مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 485

(62)
جلسة 9 من مارس سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي وسليمان محمود جاد ومحمد فهمي طاهر وإبراهيم خليل الشربيني - المستشارين.

القضية رقم 1325 لسنة 13 القضائية

( أ ) - هيئات الشرطة "ترقية" كادر هيئات الشرطة الذي وافق عليه مجلس الوزراء في 29 من مايو 1944 - المركز القانوني الوحيد المستمد منه مباشرة - وضع الموظف في الدرجة المخصصة لوظيفته بالكادر بأول مربوطها - التسلسل في الدرجات التالية محكوم بقواعد الترقية - المركز القانوني فيها لا ينشأ إلا باستصدار قرار إداري بالشروط والقيود والأوضاع التي نص عليها القانون رقم 140 لسنة 1944.
(ب) - وزارة الداخلية "موظفوها من غير رجال الشرطة" إدماجهم مع ضباط الشرطة في كشف أقدمية واحد - يشترط لإدماجهم مع ضباط الشرطة في كشف أقدمية واحد وفقاً لنص المادة 143 من القانون رقم 234 لسنة 1955، أن يكونوا عند العمل بهذا القانون شاغلين لوظيفة معاون إدارة أو إحدى الوظائف المنصوص عليها في المادة 14 من القانون المشار إليه - ما عدا هؤلاء من الموظفين فإن وزير الداخلية يترخص في اعتبارهم ضباطاً وتحديد أقدميتهم وذلك وفقاً للمادة 146 من القانون المشار إليه.
(جـ) - إدارة الجوازات والجنسية "طبيعة وظائفها".
لا تعتبر وظائف إدارة الجوازات والجنسية كلها بوليسية بطبيعتها، أساس ذلك.
(د) قانون "أثر مباشر" القانون رقم 234 لسنة 1955 الخاص بنظام هيئة البوليس - مؤدى الأثر المباشر له أن يسري حكم الفقرة الثالثة عشر من المادة 14 منه بعد العمل بهذا القانون.
1 - يبين من مطالعة كادر هيئات الشرطة الذي وافق عليه مجلس الوزراء في 29 من مايو سنة 1944 أن المركز القانوني الوحيد المستمد منه مباشرة، والذي يستصحب تطبيقه، هو وضع الموظف في الدرجة المخصصة لوظيفته بالكادر بأول مربوطها، بشروط وقيود نص عليها في قرار مجلس الوزراء الصادر في 23 من نوفمبر سنة 1944، ومؤدى ذلك، أن التسلسل في الدرجات التالية، محكوم بقواعد الترقية. التي لا بد لإنشاء المركز القانوني فيها من استصدار قرار إداري، بالشروط والقيود والأوضاع التي نص عليها القانون رقم 140 لسنة 1944 الخاص بنظام هيئات البوليس واختصاصاتها.
2 - لكي يحق للموظف بوزارة الداخلية من غير ضباط الشرطة - أن تسوى حالته بإدماجه مع ضباط الشرطة في كشف أقدمية واحد، وفقاً لنص المادة 143 من القانون رقم 234 لسنة 1955، أن يكون عند العمل بهذا القانون، في أول مايو سنة 1955، من بين رجال الإدارة الذين عنتهم المادة 142 منه، بأن يكون شاغلاً وظيفة معاون إدارة، أو إحدى الوظائف المنصوص عليها في المادة 14 من القانون المشار إليه، وإنه إذا لم يكن الموظف من بين هؤلاء، فإن وزير الداخلية يترخص - في حدود سلطته التقديرية - في اعتباره ضابطاً، وتحديد أقدميته مع الشاغلين لوظائف هيئة الشرطة، أو عدم اعتباره كذلك، وذلك وفقاً لحكم المادة 146 من القانون المتقدم ذكره.
3 - إن وظائف إدارة الجوازات والجنسية لا تعتبر كلها بوليسية بطبيعتها، فمنها ما لا يعتبر كذلك، مثل الوظيفة التي كان يشغلها المدعي، وآية ذلك، أنها لم كانت تعتبر بوليسية بطبيعتها لما كانت ثمة ضرورة لإصدار قرار وزير الداخلية رقم 678 في 29 من نوفمبر سنة 1949، بإدخالها ضمن هيئات الشرطة.
4 - إن حكم الفقرة الثالثة عشرة من المادة 14 من القانون رقم 234 لسنة 1955 يتعلق بالوظائف التي يقرر وزير الداخلية إدخالها ضمن هيئة الشرطة بعد العمل بالقانون رقم 234 لسنة 1955 الخاص بنظام هيئة البوليس، وهذا هو المفهوم السليم للأثر المباشر لهذا القانون الأخير فضلاً عن أن المشرع قد استعمل لفظ "يقرر" أي اللفظ الذي يدل على المستقبل، ولا ينصرف البتة إلى الماضي.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إنه ولئن كان تقرير الطعن، قد أودع قلم كتاب هذه المحكمة يوم 5 من أغسطس سنة 1967، على حين صدر الحكم المطعون فيه بجلسة 5 من يونيه سنة 1967، إلا أن يوم 4 من أغسطس سنة 1967، وهو آخر ميعاد للطعن قد صادف عطلة رسمية، وهي عطلة يوم الجمعة، ومن ثم يمتد الميعاد - بالتطبيق للمادة 13 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الذي كان سارياً وقتذاك - إلى أول يوم عمل بعدها، وهو يوم السبت الموافق 5 من أغسطس سنة 1967 الذي أودع فيه تقرير الطعن قلم كتاب هذه المحكمة، ويكون الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 213 لسنة 18 القضائية ضد السيد وزير الداخلية بصفته، بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 17 من ديسمبر سنة 1963، طلب فيها الحكم: "أصلياً - بتسوية حالته بتعديل أقدميته في الدرجة الرابعة، وجعلها من 19 من يوليه سنة 1950، مع ما يترتب على ذلك من آثار، على النحو المبين بصلب العريضة، بالتطبيق لكادر هيئة البوليس، مع ما يترتب على ذلك من فروق مالية وبدلات في الدرجات التالية واحتياطياً - بتسوية حالته بتعديل أقدميته في الدرجة الرابعة، وجعلها من 29 من نوفمبر سنة 1950، مع ما يترتب على ذلك من آثار على النحو المبين بصلب العريضة، بالتطبيق لكادر هيئة البوليس، مع ما يترتب على ذلك من فروق مالية وبدلات في الدرجة التالية، مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وتوجز أسانيد دعواه في أنه في 25 من فبراير سنة 1961، صدر لصالحه حكم من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1172 لسنة 5 القضائية، قضى باستحقاقه تسوية حالته بالتطبيق لكادر هيئات البوليس تنفيذاً لقرار وزير الداخلية الصادر في 29 من نوفمبر سنة 1949، مع ما يترتب على ذلك من آثار، ولكن وزارة الداخلية أجرت له - تنفيذاً للحكم المذكور - تسوية مبتورة، قصرتها على رفع مرتبة إلى أول مربوط الدرجة الخامسة اعتباراً من 29 من نوفمبر سنة 1949، حتى أول مايو سنة 1950، على حين أنه كان من المتعين - في نظره - أن يوضع بحسب أقدميته بين زملائه من رجال الإدارة، وأن يدمج اعتباراً من أول مايو سنة 1955 ضمن ضباط الشرطة بالرتبة الشرفية المقابلة لدرجته التي يصل إليها بعد إجراء التسوية على الوجه الصحيح وفقاً لأحكام القانون رقم 234 لسنة 1955 الخاص بنظام هيئة البوليس، وهذا ليس تنفيذاً لحكم المحكمة الإدارية العليا فحسب، بل أيضاً بوصفه يشغل في تاريخ نفاذ القانون رقم 234 لسنة 1955 المشار إليه وظيفة رئيس قسم بمصلحة الهجرة والجوازات والجنسية وهي من الوظائف التي تعتبر بوليسية بطبيعتها، فيعتبر هو بالتالي من رجال الإدارة في مفهوم المادة 142 من هذا القانون، وترتيباً على ذلك، يتعين في رأيه تسوية حالته باعتباره في الدرجة الرابعة من 29 من يوليه سنة 1950، وفي الدرجة الثالثة من أول نوفمبر سنة 1954، ثم يدمج مع ضباط الشرطة بالرتبة الشرفية المقابلة للدرجة الثالثة اعتباراً من أول مايو سنة 1955 بأن يوضع في كشوف أقدمية البكباشية قبل البكباشي شرف محمد عبد العزيز أحمد ندا، ثم يتدرج في الترقية أسوة به إلى رتبة العميد، وعلى أسوأ الفروض يتعين إدماجه بالرتبة الشرفية المقابلة للدرجة الرابعة اعتباراً من أول مايو سنة 1955، بأن يوضع في كشوف أقدمية الصاغات، ثم يتدرج في الترقية إلى الرتب الأعلى. وقد أجابت وزارة الداخلية عن الدعوى بأن الحكم الصادر لصالح المدعي من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1172 لسنة 5 القضائية، لا يتضمن أكثر من صرف الفروق المالية بين كادر الموظفين المدنيين وبين كادر هيئات الشرطة، وهو ما أفتت به الجمعية العمومية للقسم الاستشاري بمجلس الدولة في 6 من يونيه 1961 في خصوص حالة أحد زملائه الذي كان قد صدر له حكم مماثل، وأن مجرد تطبيق كادر هيئات الشرطة وفقاً لقرار وزير الداخلية الصادر في 29 من نوفمبر سنة 1949، لا يجعل من المدعي ضابطاً، لأن الضباط مجرد فئة واحدة من فئات هذا الكادر، وقد ألغي قرار وزير الداخلية المذكور بالقانون رقم 234 لسنة 1955، الذي أنشأ نظاماً جديداً، يختلف تماماً عن النظام السابق، وقد كان من ضمن ما ألغي من النظام السابق، وضع المندمجين مع الضباط ومعاوني الإدارة. فإما أن يكون الشخص ضابطاً تتوفر فيه الشروط الواردة في القانون رقم 234 لسنة 1955، وإما لا يكون كذلك فيسرى عليه الكادر العام، وينتج عن ذلك، التفرقة التامة بين الضباط الذين يخضعون لكادر البوليس، وبين موظفي الوزارة الباقين الذين يخضعون للكادر العام، أما ما يطالب به المدعي من اعتباره في الدرجة الرابعة من 29 من يوليه سنة 1950 وفي الدرجة الثالثة من أول نوفمبر سنة 1954، ثم إدماجه مع ضباط الشرطة بالرتبة المقابلة للدرجة الثالثة اعتباراً من أول مايو سنة 1955، ثم باعتباره مقدماً، ثم ترقيته إلى رتبة عقيد ثم عميد، فمردود بأن إرجاع أقدميته في هذه الدرجة يعتبر طعناً بالإلغاء في قرارات الترقية الصادرة في هذه التواريخ، وقد فاتت مواعيد الطعن بالإلغاء في هذه القرارات، هذا إلى جانب أن المدعي لا يجوز له أن يكون ضابطاً. وبجلسة 5 من يونيه سنة 1967 قضت محكمة القضاء الإداري "بقبوله الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بأحقية المدعي في تسوية حالته باعتباره مندمجاً مع الضباط وفقاً لأحكام القانون رقم 234 لسنة 1955، في الرتبة الشرفية المقابلة لدرجته، وتسلسله مع طائفة رجال الإدارة بأقدميته في الدرجة الخامسة، وقت خروجه من الكادر العام وانضمامه إلى كادر هيئات الشرطة، طبقاً لحكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1172 لسنة 5 القضائية، وأحقيته في الترقية مع من يساويه في الأقدمية من زملائه، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الوزارة المصروفات". وأقامت قضاءها على أن الطلب الأول من طلبات المدعي وهو اعتباره مندمجاً مع ضباط الشرطة تنفيذاً للحكم الصادر لصالحه من المحكمة الإدارية العليا، في الطعن رقم 1172 لسنة 5 القضائية، يعتبر من دعاوى التسويات التي لا تتقيد بمواعيد الطعن بالإلغاء وأن المدعي كان وقت العمل بالقانون رقم 234 لسنة 1955 يشغل وظيفة من وظائف إدارة الجوازات الجنسية التي تقرر إدخالها ضمن وظائف هيئة الشرطة بمقتضى قرار وزير الداخلية الصادر في 29 من نوفمبر سنة 1949، وإنه لذلك يدخل في عداد موظفي الوزارة المقصودين بالفقرة 13 من المادة 14 من القانون المذكور، كما أن القضاء الإداري قد استقر على اعتبار وظائف إدارة الجوازات والجنسية داخلة في مفهوم المادة 14 المشار إليها، باعتبارها وظائف بوليسية بطبيعتها وأنه ترتيباً على ما تقدم يعتبر المدعي مندمجاً مع الضباط في الرتبة الشرفية المقابلة لدرجته طبقاً للقواعد المنصوص عليها في المادة 143 من القانون رمق 234 لسنة 1955، كما أقامت قضاءها بالنسبة إلى طلب تعديل الأقدمية على أن استحقاق المدعي تسوية حالته طبقاً لقواعد كادر هيئات البوليس يترتب عليه أن ينسلخ من الكادر العام، ومن وقت أن تكامل له المركز القانوني الذي يخوله التمتع بمزايا كادر هيئات البوليس، وأنه من ثم يصبح أحد المعاملين بهذا الكادر والداخلين في وظائفه وبالتالي يتعين أن ترتب أقدميته بين طائفة رجال الإدارة، في الترتيب الذي كانت تسمح به أقدميته في الكادر العام. ويترتب على ذلك استحقاقه الترقية بعد ذلك في الدرجات التالية، وإن ذلك هو نتيجة لما قضت به المحكمة الإدارية العليا في حكمها السابق الإشارة إليه، ولتظلمه من عدم ترقيته مع زملائه في الأقدمية.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن ملف خدمة المطعون عليه قد خلال من قرار تعيينه في وظيفة رئيس قسم بإدارة الجوازات والجنسية، وأن الكشف الذي ورد فيه اسمه، والمشتمل على أسماء الموظفين الشاغلين للوظائف التي تم إدخالها في كادر هيئات البوليس، بالقرار الوزاري رقم 678 الصادر في 29 من نوفمبر سنة 1949، كان مجرد عمل تحضيري، وأن وظائف مصلحة الهجرة والجوازات ليست جميعها وظائف بوليسية، وإنما الوظائف البوليسية هي التي يشغلها الضباط، أما باقي الوظائف فهي وظائف إدارية وكتابية، وإن المحكمة الإدارية العليا قد طلب منها تفسير ما قضت به في الطعن رقم 1172 لسنة 5 القضائية، وتطبيق القانون رقم 234 لسنة 1955 على المطعون عليه، فرفضت دعوى التفسير رقم 21 لسنة 8 القضائية، استناداً إلى أن النزاع المتعلق بالقانون المذكور لم يعرض عليها وبذلك لم تفصل فيه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالطلبين الأصلي والاحتياطي الخاصين بتعديل أقدمية المدعي في الدرجتين الرابعة والثالثة وما يترتب على ذلك من آثار، على ما سلف بيانه في مقام سرد الوقائع، فإن المدعي قد وصفهما في عريضة الدعوى، بأنهما طلبا تسوية حالة، فإذا كان يقصد بهذا الوصف معناه الظاهر، فإنه يتعين لكي يكون صاحب حق فيما يطلبه، أن يكون قد نشأ له في الدرجتين الرابعة والثالثة، مركز قانوني مستمد من القانون مباشرة بناءً على الحكم الصادر له من هذه المحكمة في الطعن رقم 1172 لسنة 5 القضائية، بيد أنه لما كان هذا الحكم، قد جاء مقصوراً على القضاء له "باستحقاقه تسوية حالته بالتطبيق لكادر هيئات البوليس تنفيذاً لقرار وزير الداخلية الصادر في 29 من نوفمبر سنة 1949". دون أن يعين في صورة محددة كيفية تسوية حالته، فإنه يلزم الرجوع إلى كادر هيئات الشرطة، الذي أحال إليه الحكم المذكور، لتعيين هذه الكيفية. ويبين من مطالعة هذا الكادر الذي وافق عليه مجلس الوزراء في 29 من مايو سنة 1944 أن المركز القانوني الوحيد المستمد منه مباشرة، والذي يستصحب تطبيقه، هو وضع الموظف في الدرجة المخصصة لوظيفته بالكادر بأول مربوطها، بشروط وقيود نص عليها في قرار مجلس الوزراء الصادر في 23 من نوفمبر سنة 1944، ومؤدى ذلك، أن التسلسل في الدرجات التالية، محكوم بقواعد الترقية التي لا بد لإنشاء المركز القانوني فيها من استصدار قرار إداري، بالشروط والقيود والأوضاع التي نص عليها القانون رقم 140 لسنة 1944 الخاص بنظام هيئات البوليس واختصاصاتها. ولما كانت الدرجة المخصصة للوظيفة التي كان يشغلها المدعي في 29 من نوفمبر سنة 1949، تاريخ صدور قرار وزير الداخلية بإدخال بعض وظائف إدارة الجوازات والجنسية ضمن هيئات الشرطة، هي الدرجة الخامسة، فإن تسوية حالته على مقتضى الحكم سالف الذكر، لا تعدو وضعه وقتذاك في الدرجة الخامسة بأول مربوطها دون تسلسله في الدرجتين الرابعة والثالثة، إذ ما كان يمكن بالتطبيق للكادر المشار إليه الذي أحال إليه الحكم المبين آنفاً، أن يتم هذا التسلسل بقوة القانون، بل كان لا بد لإنشاء المركز القانوني فيه، من استصدار قرار إداري بالترقية إلى كل من هاتين الدرجتين، وما دام هذا القرار الإداري لم يصدر، فلا يكون ثمة مركز قانوني قد نشأن للمدعي يخوله الحق في تعديل أقدميته في الدرجتين المذكورتين وكل ما يفيده في هذا الخصوص، بناءً على الحكم بادئ الذكر، هو ثبوت الأساس، الذي على مقتضاه يكون تخطيه في القرارات الصادرة بالترقية إلى الدرجتين الرابعة والثالثة معيباً، وغني عن البيان أن هذا محله طلب الإلغاء لا طلب التسوية. ومع ذلك فإنه، إذا كان المدعي، بطلبي تعديل الأقدمية المشار إليهما، يضمر قصد الطعن بالإلغاء، فإنه فضلاً عن نقص البيانات المتعلقة بالإلغاء، نقصاً من شأنه أن يجهل بمن عسى أن يكونوا قد تخطوه، كما يجهل بالقرارات التي حصل بها هذا التخطي وعيوبه تجهيلاً يكاد يكون كلياً، فضلاً عن ذلك، فإن الذي أرسخ اليقين في الأساس الذي على مقتضاه، يكون تخطي المدعي في القرارات الصادرة بالترقية إلى الدرجتين الرابعة والثالثة معيباً، هو الحكم الصادر له من هذه المحكمة في الطعن رقم 1172 لسنة 5 القضائية سالف البيان. ومن ثم فإن ميعاد رفع دعوى الإلغاء يسري من تاريخ صدور هذا الحكم، أي من 25 من نوفمبر سنة 1961 وكان عليه، بالتطبيق للمادتين 12، 22 من القانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم مجلس الدولة، تقديم تظلمه خلال ستين يوماً من هذا التاريخ، ثم رفع الدعوى خلال ستين يوماً من تاريخ مضي ستين يوماً على تقديم التظلم دون أن تجيب عنه السلطات المختصة، ولكنه لم يقدم تظلمه إلا في 9 من أغسطس سنة 1961، ولم يرفع الدعوى الراهنة إلا في 17 من ديسمبر سنة 1963، أي بعد فوات الميعاد، وبذا فعلى أية حال، يكون طلبا تعديل الأقدمية على هذا النحو غير مقبولين.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بطلب اعتبار المدعي مندمجاً مع ضباط الشرطة بالتطبيق للقانون رقم 234 لسنة 1955 الخاص بنظام هيئة البوليس وما يترتب على ذلك من تدرجه في الترقية مع هؤلاء الضباط، فإنه ينبغي التنبيه بادئ الأمر، إلى أن الحكم الصادر من هذه المحكمة في دعوى التفسير رقم 21 لسنة 8 القضائية، الذي قضى برفضها، قد قطع في أسبابه، بأن الحكم الصادر منها في الطعن رقم 1172 لسنة 5 القضائية سالف البيان، لم يعرض للنزاع الذي يثار في شأن استحقاق المدعي هذا الاندماج، ومن ثم فإن حجية الحكم الصادر في الطعن رقم 1172 لسنة 5 القضائية المشار إليه، إنما هي مقصورة على ما قضى به من استحقاق المدعي تسوية حالته بالتطبيق لكادر هيئات البوليس تنفيذاً لقرار وزير الداخلية الصادر في 29 من نوفمبر سنة 1949 وما يترتب على ذلك من آثار ويكون المجال في الدعوى الراهنة مفتوحاً لبحث مدى توفر شروط الإفادة من القانون رقم 234 لسنة 1955 في حالة المدعي، وما إذا كانت حجية الحكم المذكور على النحو الذي سلف بيانه، تفيد المدعي في توفر تلك الشروط أم لا.
ومن حيث إنه سبق لهذه المحكمة أن قضت بأنه يتعين، لكي يحق للموظف بوزارة الداخلية من غير ضباط الشرطة - أن تسوى حالته، بإدماجه مع ضباط الشرطة في كشف أقدمية واحد، وفقاً لنص المادة 143 من القانون رقم 234 لسنة 1955، أن يكون عند العمل بهذا القانون، في أول مايو سنة 1955، من بين رجال الإدارة الذين عنتهم المادة 142 منه، بأن يكون شاغلاً وظيفة معاون إدارة، أو إحدى الوظائف المنصوص عليها في المادة 14 من القانون المشار إليه، وأنه إذا لم يكن الموظف من بين هؤلاء، فإن وزير الداخلية يترخص - في حدود سلطته التقديرية - في اعتباره ضابطاً، وتجديد أقدميته مع الشاغلين لوظائف هيئة الشرطة، أو عدم اعتباره كذلك، وذلك وفقاً لحكم المادة 146 من القانون المتقدم ذكره.
ومن حيث إنه لما كان الثابت أن المدعي لم يكن شاغلاً وظيفة معاون إدارة عند العمل بالقانون رقم 234 لسنة 1955 في أول مايو سنة 1955، ولم يكن ثمة نزاع في أنه لم يكن شاغلاً وقتذاك، إحدى الوظائف المنصوص عليها في الفقرات الإحدى عشرة الأولى من المادة 14 المذكورة فإن الأمر يقتضي بيان مدى انطباق حكم الفقرتين الثانية عشرة والثالثة عشرة الأخيرتين من هذه المادة على حالته، فأما فيما يتعلق بالفقرة الثانية عشرة التي تنص على الوظائف البوليسية بطبيعتها، فإن الحكم الصادر في الطعن رقم 1172 لسنة 5 القضائية بادئ الذكر، لم يعرض لوظائف إدارة الجوازات والجنسية من حيث إنها بوليسية بطبيعتها، أو إنها ليست كذلك ومن ثم فحجية الحكم المذكور قاصرة عن إفادة المدعي في هذا الخصوص. والواقع من الأمر، أن وظائف إدارة الجوازات والجنسية لا تعتبر كلها بوليسية بطبيعتها، فمنها ما لا يعتبر كذلك، مثل الوظيفة التي كان يشغلها المدعي، وآية ذلك، أنها لو كانت تعتبر بوليسية بطبيعتها، لما كانت ثمة ضرورة لإصدار قرار وزير الداخلية رقم 678 في 29 من نوفمبر سنة 1949، بإدخالها ضمن هيئات الشرطة، وأما فيما يتعلق بالفقرة الثالثة عشرة التي تنص على الوظائف التي يقرر وزير الداخلية إدخالها ضمن هيئة الشرطة بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للبوليس، فإن حجية الحكم الصادر في الطعن رقم 1172 لسنة 5 القضائية سالف البيان، قاصرة أيضاً عن إفادة المدعي في هذا الخصوص، ذلك أن هذه الحجية إنما تمتد فقط إلى الوظائف الواردة في قرار وزير الداخلية الصادر في 29 من نوفمبر سنة 1949، بالتطبيق لأحكام القانون رقم 140 لسنة 1944 الخاص بنظام هيئات البوليس واختصاصاتها، هذا على حين أن حكم الفقرة الثالثة عشرة المذكورة، يتعلق بالوظائف التي يقرر وزير الداخلية إدخالها ضمن هيئة الشرطة بعد العمل بالقانون رقم 234 لسنة 1955 الخاص بنظام هيئة البوليس، وهذا هو المفهوم السليم للأثر المباشر لهذا القانون الأخير فضلاً عن أن المشرع قد استعمل لفظ "يقرر" أي اللفظ الذي يدل على المستقبل، ولا ينصرف البتة إلى الماضي، وحاصل القول أن المدعي ليس بذي حق في تسوية حالته بإدماجه مع ضباط الشرطة بالتطبيق للقانون رقم 234 لسنة 1955 سالف الذكر وبالتالي لا حق له فيما عسى أن يترتب على هذا الإدماج من تدرج في الترقية مع هؤلاء الضباط.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه، إذ أخذ بغير هذا النظر المتقدم ذكره، يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ومن ثم يتعين - والحالة هذه - القضاء بإلغائه، وبعدم قبول الطلبين الأصلي والاحتياطي الخاصين بتعديل أقدمية المدعي في الدرجتين الرابعة والثالثة، وبرفض الدعوى فيما عدا ذلك، مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم قبول الطلبين الأصلي والاحتياطي الخاصين بتعديل أقدمية المدعي في الدرجتين الرابعة والثالثة وبرفض الدعوى فيما عدا ذلك، وألزمت المدعي بالمصروفات.