مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 437

(56)
جلسة 8 من مارس سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور أحمد موسى - وكيل مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي ومحمد صلاح السعيد وعلي لبيب حسن - المستشارين.

القضية رقم 535 لسنة 10 القضائية

( أ ) - عقد إداري "إبرامه" إيداع التأمين المؤقت شرط أساسي للنظر في العطاء المقدم - الغاية منه - عدم ترتيب البطلان على عدم إيداعه إذا اطمأنت الإدارة إلى ملاءة مقدم العطاء.
(ب) - عقد إداري "إبرامه" القبول لا يتحقق إلا إذا اتصل بعلم من وجه إليه.
التعاقد لا يعتبر تاماً إلا إذا علم الموجب بقبول إيجابه - إخطار مقدم العطاء بأنه لم يبت في العطاء المقدم منه لعدم أدائه التأمين النهائي ومطالبته بأداء التأمين النهائي لإمكان البت في طلبه لا يعني أن القبول قد اتصل بعلمه حتى ولو كانت جهة الإدارة قد قبلت العطاء فعلاً - أثر ذلك مطالبة مقدم العطاء بسرعة أداء التأمين النهائي لإمكان إعطائه أمر التوريد لا يجدى للتدليل على قبول جهة الإدارة للعطاء، أساس ذلك. تنازل مقدم العطاء عن العرض الذي تقدم به دون إخطاره بقبول عطائه لا يجوز معه اعتبار العقد منعقداً ويمتنع تبعاً لذلك إعمال آثاره والاستناد إلى أحكامه للشراء على حساب مقدم العطاء ومطالبته بالآثار المترتبة على ذلك.
1 - إن إيداع التأمين المؤقت من مقدم العطاء في الوقت المحدد شرط أساسي للنظر في عطائه وهذا الشرط مقرر للصالح العام دون ترتيب جزاء البطلان على مخالفته إذا ما اطمأنت جهة الإدارة إلى ملاءة مقدم العطاء، ومن ثم فإنه لا يقبل من مقدم العطاء التحدي بأنه لم يقم بدفع التأمين المؤقت ما دام أن التأمين غير مشروط لمصلحته وبناءً على ذلك فإن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من ضرورة استبعاد العطاء لأنه لم يكن مصحوباً بالتأمين المؤقت، دون أن يكون لجهة الإدارة الحق في قبوله، أمر غير سديد لتعارضه مع اعتبارات المصلحة العامة.
2 - إن الأصل أن القبول بوصفه تعبيراً عن الإرادة لا يتحقق وجوده القانوني ولا ينتج أثره إلا إذا اتصل بعلم من وجه إليه، وبالتالي فإن التعاقد لا يعتبر تاماً إلا إذا علم الموجب بقبوله. ولما كان المستفاد من استقراء الأوراق على ما سلف البيان أن جهة الإدارة وإن كانت قد قبلت عطاء المدعى عليه فعلاً بالرغم من أنه لم يكن مصحوباً بالتأمين الابتدائي مع تكليفه بأداء التأمين النهائي، إلا أن القبول على هذا النحو لم يتصل بعلم المدعى عليه، إذ أخطره المجلس القروي بكتاب كشف فيه بجلاء أنه لم يبت في العطاء المقدم منه لعدم أدائه التأمين النهائي حسب شروط المناقصة ومطالبته بأداء التأمين النهائي لإمكان البت في الطلب المقدم منه، وبناءً على ذلك فإن قبول المجلس القروي للعطاء لم يتصل بعلم المدعى عليه على وجه ينعقد به العقد قانوناً، ولا يجدى الاستناد إلى ما أورده الكتاب المشار إليه في عجزه، من مطالبة المدعى عليه بسرعة أداء التأمين النهائي لإمكان إعطائه أمر التوريد للتدليل على قبول جهة الإدارة للعطاء، ولا يجدى ذلك لتعارضه مع صراحة ووضوح ما تضمنه هذا الكتاب من عدم البت في طلب المدعى عليه بسبب تقديمه غير مصحوب بالتأمين الابتدائي وإذ تنازل المدعى عليه عن العرض الذي تقدم به بناءً على طلب المجلس القروي دون إخطاره بقول عطائه فإنه لا يجوز التحدي في مواجهة المدعى عليه بانعقاد العقد، ويمتنع تبعاً لذلك إعمال آثاره والاستناد إلى أحكامه للشراء على حساب المدعى عليه ومطالبته بالآثار المترتبة على ذلك.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل في أن السيد رئيس مجلس قروي سرس الليان أقام في 6 من نوفمبر سنة 1962 الدعوى رقم 175 لسنة 17 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري طالباً الحكم بإلزام السيد/ إبراهيم محمد زهران بأن يدفع له مبلغ ثلاثة عشر جنيهاً وثلاثمائة وتسعة وثلاثين مليماً والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام السداد والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه أن مجلس قروي سرس الليان أشهر بتاريخ 17 من ديسمبر سنة 1961 في مناقصة محلية عن حاجته لتوريد 14.750 طناً من البرسيم الأخضر لمؤونة حيوانات المجلس وتقدم المدعى عليه بعطاء في الميعاد المحدد أبدى فيه استعداده لتوريد الكمية المطلوبة بواقع تسعين مليماً للقنطار أي جنيهاً وتسعمائة وثمانية وتسعين مليماً للطن. ولما كان هذا السعر أقل الأسعار وأنسبها فقد أرسى المجلس المناقصة عليه وطالبه بسداد التأمين بواقع 10% من قيمة العطاء ولكنه لم يقم بالسداد وأرسل إلى المجلس خطاباً يخطره فيه بأنه غير راغب في توريد البرسيم المتعاقد عليه... واستناداً إلى أحكام العقد أشهر المجلس عن مناقصة أخرى بشراء الكمية المتعاقد عليها على حساب المدعي ورست المناقصة على السيد/ أحمد إبراهيم زهران بواقع جنيهين وثمانمائة وأربعة وأربعين مليماً للطن الواحد وقام بتوريد ثلاثة عشر طناً ونصف من البرسيم بثمن إجمالي قدره 38 جنيه و192 مليم أي بزيادة مقدارها 11 جنيه و419 مليم يلزم بها المدعي عملاً بنصوص العقد مضافاً إليها المصاريف الإدارية بواقع 5% من قيمة الأصناف المشتراه على حسابه عملاً بنص المادة 105 من لائحة المناقصات والمزايدات، وبلغ بذلك جملة التعويض المستحق عليه 13 جنيه و339 مليم. ولما لم يستجب المدعي للمطالبة الودية فقد أقام المجلس ضده هذه الدعوى.
وبجلسة 29 من ديسمبر سنة 1963 حكمت المحكمة برفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات وأقامت قضاءها على أن شروط المناقصة التي تقدم المدعى عليه بعطائه على أساسها قد تضمنت النص على وجوب أن يكون العطاء مصحوباً بتأمين ابتدائي مقداره 2% وعلى أن كل عطاء غير مستوف للشروط لا يلتفت إليه، ولما كان المدعي عليه قد تقدم بعطائه غير مصحوب بالتأمين الابتدائي، فقد كان من الواجب استبعاده، ومن ثم فإن قبول العطاء والحالة هذه إجراء خاطئ لا يترتب عليه آثار. وأضاف الحكم أن المدعى عليه لم يخطر بقبول عطائه ولم يصدر إليه أمر بالتوريد وبذلك لا تكون قد قامت بينه وبين المجلس القروي رابطة تعاقدية، وبالتالي فإنه لم يكن من حق المجلس القروي أن يتخذ إجراءات الشراء على حسابه ولا يكون له بالتالي الرجوع عليه بما ترتب على ذلك من فروق في الثمن ومصروفات إدارية.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن شرط تقديم العطاء مصحوب بتأمين مقرر لصالح جهة الإدارة وحدها ومن ثم فإنه يكون لها دون غيرها حق التمسك بإبطال العقد إذا لم يراع مقدم العطاء هذا الشرط، ومن ثم فإنه ما كان يجوز للمحكمة أن تتصدى لهذا البطلان من تلقاء نفسها. وأضافت الجهة الطاعنة في المذكرة التي تقدمت بها أثناء فترة حجز الدعوى للحكم أنه لا صحة لما قاله الحكم المطعون فيه من أن الجهة الإدارية لم تخطر المطعون ضده بقبول عطائه، ذلك أن الثابت من الأوراق أنه قد صدر قرار برسو المناقصة عليه في 17 من ديسمبر سنة 1961، وأخطر في ذات التاريخ بقبول عطائه ودعى لاستيفاء التأمين النهائي بواقع 10%، ومن ثم فإن هذا الإخطار إعلان له بقبول الجهة الإدارية لعطائه وتكون العلاقة العقدية قد نشأت منذ هذا التاريخ صحيحة ومنتجة لأثارها القانونية ويكون من حق الجهة الإدارية إزاء تخلف المتعاقد معها أن تنفذ على حسابه وأن تطالبه بالفروق الناشئة عن التنفيذ على الحساب.
ومن حيث إن الثابت من الاطلاع على الأوراق أن المدعى عليه تقدم بعطائه غير مصحوب بالتأمين الابتدائي لتوريد 14.750 طناً من البرسيم الأخضر وبواقع تسعين مليماً للقنطار الواحد. وبجلسة 26 من ديسمبر سنة 1961 أشارت لجنة البت إلى أن هذا العطاء هو الأقل والمناسب ورأت الموافقة عليه مع تكليف مقدمه بسداد التأمين النهائي حتى يمكن إعطاؤه أمر التوريد وفي 27 من ديسمبر سنة 1961 اعتمد السيد/ رئيس مجلس قروي سرس الليان هذا العطاء وبعث في ذات التاريخ إلى المدعى عليه كتاباً نص فيه على أنه "لم يرد مع طلب عطائكم التأمين الابتدائي حسب شروط المناقصة ولإمكان البت في الطلب المقدم منكم نأمل سرعة توريد مبلغ 2 جنيه و590 مليم لخزينة المجلس لإمكان إعطائكم أمر التوريد". ولما لم يقم المدعى عليه بأداء التأمين وافق السيد رئيس المجلس القروي في 4 من يناير سنة 1962 على إعادة هذه المناقصة وبأن يحرر إقرار على صاحب العطاء المقول بتنازله عن عطائه. وفي 15 من يناير سنة 1962 حرر المدعى عليه تنازلاً بذلك.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن إيداع التأمين المؤقت من مقدم العطاء في الوقت المحدد شرط أساسي للنظر في عطائه وهذا الشرط مقرر للصالح العام دون ترتيب جزاء البطلان على مخالفته إذا ما اطمأنت جهة الإدارة إلى ملاءة مقدم العطاء، ومن ثم فإنه لا يقبل من مقدم العطاء التحدي بأنه لم يقم بدفع التأمين المؤقت ما دام أن التأمين غير مشروط لمصلحته وبناءً على ذلك فإن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من ضرورة استبعاد العطاء لأنه لم يكن مصحوباً بالتأمين المؤقت، دون أن يكون لجهة الإدارة الحق في قبوله، أمر غير سديد لتعارضه مع اعتبارات المصلحة العامة.
ومن حيث إن الأصل أن القبول بوصفه تعبيراً عن الإرادة لا يتحقق وجوده القانوني ولا ينتج أثره إلا إذا اتصل بعلم من وجه إليه، وبالتالي فإن التعاقد لا يعتبر تاماً إلا إذا علم الموجب بقبول إيجابه. ولما كان المستفاد من استقراء الأوراق على ما سلف البيان أن جهة الإدارة وإن كانت قد قبلت عطاء المدعى عليه فعلاً بالرغم من أنه لم يكن مصحوباً بالتأمين الابتدائي مع تكليفه بأداء التأمين النهائي، إلا أن القبول على هذا النحو لم يتصل بعلم المدعى عليه، إذ أخطره المجلس القروي بكتاب كشف فيه بجلاء أنه لم يبت في العطاء المقدم منه لعدم أدائه التأمين النهائي حسب شروط المناقصة وطالبه بأداء التأمين النهائي لإمكان البت في الطلب المقدم منه، وبناءً على ذلك فإن قبول المجلس القروي للعطاء لم يتصل بعلم المدعى عليه على وجه ينعقد به العقد قانوناً، ولا يجدى الاستناد إلى ما أورده الكتاب المشار إليه في عجزه، من مطالبة المدعى عليه بسرعة أداء التأمين النهائي لإمكان إعطائه أمر التوريد، للتدليل على قبول جهة الإدارة للعطاء، ولا يجدى ذلك لتعارضه مع صراحة ووضوح ما تضمنه هذا الكتاب من عدم البت في طلب المدعى عليه بسبب تقديمه غير مصحوب بالتأمين الابتدائي. وإذ تنازل المدعى عليه عن العرض الذي تقدم به بناءً على طلب المجلس القروي دون إخطاره بقول عطائه، فإنه لا يجوز التحدي في مواجهة المدعى عليه بانعقاد العقد، ويمتنع تبعاً لذلك إعمال آثاره والاستناد إلى أحكامه للشراء على حساب المدعى عليه ومطالبته بالآثار المترتبة على ذلك ولما كان الأمر كذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب وجه الحق فيما انتهى إليه من أن المدعى عليه لم يخطر بقبول عطائه ولم يصدر إليه أمر بالتوريد، ولم تقم بينه وبين المجلس القروي رابطة تعاقدية، وبذلك تكون دعوى المجلس القروي التي يهدف بها إلى إلزام المدعى عليه بفرق الثمن والمصروفات الإدارية المترتبة على الشراء على حسابه لإخلاله بالتزاماته العقدية غير قائمة على أساس سليم ويتعين رفضها ويكون الطعن بذلك جديراً بالرفض.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً، وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات.