أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 45 - صـ 158

جلسة 16 من يناير سنة 1994

برئاسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حافظ - نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ فاروق يوسف سليمان، خلف فتح الباب، حسام الدين الحناوي ومحمد محمود عبد اللطيف - نواب رئيس المحكمة.

(34)
الطعن رقم 2333 لسنة 59 القضائية

دستور. نظام عام. إثبات "المحررات بلغة أجنبية". حكم. بطلان.
اللغة العربية. هي لغة الدولة الرسمية. وجوب الالتزام بها دون غيرها. م 2 من الدستور إجراءات التقاضي أو الإثبات أو إصدار الأحكام وجوب صدورها باللغة العربية. م 19 من قانون السلطة القضائية. المحررات المدونة بلغة أجنبية. شرط قبولها. أن تكون مصحوبة بترجمة عربية. لها مخالفة ذلك. أثره. البطلان المطلق. تعلق ذلك بالنظام العام. استناد الحكم في قضائه إلى عقد إيجار محرر باللغة الفرنسية دون تقديم ترجمة لها باللغة العربية. مخالفة للقانون.
- النص في المادة الثانية من الدستور على أن "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية....." وفي المادة 165 منه على أن "السلطة القضائية مستقلة" وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفق القانون وفي المادة 19 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 على أن "لغة المحاكم هي اللغة العربية، وعلى المحكمة أن تسمع أقوال الخصم أو الشهود الذين يجهلونها بواسطة مترجم بعد حلف اليمين" - يدل على أن المشرع عد اللغة العربية من السمات الجوهرية والمقومات الأساسية التي ينهض عليها نظام الدولة، مما يوجب على الجماعة بأسرها حكومة وشعباً بحسب الأصل الالتزام بها دون أية لغة أخرى كوسيلة للخطاب والتعبير في جميع المعاملات وشتى المجالات على اختلافها وحرص المشرع على تقنين هذا الحكم في مجال القضاء بإيجاد نص صريح جلي المعنى قاطع الدلالة في أن اللغة العربية هي المعتبرة أمام المحاكم يلتزم بها المتقاضى والقاضي على السواء فيما يتعلق بإجراءات التقاضي أو الإثبات أو إصدار الأحكام. وقد عالج هذا النص الحالة التي يتحدث فيها الخصوم أو الشهود بلغة أجنبية فأوجب ترجمة أقواله إلى اللغة العربية، وحكمه يجري كذلك على سائر المحررات المدونة بلغة أجنبية التي يتساند إليها الخصوم فيتعين لقبول هذه المحررات أن تكون مصحوبة بترجمة عربية لها لذات العلة، وتحقيقاً للغاية التي استهدفها المشرع من الالتزام باستخدام اللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية للدولة وإحدى الركائز لإعمال سيادتها وبسط سلطانها على أراضيها مما يحتم على الجميع عدم التفريط فيها أو الانتقاص من شأنها على أية صورة كانت، والقاعدة التي قننتها المادة 19 من قانون السلطة القضائية بهذه المثابة تعد من أصول نظام القضاء المتعلقة بالنظام العام. فيترتب على مخالفتها البطلان المطلق، ومن ثم يجوز للخصوم التمسك بهذا البطلان كما للمحكمة إثارته من تلقاء نفسها في أية حالة كانت عليها الدعوى. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر حين استند في قضائه بإلزام الشركة الطاعنة بتحرير عقد إيجار للمطعون ضده الأول عن الشقة موضوع النزاع إلى عقد إيجارها الأصلي الذي قدمه الأخير متخذاً منه ركيزة أقام عليه قضاءه فيما ذهب إليه من صدور هذا العقد من المالك السابق للعقار الكائن به الشقة للمطعون ضده الثاني الذي تنازل عنها للمطعون ضده الأول باعتبارها مكتباً للمحاماة على الرغم من كونه محرراً باللغة الفرنسية دون تقديم ترجمة عربية لبياناته ونصوصه التي عول عليها الحكم فإنه يكون قد خالف القانون بما يوجب نقضه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام على الشركة الطاعنة الدعوى رقم 2975 لسنة 1986 مدني الإسكندرية الابتدائية بطلب الحكم بإلزامها في مواجهة المطعون ضده الثاني بتحرير عقد إيجار له عن الشقة المبينة بالصحيفة، وقال بياناً لها إنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 21/ 3/ 1939 معدل في 1/ 8/ 1940 استأجر المطعون ضده الثاني هذه الشقة من المالك السابق لاستعمالها مكتباً للمحاماة ومسكناً له، ثم خصصها لمهنة المحاماة اعتباراً من سنة 1957، ونظراً لتقاعده من مزاولة مهنته فقد تنازل له عنها بتاريخ 22/ 5/ 1948 عملاً بنص المادة 55 من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 وامتنعت الشركة الطاعنة إلى آلت إليها ملكية العقار الكائن به تلك الشقة عن تحرير عقد إيجار له عنها مما حدا به إلى إقامة الدعوى بطلبه سالفة البيان حكمت المحكمة بإجابة المطعون ضده الأول لمطلبه. استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسكندرية بالاستئناف رقم 621 لسنة 43 قضائية وبتاريخ 4 من إبريل سنة 1989 قضت بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك تقول إنه استند في قضائه بتأييد الحكم الابتدائي بإلزامها بتحرير عقد إيجار للمطعون ضده الأول عن الشقة موضوع النزاع إلى عقد الإيجار الذي قدمه الأخير المؤرخ 21/ 3/ 1939 المعدل في 1/ 8/ 1940 والصادر من المالك السابق للعقار للمطعون ضده الثاني مع أنه محرر بلغة أجنبية فيمتنع على المحكمة قبوله والاستناد في قضائها إليه طالما لم تقدم ترجمة عربية له، ولم يلق الحكم المطعون فيه بالاً إلى هذا الأمر رغم تمسكها به في دفاعها مما يعيبه.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك بأن النص في المادة الثانية من الدستور على أن "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية......." وفي المادة 165 منه على "أن السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفق القانون" وفي المادة 19 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 على أن "لغة المحاكم هي اللغة العربية، وعلي المحكمة أن تسمع أقوال الخصم أو الشهود اللذين يجهلونها بواسطة مترجم بعد حلف اليمين" - يدل على أن المشرع عد اللغة العربية من السمات الجوهرية والمقومات الأساسية التي ينهض عليها بنظام الدولة، مما يوجب على الجماعة بأسرها حكومة وشعباً بحسب الأصل الالتزام بها دون أية لغة أخرى كوسيلة للخطاب والتعبير في جميع المعاملات وشتى المجالات على اختلافها. وحرص المشرع على تقنين هذا الحكم في مجال القضاء بإيجاد نص صريح جلي المعنى قاطع الدلالة في أن اللغة العربية هي المعتبرة أمام المحاكم يلتزم بها المتقاضي والقاضي على السواء فيها يتعلق بإجراءات التقاضي أو الإثبات أو إصدار الأحكام. وقد عالج هذا النص الحالة التي يتحدث فيها الخصوم أو الشهود بلغة أجنبية فأوجب ترجمة أقوالهم إلى اللغة العربية، وحكمه يجري كذلك على سائر المحررات المدونة بلغة أجنبية التي يتساند إليها الخصوم فيتعين لقبول هذه المحررات أن تكون مصحوبة بترجمة عربية لها لذات العلة، وتحقيقاً للغاية التي استهدفها المشرع من الالتزام باستخدام اللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية للدولة وإحدى الركائز لإعمال سيادتها وبسط سلطانها على أراضيها مما يحتم على الجميع عدم التفريط فيها أو الانتقاص من شأنها على أية صورة كانت، والقاعدة التي قننتها المادة 19 من قانون السلطة القضائية بهذه المثابة تعد من أصول نظام القضاء المتعلقة بالنظام العام. فيترتب على مخالفتها البطلان المطلق، ومن ثم يجوز للخصوم التمسك بهذا البطلان كما للمحكمة إثارته من تلقاء نفسها في أية حالة كانت عليها الدعوى. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذه النظر حين استند في قضائه بإلزام الشركة الطاعنة بتحرير عقد إيجار للمطعون ضده الأول عن الشقة موضوع النزاع إلى عقد إيجارها الأصلي الذي قدمه الأخير متخذاً منه ركيزة أقام عليه قضاءه فيما ذهب إليه من صدور هذا العقد من المالك السابق للعقار الكائن به الشقة للمطعون ضده الثاني الذي تنازل عنها للمطعون ضده الأول باعتبارها مكتباً للمحاماة على الرغم من كونه محرراً باللغة الفرنسية دون تقديم ترجمة عربية لبياناته ونصوصه التي عول عليها الحكم فإنه يكون قد خالف القانون بما يوجب نقضه. دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.