مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 506

(65)
جلسة 17 من مارس سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد شلبي يوسف - وكيل مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة حسنين رفعت ومحمد فتح الله بركات ومحمد بهجت عتيبة وأبو بكر محمد عطية - المستشارين.

القضية رقم 681 لسنة 9 القضائية

( أ ) - موظف. "انتهاء الخدمة - الاستقالة". هدف المشرع من إصدار القانون رقم 120 لسنة 1960 هو معالجة مشكلة قدامى الموظفين والتخلص من الدرجات الشخصية قدر المستطاع - هذه الحكمة التشريعية ترتب قرينة قانونية قاطعة لا تحتمل إثبات العكس على تحقيق المصلحة العامة في ترك هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة - سلطة الإدارة في قبول أو رفض طلبات ترك الخدمة المقدمة من الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية بالتطبيق لأحكام هذا القانون هي سلطة مقيدة - طلب ترك الخدمة وفقاً لأحكام هذا القانون هو بمثابة استقالة بما يقتضي وجوب مراعاة أحكام قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 الواردة في هذا الشأن - أثر ذلك، عدم جواز قبول طلب الموظف ترك الخدمة وفقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 إذا كان محالاً إلى المحاكمة التأديبية وجواز إرجاء البت في هذا الطلب إذا كانت ثمة إجراءات تأديبية متخذة ضد الموظف عن تقديمه الطلب.
(ب) - هيئة البريد "موظفوها - انتهاء الخدمة - اعتزال الخدمة وفقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960".
مفاد نصوص القرار الجمهوري رقم 2191 لسنة 1959 بنظام الموظفين بهيئة بريد مصر والقانون رقم 32 لسنة 1957 بإصدار قانون المؤسسات العامة أن لموظفي هيئة البريد الحق في الإفادة من أحكام القوانين الصادرة في شأن موظفي الدولة وذلك فيما لم ترد في شأنه أحكام أخرى مقابلة أو مغايرة لها منصوص عليها في القرارات واللوائح المنظمة لشئون موظفي الهيئة المذكورة - أثر ذلك، سريان نص المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 على موظفي هيئة البريد.
1 - باستعراض نصوص القانون رقم 120 لسنة 1960 ومذكرته التفسيرية يبين أن المشرع هدف أصلاً من إصدار هذا القانون إلى علاج وضع الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية بإيجاد وسيلة للتخلص من درجاتهم الشخصية قدر المستطاع، وهذه الحكمة التشريعية تعبر بذاتها عن مصلحة عامة تقوم عليها قرينة قانونية قاطعة لا تحتمل إثبات العكس في تحقيق هذه المصلحة في ترك هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة لما في ذلك من إلغاء لدرجاتهم الشخصية وبالتالي فإنه يلزم قبول طلبات ترك الخدمة المقدمة من الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية بالتطبيق لأحكام القانون المذكور متى توافرت فيهم الشروط المطلوبة في هذا القانون دون أي قيد آخر لم يرد فيه إذ أن السلطة في قبول أو رفض الطلبات المقدمة من الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية بالتطبيق لأحكامه إنما هي سلطة مقيدة بالقانون كما أن ترك الخدمة وفقاً للقانون سالف الذكر هو بمثابة استقالة على نحو ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية له، الأمر الذي يقتضي وجوب مراعاة أحكام قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 عدا الحكم الوارد في الفقرة الأخيرة من المادة 110 منه التي تعتبر الاستقالة المقترنة بأي قيد أو المعلقة على أي شرط كأن لم تكن ولما كانت هذه المادة تنص على أن "للموظف أن يستقيل من الوظيفة وتكون الاستقالة مكتوبة وخالية من أي قيد أو شرط ولا تنتهي خدمة الموظف إلا بالقرار الصادر بقبول استقالته ويجب الفصل في الطلب خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه، وإلا اعتبرت الاستقالة مقبولة. ويجوز خلال هذه المدة تقرير إرجاء قبول الاستقالة لأسباب تتعلق بمصلحة العمل أو بسبب اتخاذ إجراءات تأديبية ضد الموظف. فإذا أحيل الموظف إلى المحاكمة التأديبية لا تقبل استقالته إلا بعد الحكم في الدعوى بغير عقوبة العزل أو الإحالة إلى المعاش". فإن مقتضى هذا النص، أنه ينبغي على جهة الإدارة أن لا تقبل طلب الموظف ترك الخدمة وفقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 إذا كان محالاً إلى المحاكمة التأديبية إلا بعد الحكم في الدعوى بغير عقوبة العزل أو الإحالة إلى المعاش، كما لها إرجاء قبول ذلك الطلب إذا كانت متخذة ضد الموظف إجراءات تأديبية.
2 - إن القرار الجمهوري رقم 2191 لسنة 1959 "بنظام الموظفين بهيئة بريد مصر" وضع أحكاماً خاصة بوظائف وبموظفي الهيئة على أن يعمل بها اعتباراً من أول يوليه سنة 1960 ونص في المادة 58 منه على حكم متعلق باستقالة الموظف وبقبولها وقد جاء مشابهاً لنص المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 "بشأن نظام موظفي الدولة" ولما كان القانون رقم 32 لسنة 1957 "بإصدار قانون المؤسسات العامة" قد نص في المادة السابعة منه على أن يختص مجلس إدارة المؤسسة "بما يلي 2000 - وضع اللوائح المتعلقة بتعيين موظفي المؤسسة وعمالها وترقيتهم ونقلهم وفصلهم وتحديد مرتباتهم وأجورهم ومكافآتهم ومعاشاتهم وفقاً لأحكام هذا القانون وفي حدود قرار رئيس الجمهورية الصادر بإنشاء المؤسسة". ونص في المادة الثالثة عشر منه على أن "تسرى على موظفي المؤسسات العامة أحكام قانون الوظائف العامة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القرار الصادر بإنشاء المؤسسة أو اللوائح التي يضعها مجلس الإدارة". فمفاد هذه النصوص أن لموظفي مؤسسة شئون بريد الجمهورية (هيئة البريد) الحق في الإفادة من أحكام القوانين الصادرة في شأن موظفي الدولة وذلك فيما يتعلق بتلك التي لم ترد في شأنها أحكام أخرى مقابلة أو مغايرة لها منصوص عليها في القرارات أو اللوائح المنظمة لشئون موظفي الهيئة المذكورة.
وعلى مقتضى ما تقدم وإذ صدر القانون رقم 120 لسنة 1960 "بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة" وكان نص المادة الأولى منه متعلقاً بترك الموظف الخدمة مع تسوية معاشه على النحو الذي نصت عليه، وكان هذا النص غير وارد ضمن الأحكام التي شملها بالتنظيم القرار الجمهوري رقم 2191 لسنة 1959 المشار إليه، فإن المادة الأولى المذكورة تسرى على موظفي هيئة البريد حتى بعد تاريخ العمل بالقرار المشار إليه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن في أن المدعي أقام الدعوى رقم 45 لسنة 8 القضائية ضد الهيئة العامة للبريد، بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات والسكك الحديدية في 24 من أكتوبر سنة 1960، طلب فيها الحكم "بإلغاء القرار الصادر بعدم الموافقة على تسوية حالته واعتزاله الخدمة طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزامها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة" وقال بياناً لدعواه أنه قدم في 9 من يونيه سنة 1960 طلباً إلى السيد مدير عام هيئة البريد لتسوية حالته وإحالته إلى المعاش وفقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960، وفي 12 من يوليه سنة 1960 ردت عليه مراقبة شئون الأفراد بالهيئة بأنه لا يجوز إجابة طلبه نظراً لإحالته إلى النيابة العامة وأنه لما كانت النيابة العامة قد قررت في 2 من يوليه سنة 1960 حفظ الشكوى موضوع التحقيق إدارياً تحت رقم 1674 لسنة 1960 إداري الموسكي ومن ثم انهار سبب عدم إجابته إلى طلبه المشار إليه فقد تظلم إلى السيد مدير عام الهيئة في 28 من يوليه سنة 1960 بيد أنه لم يتلق رداً خلال ستين يوماً من هذا التاريخ فأقام دعواه استناداً إلى أن شروط انطباق القانون رقم 120 لسنة 1960 على حالته متوفرة ولأن أحكام هذا القانون جاءت مطلقة واستثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 التي لا تتضمن ما يمنع من قبول استقالة الموظف المحال إلى النيابة العامة فضلاً عن أنها حفظت التحقيق الخاص به وقيد شكوى إدارية وقد أجابت هيئة البريد على الدعوى بأن المدعي من موظفي "المرتبة الأولى الشخصية/ رابعة" ويبلغ سن الإحالة إلى المعاش في 8 من أكتوبر سنة 1961، وأنه لما كانت المادة الأولى من القرار بقانون رقم 120 لسنة 1960 الخاصة باعتزال الخدمة لمن يبلغ سن الخامسة والخمسين قد وردت استثناء من المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 فيما نصت عليه من وجوب عدم اقتران استقالة الموظف بأي قيد أو شرط، ولما كان الأصل في قبول الاستقالة أنه أمر جوازي لجهة الإدارة تعمله على ضوء الصالح العام، فلا تثريب على ما قررته الهيئة من رفض طلب المدعي الإفادة من القانون رقم 120 لسنة 1960 لإحالته إلى النيابة العامة، وأنه لا محل للقول بأن النيابة العامة انتهت من تحقيقها إلى حفظ الموضوع المنسوب إلى المدعي، إذ لا يجوز النظر في الطلب المذكور حيث أصبح لهيئة البريد لائحة توظف خاصة اعتباراً من أول يوليه سنة 1960 ومن ثم فإن أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 لا تسرى على موظفي الهيئة اعتباراً من ذلك التاريخ. وعقب المدعي في مذكراته بأن اعتزاله الخدمة قبل بلوغه سن الستين بأقل من عام لا يتعارض مع الصالح العام بل إنه يعد رفعاً للغبن عنه الأمر الذي هدف المشرع إلى تحقيقه حسبما أوضح في المذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه، وأن صدور اللائحة الخاصة بموظفي هيئة البريد لا يمنع من تطبيق القانون المذكور عليه طالما أن شروطه متوفرة في حالته باعتباره قانوناً خاصاً صدر استثناء من حكم القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة كما أن القرار الجمهوري رقم 2191 لسنة 1959 لم يلغ أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 فيما يتعلق بموظفي هيئة البريد إذ تضمنت المادة 58 من القرار المذكور نصاً مطابقاً لنص المادة 110 من ذلك القانون الخاصة بالاستقالة من الخدمة فضلاً عن أن المادة 13 من القرار الجمهوري الصادر في 26 من أغسطس سنة 1957 بإنشاء هيئة البريد نصت على أن "تسرى في شأن موظفي الهيئة ومستخدميها وعمالها القوانين واللوائح والقواعد التنظيمية الخاصة بموظفي ومستخدمي وعمال الحكومة". وأنه لما كانت النيابة العامة قد قررت في 2 من يوليه سنة 1960 حفظ الشكوى المقدمة ضده، فكان يتعين أن يفصل في طلب اعتزال الخدمة المقدم منه في 9 من يونيه سنة 1960 خلال الثلاثين يوماً المقرر لقبول الاستقالة وفقاً للمادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 وللمادة 58 من القرار الجمهوري رقم 2191 لسنة 1959 ومن ثم تكون استقالته مقبولة في 8 من يوليه سنة 1960 بقوة القانون. وبجلسة 19 من فبراير سنة 1963 قضت المحكمة الإدارية "بأحقية المدعي في الإفادة من حكم القانون رقم 120 لسنة 1960 وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الهيئة المدعى عليها بالمصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أن القانون رقم 120 لسنة 1960 إذ جاء معدلاً لبعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 واستثناء من أحكامه، فإنه لا ينطبق على موظفي هيئة البريد اعتباراً من أول يوليو سنة 1960 تاريخ العمل باللائحة الصادر بها القرار الجمهوري رقم 2191 لسنة 1959، وأنه لما كان المدعي قد قدم طلب اعتزال الخدمة في 9 من يونيه سنة 1960 فيكون مقدماً في الميعاد المنصوص عليه في القانون رقم 120 لسنة 1960 واحتفظ بحقه في المعاملة بأحكامه، وإذ كان الثابت أنه بعد أن حفظت النيابة العامة التحقيق إدارياً أصدرت الجهة الإدارية قراراً بمجازاة المدعي بخصم يومين من مرتبه في 18 من يناير سنة 1961 فإنه يعتبر محالاً إلى المحاكمة التأديبية حتى التاريخ المذكور الذي تبدأ اعتباراً منه ممارسة الجهة الإدارية قبول الاستقالة، ومن ثم كان على هذه الجهة أن تبت في الاستقالة خلال ثلاثين يوماً منذ هذا التاريخ وإلا اعتبرت مقبولة بحكم القانون، وإذ أن الهيئة المدعى عليها لم تقبل استقالة المدعي خلال المدة المذكورة فيتعين الحكم بأحقية المدعي في الإفادة من أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 وما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المدعي كان، عند النظر في طلبه اعتزال الخدمة بعد انتهاء محاكمته التأديبية في 18 من يناير سنة 1961، غير خاضع لأحكام القانون رقم 210 لسنة 51 إذ كانت تسرى عليه وقتذاك أحكام القرار الجمهوري رقم 2191 لسنة 1959، ومن ثم فإنه لا يفيد من أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 ويكون طلبه المذكور غير ذي أثر ما دام أن القرار المشار إليه يعمل به من أول يوليه سنة 1960 وحلت أحكامه محل أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بالنسبة للمدعي باعتباره من موظفي هيئة البريد، وبذلك تعدل مركزه القانوني اعتباراً من هذا التاريخ.
ومن حيث إن المدعي عقب على تقرير الطعن بمذكرة تضمنت أن استقالته تعتبر مقبولة بقوة القانون لأن قرار النيابة العامة بحفظ الشكوى المقدمة ضده صدر قبل انقضاء الثلاثين يوماً المنصوص عليها في المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 ولأن أحكام القرار الجمهوري رقم 2191 لسنة 1959 لا تتضمن ما يفيد عدم سريان أحكام هذا القانون على موظفي هيئة البريد وأن نص المادة 58 من القرار المذكور مطابق لنص المادة 110 بادية الذكر كما أن حالة المدعي سويت بالتطبيق للقانون رقم 120 لسنة 1960 بعد نفاذ هذا القرار فمنح الدرجة الرابعة اعتباراً من 26 من مارس سنة 1960 لقضائه أكثر من 31 سنة في أربع درجات.
ومن حيث إن القانون رقم 120 لسنة 1960 "بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة" المعمول به من 3 من إبريل سنة 1960 - نص في مادته الأولى على أنه "استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 يجوز لكل من بلغ سن الخامسة والخمسين من الموظفين أو يبلغها خلال الثلاثة شهور من تاريخ نفاذ هذا القانون طلب ترك الخدمة على أن يسوي معاشه على أساس ضم سنتين لمدة خدمته وحسابهما في المعاش حتى ولو تجاوز بهذا الضم سن الستين. على ألا تتجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لهذا الضم 37.5 سنة وعلى أن يمنح علاوتان من علاوات درجته ولا يتجاوز بهما نهاية مربوط الدرجة" وقد سبق للمحكمة الإدارية العليا أن قضت بعد أن استعرضت نصوص القانون رقم 120 لسنة 1960 المشار إليه ومذكرته التفسيرية، بأن المشرع هدف أصلاً من إصدار هذا القانون إلى علاج وضع الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية بإيجاد وسيلة للتخلص من درجاتهم الشخصية قدر المستطاع، وهذه الحكمة التشريعية تعبر بذاتها عن مصلحة عامة تقوم عليها قرينة قانونية قاطعة لا تحتمل إثبات العكس في تحقيق هذه المصلحة في ترك هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة لما في ذلك من إلغاء لدرجاتهم الشخصية وبالتالي فإنه يلزم قبول طلبات ترك الخدمة المقدمة من الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية بالتطبيق لأحكام القانون المذكور متى توافرت فيهم الشروط المطلوبة في هذا القانون دون أي قيد آخر لم يرد فيه إذ أن السلطة في قبول أو رفض الطلبات المقدمة من الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية بالتطبيق لأحكامه إنما هي سلطة مقيدة بالقانون كما أن ترك الخدمة وفقاً للقانون سالف الذكر هو بمثابة استقالة على نحو ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية له، الأمر الذي يقتضي وجوب مراعاة أحكام قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 عدا الحكم الوارد في الفقرة الأخيرة من المادة 110 منه التي تعتبر الاستقالة المقترنة بأي قيد أو المعلقة على أي شرط كأن لم تكن ولما كانت هذه المادة تنص على أن "للموظف أن يستقيل من الوظيفة وتكون الاستقالة مكتوبة وخالية من أي قيد أو شرط ولا تنتهي خدمة الموظف إلا بالقرار الصادر بقبول استقالته، ويجب الفصل في الطلب خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه، وإلا اعتبرت الاستقالة مقبولة. ويجوز خلال هذه المدة تقرير إرجاء قبول الاستقالة لأسباب تتعلق بمصلحة العمل أو بسبب اتخاذ إجراءات تأديبية ضد الموظف. فإذا أحيل الموظف إلى المحاكمة التأديبية لا تقبل استقالته إلا بعد الحكم في الدعوى بغير عقوبة العزل أو الإحالة إلى المعاش". فإن مقتضى هذا النص وما سبق أن قضت به المحكمة الإدارية العليا، أنه ينبغي على جهة الإدارة أن لا تقبل طلب الموظف ترك الخدمة وفقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 إذا كان محالاً إلى المحاكمة التأديبية إلا بعد الحكم في الدعوى بغير عقوبة العزل أو الإحالة إلى المعاش، كما لها إرجاء قبول ذلك الطلب إذا كانت متخذة ضد الموظف إجراءات تأديبية.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعي كان يشغل درجات شخصية منذ ترقيته إلى الدرجة السابعة حتى رقى إلى الدرجة الرابعة الشخصية اعتباراً من 26 من مارس سنة 1960 (ملف الخدمة وكتاب الإدارة العامة بهيئة البريد المرفق بملف الدعوى تحت رقم 5) وأنه عند تقديمه طلب ترك الخدمة للإفادة من حكم المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 كانت هناك ثمة إجراءات تأديبية متخذة ضده في قضية النيابة الإدارية رقم 30 لسنة 1959 حيث قررت هذه النيابة إحالة المدعي إلى النيابة العامة مع إرجاء مساءلته تأديبياً، وقد قررت النيابة العامة بعد التحقيق حفظ الشكوى المقدمة ضده وذلك في 2 من يوليه سنة 1960، ثم انتهت الإجراءات التأديبية في 18 من يناير سنة 1961 بمجازاته بخصم يومين من مرتبه، ثم بلغ سن الإحالة إلى المعاش في 8 من أكتوبر سنة 1961.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم إنه ولئن كانت الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 تتوفر في حالة المدعي لبلوغه عند العمل بهذا القانون، سناً تفوق الخمسة والخمسين ولكونه شاغلاً وقتذاك درجة شخصية وقدم طلباً لترك الخدمة في 9 من يونيه سنة 1960 للإفادة من حكم المادة المشار إليها، لئن كان ذلك إلا أنه وقد كانت ثمة إجراءات تأديبية متخذة ضده عند تقديم طلبه، رأت بسببها الجهة الإدارية إرجاء البت في طلبه، فإن مركزه القانوني للإفادة من حكم المادة المذكورة ما كان ليكتمل إلا بعد انتهاء تلك الإجراءات في 18 من يناير سنة 1961 بمجازاته بخصم يومين من مرتبه، ومن ثم تنحصر المنازعة بعد ذلك فيما إذا كان يتعين على الجهة الإدارية وقد انتهت الإجراءات التأديبية أن تقبل طلب المدعي ترك الخدمة وفقاً للمادة الأولى باعتباره بمثابة استقالة زال سبب إرجاء البت فيها أم أنه يحول دون ذلك صدور القرار الجمهوري رقم 2191 لسنة 1959 المعمول به اعتباراً من أول يوليه سنة 1960 بمقولة أنه قرر نظاماً خاصاً بموظفي هيئة البريد فغدت أحكام المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 غير مطبقة في شأنهم.
ومن حيث إن القرار الجمهوري رقم 710 لسنة 1957 "بإنشاء مؤسسة عامة لشئون بريد جمهورية مصر" قد أنشأ هذه المؤسسة على أن يطلق عليها "هيئة البريد" ونص في المادة الثالثة عشرة منه على أن "تسرى في شأن موظفي الهيئة ومستخدميها وعمالها القوانين واللوائح والقواعد التنظيمية الخاصة بموظفي ومستخدمي وعمال الحكومة كما تسرى جميع القواعد القانونية الأخرى المطبقة حالياً في مرفق البريد بما لا يتعارض مع أحكام قانون المؤسسات العامة وهذا القرار". ثم صدر القرار الجمهوري رقم 2191 لسنة 1959 "بنظام الموظفين بهيئة بريد مصر" متضمناً وضع أحكام خاصة بوظائف وبموظفي الهيئة على أن يعمل بها اعتباراً من أول يوليه سنة 1960 ونص في المادة 58 منه على حكم متعلق باستقالة الموظف وبقبولها وقد جاء مشابهاً لنص المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 "بشأن نظام موظفي الدولة" ولما كان القانون رقم 32 لسنة 1957 "بإصدار قانون المؤسسات العامة" قد نص في المادة السابعة منه على أن يختص مجلس إدارة المؤسسة "بما يلي 2000 - وضع اللوائح المتعلقة بتعيين موظفي المؤسسة وعمالها وترقيتهم ونقلهم وفصلهم وتحديد مرتباتهم وأجورهم ومكافآتهم ومعاشاتهم وفقاً لأحكام هذا القانون وفي حدود قرار رئيس الجمهورية الصادر بإنشاء المؤسسة". ونص في المادة الثالثة عشرة منه على أن "تسرى على موظفي المؤسسات العامة أحكام قانون الوظائف العامة فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القرار الصادر بإنشاء المؤسسة أو اللوائح التي يضعها مجلس الإدارة". فمفاد هذه النصوص أن لموظفي مؤسسة شئون بريد الجمهورية (هيئة البريد) الحق في الإفادة من أحكام القوانين الصادرة في شأن موظفي الدولة وذلك فيما يتعلق بتلك التي لم ترد في شأنها أحكام أخرى مقابلة أو مغايرة لها منصوص عليها في القرارات أو اللوائح المنظمة لشئون موظفي الهيئة المذكورة.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم وإذ صدر القانون رقم 120 لسنة 1960 "بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة" وكان نص المادة الأولى منه متعلقاً بترك الموظف الخدمة مع تسوية معاشه على النحو الذي نصت عليه، وكان هذا النص غير وارد ضمن الأحكام التي شملها بالتنظيم القرار الجمهوري رقم 2191 لسنة 1959 المشار إليه، فإن المادة الأولى المذكورة تسري على موظفي هيئة البريد حتى بعد تاريخ العمل بالقرار المشار إليه، ومن ثم يحق للمدعي الإفادة من حكمها، ويعتبر فوات ثلاثين يوماً من تاريخ مجازاته إدارياً في 18 من يناير سنة 1961 دون أن تبت الجهة الإدارية في طلبه بادي الذكر بمثابة قبول له وفقاً لما تضمنته كل من المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 والمادة 58 من القرار الجمهوري 2191 لسنة 1959 من وجوب الفصل في طلب الاستقالة "خلال ثلاثين يوماً وإلا اعتبرت الاستقالة مقبولة".
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما انتهى إليه من قضاء ويكون الطعن قائماً على غير أساس سليم من القانون فيتعين رفضه مع إلزام الحكومة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.