مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 442

(57)
جلسة 8 من مارس سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور أحمد موسى - وكيل مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري ويوسف إبراهيم الشناوي ومحمد صلاح السعيد وعلي لبيب حسن - المستشارين.

القضية رقم 1 لسنة 11 القضائية

( أ ) - دعوى "ميعاد رفعها".
لا محل لانتظار انقضاء الميعاد المقرر للبت في التظلم قبل إقامة الدعوى إذا ما عمدت الجهة الإدارية إلى البت فيه قبل انتهاء الميعاد، أساس ذلك - لا تعتبر الدعوى مرفوعة قبل الميعاد إذا بادر ذو الشأن إلى إقامتها وانقضى الميعاد المقرر للبت في التظلم أثناء سيرها دون أن تجيب الجهة الإدارية على تظلمه.
(ب) - عمدة "انتخاب" - لم يعد من الجائز إبداء الرأي شفاهة إلا على سبيل الاستثناء بالنسبة للمكفوفين وغيرهم من ذوي العاهات التي تحول دون إمكان إبداء الرأي بالتأشير على بطاقات الانتخاب - أساس ذلك - السماح بإبداء الرأي شفهاً لغير هؤلاء ينطوي على إهدار لإحدى الضمانات الأساسية التي أريد تحقيقها لكفالة سلامة الانتخاب..
1 - إن انتظار الميعاد المقرر للبت في التظلم قبل إقامة الدعوى إنما أريد به إفساح المجال أمام الجهة الإدارية لإعادة النظر في قرارها المتظلم منه - فلا محل لانتظار انقضاء هذا الميعاد إذا هي عمدت إلى البت في التظلم قبل انتهائه وكذلك إذا بادر ذو الشأن إلى إقامة دعواه وانقضى الميعاد المذكور أثناء سيرها دون أن تجيب الإدارة على تظلمه فإنه بهذه المثابة يكون لرفع الدعوى محله ولا يكون هناك وجه للحكم بعدم قبولها لرفعها قبل فوات ذلك الميعاد.
2 - إن اللائحة التنفيذية للقانون رقم 106 لسنة 1957 قد عدلت بالقرار رقم 5 لسنة 1958 بحيث أصبحت أحكامها في شأن طريقة إبداء الرأي في حالة انتخاب العمد متفقة على أحكام القانون رقم 73 لسنة 1956 - فلم يعد من الجائز إبداء الرأي شفهاً إلا على سبيل الاستثناء بالنسبة إلى المكفوفين وغيرهم من ذوي العاهات التي تحول دون إمكان إبداء الرأي بالتأشير على بطاقات الانتخاب - وذلك لضمان السرية التامة وتوفير الحرية الكاملة للناخبين والسماح بإبداء الرأي شفهاً لغير المكفوفين وذوي العاهات ينطوي على إهدار لإحدى الضمانات الأساسية التي أريد تحقيقها لكفالة سلامة الانتخاب - هي السرية التامة تمكيناً للناخبين من الإعراب عن آرائهم الحقيقية بحرية تامة دون خوف أو وجل.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل في 2 من يناير سنة 1962 أقام السيد/ محمد أمين جمعة عريضة الدعوى رقم 68 لسنة 9 القضائية طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من لجنة العمد والمشايخ بمديرية أمن الدقهلية في 2 من أغسطس سنة 1961 والمعتمد من وزير الداخلية في 27 من أكتوبر سنة 1961 بإبطال نتيجة انتخاب عمدية بلدة دنجواي مركز شربين التي أجريت في 12 من يوليه سنة 1961 فيما تضمنه من عدم الاعتداد بحصول الطاعن على الأغلبية المبررة لتعيينه في الوظيفة المذكورة مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه أنه في 12 من يوليه سنة 1961 أجريت الانتخابات لعمدية بلدة دنجواي وأسفرت عن حصوله على 1053 صوتاً مقابل 979 صوتاً نالها منافسه السيد/ أحمد حشيش الذي قدم شكوى إلى مديرية أمن الدقهلية تضمنت أن عملية الانتخاب قد شابتها عيوب مبطلة لها فندبت المديرية مفتش تحقيقات لتحقيقها وأسفر التحقيق عن عدم صحة الشكوى وسلامة الانتخابات وقدم مذكرة بذلك إلى لجنة العمد والمشايخ ولكنها قررت بجلسة 2 من أغسطس سنة 1961 بطلان الانتخابات وإعادتها من جديد - وذكر المدعي أنه علم أن سبب هذا القرار هو أن رئيس إحدى اللجان الانتخابية وهي لجنة السعدية سمح لبعض الناخبين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة بالإدلاء بأصواتهم شفهاً على مسمع منه ومن سكرتير اللجنة وأن لجنة العمد والمشايخ رأت في ذلك مخالفة لحكم المادة 23 من القرار رقم 50 لسنة 1957 - وقال أن هذا الادعاء باطل إذ أن محضر لجنة الانتخابات لم يثبت فيه شيء من ذلك وعلى فرض وقوعه فإن التصويت الشفوي عند عدم استطاعة التصويت الكتابي - لا يبطل العملية حسبما هو مستفاد من المادة 54 عن القرار رقم 50 لسنة 1957 التي حصرت الحالات التي يترتب عليها بطلان التصويت - وأنه لذلك تقدم بتظلم من هذا القرار إلى وزير الداخلية في 19 من سبتمبر سنة 1961 ولكن هذا التظلم وما أردفه به من مذكرات لم يؤد إلى نتيجة واعتمد الوزير في 27 من أكتوبر سنة 1961 قرار لجنة العمد والمشايخ ببطلان انتخاب العمدية وإعادتها من جديد - الأمر الذي اضطره إلى التظلم للوزير من قراره المذكور في 13 من نوفمبر سنة 1961، ولكنه قرر في 25 من نوفمبر سنة 1961 حفظ هذا التظلم وأخطر مديرية الأمن بذلك في 26 من نوفمبر سنة 1961 - ومضى المدعي يقول إن قرار الوزير بالموافقة على قرار لجنة العمد والمشايخ هو قرار نهائي يقبل الطعن أمام القضاء الإداري لأنه أنشأ ضده مركزاً قانونياً حال بينه وبين تقلد وظيفة العمدية - فهو بمثابة قرار سلبي بالامتناع عن تعيينه في العمدية ولا محل للاعتراض على ذلك بأن هذا القرار لم ينه النزاع حول العمدية وإنما فتح مرحلة جديدة من مراحلها لأنه هو الذي وقف دون نهائيتها وكان من الواجب إصدار القرار بالموافقة على نتيجة الانتخابات ما دامت ليست هناك أسباب تحول دون هذا التعيين - وأشار المدعي إلى أن قرار البطلان قد استند إلى أقوال رئيس لجنة انتخاب السعدية الذي قرر أن بعض الناخبين أدلوا بأصواتهم شفهاً وذكر أنه يدل على عدم صحة هذا الادعاء أنه لم يثبت ذلك في محضر اللجنة وهو ورقة رسمية لا يجوز إثبات نقيض ما فيه إلا عن طريق الطعن بالتزوير - كما أن أقوال رئيس اللجنة المذكورة قد تناقضت في التحقيقات المتتالية وكان له مصلحة في مظاهرة المنافس وأضاف أن عدم معرفة القراءة والكتابة عذر قاهر يسقط التكليف بإثبات التصويت بمعرفة الناخب شخصياً وأن المادة 23 من القرار رقم 50 لسنة 1957 كانت تنص على جواز التصويت الشفوي وعدل نصها بالقرار رقم 5 لسنة 1958 بالنسبة لانتخاب العمد ولكن التعديل لم يتضمن النص على إبطال التصويت الذي لم يتم شفهاً ولا بطلان إلا بنص وانتهى المدعي إلى القول بأن الانتخابات قد تمت سليمة لم يقع فيها أي تصويت شفوي إلا بالنسبة إلى العجزة والمكفوفين وحتى لو كان التصويت الشفوي غير جائز فإنها لا تبطل لأن العدد الذي قدره سكرتير اللجنة وأعضاؤها لا يبرر إبطال النتيجة لأنه بفرض استبعاده من مجموع الأصوات التي حصل عليها فإنه يبقى مع ذلك متفوقاً وحائزاً على الأغلبية وأنه لذلك يكون قرار لجنة العمد والمشايخ الذي وافق عليه الوزير مشوباً بعيب الخطأ في تطبيق القانون.
ودفعت الوزارة بعدم قبول الدعوى استناداً إلى أنه لم يصدر قرار نهائي برفض تعيين المدعي أو بتعيين غيره في الوظيفة الشاغرة إذ أن الأمر كان لا يزال في دور الإجراءات تطبيقاً للفقرة الأولى من المادة 14 من القانون رقم 106 لسنة 1957 كما دفعت بعدم قبولها أيضاً تأسيساً على أنها رفعت قبل انقضاء ستين يوماً على تاريخ تقديم المدعي لتظلمه في 13 من نوفمبر سنة 1961، وذلك تطبيقاً للمادة 12 من قانون تنظيم مجلس الدولة - وطلبت من باب الاحتياط رفض الدعوى تأسيساً على أنه وفقاً لحكم المادة 23 من القرار الوزاري رقم 50 لسنة 1957 لا يصح إبداء الرأي على غير البطاقة التي تسلم من رئيس اللجنة وعلى أنه تبين عدم وجود من يمثل أحد المرشحين باللجنة وهو السيد/ عبد الرؤوف حشيش وهذا ما حدا بلجنة العمد والمشايخ إلى إصدار قرارها ببطلان عملية الانتخاب وإعادتها وإذ اعتمد الوزير هذا القرار فإنه يكون قد صدر صحيحاً ممن يملكه.
وعقب المدعي على الدفع بعدم قبول الدعوى بقوله أن أحكام التظلم الوجوبي لا تنطبق إلا إذا كان القرار المطعون فيه قابلاً للسحب - وإن القرار المطعون فيه يتعلق بالفصل في طعن في صحة انتخاب العمدة فهو ذو طبيعة قضائية ولا جدوى من التظلم منه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بعدم قبول الدعوى على أن القرار المطعون فيه صدر في 24 من أكتوبر سنة 1961 وتظلم المدعي منه إلى وزير الداخلية ووصل تظلمه في 15 من نوفمبر سنة 1961 ثم أقام دعواه بعريضة أودعت في 2 من يناير سنة 1962 ولم يثبت من الأوراق أنه قد أخطر برفض تظلمه فكان يتعين أن ينتظر انقضاء الستين يوماً المقررة للبت في هذا التظلم - أما وقد تعجل في رفع دعواه في 2 من يناير سنة 1962 فإنها تكون غير مقبولة شكلاً لرفعها قبل الأوان ولا يقدح في ذلك ما ذهب إليه من أنه علم برفض تظلمه في 6 من ديسمبر سنة 1961 إذ الثابت أن إخطاره في هذا التاريخ كان عن تظلمه السابق على صدور القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن كتاب الوزارة المؤرخ 6 من ديسمبر سنة 1961، الذي تلقاه المدعي عن طريق مركز شرطة شربين قد تضمن إبلاغه نتيجة فصل الوزارة في تظلمه المؤرخ 13 من نوفمبر سنة 1961 وبذا يكون ميعاد الطعن في قرار الوزير باعتماد قرار لجنة العمد والمشايخ المبطل لنتيجة انتخاب العمدية قد بدأ في حقه وإذ كانت عبارة كتاب الوزارة صريحة فلا محل للقول بأن هذا الكتاب خاص بالتظلم الأول المقدم قبل عرض قرار اللجنة على الوزير استناداً إلى وجود رقم هذا التظلم على الكتاب المذكور - يضاف إلى ذلك أن الوزارة لم تتخذ في المدة من 2 من يناير سنة 1962 إلى 12 من يناير سنة 1962 قراراً بقبول التظلم أو سحب القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن وزارة الداخلية قد عقبت على التظلم بمذكرة انتهت فيها إلى طلب الحكم برفضه مع إلزام المدعي بالمصروفات.
ومن حيث إنه يبين من الرجوع إلى الأوراق أنه بتاريخ 12 من يوليه سنة 1961 أجريت عملية انتخاب عمدة دنجواي التي كان مشرحاً لها كل من (1) المدعي محمد أمين جمعة (2) وأحمد عبد الرؤوف حشيش (3) وحامد السعيد عطا الله حشيش - وأسفرت عن حصول الأول على 1053 صوتاً والثاني على 979 صوتاً والثالث على 11 صوتاً - وأبطلت لجنة الانتخابات 45 صوتاً وتخلف 368 ناخباً - وقد تقدم المرشح أحمد عبد الرؤوف حشيش بعدة شكاوى طاعناً على عملية الانتخاب وكان من بين مطاعنه أن اللجنة الفرعية رقم 5 بعزبة السعدية أجرت الانتخاب بطريق التصويت الشفوي لعدد يتراوح بين مائة ومائة وخمسين ناخباً - وقام مفتش تحقيقات مديرية الأمن بإجراء تحقيق في هذا الشأن سمعت فيه أقوال السيد/ سعد رمضان موافي رئيس اللجنة الفرعية المذكورة فقرر أن كثيراً من الناخبين أصروا على الإدلاء بأصواتهم شفهاً وأن بعضهم قرر أنه لا يعرف كيف يؤشر بنفسه على بطاقة الانتخاب وأنه في هذه الحالات كان سكرتير اللجنة يؤشر بنفسه على البطاقة وفقاً لرغبة الناخب وكان هو يوقع عليها وأن ذلك كان يتم على مسمع ومشهد من أعضاء اللجنة وقال أنه لا يتذكر عدد من أعطوا أصواتهم شفهاً. كما سمعت أقوال أو عشرة على الأكثر وأن الذين أبدوا أصواتهم شفهاً من غير المرضى والعجزة أعطوا أصواتهم شفهاً وأن بعض الناخبين الآخرين أصروا على إعطاء أصواتهم شفهاً وأنه كان يقوم بالتأشير على بطاقات الانتخاب ويقوم رئيس اللجنة بالتوقيع عليها وأن المرضى والعجزة كانوا في حدود خمسة أو عشرة على الأكثر وإن الذين أبدوا أصواتهم شفهاً من غير المرضى لا يزيدون على عشرين ولو أنه لا يتذكر بالضبط - وعرض الأمر على لجنة العمد والمشايخ بجلسة 2 من أغسطس سنة 1961 فقررت بطلان الانتخاب وإعادته بناءً على ما ارتأته من أن السماح بالتصويت الشفوي يشين عملية الانتخاب ويعرضها للبطلان - وفي 9 من أغسطس سنة 1961 تظلم المدعي من قرار اللجنة إلى وكيل الوزارة طالباً القرار المذكور واعتماد تعيينه عمدة لدنجواي - وقام أحد مفتشي وزارة الداخلية بفحص الموضوع وقدم تقريراً ذكر فيه أنه أثبت في محضر اللجنة الخامسة الفرعية أن عدد الذين أدلوا بأصواتهم 427 وعدد المتخلفين 63 - وأنه أعاد فرز الأصوات التي أعطيت في تلك اللجنة فتبين أن أحمد عبد الرؤوف حشيش حصل على 63 صوتاً تحريرياً و36 صوتاً شفوياً وأن حامد السعيد عطا الله حشيش حصل على ثلاثة أصوات كلها تحريرية وأن محمد أمين جمعة حصل على 187 صوتاً تحريرياً و136 صوتاً شفوياً وأن جملة الأصوات الباطلة اثنان - كما تضمن التقرير أن المرشح أحمد عبد الرؤوف حشيش حصل على 978 صوتاً منها 36 صوتاً شفوياً و924 صوتاً تحريرياً وأن حامد السعيد حشيش حصل على 11 صوتاً تحريرياً - وأن محمد أمين جمعة حصل على 1054 صوتاً منها 136 صوتاً شفوياً و918 صوتاً تحريرياً وانتهى مفتش الداخلية في تقريره إلى أن الأصوات الشفوية التي حصل عليها محمد أمين جمعة وعددها 136 صوتاً لا يمكن معرفة الصحيح منها أي الأصوات التي أعطيت من المكفوفين وذوي العاهات - وغير الصحيح منها أي الأصوات الباطلة التي أعطيت من غيرهم وأنه لذلك يرى الموافقة على قرار لجنة العمد والمشايخ الصادر في 2 من أغسطس سنة 1961 ببطلان عملية الانتخاب وإعادتها - وفي 24 من أكتوبر سنة 1961 رفع الأمر إلى وزير الداخلية فاعتمد قرار اللجنة المذكورة - وفي 15 من نوفمبر سنة 1961 وصل إلى الوزارة تظلم موجه من المدعي إلى الوزير طلب فيه إلغاء التصديق على قرار لجنة العمد والمشايخ واعتماد تعيينه عمدة - وفي 26 من نوفمبر سنة 1961 أرسلت مصلحة الإدارة العامة بالوزارة كتاباً إلى مدير أمن الدقهلية تضمن أن الوزارة رأت حفظ تظلم محمد أمين جمعة من اعتماد الوزارة لقرار لجنة العمد والمشايخ ببطلان الانتخاب الذي أجري في عمدية قرية دنجواي - وفي 29 من نوفمبر سنة 1961 أرسل مدير أمن الدقهلية كتاباً إلى مأمور مركز شربين في شأن تظلم محمد أمين جمعة من اعتماد الوزارة لقرار لجنة العمد والمشايخ طالباً إعلان المذكور كتابة بما تضمنه كتاب الوزارة المؤرخ 26 من نوفمبر سنة 1961 - وفي 6 من ديسمبر سنة 1961 أشر المدعي محمد أمين جمعة على كتاب مدير الأمن بما نصه (علمت وسأرفع دعوى أمام محكمة القضاء الإداري) ثم أقام دعواه التي صدر فيها الحكم المطعون فيه بصحيفة أودعها قلم كتاب المحكمة الإدارية في 2 من يناير سنة 1962.
ومن حيث إن الثابت مما تقدم أن قرار الوزير باعتماد قرار لجنة العمد والمشايخ ببطلان عملية الانتخاب قد صدر في 24 من أكتوبر سنة 1961 وأن المدعي قد تظلم من هذا القرار في 15 من نوفمبر سنة 1961 وأنه أخطر برفض تظلمه من القرار الصادر باعتماد قرار اللجنة في 6 من ديسمبر سنة 1961 وإذ أقام دعواه طالباً إلغاء هذا القرار في 2 من يناير سنة 1962 فإنها تكون قد أقيمت في الميعاد بعد البت في تظلمه سالف الذكر وتكون مقبولة شكلاً - أما ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أنه لم يثبت في الأوراق أنه أخطر برفض تظلمه المقدم في 15 من نوفمبر سنة 1961 وأنه تعجل في رفع دعواه قبل انقضاء الميعاد المقرر للبت في التظلم فتكون غير مقبولة شكلاً - ما ذهب إليه الحكم في هذا الشأن ينطوي على خطأ في تحصيل الواقع ومخالفة للقانون - إذ الثابت من الأوراق أن المدعي قد أخطر برفض تظلمه المذكور - المنصب على اعتماد الوزارة لقرار لجنة العمد والمشايخ - في 6 من ديسمبر سنة 1961 أما النعي على المدعي بأنه تعجل في رفع دعواه فمردود بأن انتظار الميعاد المقرر للبت في التظلم قبل إقامة الدعوى إنما أريد به إفساح المجال أمام الجهة الإدارية لإعادة النظر في قرارها المتظلم منه - فلا محل لانتظار انقضاء هذا الميعاد إذا هي عمدت إلى البت في التظلم قبل انتهائه وكذلك إذا بادر ذو الشأن إلى إقامة دعواه وانقضى الميعاد المذكور أثناء سيرها دون أن تجيب الجهة الإدارية على تظلمه فإنه بهذه المثابة يكون لرفع الدعوى محله ولا يكون هناك وجه للحكم بعدم قبولها لرفعها قبل فوات ذلك الميعاد.
ومن حيث إنه لذلك وإذ قضى الحكم المطعون فيه بعدم قبول دعوى المدعي شكلاً فإنه يكون قد جانب الصواب الأمر الذي يتعين معه إلغاؤه والقضاء بقبولها شكلاً.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الموضوع فإن الثابت في الأوراق أن المدعي حصل على 1053 صوتاً منها 917 صوتاً أبديت عن طريق إثبات الناخبين لآرائهم بأنفسهم على بطاقات الانتخاب - ومنها 136 صوتاً أبديت شفهاً أمام اللجنة الفرعية الخامسة بناحية السعدية وقام سكرتير تلك اللجنة بالتأشير على بطاقات الانتخاب الخاصة بها كما وقع عليها رئيس اللجنة المذكورة - وحصل السيد/ أحمد عبد الرؤوف حشيش على 979 صوتاً منها 943 صوتاً أبديت عن طريق إثبات الناخبين لآرائهم بأنفسهم على بطاقات الانتخاب و36 صوتاً أبديت شفهاً. والمستفاد من التحقيق الذي أجري أن معظم من أدلوا بآرائهم شفهاً لم يكونوا من المكفوفين أو ذوي العاهات الذين لا يستطيعون إثبات آرائهم على بطاقات الانتخاب بأنفسهم.
ومن حيث إن القانون رقم 106 لسنة 1957 في شأن العمد والمشايخ الذي أجري الانتخاب في ظله قد نص في المادة العاشرة منه على أن تبين اللائحة التنفيذية طريقة إبداء الرأي أمام لجان الانتخاب والإجراءات التي تتبعها وكانت هذه اللائحة الصادرة بقرار وزير الداخلية رقم 50 لسنة 1957 تجيز في انتخاب العمدة إعطاء الأصوات شفهاً ولكن رؤى عند تعديلها بالقرار رقم 5 لسنة 1958 العدول عن هذه الطريقة في إبداء آراء ناخبي العمدة فعدلت المادة 18 منها بحيث أصبحت تنص على أن تعد بطاقات انتخاب العمدة بحيث يقترن اسم كل مرشح بصورة تكون هي الرمز الخاص به - كما عدلت المادة 23 منها في شأن إبداء الرأي أمام لجنة الانتخاب بحيث أصبحت تنص على أن ".. يعطي رئيس اللجنة للناخب بطاقة انتخاب ويطلب إليه أن ينتحى خلف الساتر ليبدي رأيه على البطاقة - ومع مراعاة ما نص عليه القانون رقم 73 لسنة 1956 المشار إليه بالنسبة إلى المكفوفين وغيرهم من ذوي العاهات الذين لا يستطيعون أن يثبتوا آراءهم على بطاقة الانتخاب بأنفسهم يكون إبداء الرأي في حالة انتخاب العمد بالنسبة إلى باقي الناخبين بوضع خط أو أية علامة على الرمز الخاص بالمرشح الذي يقوم عليه الاختيار ويكون ذلك بقلم رصاص يعد في كل لجنة لهذا الغرض ولا يصح إبداء الرأي على غير البطاقة التي تسلم من رئيس اللجنة أو بأية طريقة أخرى... وفي جميع الأحوال يجب على رئيس اللجنة أن ينبه الناخب إلى أن كتابة اسمه أو وضع أية علامة أو إشارة تدل عليه على البطاقة أمر يترتب عليه إبطال رأيه..." - وبالرجوع إلى القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية الذي أحالت إليه هذه المادة يبين أنه قد أضيفت فقرة إلى المادة 29 منه نصها "ومع ذلك فإنه يجوز للمكفوفين وغيرهم من ذوي العاهات الذين لا يستطيعون بأنفسهم أن يثبتوا آراءهم على بطاقة الانتخاب أو الاستفتاء أن يبدوها شفاهاً بحيث يسمعهم أعضاء اللجنة وحدهم - وفي هذه الحالة يثبت السكرتير رأي كل ناخب في بطاقته ويوقع عليها الرئيس" - وكانت إضافة هذه الفقرة بمقتضى القانون رقم 235 لسنة 1956 الذي جاء بمذكرته الإيضاحية أن المادة 29 من القانون رقم 73 لسنة 1956 تنص على أن (يكون إبداء الرأي في اختيار المرشحين أو في موضوع الاستفتاء أو في حالة الاستفتاء لرياسة الجمهورية بالتأشير على البطاقة المعدة لذلك وبهذا عدل المشرع عن طريقة إبداء الرأي شفهاً على مسمع من رئيس اللجنة وأعضائها وذلك لضمان السرية التامة وتوفير الحرية الكاملة للناخبين - ولما كانت هناك حالات يعجز فيها الطالب عن إبداء رأيه بالتأشير على البطاقة وهي حالة المكفوفين وغيرهم من ذوي العاهات ولما كان قيام العاهة وحده لا يصلح سبباً لحرمان المواطن من حقوقه السياسية ما لم يلحق به مانع من موانع الانتخابات فإن الأمر يقتضي تعديل القانون ليكون لكل من هؤلاء حق إبداء رأيه شفهاً بحيث يسمعه أعضاء اللجنة وحدهم....).
ومن حيث إن المستفاد مما تقدم أن اللائحة التنفيذية للقانون رقم 106 لسنة 1957 قد عدلت بالقرار رقم 5 لسنة 1958 بحيث أصبحت أحكامها في شأن طريقة إبداء الرأي في حالة انتخاب العمد متفقة مع أحكام القانون رقم 73 لسنة 1956 - فلم يعد من الجائز إبداء الرأي شفهاً إلا على سبيل الاستثناء بالنسبة إلى المكفوفين وغيرهم من ذوي العاهات التي تحول دون إمكان إبداء الرأي بالتأشير على بطاقات الانتخاب - وذلك لضمان السرية التامة وتوفير الحرية الكاملة للناخبين.
ومن حيث إنه لذلك فإن السماح بإبداء الرأي شفهاً لغير المكفوفين وذوي العاهات ينطوي على إهدار لإحدى الضمانات الأساسية التي أريد تحقيقها لكفالة سلامة الانتخاب - هي السرية التامة تمكيناً للناخبين من الإعراب عن آرائهم الحقيقية بحرية تامة دون خوف أو وجل.
ومن حيث إنه فضلاً عن أن في إغفال هذه الضمانة الجوهرية ما يكفي لإبطال الآراء التي تعطى شفهاً فإن المادة 23 من اللائحة المشار إليها قد قضت ببطلانها بنصها على أنه لا يصح إبداء الرأي بغير الطريقة المنصوص عليها فيها وهي وضع خط أو علامة على الرمز الخاص بالمرشح الذي يقع عليه الاختيار - كما تضمنت النص على هذا البطلان أيضاً المادة 54 منها التي قضت بأن تكون باطلة كل الآراء التي تعطى على ورقة بها أية علامة أو إشارة قد تؤثر على سرية الانتخاب.
ومن حيث إنه لذلك فإن الآراء التي أعطيت شفهاً في انتخاب عمدة دنجواي تكون باطلة عدا ما كان منها خاصاً بالمكفوفين وذوي العاهات.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن عدد الأصوات الشفوية التي حصل عليها المدعي 136 صوتاً والتي حصل عليها منافسه أحمد عبد الرؤوف حشيش 36 صوتاً - كما أن المستفاد من التحقيق وعلى الأخص من أقوال سكرتير اللجنة الفرعية الخامسة التي أدلى أمامها بالأصوات المذكورة أن المرضى والعجزة ممن أدلوا بها كانوا في حدود خمسة أو عشرة على الأكثر الأمر الذي يترتب عليه بطلان ما جاوز هذا العدد من الأصوات التي أعطيت شفهاً - وإذ كان الفرق بين جملة الأصوات التي حصل عليها المدعي وبين تلك التي حصل عليها منافسه المذكور لا يجاوز 74 صوتاً فإن بطلان الأصوات المذكورة من شأنه أن يؤثر على الانتخاب.
ومن حيث إنه لذلك يكون قرار لجنة العمد والمشايخ الصادر في 2 من أغسطس سنة 1961 ببطلان الانتخاب وإعادته والمعتمد من وزير الداخلية في 24 من أكتوبر سنة 1961 قراراً سليماً قائماً على سبب صحيح مستخلص استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجه ويكون طلب المدعي إلغاء هذا القرار غير قائم على أساس الأمر الذي يتعين معه الحكم برفض دعواه وإلزامه بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى شكلاً وبرفضها موضوعاً وألزمت المدعي بكامل المصروفات.