مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1989 إلى آخر سبتمبر سنة 1989) - صـ 1138

(166)
جلسة 17 من يونيه سنة 1989

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة يحيى السيد الغطريفي ود. إبراهيم علي حسن وإسماعيل صديق راشد وأحمد شمس الدين خفاجي - المستشارين.

الطعن رقم 727 لسنة 33 القضائية

دعوى - الحكم في الدعوى - ضمانات المحاكمة - تسبيب الأحكام.
من المبادئ الأساسية للنظام العام القضائي ضرورة صدور الأحكام القضائية مسببة على نحو يرتبط معه منطوق الحكم بالأسباب المحددة الواضحة التي تحمل هذا المنطوق وتبرره من حيث الواقع والقانون بحيث يتمكن أطراف الخصومة من معرفة السند الواقعي والأساس القانوني الذي أقام عليه القاضي حكمه وفصله في النزاع على الوجه الذي ورد بمنطوق حكمه وبالتالي يكون لكل منهم مباشرة حقه في الطعن في الحكم وإبداء دفاعه بشأن ما أورده من منطوق وما قام عليه من أسباب أمام محكمة الطعن على نحو يمكن المحكمة من مباشرة ولايتها القضائية في مراجعة الأحكام المطعون فيها أمامها ووزنها بميزان القانون والحق والعدل بما هو ثابت فيها من منطوق وأسباب محددة وواضحة - يقصد بالتسبيب أن يحدد الحكم الوقائع ومواد القانون ووجهة الرأي الذي تنتبه المحكمة بوضوح كاف يؤدي إلى منطوق الحكم منطقاً وعقلاً - لا يكفي في هذا الشأن لاعتبار الحكم مسبباً ترديد نصوص القانون أو سرد الوقائع دون تحديد واضح وقاطع لما اعتمدته المحكمة وأقرته من حادثات الواقع وتحصيل فهم نصوص القانون الذي بنت عليه المنطوق - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 26 من يناير سنة 1987 أودع الأستاذ/ سالم السيد داود المستشار المساعد بهيئة قضايا الدولة نائباً عن السيد/ رئيس هيئة النيابة الإدارية قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 727 لسنة 33 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بوزارة الصحة والإسكان بجلسة 30 من نوفمبر سنة 1986 في الدعوى التأديبية رقم 189 لسنة 28 القضائية والمقامة من الطاعن ضد السيد...... والقاضي بعدم قبول الدعوى التأديبية قبل.........
وقد طلب الطاعن - للأسباب الواردة في تقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بتوقيع الجزاء المناسب على المطعون ضده طبقاً لتقرير الاتهام واحتياطياً إعادة الدعوى للمحكمة التأديبية لتفصل في الموضوع مجدداً من هيئة أخرى.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها القانوني ارتأت فيه للأسباب المبينة به - الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً -
وقد حدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 11/ 1/ 1986، وبجلسة 22/ 2/ 1989 قررت تلك الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة والذي نظرته بجلسة 8/ 4/ 1989 وقررت إصدار الحكم بجلسة 12/ 5/ 1989 مع التصريح بمذكرات ومستندات خلال ثلاثة أسابيع، وبهذه الجلسة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم (17/ 6/ 1989) لإتمام المداولة، حيث صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة، والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 15/ 5/ 1986 أقامت هيئة النيابة الإدارية الدعوى التأديبية ضد السيد/........ بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية لوزارة الصحة والإسكان مشتملة على تقرير اتهام ومذكرة التحقيق في القضية رقم 57 لسنة 1986 (جنحة) وملف التحقيق الخاص بالقضية المذكورة والذي نسب فيه إلى المحال المذكور أنه اعتباراً من 2/ 10/ 1983 إلى 2/ 3/ 1986 بمستشفى المطرية التعليمي خرج على مقتضى الواجب الوظيفي وخالف أحكام الإجازات بأن انقطع عن العمل بدون إذن وفي غير الحالات المصرح بها قانوناً بالرغم من تكليفه بالقرار الصادر في هذا الشأن على النحو الموضح بالأوراق.
وارتأت النيابة الإدارية أن المذكور قد ارتكب المخالفات الإدارية المنصوص عليها في المواد 62، 74، 78، من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 والمعدل بالقانون رقم 115 لسنة 1983 والمادتين 4، 6 من القانون رقم 29 لسنة 1974 بشأن تكليف الأطباء والصيادلة وهيئات التمريض.
وطالبت النيابة الإدارية محاكمة المذكور طبقاً للمواد سالفة الذكر بالمواد 80، 82، من القانون 47 لسنة 1978 المشار إليه والمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية المعدل بالقانون رقم 171 لسنة 1981، والمادة الأولى من القانون رقم 19 لسنة 1959 بشأن سريان أحكام قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على موظفي المؤسسات والهيئات العامة المعدل بالقانون رقم 172 لسنة 1981، وبالمادتين 15، 19 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة.
وبجلسة 30/ 11/ 1986 حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى التأديبية قبل المطعون ضده........
وأقامت المحكمة قضائها على أن الثابت من أوراق الدعوى صدور القرار رقم، 35 لسنة 1983 بتكليف المحال للعمل أخصائي التأهيل الطبي بالهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية لمدة سنتين اعتباراً من 1/ 10/ 1981 وقد تسلم المذكور عمله في 28/ 2/ 1982 واستدعى للتجنيد في 2/ 7/ 1982 وظل حتى 1/ 10/ 1983 تاريخ تسريحه من خدمة القوات المسلحة إلا أنه لم يعد إلى عمله بعد تسريحه رغم إنذاره لاستلام العمل ورأت المحكمة أنه لما كانت مدة التكليف سنتين يجوز تجديدها لمدة أخرى مماثلة طبقاً لأحكام القانون رقم (29) لسنة 1974 وكان الثابت أن المخالف كلف اعتباراً من 1/ 10/ 1981 وبالتالي تكون مدة التكليف وكذا افتراض تجديده لمدة أخرى مماثلة قد انقضت، ومن ثم تكون خدمته قد انتهت بقوة القانون بانتهاء مدة تكليفه وعدم رغبته في الاستمرار في العمل - وهو ما انتهت معه المحكمة إلى إصدار حكمها المطعون فيه.
ومن حيث إن مبنى الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله، ذلك لأن القانون 29 لسنة 1974 بشأن تكليف الأطباء والصيادلة ينص في المادة (6) بأن المكلف يقوم بأعمال وظيفته ما بقى التكليف وفي جميع الأحوال يصدر قرار إلغاء التكليف أو إنهاء الخدمة أثناءه من وزير الصحة، وأن الأوراق قد جاءت خالية مما يفيد إصدار قرار بإنهاء الخدمة أو إلغاء التكليف مما تكون معه مدة تكليف المطعون ضده سارية، فضلاً عن أن مدة التكليف يتم حسابها من خلال مدة التكليف الفعلية والتي بدأت في 28/ 2/ 1982 وليس من بدء سريانها اعتباراً من 1/ 10/ 1981، وإذ لم يعد المطعون ضده بعد تسريحه من القوات المسلحة في 1/ 10/ 1983 رغم إنذاره ومن ثم فإنه كان يتعين إنزال العقوبة اللازمة عليه لانقطاعه عن العمل بدون إذن.
ومن حيث إن ظروف ووقائع الدعوى التأديبية تتحصل في صدور قرار بتكليف المطعون ضده برقم 35 لسنة 1982 في 12 يناير سنة 1982 للعمل كأخصائي للتأهيل الطبي بالدرجة الثالثة بمجموعة الوظائف التخصصية بالهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية لمدة سنتين اعتباراً من 1/ 10/ 1981، واستلامه العمل في 28/ 2/ 1982، ثم استدعائه للتجنيد في 2/ 7/ 1982 وقد استمر المطعون ضده في أداء واجب التجنيد حتى تم تسريحه في 1/ 10/ 1983 حيث لم يعد لعمله كما تقول الجهة الإدارية رغم إنذاره باستلام عمله.
ومن حيث إن التكليف لا يختلف في طبيعته عن طبيعة علاقة الوظيفة العامة التي تربط المكلف بالجهة المكلف بها، سوى إجبار المكلف على شغل أداء أعمال وظيفة معينة لمدة محددة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى عدم قبول الدعوى التأديبية قبل المحال للمحاكمة التأديبية، ولما كانت صور عدم قبول الدعوى محددة بالقانون، وتدور حول حق التقاضي كما في حالة فقد الصفة أو المصلحة في الدعوى، أو إقامة الدعوى حال سقوطها بمضي المدة أو لسبق الفصل في موضوع الدعوى.
ومن حيث إن الحكم الطعين لم يوضح الأساس الذي استند إليه لقضائه بعدم قبول الدعوى التأديبية حال كون المحال مكلفاً وفقاً لأحكام القانون رقم 29 لسنة 1974 بشأن تكليف الأطباء والصيادلة وهيئات التمريض، بصفة فعلية طبقاً للقانون الخاص بالتكليف.
ومن حيث إن من المبادئ العامة الأساسية للنظام العام القضائي ضرورة صدور الأحكام القضائية مسببة على نحو يرتبط معه منطوق الحكم بالأسباب المحددة الواضحة التي تحمل هذا المنطوق وتبرره من حيث الواقع والقانون بحيث يتمكن أطراف الخصومة من معرفة السند الواقعي والأساس القانوني الذي أقام عليه القاضي حكمه وفصله في النزاع على الوجه الذي أورده بمنطوق حكمه وبالتالي يكون لكل منهم مباشرة حقه في الطعن في الحكم وإبداء دفاعه بشأن ما أورده من منطوق وما قام عليه من أسباب أمام محكمة الطعن على نحو تتمكن معه محاكم الطعن من مباشرة ولايتها القضائية من مراجعة الأحكام المطعون فيها أمامها.... ووزنها بميزان القانون والحق والعدل بما هو ثابت فيها من منطوق وأسباب محددة وواضحة وهذا المبدأ الأساسي الحاكم للنظام العام القضائي هو الذي قضى بأن تنص المادة (43) من القرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة على أن أحكام المحاكم التأديبية يجب أن تكون مسببة والمقصود بالتسبيب أن يحدد الحكم الوقائع ومواد القانون ووجه الرأي الذي تبينه المحكمة بوضوح كافي يؤدي إلى منطوق الحكم منطقاً وعقلاً ولا يكف في هذا الشأن لاعتبار الحكم مسبباً ترديد نصوص القانون أو سرد الوقائع دون تحديد واضح وقاطع لما اعتمدته المحكمة وأقرته من حادثات الواقع وتحصيل فهم نصوص القانون الذي بنت عليه المنطوق.
ومن حيث إنه لا يبين من أسباب الحكم سالف الذكر بالتحديد وجه الرأي الذي تبنيه المحكمة وجعلته أساساً لقضائها بعدم قبول الدعوى التأديبية قبل المطعون ضده مما يصم الحكم المطعون فيه بالقصور الشديد في التسبيب، كما يعيبه عدم قيام أي ارتباط بين أسبابه ومنطوقه مما يجعله مشوباً بالبطلان الذي يتعين معه لمن تقضي المحكمة بإلغاء هذا الحكم والأمر بإعادة الدعوى التأديبية إلى المحكمة التي أصدرته لإعادة نظرها والفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه لبطلانه وأمرت بإعادة الدعوى التأديبية إلى المحكمة التأديبية لوزارة الصحة للفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى.