مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1989 إلى آخر سبتمبر سنة 1989) - صـ 1038

(150)
جلسة 27 من مايو سنة 1989

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد حامد الجمل - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة يحيى السيد الغطريفي ود. إبراهيم علي حسن وإسماعيل صديق راشد وأحمد شمس الدين خفاجي - المستشارين.

الطعن رقم 2654 لسنة 32 القضائية

عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - الواجبات الوظيفية والمخالفات التأديبية - حدود مسئولية الجراح.
القانون رقم 47 لسنة 1978 بإصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة.
يلتزم الجراح بأداء العملية الجراحية وإتمامها بنفسه - أساس ذلك: - الالتزام الذي فرضه المشرع على العامل بأن يؤدي العمل المنوط به بنفسه بدقة وأمانة - خاصة وأن اختيار الجراح يقوم على ثقة المريض وأهله في الطبيب الذي يجري العملية فإذا تركها الجراح لغيره، دون أن تطرأ أسباب قهرية يستحيل معها على القائم بإجراء العملية الجراحية إتمامها بنفسه، ودون قبول المريض وأهله اعتبر ذلك مخالفة للأصول العامة لمباشرة مهنة الطب - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 22/ 6/ 1986 أودع الأستاذ..... المحامي نائباً عن الأستاذ...... المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 2654 لسنة 32 القضائية في القرار الصادر من مجلس تأديب جامعة المنصورة بتاريخ 27/ 5/ 1985 بمجازاته بخصم شهر من أجره. وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن قبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وفي الموضوع بإلغائه.
وتم إعلان الطعن على النحو المبين بالأوراق وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 23/ 11/ 1988 وتداول بجلساتها على النحو المبين بمحاضرها حتى قررت بجلسة 11/ 11/ 1989 إحالة الطعن إلى هذه المحكمة فنظرته بجلسة 18/ 2/ 1989 وبجلسة 15/ 4/ 1989 قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم 27/ 5/ 1989 وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
من حيث إن قرار مجلس التأديب المطعون فيه قد صدر بتاريخ 27/ 5/ 1985 وأقام الطاعن الطعن رقم 159 لسنة 13 ق أمام المحكمة التأديبية بالمنصورة في 7/ 7/ 1985 طالباً إلغاء هذا القرار وبجلسة 4/ 5/ 1986 أصدرت المحكمة المذكورة حكمها بعدم اختصاصها بنظر الطعن فأقام الطاعن الطعن الماثل في 22/ 6/ 1986 أي خلال الستين يوماً التالية وإذ استوفى أوضاعه الشكلية فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن وقائع النزاع تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - فيما ورد بالمذكرة المقدمة من الدكتور...... الأستاذ المساعد بالقسم بتاريخ 31/ 7/ 1984 من إهمال المدرس المساعد الدكتور....... (الطاعن) لعدم قيامه بنفسه بإجراء عملية قيصرية للمريضة....... التي أُدخلت إلى المستشفى في 26/ 7/ 1984 الساعة العاشرة والنصف صباحاً وهي مصابة بنزيف قبل الولادة وترك إجراء هذه العملية للطبيب...... مما أدى إلى تدهور حالتها ووفاتها كما لم يتم عمل ملاحظة لها بعد إجراء العملية فضلاً عن عدم وجود ورقة ملاحظة لها بعد إجراء العملية المذكورة وقد أجرت الشئون القانونية تحقيقاً مع الطاعن المدرس المساعد بقسم أمراض النساء والتوليد بكلية الطب والطبيب......... الطبيب المقيم بمستشفى المنصورة الجامعي، بخصوص ما ورد بالمذكرة آنفة الذكر ثم صدر قرار رئيس الجامعة رقم 811 بتاريخ 12/ 12/ 1984 بإحالة الطاعن وآخر إلى مجلس تأديب المعيدين والمدرسين المساعدين بالجامعة لمحاكمتهما فيما هو منسوب إليهما من التقصير والإهمال الذي ترتب عليه وفاة المريضة...... أثناء عملة جراحية لها يوم 27/ 7/ 1984. وبجلسة 27/ 5/ 1985 أصدر المجلس القرار المطعون فيه بمجازاة الطاعن بخصم أجر شهر من راتبه ومجازاة الطبيب...... المقيم بمستشفى المنصورة الجامعي بخصم أجر خمسة عشر يوماً من راتبه.
وأقام المجلس هذا القرار على أسباب تتحصل في أن ما نسب إلى الطبيبين المذكورين ثابت قبلهما ويشاركهما هذه المسئولية الدكتور....... الأستاذ المساعد بالقسم لخروجه على مقتضى الواجب الوظيفي بعمل سلبي من جانبه وهو عدم متابعته للحالات الواردة بالقسم بنفسه وإشرافه إشرافاً دقيقاً على مرؤوسيه به والاقتصار على إصداره لأوامره دون متابعة منه ورأى المجلس إحالة أمره إلى رئيس الجامعة لتقرير ما يراه بشأن مسئوليته.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن القرار المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وكما يتناسب الجزاء مع ما هو منسوب للطاعن لأنه قد قام بجميع الإجراءات اللازمة لإنقاذ المريضة ولم يرتكب أي خطأ في جانبها ويؤكد ذلك ما قرره رئيس مجلس أمراض النساء والولادة بجامعة الزقازيق من أن العملية قد أجريت حسب الأصول الفنية المتعارف عليها هذا فضلاً عن أن الطاعن لم يعلم بجلسة الحكم وإخطاره بتاريخها.
وأضاف الطاعن بالمذكرة المقدمة بجلسة 15/ 4/ 1989 أنه لم يرتكب أي "خطأ فني" وهذا واضح من التقرير الفني الذي وضعه الدكتور......... رئيس قسم أمراض النساء والولادة بكلية طب الزقازيق والذي أوضح أن الطاعن أجرى الجزء المهم من العملية وترك قفل جدار البطن محاولاً وقف النزيف الذي حدث به بعد العملية لأن إجراء أي تدخل جراحي بعد ذلك فيه خطورة كبيرة على المريضة لأن ذلك يستدعي فتح البطن ثانية لإجراء استئصال الرحم لوقف النزيف ولما فشلت المحاولات اتصلوا بعضو هيئة التدريس الذي قرر عمل حشو رحمي لإيقاف النزيف وهو إجراء معروف ومعترف به وهذه عملية بسيطة من الناحية الفنية وممكن إجراءها بواسطة الطبيب المقيم، والمخالفات الصادرة من الطبيب......... (الطاعن) هي مخالفات إدارية وليست "فنية" لأنه لم ينفذ الأمر الصادر إليه من عضو هيئة التدريس بحذافيره وكذلك عدم تدوين ملاحظة المريضة، وتطور حالتها بواسطة الطبيب المقيم...... يعزى ذلك لانشغاله في علاجها وتركيب الدم والمحاليل وإعطاء العقارات اللازمة وتركيزه على إنقاذها ولذلك أرجأ كتابة الأوراق الخاصة بالمريضة لحين استقرار حالتها....
ومن حيث إنه يبين من ذلك أن الطاعن أجرى الجزء المهم من العملية وترك قفل جدار البطن للطبيب المقيم وقد أوضح التقرير أن عدم تنفيذ المدرس المساعد (الطاعن) لأمر الأستاذ المساعد الموجه له بإجراء العملية للمريضة المتوفاة كاملاً ليس مخالفة فنية بل مخالفة إدارية.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن هذا التقرير الفني من استاذ متخصص وإن كان يتعين أن يكون له وزنه وقيمته فيما إذا كان ثمة إهمال أو تقصير من جانب الطاعن عند أدائه لعمله الفني من عدمه وذلك إذا كان هذا التقرير صادر من خبير محايد حياداً تاماً من جهة وقائماً على الأسس الطبية الفنية من جهة أخرى ويستخلص ما انتهى إليه من نتيجة من الحقائق الواقعية والأصول الفنية المسلم بها على نحو سائغ وسليم من جهة ثالثة.
ومن حيث إنه لا شك أن لمجلس التأديب القول الفصل بصفته الخبير الأعلى في مدى سلامة ما ذهب إليه تقرير الخبرة مثله في ذلك مثل المحكمة التأديبية سواء بحكم اختصاصه الموضوعي القائم على الفصل موضوعياً في خصومة تأديبية أو من حيث مسئوليته عن حسم تلك الخصومة التأديبية لوجه الحق والقانون والعدل ومن ثم فإن ما انتهى إليه مجلس التأديب من إثبات مسئولية الطاعن عن عدم إجراء العملية بالكامل وأن العملية لا يمكن تجزئتها لا يعد دخولاً من مجلس التأديب في مسائل فنية بحتة حسبما التقرير المشار إليه - بل هو أداء منه لواجبه في مراجعة هذا التقرير وفقاً لمقتضيات الأصول الصحية والطبية والفنية والنظام الإداري العلاجي المتبع في إجراء هذه العمليات وبمراعاة العرف الجاري طبياً بشأن مدى التزام الطبيب المعالج القائم بإجراء عملية جراحية بإجرائها شخصياً وبنفسه وفقاً للأصول الطبية والفنية والصحية المعتادة والالتزام بإتمامها كاملة وعدم تركها لغيره إلا لأسباب طبية وصحية وفنية معروفة وثابتة ومبررة أو لأسباب قهرية يستحيل معها على القائم بإجراء العملية الجراحية إتمامها لنهايتها.
ومن حيث إنه لا خلاف بين مجلس التأديب المذكور والتقرير الفني آنف الذكر في أنه كان يتعين على الطاعن إتمام العملية، وإنما الخلاف في أن التقرير قد ذهب إلى أن عدم إتمامه لها ليس بمخالفة فنية وهي مخالفة إدارية تتمثل في عدم تنفيذ الطاعن لأمر رئيس القسم الذي يتبعه بقيامه بإجراء العملية القيصرية للمريضة المتوفاة وهذا الخلاف لا يؤثر في أن الطاعن قد اتفق مع مجلس التأديب والخبير في تقريره على أنه قد ارتكب مخالفة هي عدم إتمامه العملية وتركها في مرحلة منها لغيره هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن التقرير المذكور آنفاً قد أفصح أن وصف المخالفة الإدارية البتة الذي استخدمه لما أثبته قبل الطاعن وصف غير سديد لأنه أرجع النزيف الذي قضى على المريضة المتوفاة - إلى النزيف في الرحم وهذا النزيف لا صله له بجدار البطن الذي قفله الطبيب المقيم ويكون التقرير الفني ذاته قد أكد ما تضمنه أن هذا النوع من المخالفات يندمج فيه الوصف الفني مع الوصف الإداري حيث إن العمل المنسوب إلى الطاعن والثابت قبله بلا خلاف هو عدم إتمامه بنفسه إجراء عملية جراحة القيصرية للمريضة المتوفاة وتركها لغيره لإتمامها هذا لا شك مخالف للأصول العامة لمباشرة مهمته الطبية والتي تقوم على أن اختيار الطبيب وخاصة الجراح يقوم على ثقة المريض وأهله في الطبيب الذي يجري هذه العمليات ومن ثم فإنه يتعين أن يقبل المريض وأهله اشتراك أكثر من طبيب في الجراحة قبل إجرائها كما يتعين في كل الأحوال قبولهم لإجرائها قبل إجرائها وهذه الثقة الخاصة تمنع الجراح من ترك مريضة أثناءها إلا لسبب أجنبي يستحيل معه عليه إتمام أعماله ويضاف إلى ذلك أن المسئولية التأديبية والمدنية والجنائية للطبيب وبصفة خاصة بالنسبة للجراح لا شك تشيع وتتميع بتعدد أيدي الجراحين في الجسد الواحد والعملية الواحدة بدون أي مبرر طبي أو مانع خارجي قهري وهو أمر يعرض حياة المواطنين للخطر وبخاصة في المستشفيات العامة.
ويتفق التزام الجراح بأداء العملية الجراحية كمبدأ أو أصل عام بنفسه وحتى يتمها مع المبادئ العامة الحاكمة للوظيفة العامة والتي نص عليها نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 وتقضي بأن على العامل أن يؤدي العمل المنوط به بنفسه وبدقة وأمانة.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم فإن ما انتهى إليه مجلس التأديب من مسئولية الطاعن ومجازاته بالخصم من راتبه لمدة شهر يكون قائماً على أساس سليم ومستخلصاً استخلاصاً سائغاً من الأوراق.
ومن حيث إنه ما دام أن الثابت من الأوراق أن ما ثبت قبل الطاعن هو تركه المريضة وهي غير واعية وتحت تأثير المخدر وقبل استكمال العملية الجراحية لغيره لإتمامها بدون إذن رئيس القسم أو موافقة أهل المريضة وبدون عذر قهري مقبول فضلاً عن أنه كان من المتعين عليه كذلك متابعة الحالة شخصياً بعد إذ ترك العملية ليستكملها غيره سواء بحكم مسئوليته كطبيب عن حياة المريضة ذاتها وكذلك للمسئولية الشخصية عما قام به من مراحل العملية وحتى تطمئن إلى عدم ارتكاب من خلفه لأخطاء تنسب إليه فإذا كان الثابت أنه لم يقم بالتأكد من الإنجاز الفني السليم للعملية التي بدأ فيها وتركها لغيره لإتمامها وما إذا كان الطبيب المقيم قد استكمل تلك العملية على الوجه الأكمل من عدمه وإذ ثبت أن الطاعن قد تراخى في ذلك منذ إجراء العملية في الساعة الثامنة والنصف حتى منتصف الليل بدون مبرر مقبول أو معقول بحسب طبائع الأشياء والمألوف في مثل هذه الحالات من طبيب جراح بهيئة التدريس بالجامعات فإنه لا شك يتحقق مسئوليته عما تقدم وهو ما يستوجب مجازاته تأديبياً بالعقوبة المناسبة لما ثبت في حقه.
وحيث إن الجزاء الذي وقعه مجلس التأديب على الطاعن بمراعاة ما ثبت في حقه والظروف الموضوعية التي وقع منه ما ارتكبه لا يشوبه غلو يستلزم تعديله.
ومن حيث إن الطعن الماثل معفى من الرسوم تطبيقاً لأحكام المادة (90) من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.