مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1989 إلى آخر سبتمبر سنة 1989) - صـ 1107

(161)
جلسة 10 من يونيه سنة 1989

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ يحيى السيد الغطريفي وإسماعيل صديق راشد وأحمد شمس الدين خفاجي - المستشارين.

الطعن رقم 1464 لسنة 32 القضائية

( أ ) عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - التحقيق - أسباب بطلان إجراءات التحقيق.
المادة (79) مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1978 معدلاً بالقانون رقم 115 لسنة 1983.
قيام جهة الإدارة بالتحقيق في مسألة تدخل في اختصاص النيابة الإدارية وحدها يعيب قرار الجزاء لما شاب التحقيق من غصب للسلطة حيث قصر القانون إجراء هذه التحقيقات على هيئة قضائية هي النيابة الإدارية - يتعين على المحكمة التأديبية أن تقضي بإلغاء القرار بعد أن لحقه عيب جسيم انحدر به إلى درجة الانعدام باعتبار أن تلك مسألة أولية من المسائل المتعلقة بالنظام العام الذي يقوم على حماية الشرعية وسيادة القانون والتي تنطوي عليها ولاية المحاكم أياً كان نوعها أو درجتها وذلك من خلال ما يعرض عليها من منازعات تختص بنظرها - تطبيق.
(ب) عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - الدعوى التأديبية - الدفع بعدم جواز المحاكمة التأديبية.
الدفع بعدم جواز المحاكمة التأديبية لسبق مجازاة العامل تأديبياً. يعد دفعاً متعلقاً بالنظام العام ويتعلق بالأسس الجوهرية للنظام العام التأديبي - يجوز إبداؤه في أية مرحلة من مراحل الدعوى التأديبية ولو لأول مرة أمام المحكمة الإدارية العليا - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 26/ من مارس سنة 1986 أودع الأستاذ أنور نصيف المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/....... و........ قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1464 لسنة 32 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بالإسكندرية بجلسة 25 من يناير سنة 1986 في الدعوى رقم 316 لسنة 27 ق المقامة من النيابة الإدارية ضد الطاعنين، والقاضي بمجازاة الطاعن الأول بخصم شهر من أجره وبمجازاة الطاعن الثاني بخصم خمسة عشر يوماً من أجره.
وقد طلب الطاعنان للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم ببراءتهما مما هو منسوب إليهما وما يترتب على ذلك من آثار.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وقد حدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون لهذه المحكمة بجلسة 23 من نوفمبر سنة 1988 وتداولت نظره وفقاً للثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة الثامن من فبراير سنة 1989 قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى هذه المحكمة فنظرته بجلسة 18 من مارس سنة 1989، وبجلسة 22 من إبريل سنة 1969 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم الموافق العاشر من يونيو سنة 1989 حيث صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسباب النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة، والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية، فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بتاريخ الثامن من مايو سنة 1985 أقامت النيابة الإدارية الدعوى التأديبية رقم 316 لسنة 27 القضائية بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية بالإسكندرية منطوية على تقرير باتهام كل من:
(1)......... صراف عوائد ثان كفر الدوار من الدرجة الثالثة.
(2).......... مأمور الضرائب العقارية بكفر الدوار من الدرجة الثانية.
لأنهما في المدة من 1/ 2/ 1984 حتى 31/ 1987 بمأمورية الضرائب العقارية بكفر الدوار لم يؤديا العمل المنوط بهما بدقة وخالفا القواعد والأحكام المالية المعمول بها بما من شأنه المساس بمصلحة مالية للدولة على النحو الآتي:
الأول: (1) أهمل التحصيل وإجراء الحجوز الإدارية بالنسبة للمبالغ المستحقة الأمر الذي أسفر عن وجود متأخرات في التحصيل على النحو المبين بالأوراق.
(2) لم يراع الدقة في تحرير قسائم (7) حيث قام باستخراج مصاريف الإجراءات ضمن المطلوبات الأميرية.
والثاني أهمل في الإشراف على المحال الأول ومتابعته مما أدى إلى كبر حجم المتأخرات على النحو الموضح بالأوراق.
وقد انتهت النيابة الإدارية إلى أنه بذلك يكون المذكوران قد ارتكبا المخالفة المالية المنصوص عليها في المواد 1/ 76، 1/ 77، 78 من القانون رقم 47 لسنة 1978 المعدل بالقانون رقم 115 لسنة 1983.
وطلبت النيابة الإدارية محاكمتهما تأديبياً بالمواد سالفة الذكر وطبقاً للمادتين 80، 82 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 المعدل بالقانون رقم 115 لسنة 1983 والمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية المعدل بالقانون رقم 171 لسنة 1981 والمادتين 15/ 1، 19/ 1 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة.
وبجلسة 25 من يناير سنة 1986 أصدرت المحكمة التأديبية بالإسكندرية حكمها بمجازاة (.......) بخصم شهر واحد من أجره، وبمجازاة (.......) بخصم خمسة عشر يوماً من أجره.
وقد أقامت المحكمة قضاءها على أن الثابت من الأوراق وباعتراف المحالين أن الأول قد أهمل في التحصيل وإجراء الحجوز الإدارية بالنسبة للمبالغ المستحقة، الأمر الذي أسفر عن وجود متأخرات في التحصيل على نحو يشكل في حقه مخالفة تأديبية، والثاني قصر في الإشراف ومتابعة المحال الأول بأن لم يتخذ أي إجراء تجاهه بخصوص ضعف نسبة التحصيل مما يشكل في حقه ذنباً إدارياً قوامه الإهمال في أداء العمل.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون عليه قد صدر معيباً للسببين الاثنين: (أولاً) أنه صدر قرار بمجازاة الطاعن الأول بخصم يومين من أجره لضعف نسبة التحصيل عن عام 1983، وقد صدر هذا القرار في عام 1984، وقبل إحالته للمحاكمة التأديبية وكان يتعين على المحكمة أن تصدر حكمها بعدم جواز نظر الدعوى بعد الفصل فيها لأنه لا يجوز عقاب الموظف عن فعل واحد مرتين.
(ثانياً) أن المحكمة لم تمنح للطاعنين فرصة دفاع حقيقية وأخذت بما جاء بمحاضر النيابة الإدارية كحجة مسلم بها ولم تناقشها حتى تطمئن إلى إدانة المحالين على سند صحيح من الواقع والقانون، ذلك أن هناك مبلغ (46965.318) جنيهاً مديونية شركة مصر للغزل والنسيج الرفيع بكفر الدوار (قطاع عام)، وتعترض الشركة على سداد هذا المبلغ بحجة أنه ليس مفروضاً عليها سجل عيني، وقد تم الرجوع لوزارة الصناعة حيث لا يجوز توقيع الحجز الإداري على شركات القطاع العام، وهناك مبلغ 4852.853 جنيهاً مديونية عوائد عن نقابة العمال بشركة مصر للغزل والنسيج بكفر الدوار التي ترفض السداد على أساس أن نقابات العمال معفاة من الضرائب بحكم القانون.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن موضوع الدعوى التأديبية الصادر في الحكم المطعون فيه يخلص فيما أبلغت به الوحدة المحلية لمركز كفر الدوار النيابة الإدارية من أن الصراف (....) صرف عوائد ثاني كفر الدوار - لديه متأخرات مقدرها 52187 جنيهاً ولم يقم بتحصيلها وكذا لم يراع الدقة الواجبة في تحرير القسائم 7 حيث قام باستخراج مصاريف الإجراءات ضمن المطلوبات الأميرية. وبالتفتيش عليه تبين أنه قام بتحصيل مبلغ (42.65) جنيهاً فقط وكذا (15000) جنيهاً بشيك ومتأخر تحصيل 46566 جنيهاً لم يوقع بشأنها الحجوز الكافية وأن المحال الثاني (........) مأمور الضرائب المشرف على أعمال الصراف سالف الذكر قد أهمل في الإشراف وقصر في المتابعة. وقد باشرت النيابة الإدارية التحقيق وانتهت إلى ما ورد بتقرير الاتهام.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى ثبوت الاتهام المنسوب إلى كل من الطاعنين في حقه، كما انتهى بناء على إدانتهما إلى مجازاتهما على النحو الوارد به.
ومن حيث إن وجه الطعن الأول على هذا الحكم أنه سبق صدور قرار إداري بمجازاة الطاعن الأول بخصم يومين من أجره لضعف نسبة التحصيل عن عام 1983، فقد كان على المحكمة أن تصدر حكمها بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها.
ومن حيث إنه من المبادئ العامة الأساسية لشريعة العقاب أياً كان نوعه، أنه لا يجوز عقاب الإنسان عن الفعل المؤثم مرتين، وأنه وإن كان يجوز العقاب عن الجريمة التأديبية للموظف العام برغم العقاب عن ذات الأفعال كجرائم جنائية في نطاق المسئولية الجنائية للموظف - لاختلاف الأفعال وصفاً وتكييفاً في كل من المجالين الجنائي والتأديبي واختلاف أوجه الصالح العام والمصالح الاجتماعية التي يستهدف من أجها المشرع تنظيم كل من المسئوليتين الجنائية والمدنية، وإن كانت كلاهما تهدف إلى تحقيق الصالح الأعلى للجماعة وحماية المصلحة العامة للمواطنين - إلا أنه لا يسوغ معاقبة العامل تأديبياً عن ذات الأفعال غير مرة واحدة حيث تستنفذ السلطة التأديبية ولايتها بتوقيعها العقاب التأديبي، ولا يسوغ لذات السلطة التأديبية أو لسلطة تأديبية أخرى توقيع الجزاء التأديبي عن ذات الجرائم التأديبية لذات العامل الذي سبق عقابه - ومجازاته، ولا يغير من ذلك أن تكون السلطة التي وقعت الجزاء التأديبي ابتداء هي السلطة التأديبية الإدارية الرئاسية أو السلطة التأديبية القضائية ممثلة في المحاكم التأديبية، لأن العلة تتحقق بمجرد توقيع الجزاء التأديبي صحيحاً قانوناً على العامل، حيث بذلك تصل المسئولية التأديبية للعاملين إلى غايتها القانونية، ولا يسوغ بعد ذلك مباشرة السلطة التأديبية على ذات العامل لذات الفعل الذي جوزي عنه، حيث ترتبط الولاية التأديبية وجوداً وعدماً مع الغاية المستهدفة منه وهي مجازاة العامل عما يثبت إسناده قبله من جرائم تأديبية تحقيقاً للانضباط الإداري والمالي وحفاظاً على حسن سير وانتظام أداء الخدمات العامة وتوفير الإنتاج للمواطنين على يد الأجهزة العامة المختصة.
ومن حيث إن تكرار مجازاة العامل تأديبياً عن ذات الجرائم التأديبية فضلاً عن انعدام سنده القانوني. يعد مخالفة للنظام العام العقابي لإهداره لسيادة القانون، أساس الحكم في الدولة ولحقوق الإنسان التي تقضي بشخصية العقوبة، وتحتم فوريتها، وعدم تكرارها، كما تمثل اعتداء على أن الوظائف العامة حق للمواطنين وتكاليف للقائمين بها في خدمة الشعب، ولالتزام الدولة بحمايتهم وكفالة قيامهم بأداء واجباتهم في خدمة الشعب (مواد الدستور أرقام 14، 64، 66، 67/ 1) ومن ثم فإن الجزاء التأديبي المتكرر عن ذات الفعل لذات العامل يكون باطلاً ومنعدم الأثر، سواء صدر من السلطة الرئاسية التأديبية أو من المحاكم التأديبية.
ومن حيث إنه بناء على ما سبق فإن الدفع بعدم جواز المحاكمة التأديبية لسبق مجازاة العامل تأديبياً يعد دفعاً متعلقاً بالنظام العام ويتصل بالشرعية وسيادة القانون بوجه عام ويتعلق بالأسس الجوهرية للنظام التأديبي بصفة خاصة، ومن ثم فإن هذا الدفع يجوز إبدائه في أية مرحلة من مراحل الدعوى التأديبية ولو لأول مرة أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن الطاعن الأول ينعى على الحكم المطعون فيه أنه لم يقضى في شأنه بعدم جواز نظر الدعوى لسبق مجازاته عن ذات الأفعال محل طلب المساءلة والعقاب التأديبي وذلك رغم أن الطاعن قد دفع أمام تلك المحكمة بعدم جواز نظر الدعوى لسبق صدور قرار إداري بمجازاته عن ذات الواقعة بخصم يومين من راتبه.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أنه قد صدر قرار السيد وكيل الوزارة رئيس الوحدة المحلية لمركز مدينة كفر الدوار رقم (467) لسنة 1984 بتاريخ 7/ 3/ 1984 بمجازاة (.......) الطاعن الأول بخصم يومين من راتبه لما نسب إليه من الإهمال في تنشيط تحصيل المتأخرات خلال عام 1983.
ومن حيث إن ما نسب لهذا الطاعن في التحقيق الإداري الذي جوزي عليه بالقرار المشار إليه هو الإهمال الذي يترتب عليه ضياع الحقوق المالية للدولة أو المساس بمصلحة من مصالحها المالية أو ما يكون من شأنه أن يؤدي إلى ذلك بصفة مباشرة، وهو الأمر المحظور على العامل إتيانه وفقاً لنص البند 4 من المادة (77) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978.
ومن حيث إن المادة (79) مكرر من القانون المذكور - معدلاً بالقانون رقم 115 لسنة 1983 تنص على أن تختص النيابة الإدارية دون غيرها بالتحقيق الإداري مع شاغلي الوظائف العليا كما تختص دون غيرها بهذا التحقيق في المخالفات الناشئة عن ارتكاب الأفعال المحظورة الواردة بالبندين 3، 4 من المادة (77) من هذا القانون.
ومن حيث إن قرار الجزاء الصادر بمجازاة الطاعن الأول بخصم شهرين من راتبه قد صدر بناء على تحقيق أجرته جهة الإدارة، وذلك بالمخالفة لنص المادة (79) مكرراً من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة سالف الذكر والذي أناط بهيئة قضائية وهي النيابة الإدارية إجراء التحقيق في المخالفات المنصوص عليها، بالبند (4) من المادة (77) من القانون المذكور، وقصر التحقيق في هذه الحالة عليها، ومن ثم فإن قرار الجزاء سالف الذكر يكون قد استند إلى تحقيقات أجرتها الجهة الإدارية، وهي جهة غير مختصة مما يعيب قرار الجزاء الموقع بناء عليها لما شاب إجراءها من غصب للسلطة حيث قصر القانون إجراء هذه التحقيقات على هيئة قضائية وهي النيابة الإدارية، وهو ما يلحق بهذه القرارات البطلان لبنائها على تحقيقات باطلة وذلك لاعتدائها على اختصاص هيئة قضائية حددها المشرع وقصر إجراء التحقيق عليها وفقاً لصريح نص الفقرة الثالثة من المادة (79) مكرراً من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة ويكون قرار الجزاء بذلك قد لحقه عيب جسيم ينحدر به إلى العدم، وهو ما كان يتعين على المحكمة التأديبية أن تقضي به في الحكم المطعون فيه وذلك بعدم الاعتداد بالقرار الصادر بمجازاة الطاعن الأول بناء على تحقيقات معدومة الأثر قانوناً، باعتبار أن تلك المسألة أولية من المسائل المتعلقة بالنظام العام الذي يقوم على حماية الشرعية وسيادة القانون والتي تنطوي عليها ولاية المحاكم أياً كان نوعها أو درجتها وذلك من خلال ما يعرض عليها من منازعات تختص بنظرها، ويكون عليها التصدي لأية مسألة تتعلق بذلك وتعتبر من المسائل الأولية الواجب الفصل فيها بمناسبة ما هو معروض عليها من منازعات.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أشار إلى الدفع المبدى من الطاعن والمتمثل في عدم جواز نظر الدعوى التأديبية لسبق الفصل فيها، ثم رد على ذلك بأن توقيع الجزاء الإداري كان بعد إحالة المحال إلى المحاكمة التأديبية ومن ثم فإن هذا القرار لا يقيد المحكمة وإنما يبطل الجزاء لصدوره على خلاف القانون.
ومن حيث إن الثابت أن القرار الصادر بمجازاة الطاعن الأول قد صدر في 7/ 3/ 1984 في حين أن إحالة الطاعن الأول إلى المحكمة التأديبية قد تم بإيداع تقرير الاتهام قلم كتاب المحكمة التأديبية في 8/ 5/ 1985 ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ فيما استند إليه من أسباب للقول ببطلان القرار الإداري الصادر بمجازاة الطاعن، وإن كان قد صادف صحيح حكم القانون فيما انتهى إليه من عدم شرعية هذا القرار لا على أساس ما استند إليه وإنما على أساس أن قرار الجزاء قد بني على تحقيق معدوم الأثر قانوناً على نحو ما سالف البيان. ومن ثم وإذ إن صحيح أحكام القانون توجب عدم الاعتداد بالجزاء المعدوم الأثر السابق توقيع الإدارة له على الطاعن الأول فإنه لا يكون ثمة ما يحول دون محاكمته تأديبياً عن الأفعال التي كانت سبباً للجزاء المعدوم الأثر سالف الذكر.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى إدانة الطاعنين على أساس ثبوت ما نسبه إليهما تقرير الاتهام في حقهما من أن الأول قد أهمل تحصيل وإجراء الحجوز الإدارية بالنسبة للمبالغ المستحقة، وأنه لم يراع الدقة في تحرير قسائم (7) حيث قام باستخراج مصاريف الإجراءات ضمن المطلوبات الإدارية. ومن أن الثاني أهمل الإشراف على الأول ومتابعة أعماله بما أدى إلى كبر حجم المتأخرات.
ومن حيث إنه فيما يختص بالطاعن الأول (........) فقد نسبت إليه النيابة الإدارية في تقرير الاتهام أنه ارتكب مخالفتين، وقد تمثلت الأولى في أنه أهمل التحصيل وإجراء الحجوز الإدارية بالنسبة للمبالغ المستحقة وتمثلت الثانية في أنه لم يراع الدقة في تحرير قسائم (7).
ومن حيث إنه عن المخالفة الأولى المنسوبة إلى الطاعن الأول فقد أودع ضمن حافظة مستنداته كتاب السيد رئيس مأمورية الضرائب العقارية بكفر الدوار المؤرخ 23/ 3/ 1986 الذي يفيد بما يأتي:
(أولاً) تم تحصيل مبلغ 44685.085 جنيه خلال الفترة من أول فبراير سنة 1983 حتى 31 يناير سنة 1984 وهي تختص السنة 1983.
(ثانياً) تم صدور قرار الإضافة رقم 363 لسنة 1983 بتاريخ 20 ديسمبر سنة 1983 بمبلغ 6565.318 جنيه، مديونية سجل عيني على شركة مصر للغزل والنسيج الرفيع بكفر الدوار، ومعترض من قبل الشركة على سدادها بحجة أن الشركات ليس مفروضاً عليها سجل عيني، وقد تم الرجوع بخصوص هذا الموضوع إلى وزارة الصناعة من قبل الشركات لسداد السجل العيني المفروضة بالقانون رقم 56 لسنة 1987.
(ثالثاً) يوجد مبلغ 4852.853 جنيه مديونية عوائد وملحقاتها على دار النقابة لعمال شركة مصر للغزل بكفر الدوار، ولأن النقابات معفاة بحكم القانون، فهناك اعتراض على سداد هذا المبلغ من جانب النقابة.
ومن حيث إنه قد انتهى خطاب رئيس المأمورية إلى أنه بذلك يجب استبعاد المبالغ المذكورة من المتأخرات، وبيانها كالآتي:
- 30692.409 جنيه قرار إضافة رقم 363 لسنة 1983 سجل عيني صدر في ديسمبر سنة 1983.
- 46565.318 جنيه مديونية سجل عيني على شركة مصر للغزل والنسيج (معترض على سداده).
- 4852.853 جنيه مديونية عوائد سجل وملحقاتها على نقابة عمال شركة مصر.
فيكون المجموع 82110.580 جنيه وأن نسبة الصيراقية طبقاً للبيانات الموضحة سنة 1983 هي 82.4% وهي نسبة مرتفعة على مستوى المأمورية.
وإذا كان الثابت من هذا الكتاب أن نسبة تحصيل صيراقية الطاعن الأول نسبة مرتفعة، فإن الثابت بالأوراق يساند ويدعم هذا القول، ذلك أنه قد جاء بالمادة (1) من القرار الإداري رقم 467 لسنة 1984 - الصادر بمجازاة الطاعن بخصم يومين من راتبه حفظ التحقيق بالنسبة لزميله كانت نسبة تحصيله 77.6% الأمر الذي يفيد أن نسبة التحصيل الخاصة بالطاعن الأول وهي 82.4% تعتبر مرتفعة بالفعل على نحو ينتفي معه الاتهام الأول الذي كان منسوباً إليه والمتمثل في إهماله التحصيل.
ومن حيث إنه عن المخالفة الثالثة المنسوب إلى الطاعن الأول ارتكابها، والمتمثلة في أنه لم يراع الدقة في تحرير قسائم (7) حيث قام باستخراج مصاريف الإجراءات ضمن المطلوبات الأميرية.
ومن حيث إن مذكرة نيابة دمنهور الإدارية في القضية رقم 470 لسنة 1985 قد لخصت مجريات التحقيق الذي أجرته في شأن الوقائع المنسوبة إلى الطاعنين.
ومن حيث إنه لم يرد بهذه المذكرة ما يفيد أنه قد تمت مواجهة أي من الطاعنين بهذا الاتهام إذ لم يرد بها أن الطاعن الأول قد ارتكب هذه المخالفة، ولم يواجه الطاعن بأنه قد أهمل الإشراف عليه في هذا الشأن.
ومن حيث إن مؤدى عدم مواجهة المتهم بالاتهام المنسوب إليه وتمكينه من إبداء دفاعه في شأنه إهدار أهم ضمانة من ضمانات التحقيق على نحو يعيبه، الأمر الذي يترتب عليه بطلان الجزاء المبنى عليه سواء صدر بهذا الجزاء قرار إداري أو حكم تأديبي.
ومن حيث إن مؤدى ما تقدم عدم صحة ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من إدانة الطاعن الأول في كلا الاتهامين المنسوبين إليه.
ومن حيث إن مؤدى ثبوت عدم إدانة الطاعن الأول في شأن الاتهامين المنسوبين إليه عدم إدانة الطاعن الثاني تلقائياً في شأن الاتهام المنسوب إليه والمتمثل في أنه أهمل الإشراف عليه ومتابعته مما أدى إلى ارتكاب الطاعن الأول لما نسب إليه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد ذهب خلاف هذا المذهب ومن ثم فإنه يكون قد صدر معيباً واجب الإلغاء.
ومن حيث إن الطعن الماثل معفى من الرسوم وفقاً للمادة (90) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعن الأول (......) بخصم شهر من أجره ومجازاة الطاعن الثاني (......) بخصم خمسة عشر يوماً.