مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 451

(58)
جلسة 8 من مارس سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور أحمد موسى - وكيل مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري ومحمد طاهر عبد الحميد ويوسف إبراهيم الشناوي، ومحمد صلاح الدين السعيد - المستشارين.

القضية رقم 814 لسنة 13 القضائية

( أ ) - دعوى "الحكم فيها" حجية الأحكام.
الحكم الصادر في طلب وقف التنفيذ هو حكم قطعي له مقومات الأحكام وخصائصها - مدى حجيته بالنسبة إلى ما فصل فيه من مسائل فرعية قبل البت في الموضوع. أساس ذلك، حجية الشيء المقضي تسمو على قواعد النظام العام.
(ب) - المحكمة الإدارية العليا "الطعن أمامها" مرافعات.
نص المادة 404 من قانون المرافعات القديم وما يقابلها من نصوص في القانون الجديد بشأن استئناف جميع الأحكام التي سبق صدورها تبعاً لاستئناف الحكم الصادر في الموضوع لا محل لإعمالها على الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا.
(جـ) - تأميم - تقرير الضمان اتفاقاً أو بحكم القانون.
القانون رقم 72 لسنة 1963 بتأميم بعض الشركات والمنشآت - حق دائني الشركات والمنشآت المؤممة في استيفاء ديونهم من الأموال الخاصة بأصحاب هذه الشركات والمنشآت وأموال زوجاتهم وأولادهم - تقرير حق امتياز على أموالهم جميعاً لصالح هؤلاء الدائنين لا يستتبع منعهم من التصرف في أموالهم ما دامت الجهات الدائنة لم تتخذ الإجراءات القانونية لاستيفاء حقوقها - أساس ذلك، إن تقرير الضمان اتفاقاً أو بحكم القانون لا يستتبع المنع من التصرف في هذه الأموال.
1 - إنه من الأمور المسلمة أنه وإن كان الحكم الذي سيصدر في موضوع طلب وقف التنفيذ أو عدمه على حسب الظاهر الذي تبدو به الدعوى، لا يمس أصل طلب الإلغاء فلا يقيد المحكمة عند نظر أصل هذا الطلب موضوعاً، غير أن الحكم الصادر في طلب وقف التنفيذ، هو حكم قطعي له مقومات الأحكام وخصائصها، وينبني على ذلك أنه يحوز حجية الأحكام في خصوص موضوع الطلب ذاته، ولو أنه مؤقت بطبيعته، طالما لم تتغير الظروف، كما يحوز هذه الحجية من باب أولى بالنسبة لما فصلت المحكمة فيه من مسائل فرعية قبل البت في موضوع الطلب، كالدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري أصلاً بنظر الدعوى بسبب يتعلق بالوظيفة أو بعدم اختصاص المحكمة أصلاً بنظرها بحسب موضوعها، أو بعدم قبولها أصلاً لرفعها بعد الميعاد أو لأن القرار المطعون فيه ليس نهائياً، إذ قضاء المحكمة في هذا كله ليس قطعياً فحسب، بل هو نهائي وليس مؤقتاً، فيقيدها عند نظر طلب إلغائه ولا يجوز لمحكمة القضاء الإداري إذا ما فصلت في دفع من هذا القبيل، أن تعود عند نظر طلب الإلغاء فتفصل فيه من جديد، لأن حكمها الأول قضاء نهائي حائز لحجية الأحكام ثم لقوة الشيء المحكوم به، وإذا قضت المحكمة على خلاف ما قضت به يكون حكمها معيباً لمخالفته لحكم سابق حاز قوة الشيء المحكوم به، ذلك لأن حجية الأمر المقضي، تسمو على قواعد النظام العام، فلا يصح إهدار تلك الحجية بمقولة أن الاختصاص المتعلق بالوظيفة من النظام العام.
2 - لا محل لتطبيق الأحكام التي تضمنها نص المادة 404 من قانون المرافعات القديم وما يقابلها من نصوص القانون الجديد وهي خاصة باستئناف الأحكام إذ لا تتسع لهذا الأحكام حالات الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا التي وردت في المادة 15 من قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 وهي المقابلة للمادتين 425، 426 من قانون المرافعات القديم بشأن الطعن بالنقض وما يقابلهما من نصوص قانون المرافعات الجديد.
3 - وإن كانت المادة الرابعة من القانون رقم 72 لسنة 1963 بتأميم بعض الشركات والمنشآت قد منحت دائني الشركات والمنشآت المؤممة التي لم تكن أسهمها متداولة في البورصة، أو كان قد مضى على تداولها أكثر من ستة أشهر، أو كانت غير متخذة شكل شركات المساهمة والتي زادت خصومها على أصولها، الحق في استيفاء ديونهم من الأموال الخاصة بأصحاب هذه الشركات والمنشآت، وأموال زوجاتهم، وأولادهم، مع تقرير حق امتياز على أموالهم جميعاً لصالح هؤلاء الدائنين غير أن ذلك لا يستتبع منع المدينين من التصرف في أموالهم، ما دامت الجهات الدائنة لم تتخذ الإجراءات القانونية لاستيفاء حقوقها، ذلك لأن تقرير الضمان سواء كان اتفاقياً أو بحكم القانون لا يستتبع المنع من التصرف في هذه الأموال.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
من حيث إن وقائع المنازعة تتحصل، حسبما يبين من الأوراق، في أن المدعي أقام الدعوى رقم 22 لسنة 20 القضائية ضد وزير العدل ورئيس مأمورية الشهر العقاري والتوثيق ببندر المحلة الكبرى بعريضة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 10 من أكتوبر سنة 1965 طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من رئيس مأمورية الشهر العقاري والتوثيق ببندر المحلة الكبرى في 11 من أغسطس سنة 1965 بوقف التصديق على بيع مقطورة السيارة رقم 899 واعتباره كأن لم يكن، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ هذا القرار، وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه بتاريخ 11 من أغسطس سنة 1965، باع إلى السيدين محمد محمود عبد المجيد وحافظ أحمد الشوادفي مقطورة سيارة رقم 899 مرخصة باسمه من إدارة مرور القاهرة، بثمن قدره 1800 جنيه، ثم تقدم بالعقد في اليوم ذاته إلى مأمورية الشهر العقاري والتوثيق ببندر المحلة الكبرى للتصديق عليه، فأشرت المأمورية بوقف التصديق على المحرر طبقاً لخطاب شركة الدلتا للغزل والنسج المؤرخ 16 من مايو سنة 1965 بإيقاف التعامل، وقال المدعي أن هذا التصرف مخالف للقانون وينطوي على إساءة استعمال السلطة، ذلك لأن شركة الدلتا للغزل والنسج صاحبة الخطاب المنوه عنه بقرار وقف التصديق، من الأشخاص المعنوية الخاصة، ولا تملك بهذه الصفة أن تحجز على تصرفات غيرها من الأشخاص، وبذلك يكون إيضاح مأمورية الشهر العقاري والتوثيق لما طلبته منها تلك الشركة على غير سبب صحيح ويكون القرار الصادر من المأمورية بوقف التصديق على العقد مخالفاً للقانون ومشوباً بالتعسف في استعمال السلطة.
ردت إدارة قضايا الحكومة على الدعوى بالنسبة إلى الشق المستعجل منها بأنه لا يترتب على القرار المطعون فيه نتائج يتعذر تداركها، كما أن الطعن لا يقوم على أسباب جدية حسبما يبين من رد مصلحة الشهر العقاري، وأودعت إدارة القضايا مذكرة صادرة من الأمين العام للشهر العقاري مؤرخة 5 من ديسمبر سنة 1965 جاء فيها أن مصلحة الشهر العقاري تلقت كتاباً من شركة الدلتا للغزل والنسج بتاريخ 16 من مايو سنة 1965 تطلب فيه وقف التصديق على عقد بيع المقطورة المشار إليها، لأن المدعي هو أحد أصحاب شركة محمود علي المسيري وشركاه المؤممة بموجب القانون رقم 72 لسنة 1963، وقد أسفر تقييم هذه الشركة عن رأسمال قدره صفر، وخسارة مقدارها 6856 جنيه و991 مليم وتأسيساً على ما جاء بالمادة الرابعة من القانون، يكون من حق الشركة الرجوع على المدعي في أمواله وأموال زوجته وأولاده على اعتبار أن هذه الأموال أصبحت ضامنة للوفاء بالالتزامات الزائدة على أصول هذه المنشآت ويكون للدائنين حق امتياز على جميع هذه الأموال، أي أنه ترتب على المقطورة محل النزاع حق امتياز لصالح الدولة التي أصبحت مالكة للشركة بحكم القانون، وعلى ذلك فإن سبب الامتناع عن توثيق العقد هو تنفيذ أحكام القانون رقم 72 لسنة 1963 المشار إليه، وإذ كان التأميم عملاً من أعمال السيادة لذلك لا تختص محكمة القضاء الإداري بنظر أي نزاع يتعلق به، ويخرج النزاع المطروح عن اختصاص مجلس الدولة ويضاف إلى ذلك أن المادة السابعة من قانون التوثيق رقم 68 لسنة 1947 تنص على أنه لمن يرفض توثيق محرره أن يتظلم إلى قاضي الأمور الوقتية، ويكون الطعن في قرار هذا الأخير أمام غرفة المشورة، ومن ثم فإنه على أي حال لا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى، وانتهت مصلحة الشهر العقاري في دفاعها إلى طلب الحكم بصفة أصلية بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى لأن القرار المطعون فيه يتعلق بإجراء من إجراءات التأميم والقرارات المنفذة له وبصفة احتياطية بعدم اختصاص مجلس الدولة بنظر الدعوى عملاً بنص المادة السابعة من القانون رقم 68 لسنة 1947 في شأن التوثيق.
وبجلسة 28 من ديسمبر سنة 1965 حكمت المحكمة برفض الدفعين بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها ورفض طلب وقف التنفيذ، وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة إلى الدفع بعدم الاختصاص إلى أن القرار الصادر من مأمورية الشهر العقاري بالامتناع عن توثيق عقد بيع مقطورة المدعي، ليس إجراء من إجراءات التأميم التي نص عليها القانون الذي بموجبه أممت شركة محمود علي المسيري وشركاه، ويضاف إلى ذلك بالنسبة إلى الطلب الاحتياطي، فإنه وإن كانت المادة السابعة من القانون رقم 68 لسنة 1947 قد أجازت لمن يرفض توثيق محرره أن يتظلم إلى قاضي الأمور الوقتية خلال العشرة الأيام التالية لإبلاغه بقرار الرفض، ثم إلى غرفة المشورة، غير أن هذا الاختصاص ليس اختصاصاً مانعاً من ولاية القضاء الإداري، ذلك لأن الطريق الذي رسمه القانون المشار إليه ليس طريقاً محققاً لمزايا الطعن بالإلغاء، ومن ثم يكون الدفع بعدم الاختصاص بشقيه على غير أساس حقيقاً بالرفض، وأما بالنسبة إلى موضوع طلب وقف التنفيذ فرأت المحكمة أنه لن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها ومن ثم يكون الطلب المستعجل على غير أساس حقيقاً بالرفض.
وبعد أن تم تحضير الدعوى أحيلت إلى محكمة القضاء الإداري وتحدد لنظرها جلسة 27 من ديسمبر سنة 1966 والجلسات التالية، وفيها أعدت إدارة قضايا الحكومة مذكرة دفعت فيها بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى تأسيساً على أن القرار المطعون فيه الصادر من مصلحة الشهر العقاري إعمالاً لأحكام القانون رقم 68 لسنة 1947 لا يعتبر قراراً إدارياً طبقاً لما انتهى إليه قضاء المحكمة الإدارية العليا، وبصفة احتياطية طلبت إدارة قضايا الحكومة رفض الدعوى موضوعاً.
ومن حيث إنه بجلسة 28 من مارس سنة 1967 حكمت المحكمة بإلغاء القرار المطعون فيه وأقامت قضاءها بالنسبة إلى الدفع بعدم الاختصاص على أساس أن الحكومة سبق أن أبدت هذا الدفع أمام المحكمة أثناء نظر الطلب المستعجل، وانتهت المحكمة إلى رفضه بحكمها الصادر في 28 من ديسمبر سنة 1965 ومن ثم يتعين عدم جواز نظر هذا الدفع لسابقة الفصل فيه، وأما بالنسبة إلى الموضوع فذهب الحكم إلى أنه وإن كانت المادة الرابعة من القانون رقم 72 لسنة 1963 بتأميم بعض الشركات والمنشآت قد منحت دائني الشركات والمنشآت المؤممة التي لم تكن أسهمها متداولة في البورصة، أو كان قد مضى على تداولها أكثر من ستة أشهر، أو كانت غير متخذة شكل شركات المساهمة والتي زادت خصومها على أصولها، الحق في استيفاء ديونهم من الأموال الخاصة بأصحاب هذه الشركات والمنشآت، وأموال زوجاتهم، وأولادهم، مع تقرير حق امتياز على أموالهم جميعاً لصالح هؤلاء الدائنين غير أن ذلك لا يستتبع منع المدينين من التصرف في أموالهم، ما دامت الجهات الدائنة لم تتخذ الإجراءات القانونية لاستيفاء حقوقها، ذلك لأن تقرير الضمان سواء كان اتفاقياً أو بحكم القانون لا يستتبع المنع من التصرف في هذه الأموال، ونظراً لأنه لم يثبت من الأوراق أن شركة الدلتا للغزل والنسج أو غيرها من الدائنين لشركة محمد علي المسيري وشركاه، قد اتخذت الإجراءات التي تؤدي إلى منع المدعي من التصرف في المقطورة محل النزاع، فإن مأمورية الشهر العقاري إذ أصدرت قرارها المطعون فيه بإيقاف التصديق على عقد بيع المقطورة المملوكة للمدعي بما يؤدي إلى عدم إمكان نقل ترخيصها إلى المشترين، تكون قد خالفت القانون ويتعين لذلك الحكم بإلغاء قرارها.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ذلك لأن القرار المطعون فيه صدر استناداً إلى أحكام القانون رقم 68 لسنة 1947 في شأن التوثيق، وهو من قبيل الأعمال المادية التي لا يقصد بها تحقيق مراكز قانونية أو المساس بحقوق مكتسبة، ولا تتوافر فيه مقومات القرارات النهائية، طبقاً لما انتهى إليه قضاء المحكمة الإدارية العليا، ومن ثم يخرج النظر في طلب إلغائه عن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري، ولما كان الدفع بعدم الاختصاص الولائي من الدفوع المتعلقة بالنظام العام فمن ثم تجوز إثارته في أية حالة كانت عليها الدعوى.
ومن حيث إنه مهما يكن النظر الصحيح في شأن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر طلب إلغاء القرار الصادر من رئيس مأمورية الشهر العقاري والتوثيق الصادر في 11 من أغسطس سنة 1965 برفض التصديق على بيع مقطورة المدعي، فإن الفصل في سند هذا الاختصاص ينبغي أن يتقيد بواقع ماثل في ظروف الدعوى، لا مناص من إدخاله في الاعتبار وتغليبه على أي اعتبار آخر وهو أن ثمة حكماً صدر من محكمة القضاء الإداري بتاريخ 28 من ديسمبر سنة 1965 قبل الفصل في الموضوع، قضى برفض الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى، وباختصاصها، ولم يطعن في هذا الحكم في خلال الستين يوماً التالية، ولم تثر وزارة العدل موضوع الاختصاص إلا عند طعنها في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بتاريخ 28 من مارس سنة 1967 في موضوع الدعوى.
ومن حيث إنه من الأمور المسلمة أنه وإن كان الحكم الذي سيصدر في موضوع طلب وقف التنفيذ أو عدمه على حسب الظاهر الذي تبدو به الدعوى، لا يمس أصل طلب الإلغاء فلا يقيد المحكمة عند نظر أصل هذا الطلب موضوعاً، غير أن الحكم الصادر في طلب وقف التنفيذ، هو حكم قطعي له مقومات الأحكام وخصائصها، وينبني على ذلك أنه يحوز حجية الحكام في خصوص موضوع الطلب ذاته، ولو أنه مؤقت بطبيعته، طالما لم تتغير الظروف، كما يحوز هذه الحجية من باب أولى بالنسبة لما فصلت المحكمة فيه من مسائل فرعية قبل البت في موضوع الطلب، كالدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري أصلاً بنظر الدعوى بسبب يتعلق بالوظيفة، أو بعدم اختصاص المحكمة أصلاً بنظرها بحسب موضوعها، أو بعدم قبولها أصلاً لرفعها بعد الميعاد أو لأن القرار المطعون فيه ليس نهائياً، إذ قضاء المحكمة في هذا كله ليس قطعياً فحسب، بل هو نهائي وليس مؤقتاً، فيقيدها عند نظر طلب إلغائه ولا يجوز لمحكمة القضاء الإداري إذا ما فصلت في دفع من هذا القبيل، أن تعود عند نظر طلب الإلغاء فتفصل فيه من جديد، لأن حكمها الأول قضاء نهائي حائز لحجية الأحكام ثم لقوة الشيء المحكوم به، وإذا قضت المحكمة على خلاف ما قضت به يكون حكمها معيباً لمخالفته لحكم سابق حاز قوة الشيء المحكوم به.
ومن حيث إنه لما كانت محكمة القضاء الإداري قد التزمت ذلك في حكمها الصادر في موضوع الدعوى وقضت بعدم جواز نظر الدفع بعدم الاختصاص لسابقة الفصل فيه، فإنها تكون قد أصابت الحق في قضائها، ويكون الحكم الصادر منها برفض الدفع بعدم الاختصاص والذي لم يطعن فيه في المواعيد القانونية حجة فيما فصل فيه ويعتبر عنواناً للحقيقة، حتى ولو كان قد تنكب وجه الصواب في مسائل تتصل بالنظام العام كرفض الدفع بعدم الاختصاص المتعلق بالوظيفة، ذلك لأن حجية الأمر المقضي، تسمو على قواعد النظام العام، فلا يصح إهدار تلك الحجية بمقولة أن الاختصاص المتعلق بالوظيفة من النظام العام.
ومن حيث إنه لا اعتداد في هذا الشأن بما قد يثار من أنه كان ممتنعاً على وزارة العدل الطعن في الحكم الصادر برفض الدفع بعدم الاختصاص بعد أن قضت المحكمة في موضوع الطلب المستعجل برفضه، لانعدام مصلحة الوزارة في الطعن، أو أن الطعن في الحكم الصادر في موضوع الدعوى يستتبع حتماً الطعن في جميع الأحكام التي سبق صدورها قبل الفصل في الموضوع ما لم تكن قد قبلت صراحة، عملاً بنص المادة 404 من قانون المرافعات القديم المقابلة للمادة 229 من قانون المرافعات الجديد لا اعتداد لذلك، لأنه بالنسبة إلى الاعتراض الأول، فليس من شك في أنه كان لوزارة العدل الطعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري برفض الدفع بعدم الاختصاص، باعتبار أن لها مصلحة محققة في إلغاء ذلك الحكم، لأن هناك احتمالاً بألا تأخذ محكمة القضاء الإداري عند نظر الدعوى الموضوعية بوجهة نظرها. وتقضي تبعاً لذلك بإلغاء القرار المطعون فيه، ولذلك فلا يسوغ القول بأنه كان ممتنعاً على الوزارة الطعن في الحكم لانعدام مصلحتها في ذلك، وأما بالنسبة إلى الاعتراض الآخر، فإنه لا محل لتطبيق الأحكام التي تضمنها نص المادة 404 من قانون المرافعات القديم وما يقابلها من نصوص القانون الجديد وهي خاصة باستئناف الأحكام إذ لا تتسع لهذا الأحكام حالات الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا التي وردت في المادة 15 من قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 وهي المقابلة للمادتين 425، 426 من قانون المرافعات القديم بشأن الطعن بالنقض وما يقابلهما من نصوص قانون المرافعات الجديد.
ومن حيث إنه يخلص من كل ما تقدم إنه إزاء سبق صدور حكم محكمة القضاء الإداري برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة لانتفاء الولاية وباختصاصها بنظر الدعوى وصيرورة هذا الحكم نهائياً بعدم الطعن فيه في المواعيد المحددة لذلك، فإنه يكون ممتنعاً نظر هذا الدفع لسبق الفصل فيه وذلك مهما يكن الرأي في سلامته، ومن ثم يكون هذا الوجه من الطعن على غير أساس.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الموضوع فإن الحكم المطعون فيه سليم فيما انتهى إليه للأسباب التي قام عليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة وتعتبرها أسباباً لحكمها، ومن ثم يكون الطعن على غير أساس سليم من القانون ولذلك يتعين الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً مع إلزام الطاعنة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً، وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.