مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والثلاثون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1989 إلى آخر سبتمبر سنة 1989) - صـ 1250

(183)
جلسة 1 من يوليه سنة 1989

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد أنور محفوظ - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة عبد الفتاح السيد بسيوني ومحمد المهدي مليجي وصلاح عبد الفتاح سلامة وسعد الله محمد حنتيره - المستشارين.

الطعنان رقما 1316 و1905 لسنة 34 القضائية

( أ ) هيئة قضايا الدولة - اختصاصها.
القانون رقم 10 لسنة 1986 في شأن تعديل القانون رقم 75 لسنة 1963 في شأن تنظيم إدارة قضايا الحكومة - (الإدارات القانونية بالمؤسسات والهيئات العامة).
نيابة هيئة قضايا الدولة عن الدولة بكافة شخصياتها الاعتبارية العامة فيما يرفع منها أو عليها من قضايا تمتد لتشمل جميع الأشخاص الاعتبارية العامة في الدولة وهو ما يمتد ليشمل الجامعات - لا تعارض بين هذا الاختصاص والاختصاص المعقود للإدارات القانونية المنشأة بالهيئات العامة بموجب القانون رقم 47 لسنة 1973 - تطبيق.
(ب) جامعات - طلبة الجامعة - المركز القانوني للطالبة المنتسبة. (طالب)
انتساب الطالبة لا ينفي حاجتها إلى دخول الكلية في أي وقت ومن ثم تتوافر لها مصلحة شخصية قائمة في الطعن على قرار حظر ارتداء النقاب.
(جـ) دستور - حريات عامة - الحرية الشخصية وحرية العقيدة - حق المرأة في ارتداء النقاب.
إن إسدال المرأة النقاب أو الخمار على وجهها إخفاء له عن الأعين إن لم يكن واجباً شرعاً في رأي فإنه كذلك في رأي آخر وهو في جميع الأحوال غير محظور شرعاً والدعوة الإصلاحية إن لم تذك النقاب فإن ظروفاً خاصة قد تدعو إليه صدوداً عن الفتنة فضلاً عن أن القانون لا يحرمه والعرف لا ينكره - مؤدى ذلك: أن يظل النقاب طليقاً في غمار الحرية الشخصية ومحرراً في كنف حرية العقيدة فلا يجوز حظره بصفة مطلقة أو منعه بصورة كلية عن المرأة ولو في جهة معينة أو مكان محدد مما يحق لها ارتياده - الحظر المطلق أو المنع الكلي يمس الحرية الشخصية في ارتداء الملابس وتقييد لحرية العقيدة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 24 من مارس سنة 1988، أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن السادة: 1 - وزير التربية والتعليم العالي. 2 - رئيس جامعة عين شمس 3 - عميد كلية الآداب جامعة عين شمس بصفاتهم، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1316 لسنة 34 القضائية، ضد الطالبة.......، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 15 من مارس سنة 1988 في الدعوى رقم 1427 لسنة 42 القضائية المقامة من الطاعنة على المطعون ضدهم بصفاتهم، والقاضي أولاً برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة وثانياً بقبول الدعوى شكلاً وفي الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار الصادر بمنعها من دخول الجامعة وهي مرتدية النقاب مع إلزام جامعة عين شمس بمصروفات هذا الطلب المستعجل. وطلب الطاعنون للأسباب المبينة في تقرير الطعن الأمر بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه والقضاء بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء هذا الحكم وأصلياً بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرط المصلحة واحتياطياً برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام المطعون ضدها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وفي يوم الأربعاء الموافق 11 من مايو سنة 1988 أودع الأستاذ....... المحامي بوصفه وكيلاً عن السيد رئيس جامعة عين شمس بصفته، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1905 لسنة 34 القضائية، ضد الطالبة.... في ذات الحكم. وطلب الطاعن للأسباب المبينة في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه مع إلزام المطعون ضدها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وأعلن تقرير كل من الطعنين على النحو المبين بالأوراق. وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه أولاً ضم الطعن رقم 1905 لسنة 34 القضائية إلى الطعن رقم 1316 لسنة 34 القضائية ليصدر فيهما حكم واحد، وثانياً عدم قبول الطعن رقم 1316 لسنة 34 القضائية المقام من هيئة قضايا الدولة لانتفاء صفتها، وثالثاً بقبول الطعنين شكلاً وبرفضهما موضوعاً مع إلزام الطاعنين بالمصروفات.
وعين لنظر الطعن رقم 1316 لسنة 34 القضائية جلسة 4 من يونيه سنة 1988 أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة، وقررت الدائرة في جلسة 16 من يناير سنة 1989 ضم الطعن الثاني رقم 1905 لسنة 34 القضائية إلى الطعن الأول رقم 1316 لسنة 34 القضائية ليصدر فيهما حكم واحد نظراً لارتباطهما، وجرى تداول الطعنين بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر حتى قررت الدائرة في جلسة 3 من إبريل سنة 1989 إحالتهما إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والتعويضات) وحددت لنظرهما جلسة 20 من مايو سنة 1989، وتم تداولهما أمام المحكمة حتى قررت إصدار الحكم فيهما بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أن السيد نائب رئيس جامعة عين شمس لشئون التعليم والطلاب أعد مذكرة مؤرخة 27 من أغسطس سنة 1987 باقتراح تنظيمات خاصة بالطلاب وبالدراسة وبالدخول إلى الحرم الجامعي، تضمنت في البند ثانياً/ 3 حظر دخول الطالبات إلى حرم الجامعة وكلياتها بالنقاب، وأشر عليها السيد رئيس جامعة عين شمس في 9 من سبتمبر سنة 1987 بالموافقة وعرضها على مجلس الجامعة ضمن التنظيمات اللازمة للاستعداد لبدء الدراسة ووضع النظم التي تكفل الدراسة واستقرارها - وهو ما تم حسب الوارد في محضر الجلسة التي عقدها مجلس جامعة عين شمس في 8 من سبتمبر سنة 1987. وإذ نفذ ذلك في كلية الآداب جامعة عين شمس، أقامت المطعون ضدها بوصفها طالبة في الفرقة الرابعة بهذه الكلية، الدعوى رقم 1427 لسنة 42 القضائية في 17 من ديسمبر سنة 1987 أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة ضد السادة: 1 - وزير التربية والتعليم العالي 2 - رئيس جامعة عين شمس 3 - عميد كلية الآداب جامعة عين شمس بصفاتهم، طالبة الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الصادر بمنعها من دخول الجامعة بالنقاب وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المطعون ضدهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة استناداً إلى أنه قرار معيب لأنه تعارض مع ما كفله الدستور من حرية شخصية وصدر من غير مختص بإلزام الطالبات بزي معين وحظر النقاب الذي لم يحرم شرعاً وجاء غير مكتوب وغير مسبب وبمثابة جزاء دون تحقيق ومشوباً بالانحراف رغم إبدائها الاستعداد للكشف عن شخصيتها بإظهار وجهها لرجال الأمن. وطلبت جامعة عين شمس أصلياً الحكم بعدم قبول الدعوى لانعدام المصلحة، لأن المطعون ضدها طالبة منتسبة ليس لها حق حضور المحاضرات أو (السكاشن) وبالتالي فليست من الطالبات المسموح لهن بدخول الجامعة أو الكلية بنقاب أو بدونه، واحتياطياً الحكم برفض الدعوى لأن الحجاب وليس النقاب هو زي الإسلام وقد تستر البعض بالنقاب في ارتكاب حوادث مؤسفة بالجامعة. وقضت محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) في جلسة 15 من مارس سنة 1988 أولاً:رفض الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة وثانياً بقبول الدعوى شكلاً وفي الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام جامعة عين شمس بمصروفات هذا الطلب، وأقامت قضاءها برفض الدفع بعدم قبول الدعوى على أن قيد المطعون ضدها بكلية الآداب جامعة عين شمس يقتضي بطبيعة الحالة ترددها على الكلية لشراء الكتب والمذكرات والوقوف على مواعيد الامتحانات والحصول على رقم الجلوس فضلاً عن ترددها على إدارة شئون الطلبة للحصول على أية بيانات أو شهادات متعلقة بها كطالبة منتسبة بالإضافة إلى حضور الامتحان في نهاية العام الدراسي، وبذا تدخل في عداد المخاطبات بأحكام القرار المطعون فيه وتعتبر في حالة قانونية خاصة بالنسبة إليه من شأنها أن تجعله مؤثراً تأثيراً مباشراً في مصلحة شخصية لها، ومن ثم تتوافر مصلحتها في الطعن عليه. كما أقامت قضاءها بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه على توافر ركن الجدية لأن الحرية الشخصية مكفولة في الدستور والقانون ومن فروعها الأصلية حق الشخص في ارتداء ما يشاء من ملابس دون تقييد إلا في حدود القوانين واللوائح تحقيقاً للمصلحة العامة، وقد حظر القرار المطعون فيه زياً محدداً بالذات هو النقاب الذي يعد الزي الشرعي الواجب على المرأة المسلمة ارتداؤه في رأي بعض فقهاء المسلمين كما لا يتضمن إخلالاً بالنظام العام أو انتهاكاً لحرمة الآداب العامة، ويمكن للكلية التحقق من شخصية المنقبة بتكليفها عند الشك بالكشف عن وجهها، وهو ما أبدت المطعون ضدها الاستعداد له.
ومن حيث إن الطعن الأول رقم 1316 لسنة 34 القضائية قام على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله أولاً لأنه رفض الدفع بعدم قبول الدعوى رغم انتفاء شرط المصلحة بالنظر إلى أن المطعون ضدها ليست طالبة منتظمة وإنما طالبة منتسبة لا حق لها إلا في حضور الامتحان. وثانياً لأن الحق في ارتداء الملابس ليس حقاً مطلقاً بل يخضع لمقتضيات النظام العام على نحو ما تقدره جهة الإدارة، ولم يورد الحكم المطعون فيه دليلاً شرعياً على وجوب النقاب، كما ترك الأخذ بما جرى عليه جمهور علماء المسلمين من أن الوجه ليس بعورة، فالنقاب ليس واجباً وإنما هو مباح يجوز تقييده، واستعداد المطعون ضدها للكشف عن وجهها قول مرسل منها. وثالثاً لأن ركن الاستعجال غير متوافر لأن المطعون ضدها لا حق لها إلا في الامتحان الذي لم يحل موعده بعد.
ومن حيث إن الطعن الثاني رقم 1905 لسنة 34 القضائية بني على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله أولاً لأن التنظيمات محل القرار المطعون فيه اقترحها السيد نائب رئيس جامعة عين شمس طبقاً للمادة 33 من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات ووافق عليها السيد رئيس الجامعة طبقاً للمادة 26 منه وأقرها مجلس الجامعة طبقاً للمادة 13 منها، وبذا وجب على رئيس الجامعة ونوابه وعمداء الكليات تنفيذها عملاً بالماد 9 من ذات اللائحة دون محل بعدئذ للقول بإساءة استعمال السلطة. وثانياً لأن حظر النقاب لا يدخل في الحالات المحصورة بالمادة 41 من الدستور كما يصدر عن استقلال الجامعات طبقاً للمادة 18 من الدستور بما يخولها من اتخاذ ما تراه لحفظ النظام فيها وهو إجراء وقائي من دخول المشبوهين تحت ستار النقاب إلى الحرم الجامعي. وثالثاً لأن فضيلة المفتي رأى أن وجه المرأة ليس بعورة، كما أن الكشف عن وجه كل منقبة أمر عسير وشاق ومعرقل لسير الدراسة والامتحانات ويخلق مشاحنات بين المنقبات وأعضاء هيئة التدريس وهم لسبيل التعرف على شخصياتهن.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم قبول الطعن الأول رقم 1316 لسنة 34 القضائية المقام من هيئة قضايا الدولة نيابة عن الطاعنين فيه بحجة انتفاء هذه النيابة عنهم، فإنه ولئن كان القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية بالمؤسسات العامة والهيئات العامة والوحدات التابعة لها خول في المادة (1) الإدارة القانونية بالجهة المنشأة فيها اختصاصات معينة من بينها المرافعة ومباشرة الدعاوى والمنازعات أمام المحاكم، وأجاز في المادة (3) لمجلس إدارة الهيئة أو المؤسسة أو الوحدة التابعة لها بناء على اقتراح إدارتها القانونية إحالة بعض الدعاوى والمنازعات التي تكون طرفاً فيها إلى إدارة قضايا الحكومة لمباشرتها، وهو ما اتسق وقتئذٍ مع المادة (6) من القانون رقم 75 لسنة 1963 في شأن تنظيم إدارة قضايا الحكومة التي كانت تقضي بأن تنوب هذه الإدارة عن الحكومة والمصالح العامة والمجالس المحلية فيما يرفع منها أو عليها من قضايا، إلا أن القانون رقم 60 لسنة 1986 في شأن تعديل القانون رقم 75 لسنة 1963 المشار إليه، إذ قضى ضمن المادة (3) بأن تستبدل عبارة (هيئة قضايا الدولة) بعبارة (إدارة قضايا الدولة) أينما وردت، فقد قضى أيضاً ضمن المادة (1) بأن يستبدل بنص المادة (6) نص يقضي بأن تنوب هذه الهيئة عن الدولة بكافة شخصياتها الاعتبارية العامة فيما يرفع منها أو عليها من قضايا لدى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وبذا أسبغ على هيئة قضايا الدولة اختصاصاً عاماً في النيابة عن جميع الأشخاص الاعتبارية العامة في الدولة وهو ما يشمل الجامعات طبقاً للمادة (7) من قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972 التي قضت بأن الجامعات هيئة عامة لكل منها شخصية اعتبارية. وهذا الاختصاص العام لهيئة قضايا الدولة لا يتعارض مع الاختصاص المعقود للإدارة القانونية للمنشأة بالهيئات العامة بموجب القانون رقم 47 لسنة 1973، إذ نصت المادة (2) من مواد إصداره على أنه لا يترتب على تطبيق أحكامه الإخلال باختصاصات الهيئات القضائية على النحو المقرر في قوانينها، وبذا سنت هذه المادة حكماً دائماً يشمل الاختصاصات المقررة للهيئات القضائية وفقاً لقوانينها السارية سواء حالاً أو مستقبلاً، الأمر الذي ينبسط معه هذا الحكم إلى اختصاص هيئة قضايا الدولة بوصفها هيئة قضائية طبقاً للمادة (1) من قانونها في النيابة عن جميع الأشخاص الاعتبارية فيما يرفع منها أو عليها من قضايا لدى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها طبقاً للمادة (6) من قانونها معدلاً بالقانون رقم 10 لسنة 1986، وهو اختصاص يشمل على هذا النحو الدعاوى المبتدأة والطعون في الأحكام أياً كان نوعها مثل الطعون أمام المحكمة الإدارية العليا. وعلى هذا فإنه يتعين قبول الطعن رقم 1316 لسنة 34 القضائية الذي رفعته هيئة قضايا الدولة نيابة عن جامعة عين شمس مما يوجب الالتفات عن الدفع المبدى في هذا الصدد، حتى ولو لم يحدث ما قدمته هيئة قضايا الدولة وأقرت به جامعة عين شمس من تفويض صادر من الثانية إلى الأولى في مباشرة هذا الطعن نيابة عنها. وإذ رفع الطعنان الماثلان خلال الميعاد القانوني واستوفيا أوضاعهما بالنظر إلى ما تقدم، فإنهما يكونان مقبولين شكلاً.
ومن حيث إنه إذا كان الشرط المقرر لقبول الدعوى، سواء طبقاً للمادة (12) من قانون مجلس الدولة أو عملاً بالمادة (3) من قانون المرافعات، أن يكون للمدعى فيها مصلحة شخصية قائمة يقرها القانون، فإنه لا يلزم لتوافر المصلحة الشخصية في دعوى الإلغاء أن يمس القرار المطلوب إلغاؤه حقاً ثابتاً للمدعي وإنما يكفي أن يكون في حالة قانونية خاصة من شأنها أن تجعل هذا القرار مؤثراً تأثيراً مباشراً في مصلحة شخصية له، كما أنه لا يلزم أن تكون المصلحة القائمة مصلحة عاجلة وإنما يكفي أن تكون مصلحة آجلة، وذلك ما دامت المصلحة في الحالين مشروعة لا ينكرها النظام العام أو الآداب، ولئن كانت المطعون ضدها طالبة منتسبة بكلية الآداب جامعة عين شمس وليست طالبة منتظمة بها، إلا أن هذا لا ينفي قيام حاجتها إلى دخول الكلية إن لم يكن في بداية السنة الدراسية لإجراء ما قد يلزم أو لمجرد الاستيثاق من وضعها، وإن لم يعرض ولو على مدار السنة الدراسية لمتابعة شئونها بالكلية، فإنه يحق مآلا في نهاية السنة الدراسية حيث الامتحان سواء استهلالاً بإرهاصاته أو مروراً بأدائه أو ختاماً بنتيجته، فكل ذلك يمثل مصلحة شخصية قائمة لها في دخول الكلية سواء عاجلاً أو آجلاً مما يؤثر تأثيراً مباشراً القرار المطلوب إلغاؤه إذ حظر ارتداء النقاب الذي تضعه المطعون ضدها وتتمسك به صدوراً عن عقيدة لديها على سند من مذهب شرعي يزكيه بما يضفي المشروعية أيضاً على مصلحتها الشخصية القائمة في الدعوى، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه صادف صحيح حكم القانون إذ قضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى اعتراضاً عن الزعم بانتفاء المصلحة فيها.
ومن حيث إنه إذا كان جمهور علماء الإسلام على أن وجه المرأة ليس بعورة فيجوز لها الكشف عنه، فإنهم لم يحظروا عليها ستره إلا في الطواف حول الكعبة المشرفة، كما أن هناك علماء رأوا وجوب حجب المرأة وجهها بصفة عامة. ومفاد هذا أن إسدال المرأة النقاب أو الخمار على وجهها إخفاء له عن الأعين، إن لم يكن واجباً شرعاً في رأي، فإنه كذلك في رأي آخر، وهو في جميع الأحوال غير محظور شرعاً. بالإضافة إلى أن الدعوى الإصلاحية إن لم تزك النقاب عامة صدوداً عن الفتنة، فإن ظروفاً خاصة قد تدعو إليه صدوداً عن الفتنة، فضلاً عن أن القانون لا يحرمه والعرف لا ينكره. وبذا يظل النقاب طليقاً في غمار الحرية الشخصية ومحرراً في كنف الحرية العقيدية فلا يجوز حظره بصفة مطلقة أو منعه بصورة كلية على المرأة ولو في جهة معينة أو مكان محدد مما يحق لها ارتياده، لما يمثله الحظر المطلق أو المنع الكلي يمس الحرية الشخصية في ارتداء الملابس ومن تقييد للحرية العقيدية ولو إقبالاً على مذهب ذي عزيمة أو إعراضاً عن آخر ذي رخصة دون تنافر مع قانون أو اصطدام بعرف، بل تعريفاً وافياً لصاحبته ومظهراً مغرياً بالحشمة ورمزاً داعياً للخلق القويم عامة، فلا جناح على امرأة أخذت نفسها بمذهب شدد بالنقاب ولم تركن إلى آخر خفف بالحجاب أياً كان الرأي في حق المشرع الوصفي للدستور في الانتصار لمذهب شرعي على آخر في مسألة أدخل في العبادات أسوة بحقه هذا في نطاق المعاملات رفعاً للخلاف فيها وتوحيداً للتطبيق بشأنها فهذا الحق لا يثبت لغير السلطة التشريعية ولو كان من القائمين على المسئولية في غيرها مثل مجلس الجامعة أو رئيسها أو عميد الكلية، فلا يجوز لأيهم فرض ذلك الحظر المطلق والمنع التام للنقاب في الجامعة أو الكلية، وإن كان له كراع مسئول عن تصريف أمور الجامعة أو الكلية أن يواجه بالقدر اللازم ما ينشأ عرضاً من ضرورة تقتضي التحقق من شخصية المرأة في مواطن معينة سداً لذريعة أو لأخرى، وهو ما قصدت إليه الفتاوى الشرعية الصادرة في هذا الشأن، كما في حالة دخول الجامعة أو الكلية تحوطاً للعناصر الدخيلة أو حالة أداء الامتحانات توقياً للانتحال، فهذه الضرورة تقدر بقدرها وتشفع فحسب فيما يلزم لمواجهتها بالقدر اللازم لسد الذرائع فيها، مثل تكليف المرأة المنقبة بالكشف عن وجهها عند اللزوم أو رصد مختص ولو من بنات جنسها للتحقق منها حيث لا حجة لها في الامتناع ولا محيص لها عن الامتثال ولا مشقة على الكلية في التطبيق ولا عرقلة لدراسة أو لامتحان ولا مدعاة لمشاحنة أو لجدال إزاء حفاظ في الأصل على حرية ثابتة في ارتداء النقاب وسد مقدور للذرائع في مواطنها دون تجاوز إلى حظر مطلق أو منع تام على نحو ما سنه القرار المطعون فيه، ومن ثم فإنه يكون حسب الظاهر قراراً مشوباً بعيب مخالفة القانون مما يوفر ركن الجدية اللازم لوقف التنفيذ، فضلاً عن توافر ركن الاستعجال متمثلاً فيما وضعه من عقبة أمام ارتياد الكلية حالاً أو مآلا على التفصيل المتقدم، وبالتالي فإن الحكم المطعون فيه يكون قد صادف صحيح القانون أيضاً إذ قضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، ولا ينال من قضائه هذا عدم سرده الأسانيد الشرعية التي قام عليها رأي العلماء القائلين بوجوب النقاب شرعاً لأنه لم يبلغ القطع بهذا الرأي أو ترجيحه على رأي الجمهور حتى يكون في حالة إلى دعمه بأدلته تفصيلاً، وإنما قصد إلى مجرد إعلان وجوده في حد ذاته كمذهب أخذت به المنقبات مما لا محل معه لجبرهن على الالتفات عنه ولو إلى مذهب آخر ميسر بالحجاب، وهذا عين ما نهجته المحكمة في إشارتها إلى مجمل الرأيين وما ألمحت إليه الفتاوى الشرعية الصادرة في ذات الشأن، حيث لا حرية في أن النقاب ليس بمحظور أصلاً وإن جاز الحجاب بدلاً منه وإن وجب أيضاً رفعه استثناء بالقدر اللازم لسد الذرائع دون تجاوز لها ودون منع تام ولو في جهة معينة أو مكان محدد مما يحق لصاحبة الشأن ارتياده، وعلى هذا يكون الطعن على هذا الحكم جديراً بالرفض موضوعاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وبرفضهما موضوعاً وألزمت جامعة عين شمس بالمصروفات.