أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثالث - السنة 44 - صـ 28

جلسة 21 من أكتوبر سنة 1993

برئاسة السيد المستشار/ محمد رأفت خفاجي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد محمد طيطه، محمد بدر الدين المتناوي، فتيحة قره ومحمد الجابري نواب رئيس المحكمة.

(295)
الطعن رقم 3159 لسنة 58 القضائية

(1) حكم "حجية الحكم الجنائي" قوة الأمر المقضي.
حجية الحكم الجنائي أمام المحكمة المدنية. نطاقها. المادتان 456 أ. ج، 102 إثبات.
(2) حكم "حجية الحكم الجنائي"، قوة الأمر المقضي. حيازة، دعوى "دعوى الحيازة".
عدم تقيد القاضي المدني بحجية الحكم الجنائي الصادر في جريمة الحيازة المنصوص عليها في المادتين 369، 370 عقوبات، أثناء فصله في دعوى الحيازة القانونية المنصوص عليها في القانون المدني. علة ذلك.
1- مفاد نص المادتين 456 من قانون الإجراءات الجنائية و102 من قانون الإثبات - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - أن الحكم الجنائي تكون له حجيته في الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية كلما كان قد فصل فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله فإذا فصت المحكمة الجنائية في هذه الأمور فإنه يمتنع على المحاكم المدنية أن تعيد بحثها ويتعين عليها أن تعتبرها وتلتزمها في بحث الحقوق المدنية المتصلة بها لكي لا يكون حكمها مخالفاً للحكم الجنائي السابق له.
2- لما كان قانون العقوبات إذ نص في المادتين 369، 370 منه على معاقبة كل من دخل عقار في حيازة آخر بقصد منع حيازته بالقوة أو بقصد ارتكاب جريمة فيه إنما قصد أن يحمي حائز العقار من اعتداء الغير على هذه الحيازة، وكان الركن المادي لهذه الجريمة وهو "الدخول" يتم بكل فعل يعتبر تعرضاً مادياً للغير في حيازته للعقار حيازة فعلية بنية الافتئات عليها بالقوة سواء أكانت هذه الحيازة شرعية مستندة إلى سند صحيح أو لم تكن وسواء أكان الحائز مالكاً أو غير ذلك تقريراً من الشارع أن التعرض المادي إذا وقع لحائز العقار دون الالتجاء إلى الجهات القضائية المختصة ولو استناداً إلى حق مقرر يعتبر من الجاني إقامة العدل بنفسه مما يؤدي إلى الإخلال بالنظام العام، فإنه وعلى ما سلف لا يكون لازما للمحكمة الجنائية للحكم في الجريمة المنصوص عليها في المادتين 369، 370 من قانون العقوبات التعرض لبحث مدى توافر الشروط القانونية للحيازة المنصوص عليها في هذا القانون المدني والتي حماها المشرع بدعاوى الحيازة المنصوص عليها في هذا القانون والتي يجوز للمستأجر رفعها باسمه على كل من يتعرض له من الغير في حيازته للعين المؤجرة والانتفاع بها وإذا تناول الحكم الجنائي أمر الحيازة المنصوص عليها في القانون المدني وشروطها الغير لازمة للفصل في الجريمة فإن ذلك يعد منه تزيداً لا يلزم القاضي المدني وإذ كان الحكم المطعون فيه عند بحثه لشروط دعوى استرداد الحيازة المقامة من المطعون ضده الأول قد التزم هذا النظر ولم يعتد بحجية الحكم الجنائي الصادر ضد الأخير في الجريمة المنصوص عليها في المادتين 369 و 370 من قانون العقوبات في شقيه الجنائي والمدني فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - في أن المطعون ضده الأول أقام على الطاعنة والمطعون ضدها الثانية عن نفسها وبصفتها الدعوى رقم 15802 سنة 1986 مدني شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بصفة مستعجلة بعدم الاعتداد بقرار قاضي الحيازة الصادر بتاريخ 19/ 7/ 1989 في المحضر رقم 919 سنة 1986 إداري قسم الظاهر وتنفيذه الحاصل في 27/ 7/ 1986 والحكم الصادر في الشق المدني في الجنحة رقم 1979 لسنة 1986 قسم الظاهر بتاريخ 25/ 10/ 1986 بتمكين الطاعنة من الشقة المبينة بالصحيفة وبطلانهما وباسترداد حيازته لهذه الشقة وقال في بيانها. إنه أقام بالشقة المشار إليها منذ صغره مع جدته لأمة المستأجرة الأصلية لها واستمرت إقامته حتى كبر تزوج بالشقة ولما توفيت الجدة بتاريخ 14/ 11/ 1985 حرر له مالك العقار عقد إيجار عن تلك الشقة إلا أن الطاعنة والمطعون ضدها الثانية ادعيتا الإقامة بها معه وأنه قام بتقديم شكوى وتحرر عن ذلك محضر الشرطة سالف البيان الذي أصدرت النيابة فيه قرارها بتمكينهما وتأيد بقرار قاضي الحيازة وبالحكم في الشق المدني من الجنحة التي حررت ضده عن هذه الواقعة وإذ كانت قرارات التمكين الصادر ضده في المحضر الإداري ومحضر الجنحة باطله ومخالفة للواقع والقانون إذ يستمر عقد إيجار الشقة محل النزاع لصالحه وحده عقب وفاة جدته لأمة المستأجرة الأصلية لها فقد أقام الدعوى، حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بالشق المستعجل وبرد حيازة المطعون ضده الأول للشقة محل النزاع، استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 4112 سنة 104 ق القاهرة. أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق وبعد سماع الشهود قضت بتاريخ 22/ 6/ 1988 بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب تنعى الطاعنة بالسببين الأول والثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وفي بيان ذلك تقول إن الحكم الصادر في الجنحة رقم 1979 سنة 1986 قسم الظاهر قضى بمعاقبة المطعون ضده الأول بالغرامة عن تهمة منعه لحيازتها للشقة محل النزاع بالقوة وقضى أيضاً بتمكينها من الشقة بأكملها وبتعويضها عن انتهاك حيازتها وقد تأيد هذا الحكم استئنافياً وجاءت أسباب الحكم الجنائي المرتبطة بالمنطوق قاطعة في أنها الحائزة للشقة محل النزاع وأن المطعون ضده الأول قد اغتصب حيازتها بالقوة وإذ كان الحكم المطعون فيه قد قضى برد حيازة المطعون ضده الأول للشقة محل النزاع على ما أورده بأسبابه من أنه هو الحائز لها وأن حيازته قد انتهكت بتنفيذ قرار قاضي الحيازة فإنه يكون قد خالف حجية الحكم الجنائي السابق مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد ذلك أنه لما كانت المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أن "يكون للحكم الجنائي الصادر من المحكمة الحنائية في موضوع الدعوى الجنائية بالبراءة أو بالإدانة قوة الشيء المحكوم به أمام المحاكم المدنية في الدعاوى التي لم يكن قد فصل فيها نهائياً فيما يتعلق بوقوع الجريمة وبوصفها القانوني ونسبتها إلى فاعلها ويكون للحكم بالبراءة هذه القوة سواء بنى على انتفاء التهمة أو على عدم كفاية الأدلة وكانت المادة 102 من قانون الإثبات تنص على أن "لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً، فإن مفاد ذلك - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الحكم الجنائي تكون له حجيته في الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية كلما كان قد فصل فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله فإذا فصلت المحكمة الجنائية في هذه الأمور فإنه يمتنع على المحاكم المدنية أن تعيد بحثها ويتعين عليها أن تعتبرها وتلتزمها في بحث الحقوق المدنية المتصلة بها لكي لا يكون حكمها مخالفاً للحكم الجنائي السابق له. لما كان ذلك وكان قانون العقوبات إذ نص في المادتين 369، 370 منه على معاقبة كل من دخل عقار في حيازة آخر بقصد منع حيازته بالقوة أو بقصد ارتكاب جريمة فيه إنما قصد أن يحمي حائز العقار من اعتداء الغير على هذه الحيازة وكان الركن المادي لهذه الجريمة وهو (الدخول) يتم بكل فعل يعتبر تعرضاً مادياً للغير في حيازته للعقار حيازة فعلية بنية الافتئات عليها بالقوة سواء أكانت هذه الحيازة شرعية مستندة إلى سند صحيح أو لم تكن وسواء أكان الحائز مالكاً أو غير ذلك تقريراً من الشارع أن التعرض المادي إذا وقع لحائز العقار دون الالتجاء إلى الجهات القضائية المختصة ولو استناداً إلى حق مقرر يعتبر من الجاني إقامة العدل بنفسه مما يؤدي إلى الإخلال بالنظام العام، فإنه وعلى ما سلف لا يكون لازماً للمحكمة الجنائية للحكم في الجريمة المنصوص عليها في المادتين 369، 370 من قانون العقوبات التعرض لبحث مدى توافر الشروط القانونية للحيازة المنصوص عليها في القانون المدني والتي حماها المشرع بدعاوى الحيازة المنصوص عليها في هذا القانون والتي يجوز للمستأجر رفعها باسمه على كل من يتعرض له من الغير في حيازته للعين المؤجرة والانتفاع بها وإذا تناول الحكم الجنائي أمر الحيازة المنصوص عليها في القانون المدني وشروطها الغير لازمة للفصل في الجريمة فإن ذلك يعد منه تزيداً لا يلزم القاضي المدني وإذ كان الحكم المطعون فيه عند بحثه لشروط دعوى استرداد الحيازة المقامة من المطعون ضده الأول قد التزم هذا النظر ولم يعتد بحجية الحكم الجنائي الصادر ضد الأخير في الجريمة المنصوص عليها في المادتين 369، 370 من قانون العقوبات في شقيه الجنائي والمدني فإنه لا يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ويضحى النعي برمته على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعي بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك تقول أنها تمسكت في دفاعها بزوال حيازة المطعون ضده الأول للشقة محل النزاع منذ زواجه واتخاذه مسكناً آخر منزلاً للزوجية وإنه استولى على الشقة محل النزاع بعد أن حصل من مالكها على عقد إيجار باسمه إلا أن الحكم لم يتناول هذا الدفاع الجوهري مما يعيبه بالقصور ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أنه متى كان الثابت أن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على ما ثبت من أقوال شاهدي المطعون ضده الأول وسائر مستندات الدعوى أن الأخير أقام مع جدته لأمة بالشقة محل النزاع منذ أن كان صبياً وتولت رعايته وتربيته إلى أن كبر وتزوج بالشقة وأنجب أولاده فيها وبعد وفاة جدته قام المالك بتغيير عقد الإيجار باسمه بينما كانت الطاعنة تقيم بحجرة أخرى مستقلة تنازل لها عنها خالها بمنقولاتها وكان ما أورده الحكم سائغاً وله أصله الثابت بالأوراق وفيه الرد الضمني على ما تمسكت به الطاعنة من دفاع فإن الحكم بهذه المثابة لا يكون مشوباً بالقصور ولا يعدو النعي إلا أن يكون جدلاً في سلطة محكمة الموضوع في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة المطروحة فيها وهو غير جائز إثارته أمام هذه المحكمة. ولما سلف يتعين رفض الطعن.