مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 409

(52)
جلسة 22 من فبراير سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عادل عزيز زخاري، وعضوية السادة الأساتذة محمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي ومحمد صلاح الدين السعيد وعلي لبيب حسن - المستشارين.

القضيتان رقما 1479 لسنة 10 القضائية و61 لسنة 11 القضائية

( أ ) - موظف "تأديب". قرار إداري، ركن الاختصاص. إدارة محلية.
السلطة التأديبية للمحافظ على موظفي فروع الوزارات في نطاق المحافظة - لم تحجب سلطة الوزير في هذا الشأن. [(1)]
(ب) - اختصاص "اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري" يخرج عنه قرارات نقل الموظفين ما دامت لا تحمل في طياتها قراراً مقنعاً مما يختص به القضاء الإداري - المعول عليه هو القرار الحقيقي لا الظاهري.
1 - وإن كان قانون الإدارة المحلية قد خول المحافظين اختصاص توقيع الجزاءات التأديبية على جميع موظفي فروع الوزارات سواء تلك التي نقلت اختصاصاتها إلى مجلس المحافظة أو التي لم تنقل، غير أنه لم ينص على إسقاط ولاية التأديب عن الوزير، ويؤيد ذلك أن المادة 93 من القانون رقم 151 لسنة 1961 تنص على أنه إذا أسفر تفتيش الوزارة عن وقوع خطأ أو إهمال جسيم في أعمال المجلس المتعلقة بمرفق معين فللوزير أن يكلف المجلس بتصحيح الخطأ أو بمعالجة الإهمال وله أن يعاقب موظف المرفق المتسبب في هذا الخطأ أو الإهمال، ومن ثم يكون القرار قد صدر ممن يملك إصداره.
2 - إن قرارات نقل الموظفين والمستخدمين ليست من القرارات التي تدخل في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري طبقاً لنص المادة 8 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة، ما دامت لا تحمل في طياتها قرارات أخرى مقنعة مما يختص بها القضاء الإداري كالنقل إلى وظيفة تختلف عن الوظيفة الأولى في طبيعتها أو في شروط التعيين فيها أو كجزاء تأديبي، إذ المعول عليه عندئذ هو القرار الحقيقي لا الظاهري.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث أن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية إذ أودعت إدارة قضايا الحكومة طعنها سكرتيرية هذه المحكمة خلال الستين يوماً التالية لصدور الحكم المطعون فيه، كما تقدم المدعى بطلب لإعفائه من رسوم الطعن في خلال الميعاد ولما تقرر رفض طلبه بتاريخ 7 من سبتمبر سنة 1964 أقام طعنه بإيداع تقرير الطعن في خلال الستين يوماً التالية ومن ثم فإن الطعنين مقبولان شكلاً.
ومن حيث إن وقائع المنازعة تتحصل، حسبما يبين من أوراق الطعن، في أن المدعي أقام الدعوى رقم 1321 لسنة 16 القضائية ضد وزير الصحة بعريضة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في يوم 26 من سبتمبر سنة 1961 طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من ويزر الصحة والقاضي بمجازاته بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه، ونقله من طبيب بندر كفر الشيخ إلى طبيب للجذام، وقال المدعى شرحاً لدعواه أن القرار المطعون فيه بني على أنه قام بعلاج بعض المرضى بالتيفوس في منازلهم الأمر الذي من شأنه أن يساعد على انتشار المرض ويجعل الجهود التي تبذلها وزارة الصحة في مكافحة المرض غير مجدية، وقد استند هذا الاتهام على الزعم بأنه عالج بتاريخ 11 من مارس سنة 1962 مريضاً من أهالي بلدة سيدي غازي يدعى مصطفى الطحاوي الشناوي وحرر له تذكرة طبية تضمنت ثلاث حقن أكرومايسين وعلبة كيمستين وعلبة أقراص سبرونال وزجاجة شراب بنيلين، وبالرغم من أن ذلك المريض كان مصاباً بالتيفوس، فقد باشر المدعي علاجه بمنزله ولم يقم بعزله كما توجب ذلك تعليمات الوزارة، وقد ترتب على ذلك أن انتقل المرض إلى شقيقه الخفير النظامي السيد الطحاوي الشناوي وزوجته وأولاده الثلاثة. وقال المدعي أن وجه الخطأ في هذا الإسناد أن التذكرة الطبية التي وجدت بخطه لا تحمل اسم المريض الذي صرفت له، وقد نفى المدعي أنه عالج ذلك الشخص وطلب من المحقق مواجهته به فلم يجبه إلى طلبه، ويبدو أن ذلك الشخص كذب في التحقيق ما أثبت على لسانه من أنه عولج بمعرفته، ويضاف إلى ذلك أن الأدوية الواردة في التذكرة الطبية ليست مما يستعمل في علاج التيفوس بل في معالجة النزلات الشعبية الحادة، وقد ثبت في أوراق التحقيق أن المريض الذي حررت له التذكرة لم يستعمل إلا علبة واحدة من الكيمستين، لأن التذكرة لم تصرف إلا مرة واحدة، وهذا قاطع في أن المرض لم يكن تيفوساً، وإلا احتاج العلاج إلى ثلاث علب على الأقل، وفضلاً عن ذلك فإن الفترة بين تحرير التذكرة الطبية في 11 من مارس سنة 1962، وبين مرض الخفير النظامي في 20 من مايو سنة 1962 سبعون يوماً، والمعروف أن مدة مراقبة التيفوس هي عشرة أيام فقط، مما ينفي وجود أي ارتباط بين مرض من صرفت إليه التذكرة الطبية وبين مرض الخفير النظامي، وقد واجهت هذه الحقيقة المحقق فحاول أن يتفادى دلالتها فكتب في الأوراق أن الخفير النظامي كان مريضاً منذ عشرين يوماً مع أن الخفير أبلغ عن مرضه في يوم 19 من مايو سنة 1962 وعزل في اليوم التالي، ومثله لا يستطيع التغييب عن أعمال وظيفته بدون إذن أو إخطار لمدة عشرين يوماً، ومن ناحية أخرى فإن التحاليل التي أجريت للخفير النظامي وزوجته وأولاده لم تنبئ بأن المرض كان تيفوساً، لأن نتيجة تحليل دم الخفير وزوجته جاءت سلبية، أما نتيجة تحليل دم الأطفال فجاءت 19 و1/ 250%، وهي نسبة خفيفة جداً لا يمكن الاعتداد بها، لأن أمراضاً أخرى تعطي نفس النسبة، وكان يجب أخذ عينات دم أخرى حتى يمكن القطع بأن المرض كان تيفوساً. وأخيراً فإن الثابت أن طبيب ناحية سيدي غازي كشف على جميع المتوفين بالقرية وثبت عدم وجود أي زيادة في معدل الوفيات بالناحية، ولم يعزل في الفترة المذكورة أي مريض بمرض معد، وظاهر من ذلك كله، إن الادعاء بأن المدعي عالج حالات مرضى بالتيفوس في منازلهم هو ادعاء غير صحيح، ومع ذلك فقد قبل الباطل حقاً، وأخذ المدعي بما لم يقع منه لأن المحقق كان هو الدكتور شاكر جريس المدير الوقائي لمنطقة كفر الشيخ، وبينه وبين المدعي خلافات دفعته إلى طلب نقله عدة مرات بقصد الإساءة إليه، ووصل أمر هذه الخلافات إلى المحافظ، ولذلك تفادى المحقق عرض أوراق التحقيق عليه، بل وتفادى عرضها على المنطقة الطبية، وأرسلها رأساً إلى الوزارة مصوراً الأمر على غير حقيقته ليصل بذلك إلى توقيع الجزاء على المدعي، وبذلك صدر القرار بدون علم المحافظ أو أخذ رأيه، وقد دافع المدعي عن نفسه في التحقيقات وأثار أوجه دفاع لو حققت لكانت كفيلة بإثبات بطلان الاتهام، منها أنه طلب عرض التذكرة الطبية المحررة بخطه على أخصائي باطني ليقطع برأي في طبيعة المرض الذي حررت من أجله التذكرة الطبية ومنها أنه طلب مواجهته بالمدعو مصطفى الطحاوي الشناوي، الذي قيل إنه الشخص الذي صرفت إليه التذكرة غير أن المحقق لم يجبه إلى طلبه. وانتهى المدعي إلى أن القرار المطعون فيه صدر مشوباً بعيب عدم الاختصاص لأن سلطة التأديب بالنسبة إلى موظفي المحافظات نقلت إلى المحافظ بمقتضى قانون الحكم المحلي، كما أنه بني على أسباب غير صحيحة، واستند إلى تحقيق باطل وصدر مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة ومن ثم فهو حقيق بالإلغاء.
وفي مذكرة قدمها المدعي بتاريخ 8 من يناير سنة 1964 قال المدعي أنه لو كانت هناك مخالفة وقعت منه فقد كان الواجب أن تتولى نقابة الأطباء التحقيق فيها وتوقيع الجزاء، لأن المخالفة تتعلق بمباشرته المهنة في عيادته الخاصة وفي غير أوقات العمل الرسمية، ويضاف إلى ذلك أن قرار الوزير تضمن نقل الطالب إلى جهة أخرى، وهذا معناه نقله إلى مكتب صحة آخر، غير أن الوزارة نقلته خطأ إلى قسم الجذام خلافاً لتأشيرة الوزير، وقدم المدعي مجموعة من الشهادات الطبية الصادرة من بعض الأطباء والتي تؤيد أن العقاقير التي تضمنتها التذكرة الطبية المشار إليها تعالج أنواعاً أخرى من الأمراض.
وقد رد القسم الطبي بالمنطقة الطبية بمحافظة كفر الشيخ على الدعوى بمذكرة، جاء فيها أن مصطفى الطحاوي الشناوي لم ينف واقعة علاجه بمعرفة المدعي بل وأيده في ذلك أقاربه وليس ثمة ما يدعو ذلك المريض وأقاربه إلى الإدلاء بأقوال غير صحيحة للإضرار بالمدعي، أما القول بأن التذكرة الطبية التي حررها المدعي لم تحتو على علاج لمرض التيفوس، فإنه مغالطة ظاهرة، لأن التذكرة تحوي العلاج الكامل لذلك المرض، ولا وجه للادعاء بأن التحقيق أثبت عدم صرف التذكرة الطبية إلا مرة واحدة، أو القول بأن المريض لم يستعمل إلا علبة واحدة من الكيمستين مع أن المرض يحتاج علاجه إلى ثلاث علب، ذلك لأن القطع بأن التذكرة لم تصرف إلا مرة واحدة هو أمر لا دليل عليه، ومن الممكن صرف أي تذكرة عدة مرات دون أن يثبت ذلك على التذكرة ذاتها، هذا إلى أن علاج التيفوس لا يستلزم أكثر من علبة، لأن ثمة حالات تستجيب بسرعة لأقل علاج، بل إن هناك حالات تشفى بغير علاج، أما عن قول المدعي بأن مدة مراقبة التيفوس هي عشرة أيام فقط، ففيه مغالطة ظاهرة لأن مدة المراقبة هي أربعة عشر يوماً، وعلى كل حال فقد أثبتت التحريات أن المرض ظل متسلسلاً في العائلة من شهر مارس، إذ مرض به أولاد مصطفى الطحاوي الشناوي وتبعه إبراهيم الطحاوي ثم زوجته وأولاده تباعاً، إلى أن مرض به الخفير النظامي السيد الطحاوي وزوجته وأولاده، وهم الذين عزلوا في 20 من مايو سنة 1962 وشخص مرضهم بأنه تيفوس، ومن هؤلاء المرضى من تولى المدعي علاجهم، ولكن لم يعثر معهم على تذاكر طبية، وتسلسل المرض بهذا الشكل الوبائي في العائلة والأعراض المتشابهة التي أجمع الكل على أنهم كانوا يشكون منها، وتذكرة العلاج المضبوطة، وقد تضمنت العلاج النوعي لمرض التيفوس، كل ذلك قاطع في الدلالة على أن جميع الحالات ابتداء من مصطفى الطحاوي كانت حالات تيفوس أكيدة، وقد أيدت نتائج التحليل ذلك إذ كانت نتائج التحليل إيجابية، أما القول بأن نتائج عينات دم أولاد الخفير لا يعتد بها لأنها ضعيفة جداً، فهو قول لا أساس له من العلم، إذ كثيراً ما يشخص المرض على أنه تيفوس رغم سلبية العينات متى كانت الأعراض واضحة. وأما بالنسبة إلى ما قاله المدعي عن الدكتور شاكر جريس، فالحقيقة أن الدكتور شاكر جريس بدأ التحقيق في 21 من مايو سنة 1962 ثم أخطرت الوزارة بوجود حالات المرض فأوفدت الدكتور محمود الشافعي مدير قسم مكافحة الأوبئة بالنيابة، وقد قام سيادته بتسليم التحقيق في 23 من مايو سنة 1962 وأكمله بسؤال المدعي والشهود ثم حرر المذكرة النهائية فيه، ونظراً لأهمية الموضوع بالنسبة إلى قسم الأوبئة، إذ يترتب على علاج المرض بالمنازل ضياع مجهودات الوزارة في المكافحة، وبسبب تغيب المحافظ، فقد أحيل التحقيق إلى مدير عام الإدارة العامة للصحة الوقائية، وبطبيعة الحال فحصت جميع النقاط التي تناولها التحقيق، واقتنع المسئولون بالوزارة بإدانة المدعي لدرجة أن وكيل الوزارة أشر على الأوراق مقترحاً فصل المدعي بغير الطريق التأديبي، ويضاف إلى ذلك أن تشخيص الحالات تم بمعرفة طبيب الحميات وموافقة الدكتورين محمود الشافعي وشاكر جريس مما يؤكد صحة التشخيص، وأما بشأن ما أثاره المدعي من وجود حزازات شخصية بينه وبين الدكتور شاكر جريس فهو ادعاء باطل يبغي به المدعي إيجاد مطعن على التحقيقات التي أجريت، وإذا كان المدعي قد نقل عدة مرات فقد كان ذلك بأمر من مدير عام المنطقة الطبية دون أي تدخل من المدير الوقائي.
ثم قدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة بدفاع وزارة الصحة دفعت فيها أصلياً بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الطلب الخاص بإلغاء قرار نقل المدعي إلى طبيب جذام على أساس أن المدعي نقل إلى وظيفة لا تختلف في طبيعتها أو في شروط التعيين فيها عن الوظيفة المنقول منها، كما أن النقل لا يفوت عليه دوره في الترقية لأن أقدمية جميع الأطباء مدرجة في كشف واحد، ويضاف إلى ذلك أن قرار النقل لم ينطو على أية عقوبة تأديبية، لأن قرار النقل لا يكون كذلك إلا إذا تضمن خفضاً لدرجة الموظف، وأما بالنسبة إلى الموضوع فقد رددت إدارة القضايا ما جاء في مذكرة الصحة الوقائية وأضافت إليه أن الثابت من الاطلاع على ملف التحقيقات أن جميع من سئلوا فيه أجمعوا على أنهم كانوا يعالجون أثناء مرضهم بالتيفوس بمعرفة المدعي، وفي عيادته الخاصة، وقدم أحدهم وهو مصطفى الطحاوي أول من أصيب بالمرض، تذكرة طبية صادرة من عيادة المدعي بكفر الشيخ ومحررة بخطه وتتضمن علاجاً للتيفوس، وقد أثبتت التحقيقات أن المدعي رغم قيامه بعلاجهم في عيادته وزيارته لهم في منازلهم وعلمه بإصابتهم بمرض وبائي ناقل للعدوى، لم يبلغ الجهات المختصة لاتخاذ إجراءات العزل مخالفاً بذلك المادتين 12، 13 رقم 137 لسنة 1958، أما الشهادات الطبية التي قدمها والصادرة من بعض الأطباء والتي تضمنت أن الأدوية المبينة في التذكرة الطبية يمكن أن يعالج بها أمراض أخرى غير التيفوس فإن هذه الشهادات لم تنف أن الأدوية المشار إليها خاصة بعلاج التيفوس، كما أنها لم تتعرض لمجموع الأدوية كوحدة واحدة ولم تنف أنها تكون العلاج الخاص بهذا المرض. وأما بالنسبة إلى ما ذهب إليه المدعي من اختصاص النقابة بالتحقيق وتوقيع الجزاء فإنه قول مردود بأن سلوك الموظف وسمعته خارج عمله ينعكس بغير شك على عمله الوظيفي إذا أنه يؤدي إلى الإخلال بكرامتها أو يفقده الثقة والاعتبار، وانتهت إدارة قضايا الحكومة إلى أن الدعوى على غير أساس حقيقة بالرفض.
وقد عقب المدعي على ذلك بمذكرة أضاف فيها إلى دفاعه السابق، أن الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى فيما يتعلق بقرار النقل في غير محله ذلك لأن النقل صدر في صلب القرار التأديبي القاضي بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه، ويضاف إلى ذلك أن هناك اختلافاً بين طبيعة الوظيفة التي نقل إليها وبين تلك التي نقل منها، وهو خلاف يتعلق بالمؤهلات اللازمة لشغل كل منهما، فمرض الجذام مرض جلدي يحتاج إلى تخصص في الأمراض الجلدية في حين أن وظيفة مفتش الصحة تحتاج إلى تخصص في الأوبئة.
ومن حيث إنه بجلسة 10 من يونيه سنة 1964 حكمت المحكمة أولاً - برفض الطلب الخاص بإلغاء القرار الصادر خصم خمسة عشر يوماً من راتب المدعي مع إلزامه بمصروفات هذا الطلب. وثانياً - رفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر طلب إلغاء قرار النقل من صحة بندر كفر الشيخ إلى طبيب جذام وباختصاصها بنظره وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار مع إلزام الحكومة بمصروفات هذا الطلب. وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة إلى قرار الجزاء على أساس أنه وإن كان قانون الإدارة المحلية قد خول المحافظين اختصاص توقيع الجزاءات التأديبية على جميع موظفي فروع الوزارات سواء تلك التي نقلت اختصاصاتها إلى مجلس المحافظة أو التي لم تنقل، غير أنه لم ينص على إسقاط ولاية التأديب عن الوزير، ويؤيد ذلك أن المادة 93 من القانون رقم 151 لسنة 1961 تنص على أنه إذا أسفر تفتيش الوزارة عن وقوع خطأ أو إهمال جسيم في أعمال المجلس المتعلقة بمرفق معين فللوزير أن يكلف المجلس بتصحيح الخطأ أو بمعالجة الإهمال وله أن يعاقب موظف المرفق المتسبب في هذا الخطأ أو الإهمال، ومن ثم يكون القرار قد صدر ممن يملك إصداره، وأما بالنسبة إلى ما ذكره المدعي من أن النقابة هي المختصة بتأديبه لأن المخالفات المنسوبة إليه وقعت أثناء مباشرته لمهنته في عيادته الخاصة وفي غير أوقات العمل الرسمية، فإنه قول على غير أساس لأن الذنب الإداري المنسوب إلى المدعي هو علاج مرضي بالتيفوس من منازل المرضى دون عزلهم، مما يساعد على انتشار المرض بين المواطنين، ويجعل المجهودات التي تبذلها الوزارة غير مجدية، وهذه المخالفة تعتبر إخلالاً خطيراً بمقتضيات الوظيفة مما يفقده الثقة والاعتبار اللازمين لها، ويضاف إلى ما تقدم أن الفعل المنسوب إلى المدعي هو خروجه على تعليمات اللجنة الوقائية التي تنص على التبليغ عن الأمراض المعدية والعزل في حالات مرضى الكوليرا أو الطاعون أو التيفوس وأما بالنسبة إلى الموضوع فقالت المحكمة إنه يتضح من الاطلاع على مفردات الدعوى أن جميع من سئلوا في التحقيقات اجمعوا على أنهم كانوا يعالجون لدى المدعي في عيادته الخاصة أثناء مرضهم بالتيفوس ومن ثم فإن قرار الجزاء يكون مستخلصاً استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجه، ولا صحة لما ذهب إليه المدعي من أن العينات التي أخذت من الخفير المريض وزوجته قد وردت نتائج تحليلها سلبية، وأن الذي قام بتشخيصها على أنها تيفوس هو الدكتور شاكر جريس بقصد الإساءة إليه، لا صحة في ذلك لأن نتيجة التحليل جاءت جميعها إيجابية وتؤكد إصابة المرضى بالتيفوس، كما أن الثابت أن التشخيص النهائي للمرض المستخلص من نتائج تحليل العينات كان بمعرفة طبيبة الحميات وموافقة مدير قسم مكافحة الأوبئة بالنيابة والمدير الوقائي، وانتهت المحكمة إلى أن الدعوى بالنسبة إلى هذا الشق على غير أساس حقيقة بالرفض، وأما بالنسبة إلى قرار النقل فقال الحكم أن القرار المطعون فيه هو قرار نقل نوعي لاختلاف طبيعة الوظيفتين تبعاً لتغير اختصاصات كل منهما، ومن ثم يكون الدفع بعدم الاختصاص غير قائم على سند من القانون، ولما كانت المادة 28 من قانون التوظف تنص على أن تختص لجان شئون الموظفين بالنظر في نقل الموظفين لغاية الدرجة الأولى وفي ترقياتهم، وترفع اللجنة اقتراحاتها للوزير لاعتمادها، وقد خلت الدعوى مما يثبت أن قرار النقل قد عرض على تلك اللجنة، كما أن المادة السادسة من قانون الإدارة المحلية تنص على أخذ رأي المحافظ عند ترقية أو نقل موظفي فروع الوزارة في المحافظة، ولم يثبت من الأوراق أن رأي المحافظ قد أخذ أو أن النقل كان بناءً على طلبه، فمن ثم يكون القرار مخالفاً للقانون حقيقاً بالإلغاء.
ومن حيث إن مبنى الطعن المقدم من إدارة قضايا الحكومة فيما يتعلق بقرار النقل أن الحكم المطعون فيه خالف القانون إذ اعتبر النقل من طبيب صحة إلى طبيب جذام نقلاً نوعياً لاختلاف اختصاصات الوظيفتين، ذلك لأنه من المقرر أن محكمة القضاء الإداري لا تختص بنظر المنازعات الخاصة بقرارات النقل والندب ما دامت لا تنطوي على قرارات أخرى مما تختص بنظرها، والثابت من الأوراق أن المدعي نقل إلى وظيفة لا تختلف في طبيعتها أو في شروط التعيين فيها عن وظيفته الأولى، فشروط التعيين فيهما واحدة ويجمع شاغلي الوظيفتين كشف أقدمية واحد، كما أن درجتهما واحدة ويخضعان معاً لمزايا كادر واحد هو الكادر الفني العالي. ومن ثم يكون النقل نقلاً مكانياً تملكه الإدارة وحدها بما لا معقب عليها من جهات القضاء، ولا يعد تغيير العمل والاختصاصات في ذاته اختلافاً في طبيعة الوظيفتين، وأما بالنسبة إلى الموضوع فقد خالف الحكم القانون لأنه أقام قضاءه على أنه لم يثبت من الأوراق أن القرار عرض على لجنة شئون الموظفين كما أن المحافظ لم يؤخذ رأيه في ذلك لأن المادة 28 تتكلم عن نقل الموظفين من إدارة إلى أخرى أو من وزارة إلى أخرى أي عن النقل الذي يترتب عليه تغيير الوضع الوظيفي للموظف المنقول من حيث علاقته بالجهة الإدارية ومن حيث ترتيب أقدميته، أما النقل المكاني فلا يخضع لحكم المادة 28 من القانون، ويكون من حق الوزير إجراؤه دون قيد عليه أو رقابة وأما بالنسبة إلى أخذ رأي المحافظ فإنه على غير أساس أيضاً ذلك لأن المادة السادسة من قانون الحكم المحلي لم تلزم بأخذ رأي المحافظ إلا إذا كان النقل إلى خارج المحافظة، أما النقل إلى إدارة أخرى بالمحافظة فلا يوجد ما يلزم بأخذ رأي المحافظ فيه، كما أن المادة المشار إليها لم ترتب أي جزاء على عدم أخذ رأي المحافظ وإنما تقضي فقط بأنه للمحافظ إذا لم يؤخذ رأيه أن يرفع الأمر إلى وزير الإدارة المحلية، ومؤدى ذلك أن يكون قرار النقل سليماً منتجاً لآثاره ما دام لم يعدل عنه، وما دام المدعي قد نقل إلى قسم الجذام بذات المحافظة فمن ثم فلا يكون هناك مجال لانطباق المادة السادسة المشار إليها.
ومن حيث إن مبنى الطعن المقدم من المدعي أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون حين قضى برفض الدعوى بالنسبة إلى طلب إلغاء قرار الجزاء ذلك لأنه شابه قصور في بحث عدم صحة سبب القرار، وآية ذلك أن قرار الجزاء أقيم على أن الطاعن عالج مريضاً بالتيفوس في منزله، ولم يتخذ إجراءات عزله والتبليغ عنه مما أدى إلى إصابة آخرين بذات المرض، وكان الدليل على ذلك وجود تذكرة أدوية لا تحمل اسم المريض الذي صرفت إليه، ولكي يعتبر الجزاء قائماً على سببه، يجب أن يثبت أن الطبيب عالج مصطفى الطحاوي الشناوي من مرض التيفوس وأن المرض انتقل منه إلى أخيه وزوجته وأولاده، وقد اعتبر الحكم المطعون فيه الواقعة الأولى ثابتة بشهادة جميع المرضى وأغفل الحكم ما أقرت به الوزارة في أرواق الدعوى من أن المرضى عدلوا عما قرروه من أن المدعي هو الذي عالجهم، وقالت الوزارة تبريراً لذلك أن المرضى قرويون سهل التأثير عليهم، وعلى ذلك فإن أقوالهم لا تصلح دليل إدانة، خاصة وأن الذي أخذ أقوالهم هو خصم الطاعن الذي أثبت أقوالهم على الوجه الذي يناصره في توجيه الاتهام إلى الطاعن، منتهزاً فرصة جهلهم بالقراءة والكتابة وما كان يجب أن تعول المحكمة على هذه الأقوال في اعتبار الواقعة ثابتة في حق الطاعن، كما أن واقعة مرض مصطفى الطحاوي الشناوي بالتيفوس غير ثابتة، فالواقع أنه لا يوجد ما يدل على أن تلك التذكرة الطبية الخالية من اسم المريض قد صرفت إليه بالذات، أو أن العقاقير التي حوتها خاصة بعلاج مرض التيفوس، خاصة وقد قدم الطاعن شهادات صادرة من أساتذة متخصصين في الأوبئة تثبت أن تلك العقاقير تعالج أنواعاً أخرى من المرض، ولذلك كان استدلال المحكمة معيباً ولا يصح أن يبنى عليه قضاء. وأما بالنسبة إلى الواقعة الثالثة وهي انتقال المرض من مصطفى الطحاوي الشناوي إلى أخيه وزوجته وأولاده فهي غير ثابتة أيضاً، بعد أن وجه الطاعن النظر إلى الفترة التي انقضت بين التاريخ المثبت في التذكرة الطبية والتاريخ الذي مرض فيه الخفير النظامي، وهي فترة استطالت إلى سبعين يوماً، ومن ثم فلا يكون هناك ارتباط بين مرض الأخين لأن مدة ملاحظة المرض هي عشرة أيام فقط، وعلى حد قول الوزارة أربعة عشر يوماً، وأما بالنسبة إلى ما ذكرته المحكمة من أن تحليل عينات دم الخفير وزوجته وأولاده كانت إيجابية فالطاعن يتمسك بأن النتيجة كانت سلبية بالنسبة إلى الخفير وزوجته، وكانت إيجابية بالنسبة إلى الأولاد، ولكن هذه النتيجة الإيجابية لا تعتبر من الناحية العلمية صحيحة يمكن الاستناد إليها في القطع بالإصابة بمرض التيفوس، لأن الطريقة التي اتبعت في التحليل ليست هي الطريقة الدقيقة التي يمكن الاستناد إليها للكشف عن حقيقة المرض، ولا شك في أن اقتصار الدكتور شاكر جريس على إتباع تلك الطريقة كان مقصوداً منه الحصول على نتيجة إيجابية. وأما عن التشخيص الذي كتب بعد ورود نتائج التحليل فقد كان زمامه في يد الدكتور شاكر جريس، لأن طبيبة الحميات مرؤوسة له ولا تستطيع مخالفته في الرأي، أما مدير الأوبئة بالنيابة فلا شأن له إلا التوقيع على التشخيص، والكلمة النهائية في ذلك كانت للمدير الوقائي ولذلك فلا يمكن الاعتماد على ذلك التشخيص الصادر من رئيس مغرض كان يستهدف الإساءة إلى الطاعن بأية وسيلة كانت، وما دامت الواقعة التي بني عليها قرار الجزاء لم تثبت في حق الطاعن على النحو المشار إليه فإن قرار الجزاء يكون معيباً لفقدانه ركن السبب.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالطعن رقم 1479 لسنة 10 القضائية المقام من وزارة الصحة فإنه من الأمور المسلمة إن قرارات نقل الموظفين والمستخدمين ليست من القرارات التي تدخل في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري طبقاً لنص المادة 8 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة، ما دامت لا تحمل في طياتها قرارات أخرى مقنعة مما يختص بها القضاء الإداري كالنقل إلى وظيفة تختلف عن الوظيفة الأولى في طبيعتها أو في شروط التعيين فيها أو كجزاء تأديبي، إذ المعول عليه عندئذ هو القرار الحقيقي لا الظاهري.
ومن حيث إنه لما كان الثابت من الأوراق أن المدعي نقل من وظيفة طبيب صحة إلى طبيب الجذام وهي وظيفة لا تغاير الوظيفة الأولى من حيث شروط التعيين فيها، كما أنهما في درجة واحدة ويخضعان معاً لمزايا كادر واحد وهو الكادر الفني العالي، ويجمع شاغلي الوظيفتين كشف أقدمية واحد "وهو ما لم ينازع فيه المدعي" فإن النقل يكون مكانياً اقتضته مصلحة العمل، ولا ينطوي على تعيين أو تأديب، ولا يعدو في الواقع من الأمر أن يكون توزيعاً للعمل بين موظفي الوزارة الواحدة، حتى ولو كان قد تم بسبب ما نسب إلى المدعي في شأن معالجته بعض مرضى التيفوس بمنازلهم، وقد راعت الجهة الإدارية المختصة في إجرائه، وجه المصلحة العامة وحسن سير العمل دون المساس بالمركز القانوني للمدعي بأي وجه من الوجوه، مما يجعله بهذه المثابة من الملائمات المتروكة لتقدير الجهة الإدارية حسبما تراه متفقاً مع الصالح العام، ويخرجه بالتالي من الخضوع لرقابة مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري، وعلى ذلك يكون دفع الطاعنة بعدم اختصاص القضاء الإداري بالنظر في طلب إلغائه في محله، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً في هذا الشق من الدعوى فإنه يتعين قبول الطعن المقدم من وزارة الصحة شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء قرار النقل، وبعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر هذا الشق من الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالطعن رقم 61 لسنة 11 القضائية المقام من المدعي فإن الحكم المطعون فيه صحيح فيما انتهى إليه من رفض طلب إلغاء قرار الجزاء للأسباب التي بني عليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة وتعتبرها أسباباً لحكمها، ويضاف إلى ذلك أنه وإن كان المدعي قد ذهب في تقرير الطعن إلى أن الحكم المطعون فيه شابه قصور في عدو بحث صحة سبب الجزاء للأسباب الآتية: أولاً - أغفل الحكم ما أقرت به الوزارة في أوراق الدعوى من أن المرضى عدلوا عما ذكروه في التحقيقات من أن المدعي هو الذي عالجهم في منازلهم وأنها لم تعتد بهذا العدول، مع أن مؤدى عدم ثبوتهم على قول واحد إلا تصلح أقوالهم دليل إدانة. ثانياً - لا يوجد في الأوراق ما يدل على أن العقاقير التي حوتها التذكرة الطبية التي وجدت مع أحد المرضى خاصة بعلاج مرض التيفوس بعد أن قدم المدعي من الشهادات الطبية ما يدل على أن تلك العقاقير تعالج أمراضاً أخرى كالنزلات الشعبية الحادة، ثالثاً - لا يوجد ارتباط بين مرض من صرفت إليه تلك التذكرة الطبية ومرض الخفير النظامي وعائلته. رابعاً - أن الذي قام بالتحقيق هو الدكتور شاكر جريس خصم المدعي وقد أثبت أقوال الشهود على نحو يناصره في توجيه الاتهام إليه.
غير أن هذه الأسباب على غير أساس، ذلك لأنه بالنسبة إلى السبب الأول فإن الشهود الذين سئلوا في التحقيقات لم يعدلوا عن أقوالهم فيما يتعلق بما ذكروه من أن الدكتور مفيد مسيحة نجيب هو الذي تولى علاج مصطفى الطحاوي الشناوي وإبراهيم الطحاوي الشناوي وعائلتيهما من المرض الذي ألم بهم، وإنما انصب عدولهم عن اتهام عامل الأوبئة إبراهيم الجنايني بإعطائهم الحقن تنفيذاً للعلاج الذي وصفه لهم المدعي، وهذا العدول وهو عن واقعة منبتة الصلة بما نسب إلى المدعي شخصياً، ليس من شأنه أن يؤثر في قليل أو في كثير بالنسبة إلى ثبوت المخالفة في حق المدعي، أو في عدم ثبوتها. وأما بالنسبة إلى السبب الثاني فقد قطع الأطباء المختصون في وزارة الصحة وهي الجهة الإدارية المختصة المهيمنة على مرفق الصحة العامة بالبلاد، والقائمة على أعمال مكافحة الأوبئة بها بأن الأدوية المثبتة في التذكرة الطبية التي حررها المدعي لمصطفى الطحاوي الشناوي، تحوي العلاج الكامل لمرض التيفوس وأنها لم تصرف إلى مريض بنزلة شعبية حادة كما يذهب إلى ذلك المدعي في دفاعه، وقد ووجه المدعي بهذه الحقيقة في محضر التحقيق الذي استجوبه فيه الدكتور محمود الشافعي المدير المساعد لقسم مكافحة الأمراض المعدية، فقد سأله المحقق السؤال الآتي: "هل النزلة الشعبية تعالج بالأكروميسين والكيميستين في وقت واحد مضافاً إليهما السلفا". كما وجه إليه المحقق أسئلة أخرى مفادها، أنه سبب انتشار وباء التيفوس في منطقة كفر الشيخ في وقت تحرير التذكرة وارتفاع درجة حرارة المريض "وهي واقعة سلم بها المدعي في أقواله" كان يجب عزله كما توجب ذلك تعليمات الوزارة، وإذا كان المدعي قد أنكر إصابة ذلك المريض بالتيفوس وأصر على أنه كان مصاباً بنزلة شعبية حادة، غير أن مسار التحقيق على النحو المشار إليه يدل على أن مجموع العقاقير التي حوتها التذكرة الطبية لا تصرف إلى مريض بنزلة شعبية، وهي واقعة أيدتها وزارة الصحة والأطباء المختصون بها، ولهذا لا تصلح الشهادات الطبية الصادرة من بعض الأطباء والتي قدمها المدعي للتدليل على أن العقاقير الواردة في التذكرة الطبية تعالج أمراضاً أخرى، ذلك لأن تلك الشهادات لم تنف أن العقاقير المشار إليها توصف لعلاج مرض التيفوس، كما أنها لم تتعرض لمجموع الأدوية كوحدة واحدة ولم تنف أنها إذا وصفت على النحو الذي حوته التذكرة الطبية، فإنها تمثل العلاج الكامل لمرض التيفوس كما ذكرت وزارة الصحة والمختصون بها، وأما بالنسبة إلى السبب الثالث فقد كشفت التحقيقات والتحريات التي أجرتها الهيئات الطبية المختصة أن تسلسل المرض بذلك الشكل الوبائي في العائلة منذ شهر مارس سنة 1962 والأمراض المتشابهة التي أجمع الشهود على أنهم كانوا يشكون منها على أن المرض الذي أصابهم هو مرض التيفوس وأنه كان يصيب أفراد العائلة تباعاً حتى مرض به الخفير النظامي السيد الطحاوي الشناوي وعائلته وهم الذين عزلوا في شهر مايو سنة 1962، وليس من شك في أن هذا يتضمن الرد الكامل على ما زعمه المدعي من عدم الارتباط بين مرض من حررت إليه التذكرة الطبية وبين مرض الخفير النظامي وعائلته، وأما بالنسبة إلى ما ذهب إليه المدعي من أن الذي قام بالتحقيق هو خصمه الدكتور شاكر جريس وأنه أثبت أقوال الشهود على نحو يناصره في توجيه الاتهام إلى المدعي، فإنها أقوال لا دليل عليها، خاصة وقد بادر الدكتور شاكر جريس باعتباره المدير الوقائي في منطقة كفر الشيخ إلى إخطار الوزارة بالواقعة فور اكتشافها في يوم 21 من مايو سنة 1962، وعلى أثر هذا التبليغ أوفد الدكتور محمود الشافعي فتولى استيفاء التحقيق اعتباراً من يوم 23 من مايو سنة 1962 وهو الذي قام بسؤال المدعي، ولم يشر هذا في أقواله إلى وجود أي عداء بينه وبين الدكتور شاكر جريس يدفعه إلى تلفيق الاتهام له.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم أن الحكم المطعون فيه أصاب الحق في قضائه برفض طلب إلغاء قرار الجزاء، وأن الطعن على غير أساس سليم من القانون لذلك يتعين الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي موضوعهما أولاً: في الطعن رقم 1479 لسنة 10 القضائية المقام من وزارة الصحة بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء قرار نقل المدعي وبعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى بالنسبة إلى طلب إلغاء القرار المذكور. وثانياً: في الطعن رقم 61 لسنة 11 القضائية المقام من المدعي برفضه. وثالثاً: بإلزام المدعي بمصروفات الطعنين.


[(1)] قارن حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر بجلسة 11 من نوفمبر 1967 في القضية رقم 224 لسنة 12 القضائية المنشورة في مجموعة السنة الثالثة عشرة المبدأ رقم 10 ص 50.