين بمحاضر الجلسات حتى قررت بجلسة 3/ 4/ 1989 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والتعويضات) وحددت لنظره جلسة 22/ 4/ 1989 وفي هذه الجلسة نظرته المحكمة على النحو المبين بمحضر الجلسة وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم مع التصريح بتقديم مذكرات خلال أسبوعين. وانقضى الأجل ولم يقدم أي من الطرفين مذكرة بدفاعه. وقد صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن أقيم في الميعاد القانوني مستوفياً سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - في أن المطعون ضده أقام ضد الطاعن الدعوى رقم 5604 لسنة 39 ق بتاريخ 25/ 7/ 1985 طالباً الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر بمنعه من السفر والتصريح له بالسفر طبقاً للشروط والأوضاع المقررة قانوناً وفي الموضوع بإلغاء القرار المذكور مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات وقال شرحاً لدعواه أنه تقدم لمصلحة وثائق السفر والهجرة بالطلب رقم 700 في 28/ 5/ 1985 بطلب التصريح له بالسفر لزيارة ابنته المتزوجة منذ عام 1976 وتقيم مع زوجها بمدينة الخليل بالضفة الغربية بإسرائيل وأن أسباباً عائلية ملحة جعلته ينوي السفر إلى ابنته في محل إقامتها إلا أنه فوجئ بتاريخ 14/ 7/ 1985 بالمصلحة المذكورة ترفض طلبه بدون إبداء الأسباب مما يعتبر تعسفاً منها في استعمال سلطتها. ولم ترد الجهة الإدارية على الدعوى. وبجلسة 11/ 2/ 1986 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ قرار منع المدعي من السفر للخارج وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية بمصروفات هذا الطلب تأسيساً على أن حرية التنقل والسفر خارج البلاد من الحريات الشخصية التي قررها الدستور للمواطن ولا يجوز المساس بهذه الحرية دون مسوغ ولا الحد منه بغير مقتض ولا يجوز للجهة الإدارة أن تقيدها إلا لصالح المجتمع وحمايته بالقدر الضروري لذلك وإذ لم تقدم الإدارة أسباب تبرر رفضها للطلب الذي تقدم به المدعي للتصريح له بالسفر لزيارة ابنته المقيمة بمدينة الخليل مع زوجها، وبهذه المثابة فإن منع المدعي من السفر للخارج يكون بحسب الظاهر من الأوراق قائماً على غير أساس سليم من القانون وبالتالي يكون ركن الجدية متوافراً فضلاً عن توافر ركن الاستعجال لأن المساس بهذه الحرية فيه اعتداء على حق دستوري.
ومن حيث إن مبنى الطعن مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله إذ أن رفض طلب المطعون ضده السفر إلى إسرائيل قد استند إلى أسباب جدية تبرر هذا الرفض، وهي سبق الحكم عليه بالحبس لمدة ستة أشهر لتعديه بالضرب على رئيس نيابة العجوزة واعتقاله لمدة عامين لنشاطه الجنائي الخطر، وسبق إيداعه بمستشفى الأمراض العقلية عام 1967 وأمضى بها أربع سنوات، ولنشاطه في مجال الاتجار في المخدرات والحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات وإخلاء سبيله عام 1983، لأن إسرائيل تستغل تصرفات مثل هذه العناصر إعلامياً في الإساءة إلى سمعة البلاد.
ومن حيث إنه ولئن كانت المادة 52 من الدستور تنص على أن "للمواطنين حق الهجرة الدائمة أو الموقوتة إلى الخارج، وينظم القانون هذا الحق وإجراءات وشروط الهجرة ومغادرة البلاد. وقد استقر الرأي على أن حرية التنقل من مكان إلى آخر ومن جهة إلى أخرى والسفر خارج البلاد مبدأ أصيل للفرد وحق دستوري مقرر له، لا يجوز المساس به ولا تقييده إلا لصالح المجتمع وحمايته والحفاظ على سمعته وكرامته وبالقدر الضروري لذلك، إلا أنه من الأصول المقررة أنه بحكم ما للدولة من سيادة على رعاياها فإن لها مراقبة سلوكهم داخل البلاد وخارجها للتثبت من عدم تنكبهم الطريق السوي في سلوكهم. وعلى ذلك فإن الترخيص أو عدم الترخيص في السفر إلى خارج البلاد هو من الأمور المتروكة لتقدير الإدارة حسبما تراه متفقاً مع الصالح العام. فلها أن ترفض الترخيص إذا قام لديها من الأسباب ما يبرر ذلك، كما لو كان في سلوك طالب الترخيص ما يضر بمصلحة البلاد أو يؤذي سمعتها في الخارج أو لغير ذلك من الأسباب المتعلقة بالمصلحة العامة. وتنفيذاً للقانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر صدر قرار وزير الداخلية رقم 975 لسنة 1983 بشأن تنظيم قوائم الممنوعين. ونصت المادة الأولى منه على أن "يكون الإدراج على قوائم الممنوعين بالنسبة إلى الأشخاص الطبيعين. وبناء على طلبات الجهات الآتية دون غيرها:...... مدير الإدارة العامة لمباحث أمن الدولة ومدير مصلحة الأمن العام (قسم الأشخاص المطلوب البحث عنهم).
ومن حيث إن البادي من ظاهر الأوراق التي قدمتها الجهة الإدارية أمام دائرة فحص الطعون بجلسة 5/ 12/ 1988 أنه تقرر منع سفر المطعون ضده إلى الخارج، بناء على أمر الإدارة العامة لمباحث أمن الدولة لسبق الحكم عليه بالحبس لمدة ستة شهور عام 1954 لتعديه بالضرب على رئيس نيابة الجيزة، واعتقاله جنائياً عام 1960 لمدة عامين لنشاطه الجنائي، وإيداعه مستشفى الأمراض العقلية عام 1967 لمدة أربع سنوات، ولنشاطه في مجال الاتجار بالمخدرات والحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات وإخلاء سبيله عام 1983، وتقدمه بالعديد من الشكاوى الكيدية ضد المسئولين بالدولة تتضمن هجوماً عليهم، واستغلال إسرائيل تصرفات مثل هذه العناصر إعلامياً في الإساءة لسمعة البلاد، ومن ثم يغدو من الواضح أن تقدير جهة الإدارة لاعتبارات ودواعي منع المطعون ضده من السفر قد استهدف المصلحة العامة للبلاد وحماية سمعتها في الخارج ومن ثم يكون قرار منع المطعون ضده من السفر قد صدر متفقاً وصحيح حكم القانون، ويكون الطعن فيه على غير سند من القانون، وبالتالي يتعين الحكم برفض طلب وقف تنفيذه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه، وقد قضى بخلاف هذا النظر، يكون قد جانب الصواب وصحيح حكم القانون، ويكون الطعن فيه قد قام على أساس سليم من القانون ومن ثم يتعين الحكم بإلغاء الحكم المذكور، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام المطعون ضده بمصروفات كل من هذا الطلب والطعن عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وألزمت المطعون ضده بالمصروفات عن درجتي التقاضي.


[(1)] يراجع الحكم الصادر في الطعن رقم 257 لسنة 26 ق بجلسة 27/ 2/ 1982.
والطعن رقم 279 لسنة 27 ق بجلسة 27/ 11/ 1982.
والطعن رقم 1483 لسنة 26 ق بجلسة 14/ 4/ 1984.
والطعن رقم 2739 لسنة 29 ق بجلسة 21/ 4/ 1984.