مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1989 إلى آخر سبتمبر سنة 1989) - صـ 1127

(164)
جلسة 10 من يونيه سنة 1989

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ يحيى السيد الغطريفي ود. إبراهيم علي حسن وإسماعيل صديق راشد وأحمد شمس الدين خفاجي - المستشارين.

الطعن رقم 268 لسنة 34 القضائية

( أ ) تكليف - عدم ملاءمة توقيع عقوبة الفصل على الطبيب المكلف - القانون رقم 29 لسنة 1974.
عقوبة الفصل لا تتناسب مع طبيعة التكليف لأنها تؤدي إلى التهرب من أداء واجب الخدمة المكلف بها جبراً بمقتضى القانون ولا تحقق الغاية من التأديب وهي ردع المتخلف عن التكليف وزجر غيره عن الامتناع عن أداء هذا الواجب - مؤدي ذلك: أنه لإعمال صحيح حكم القانون يجب مجازاة المكلف بعقوبة غير الفصل - تطبيق.
(ب) مدى جواز توقيع عقوبة الخصم من الأجر رغم أن المكلف لم يتسلم عمله بعد - توقيع عقوبة الخصم من الأجر لمدة شهرين على المكلف الممتنع عن أداء وظيفته أمر جائز فهي جزاء رادع لمن يتصور أن امتناعه عن استلام العمل المكلف به سيؤدي لفصله ويحقق غايته الفردية على حساب المصلحة العامة التي دعت إلى التكليف للإسهام في خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية - يتم تنفيذ هذا الحكم عن طريق النيابة الإدارية والجهة الإدارية المختصة سواء من خلال استقطاع قيمة أجر الشهرين من المرتب بعد تسلم العمل أو من أية وظيفة عامة يشغلها أو بوسائل التنفيذ الجبري المقررة لصالح الخزانة العامة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 23/ 12/ 1987 أودع الأستاذ/ أبادير اسكندر المحامي والوكيل عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن الماثل طعناً في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بأسيوط بجلسة 25/ 10/ 1987 في الدعوى التأديبية رقم 255 لسنة 14 ق المقامة من النيابة الإدارية ضد الطاعن، وتقضي بمجازاته بخصم شهرين من راتبه.
وطلب الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه بكافة ما يترتب على ذلك من آثار والحكم بفصل الطاعن من خدمته المكلف بها.
وقد أعلن الطعن إلى هيئة قضايا الدولة بتاريخ 26/ 12/ 1987 وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن مؤرخاً مايو سنة 1988 انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة بجلسة 8/ 3/ 1989 والجلسات التالية على النحو الموضح بمحاضر الجلسات حيث أودع وكيل الطاعن مذكرة دفاع بجلسة 8/ 3/ 1989 انتهى فيها إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه بكامل أجزائه، والحكم أصلياً: بعدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الدعوى تأسيساً على أن الطاعن لا ينطبق عليه القانون رقم 47 لسنة 1978 في شأن نظام العاملين المدنيين بالدولة إذ أنه وقد كلف للعمل كصيدلي مكلف طبقاً للقانون رقم 29 لسنة 1974 فلا ينطبق عليه قانون العاملين المدنيين المشار إليه رقم 47 لسنة 1978 خاصة وأنه لم يتسلم عمله بتاتاً بالجهة الإدارية المكلف بها ومن ثم فلا يخضع لاختصاص المحكمة التأديبية.
واحتياطياً: بفصل الطاعن من وظيفته موضوع المحاكمة.
وبجلسة 22/ 3/ 1989 قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى هذه المحكمة التي نظرته بجلسة 29/ 4/ 1989 على النحو الثابت بمحضر الجلسة، حيث قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم 10/ 6/ 1989 مع التصريح لمن يشاء من الخصوم بتقديم مذكرات ومستندات خلال أسبوعين. فأودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن النيابة الإدارية بتاريخ 14/ 5/ 1989 مذكرة بدفاعها انتهت فيها إلى طلب الحكم أولاً: برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة التأديبية وباختصاصها ثانياً: برفض الطعن.
وبجلسة اليوم صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة والمداولة.
من حيث إن الطعن قد تم التقرير به في الميعاد القانوني الذي نصت عليه المادة 44 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 مستوفياً أوضاعه الشكلية الأخرى، لذا فالطعن مقبول شكلاً.
ومن حيث إن وجيز واقعات هذه المنازعة تخلص - بحسب ما يبين من الاطلاع على الأوراق - في أن النيابة الإدارية أقامت بتاريخ 5/ 5/ 1987 الدعوى التأديبية رقم 255 لسنة 14 ق أمام المحكمة التأديبية بأسيوط متضمنة تقرير اتهام/......... الصيدلي بمديرية الشئون الصحية بالبحر الأحمر من الدرجة الثالثة (الطاعن) لأنه اعتباراً من 18/ 4/ 1985 وحتى 12/ 2/ 1987 بمديرية الشئون الصحية بالبحر الأحمر خرج على مقتضى الواجب الوظيفي بأن امتنع عن تسلم العمل المكلف به بمديرية الشئون الصحية بالبحر الأحمر، بالمخالفة لأحكام قرار وزير الصحة رقم (162) الصادر في 18/ 4/ 1985 والقانون رقم (29) لسنة 1974 في شأن تكليف الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان وهيئات التمريض والفنيين الصحيين والفئات الطبية والفنية المساعدة وطلبات النيابة الإدارية معاقبة المذكور طبقاً لمواد الاتهام الواردة بتقرير الاتهام.
وقد نظرت المحكمة التأديبية الدعوى بجلساتها على النحو الثابت بمحاضرها، حيث حضر المتهم (الطاعن) شخصياً، ومعه محام وقدم مذكرة بدفاعه طلب فيها أصلياً الحكم ببراءته مما نسب إليه واحتياطياً بفصله من وظيفته لعدم رغبته في العمل، وبجلسة 25/ 10/ 1987 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه ويقضي بمجازاته بخصم شهرين من راتبه. وأسست المحكمة قضاءها على أن المخالفة التي نسبت للطاعن ثابتة في حقه ثبوتاً يقينياً باعترافه، وبشهادة الشهود المشار إليهم بالتحقيقات، وأنه لما كان المتهم قد امتنع عن تسلم العمل المكلف به بالقرار الصادر من وزير الصحة رقم (162) في 18/ 4/ 1985، ومن ثم يعد مرتكباً ذنباً إدارياً مخالفاً به أحكام القانون رقم (29) لسنة 1974 ومخالفاً لواجبات وظيفته يستحق معه العقاب التأديبي الذي تقدره المحكمة بخصم شهرين من راتبه.
وانتهت المحكمة إلى حكمها المطعون فيه سالف الإشارة إليه.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله عندما قرر أن المتهم امتنع عن تسلم العمل المكلف به بالقرار الوزاري رقم (162) في 18/ 4/ 1985 ووجه الخطأ أن المتهم لم يتسلم عمله إطلاقاً وفقاً لما أفاد به الحكم المطعون فيه ذاته، فكيف يرد الخصم من مرتب الطاعن على عمل لم يتسلمه؟ يضاف إلى ذلك أن الخصم من المرتب يستوجب أن يكون الطاعن راغباً في العمل، والطاعن لم يتسلم عمله وهو غير راغب في ذلك، خاصة أن المادة (29) فقرة ( أ ) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 تقضي بأن المعينين لأول مرة يوضعون تحت الاختبار مدة ستة أشهر من تاريخ تسلمهم العمل. فالعقوبة التأديبية المقضي بها تتناقض مع ما هو ثابت في الحكم المطعون فيه من أن الطاعن المكلف لم يتسلم عمله ولم يقدم باقي مسوغات تعيينه وأن العقوبة الواجب تطبيقها على العامل بعد امتناعه عن تسلمه عمله هي الفصل من الخدمة. وأنه لا يجوز إجبار الطاعن على العمل المكلف به إذا أن المقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أنه لا يجوز إجبار العامل على العمل حتى ولو كان مكلفاً لأن هذا الإجبار يتعارض مع الحرية الشخصية للمواطن التي كفلها الدستور، وأولى بالجهة الإدارية أن تنهي خدمة هذا العامل وتفصله حتى ولو كان مكلفاً، لأن العامل غير الراغب في العمل لا يؤدي عمله بما يعود بالنفع على الجهة الإدارية.
وقد أضاف الطاعن بمذكرة دفاعه المقدمة بجلسة 8/ 3/ 1989 دفاعاً مقتضاه عدم اختصاص المحكمة التأديبية ذلك أن خضوع الطاعن في الحالة الماثلة للقانون رقم 29 لسنة 1974 في شأن تكليف الأطباء والصيادلة لا يجوز معه تطبيق القانون رقم 47 لسنة 1978 في شأن العاملين المدنيين بالدولة على حالته لأن القانون رقم 29 لسنة 1974 المشار إليه نظم حالات امتناع الصيادلة والأطباء عن تنفيذ قرارات التكليف الصادرة قبلهم، وذلك باتخاذ الإجراءات الجنائية ضدهم، على ما نصت عليه المادة الثامنة من القانون المذكور من أنه "يعاقب على مخالفة أحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين".
وانتهى الطاعن إلى طلباته سالفة الذكر.
ومن حيث إن موضوع الطعن يخلص فيما نسب إلى الصيدلي/...... (الطاعن) من امتناعه عن تسلم العمل المكلف به بمديرية الشئون الصحية بالبحر الأحمر تنفيذاً لقرار التكليف الصادر من وزير الصحة رقم 162 لسنة 1985 في 18/ 4/ 1985، وذلك رغم إخطاره على عنوانه (بكتابي المديرية رقمي 1001 في 31/ 7/ 1989 و1078 في 31/ 8/ 1986 بعلم الوصول) للحضور وتسلم عمله، مع إنذاره في حالة التخلف عن الحضور باتخاذ الإجراءات القانونية ضده. وإذ لم يحضر الطاعن لتسلم عمله رغم ذلك فقد قامت إدارة الشئون القانونية بالتحقيق في الموضوع ثم أحالته على النيابة الإدارية التي تولت التحقيق بدورها. وخلصت منه إلى نسبة المخالفة الواردة بتقرير الاتهام إلى المتهم (الطاعن). وطلبت محاكمته عنها تأديبياً، حيث صدر الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إنه بسؤال الطاعن بتحقيقات النيابة الإدارية فقد أقر بامتناعه عن تسلم عمله رغم إخطاره بالحضور لتسلمه، وأضاف أنه لا يستطيع العمل في البحر الأحمر لأنه العائل الوحيد لوالديه، وأنهى أقواله بأنه لا يرغب في العمل بأية جهة من الجهات الحكومية.
ومن حيث إنه بسؤال/ فاروق يونس كحلة وكيل إدارة شئون العاملين بمديرية الشئون الصحية بالبحر الأحمر قرر أنه ورد للمديرية كتاب الإدارة المركزية للشئون الصيدلية بوزارة الصحة رقم (1675) المؤرخ 2/ 5/ 1985 بشأن تكليف الصيدلي المذكور بالعمل بالمديرية وتأشر عليه بالإحالة إلى/ سيد جاد المسئول عن الميزانية في 12/ 5/ 1985 لإثباته في سجل الميزانية، وظل في حيازته حتى حضر الصيدلي (الطاعن) للمديرية في 25/ 6/ 1986 وقدم بعض مسوغات تعيينه إلا أنه لم يتسلم العمل وقام رئيس قسم الملفات بإنذاره على عنوانه بالكتابين المشار إليهما، إلا أنه لم يحضر.
وبسؤال/ (محمد حسين مصطفى) رئيس قسم الملفات بالمديرية الصحية قرر - أن الصيدلي المذكور حضر يوم 25/ 6/ 1986 وقدم بعض مسوغات التعيين. وطلب مهلة للإعداد لتسلم العمل، وأنه تسلم بعد ذلك من/ سيد جاد مسئول الميزانية قرار التكليف رقم (1975) وقام بإنذار الطاعن على عنوانه بنجع حمادي للحضور لتسلم عمله وعندما تخلف عن الحضور قام من 26/ 10/ 1986 بإحالة الموضوع إلى الشئون القانونية وأضاف أن التأخير في إنذار الصيدلي المذكور المدة من 15/ 2/ 1985 حتى 31/ 3/ 1986 مرجعه منح المذكور الفرصة لتسلم عمله.
وبسؤال (محمود سعيد أحمد) رئيس شئون العاملين بالمديرية - قرر أن الأوراق الخاصة بتكليف الصيدلي (الطاعن) قد سلمت إلى (سيد جاد) مسئول الميزانية خلال مايو سنة 1985 - لإدراجه بالموازنة وهو الذي قام باستدعاء وإنذار الصيدلي بالكتابين رقمي (521، 522) في 19/ 5/ 1985 الأول على عنوانه بنجع حمادي، والثاني على قسم الشرطة المختص، إلا أنها ارتدتا دون تسلم. وأنه كان يجب على مسئول الميزانية تسليم قرار التكليف والإنذارات للمختصين بالملفات لمتابعة تسلم الصيدلي العمل، واتخاذ الإجراءات الواجبة في حالة تخلفه.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم تكون المخالفة التي نسبت للطاعن ثابتة في حقه ثبوتاً قطعياً، الأمر الذي استوجب مساءلته عنها تأديبياً. ويكون الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعن قد جاء على سند صحيح من الواقع والقانون.
ومن حيث إنه عن وجه النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون عندما وقع على (الطاعن) عقوبة الخصم من المرتب، ولم يوقع عليه عقوبة الفصل، باعتبار أنه لم يتسلم عمله وأنه غير راغب في ذلك لأنه عازف عن العمل في أية جهة من الجهات الحكومية، ولأنه وحيد والديه الكبيرين في السن ويعولهما فإنه من ثم فهذا الوجه من أوجه الطعن لا مقنع فيه وقد جاء على خلاف القانون ودون سند منه. حيث إن القانون رقم 29 لسنة 1974 في شأن تكليف الأطباء والصيادلة (وغيرهم من ذوي المهن الطبية والفنيين الصحيين) والذي كلف الطاعن بتاريخ 18/ 4/ 1985 في ظل العمل بأحكامه قد نص في مادته الأولى على أنه: يجوز لوزير الصحة تكليف خريجي كليات الطب - وطب الأسنان - والصيدلة.......... لمدة سنتين........ ويجوز تجديد التكليف لمدة أخرى مماثلة. ويتم التكليف أو تجديده بناء على طلب الجهة الإدارية صاحبة الشأن، ووفقاً للإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون كما نصت المادة الرابعة على أن "يصدر وزير الصحة قرارات تكليف الخاضعين لأحكام هذا القانون. ويعتبر المكلف معيناً في الوظيفة التي كلف بها من تاريخ صدور القرار، وعليه أن يتسلم العمل خلال خمسة عشر يوماً على الأكثر من تاريخ إخطاره بكتاب موصى عليه بعلم الوصول".
ونصت المادة السادسة منه على أنه: "يتعين على المكلف أن يقوم بأعباء وظيفته فترة التكليف وفي جميع الأحوال يصدر قرار إلغاء التكليف وإنهاء الخدمة بقرار من وزير الصحة.. ويحظر على المكلف الامتناع عن تأدية أعمال الوظيفة المكلف بها الخاضعة لأحكام هذا القانون، ما لم تنته خدمته لإحدى الأسباب التي نص عليها في نظام العاملين في الجهة المكلف بها، وذلك فيما عدا الاستقالة بنوعيها الصريحة والضمنية، فتعتبر كأن لم تكن ولا أثر لها.
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أن القانون المشار إليه رقم 29 لسنة 1974 - والذي كلف الطاعن وفق أحكامه - أجاز لوزير الصحة بقرار منه تكليف خريجي كليات الطب، وكليات الصيدلة لمدة سنتين ويجوز تجديدها لمدة أخرى مماثلة ويؤخذ من هذه النصوص أنه يتعين على الطبيب المكلف أو الصيدلي المكلف وفق أحكام هذا القانون أن يتسلم عمله خلال خمسة عشر يوماً على الأكثر من تاريخ إخطاره - بكتاب موصى عليه بعلم الوصول وأنه يعتبر - طبقاً لنص المادة الرابعة منه كذلك - معيناً في الوظيفة التي كلف للعمل بها كما صرحت بذلك المادة الرابعة من القانون المشار إليه في الجهة التي كلف بها ويتعين أداء أعمال الوظيفة التي عين بها مكلفاً وفق قانون نظام العاملين المطبق عليها سواء كان هو القانون رقم 58 لسنة 1981 الخاص بالعاملين المدنيين بالدولة العاملين بالحكومة ووحدات الحكم المحلي والذي حل محله القانون الحالي المعمول به حالياً وهو القانون رقم 47 لسنة 1978 - أو كان القانون رقم 61 لسنة 1971 فيما يتعلق بالعاملين بالقطاع العام والذي حل محله حالياً القانون رقم 48 لسنة 1978 (واللذين أشار إليهما في ديباجته القانون رقم (29) لسنة 1974) والمشار إليه وذلك بحسب الأحوال.
ومن ثم فلا مقنع لما أشار إليه الطاعن من أنه لا يعتبر - بمقتضى قرار تكليفه - من العاملين بالدولة فلا يجوز توقيع عقوبة الخصم من المرتب عليه، ولا يكون خاضعاً لاختصاص المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة الصحة - على حد ما جاء في مذكرات دفاع الطاعن. وحيث إنه لا مقنع فيما يثيره الطاعن من أن إمكانية عقابه أو مجازاته عن التخلف والتقاعس عن تنفيذ التكليف الذي صدر إليه - إنما يكون عن طريق مجازاته جنائياً فقط طبقاً لنص المادة الثامنة من قانون التكليف المذكور إذ أنه لم يرد نص في قانون التكليف آنف الذكر يقضي بذلك كما أنه قد جرى قضاء هذه المحكمة على أنه مجال الجريمة الجنائية وإن كان مستقلاً عن مجال الجريمة التأديبية - إلا أن فعلاً واحداً يرتكبه العامل قد يكون في نفس الوقت جريمة جنائية كما يكون أيضاً جريمة تأديبية، فإنه يجازى عنها تأديبياً على استقلال ولا شك أن الحالة الماثلة هي من قبيل ذلك.
ومن حيث إنه لا مقنع أخيراً فيما يثيره الطاعن من أن الجزاء الأوحد الذي يمكن توقعيه عليه - في الحالة الماثلة - هو جزاء الفصل من الخدمة أو إنهاء التكليف إذ أن ذلك فضلاً عن انعدام سنده ينطوي على مخالفة قانونية، إذ أن توقيع عقوبة الفصل على الطاعن في مثل حالته المعروضة يؤدي ببساطة إلى انالته مقصودة وغرضه من التهرب من أداء واجب الخدمة في وظيفة بطريق التكليف جبراً عنه وفقاً للقانون وللمدة المحددة لذلك ومن ثم فلا مشروعية في توقيع عقوبة الفصل لانحراف العقوبة التأديبية في هذه الحالة عن غرضها وغايتها الطبيعية إذ بدلاً من ردع المتخلف عن التكليف وزجر غيره عن الامتناع عن أداء هذا الواجب فهي تمكنه من التخلف عن أدائه ومن ثم فإن صحيح حكم القانون وإعمال أهدافه وغاياته يوجب توقيع جزاء مناسب على من يتقاعس عن أداء واجب التكليف من بين الجزاءات الأخرى غير الفصل أو المنصوص عليها بالمادة (80) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 - ومنها جزاء خصم شهرين - الذي أصابت المحكمة التأديبية بتوقعيه على الطاعن ولا يؤثر في سلامة هذا الحكم أن الطاعن لم يتسلم عمله المكلف به بعد مما يترتب على ذلك من استحقاقه مرتباً من خلال أدائه عمله فعلاً كمكلف إذ أنه فضلاً عن ردع هذا الجزاء لغيره ممن قد يتصورون أن الامتناع عن استلام العمل يترتب عليه فصلهم ويحقق غايتهم الفردية على حساب المصلحة العامة التي دعت إلى تكليفهم للإسهام بعملهم في خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للوطن فإن تنفيذ هذا الحكم أن تتولاه النيابة الإدارية والجهة المختصة سواء من خلال استقطاع قيمة أجر الشهرين من مرتب الطاعن من الوظيفة المكلف بها عند تسلمه عملها أو من أية وظيفة عامة أو بوسائل التنفيذ الجبري المقررة لصالح الخزانة العامة والجائزة قانوناً.
ومن حيث إنه تبين من ذلك أن الحكم المطعون فيه بمنأى عن أوجه الطعن التي وجهها إليه الطاعن بما يتعين معه رفض الطعن.
ومن حيث إن المادة 90 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 قد نصت على أن "تعفى من الرسوم الطعون التي تقدم ضد أحكام المحاكم التأديبية" ومن ثم فالطاعن معفى من رسم الطعن الماثل.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.