مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 525

(67)
جلسة 23 من مارس سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي وسليمان محمود جاد ومحمد فهمي طاهر وإبراهيم خليل الشربيني - المستشارين.

القضية رقم 853 لسنة 10 القضائية

دعوى. "دعوى إلغاء. طلب الإلغاء لا يفترض - ميعاد الستين يوماً".
صدور حكم بأحقية صاحب الشأن في أقدمية الدرجة - الآثار المترتبة على الحكم لا تمتد إلى الطعن بطريقة تلقائية على القرارات اللاحقة الصادرة بالترقية بالأقدمية في الدرجات التالية - دعوى طلب إلغاء القرار الإداري المعيب لا تتم إلا بإرادة صريحة جلية من الطاعن ولا تغني عنها إرادة ضمنية مفترضة - ميعاد الطعن في القرارات اللاحقة لصدور الحكم يبدأ من تاريخ صدوره.
لما كان الحكم الصادر من المحكمة قد أرسخ يقين المدعي بالنسبة إلى أقدميته في الدرجة الثامنة، إذ ردها صراحة، وبغير لبس أو غموض إلى أول إبريل سنة 1952، وكانت الآثار المباشرة التي تترتب حتماً على هذا الحكم هي تعديل أقدمية المذكور في هذه الدرجة وتدرج راتبه فيها وصرف الفروق المالية الناجمة عن ذلك، دون أن تمتد هذه الآثار إلى الطعن بطريقة تلقائية على جميع القرارات اللاحقة الصادرة بالترقية بالأقدمية في الدرجات التالية، ذلك أن - الدعوى بطلب إلغاء القرارات الإدارية المعيبة لا يمكن أن تتم إلا بإرادة صريحة جلية من الطاعن، ولا تغني عنها إرادة ضمنية أو مفترضة إذ أنه ليس في القوانين ما يلزم صاحب الحق بأن يحرك الدعوى لحماية حقه إذا ما اعتدى عليه، لما كان الأمر كذلك فإن الحكم المشار إليه وإن كان قد فتح أمام المدعي باب الطعن في القرارات اللاحقة، على أساس المركز القانوني الذي استقر له بمقتضى هذا الحكم إلا أن ذلك لا يعني قيام الطعن تلقائياً على هذه القرارات، ذلك أن هذا الطعن يفترض من المدعي إجراء إيجابياً يعرب فيه عن إراداته الجلية في مخاصمة القرارات المذكورة ملتزماً في ذلك المواعيد والإجراءات القانونية المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة وهذه المواعيد تبدأ من تاريخ صدور الحكم في 4 من إبريل سنة 1959 ولا تتراخى إلى تاريخ صدور قرار جهة الإدارة بتنفيذ هذا الحكم، ما دام المركز القانوني الجديد قد تحقق للمدعي من الحكم ذاته وليس من القرار المنفذ له.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 17 لسنة 8 القضائية ضد السيد وزير التربية والتعليم بصفته بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم في 16 من أكتوبر سنة 1960 بناءً على قرار بإعفائه من الرسوم القضائية صادر لصالحه من لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة المذكورة بجلسة 18 من أغسطس سنة 1960 في طلب الإعفاء رقم 302 لسنة 7 القضائية المقدم منه في 25 من يناير سنة 1960، وطلب في عريضة دعواه الحكم "بإلزام المدعى عليها بإلغاء القرار رقم 253 الصادر في 27 من نوفمبر سنة 1958 بترقية بعض موظفي الدرجة الثامنة بالكادر المتوسط بالوزارة إلى الدرجة السابعة فيما تضمنه من تخطيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية"، وقال شرحاً لدعواه أنه عين مدرساً للتربية البدنية بمدرسة مصر الجديدة في أول إبريل سنة 1952 في الدرجة التاسعة، ثم سويت حالته باعتباره في الدرجة الثامنة من بدء تعيينه بالقرار رقم 419 الصادر في 20 من سبتمبر سنة 1959 تنفيذاً لحكم المحكمة الإدارية العليا الصادر لصالحه في الدعوى رقم 1983 لسنة 2 القضائية بجلسة 4 من إبريل سنة 1959، ولما كانت أقدميته في الدرجة الثامنة على مقتضى هذا الحكم تخوله الحق في الترقية بالأقدمية في الدرجة السابعة بالقرار رقم 253 الصادر في 27 من نوفمبر سنة 1958 فقد بادر إلى التظلم منه عقب صدور القرار بتسوية حالته في الدرجة الثامنة، وإذ لم تستجب جهة الإدارة، لتظلمه فقد أقام دعواه الراهنة طالباً الحكم له بذلك. وقد أجابت الجهة الإدارية عن الدعوى بأن المدعي عين في الدرجة التاسعة في أول إبريل سنة 1952، ثم سويت حالته باعتباره في الدرجة التاسعة منذ بدء تعيينه بمقتضى القرار رقم 419 الصادر في 20 من سبتمبر سنة 1959 تنفيذاً لحكم المحكمة الإدارية العليا الصادر لصالحه وأنه لم يكن من الجائز ترقيته إلى الدرجة السابعة بالقرار المطعون فيه رقم 253 الصادر في 27 من نوفمبر سنة 1958 لأنه كان وقتذاك مقيداً على الدرجة التاسعة، وأضافت أن القرار المذكور قد شمل بالترقية إلى الدرجة السابعة كل من ترجع أقدميتهم في الدرجة الثامنة إلى 5 من أكتوبر سنة 1953 وأن هذا القرار نشر بنشرة الوزارة بالعدد رقم 80 في 16 من ديسمبر سنة 1958. وبجلسة 30 من يناير سنة 1964 قضت المحكمة الإدارية "بقبول الدعوى شكلاً، وفي موضوعها بإرجاع أقدمية المدعي في الدرجة السابعة الفنية المتوسطة إلى 23 من أكتوبر سنة 1958، مع ما يترتب على ذلك من آثار على الوجه المبين بالأسباب، وألزمت المدعى عليها المصروفات".
وأقامت قضاءها على أنه ولئن كان الحكم الصادر لصالح المدعي من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 86 لسنة 4 القضائية بجلسة 4 من إبريل سنة 1959 قد أرسخ يقينه بالنسبة إلى أقدميته في الدرجة الثامنة، إلا أن مركزه القانوني بالنسبة إلى القرار المطعون فيه لا يتحدد قبل أن تقوم جهة الإدارة بتنفيذ الآثار الحتمية المترتبة على هذا الحكم ومن بينها ترقيته إلى الدرجة السابعة بعد أن ارتدت أقدميته في الدرجة الثامنة إلى أول إبريل سنة 1952، ومن ثم فإن مواعيد الطعن لا تسرى في حقه إلا من تاريخ علمه بالقرار المنفذ لهذا الحكم، وإذ صدر القرار المذكور في 20 من سبتمبر سنة 1959 فتظلم منه المدعي في أول أكتوبر سنة 1959، ثم تقدم بطلب لإعفائه من الرسوم القضائية في 25 من يناير سنة 1960، فلما أجيب إلى طلبه في 18 من أغسطس سنة 1960 أقام دعواه الراهنة في 16 من أكتوبر سنة 1960، فإن دعواه بذلك تكون مقبولة شكلاً، ومن حيث الموضوع أسست المحكمة قضاءها على أنه لما كان القرار المطعون فيه قد شمل بالترقية إلى الدرجة السابعة كل من ترجع أقدميتهم في الدرجة الثامنة إلى 5 من أكتوبر سنة 1953، وكانت أقدمية المدعي في هذه الدرجة - طبقاً لحكم المحكمة العليا - ترجع إلى أول إبريل سنة 1952 فإنه من ثم يكون محقاً في دعواه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن تنفيذ الحكم الصادر لصالح المدعي من المحكمة الإدارية العليا، يقتصر على تعديل أقدميته في الدرجة الثامنة إلى أول إبريل سنة 1952، وإذ تحدد مركزه في هذه الدرجة من تاريخ صدور هذا الحكم فإن مواعيد الطعن تسري في حقه من هذا التاريخ ومن ثم تكون دعواه غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد مضي أكثر من ستين يوماً من تاريخ صدور حكم المحكمة الإدارية العليا السالف الذكر.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة الحكم الصادر بجلسة 4 من إبريل سنة 1959 من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 86 لسنة 4 القضائية المرفوع عن الحكم الصادر في الدعوى رقم 1983 لسنة 12 القضائية المقامة من المدعي ضد وزارة التربية والتعليم، أنه قضى "بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من عدم إفادة المدعي من قرار مجلس الوزراء الصادر في 9 من مارس سنة 1947 في شأن معلمي التربية البدينة بالمدارس الأميرية، وبإفادته من هذا القرار وما يترتب على ذلك من آثار، وبتأييد الحكم المطعون فيه فيما عدا ذلك وألزمت الحكومة بالمصروفات المناسبة" وقد جاء في أسباب هذا الحكم أنه "يتعين القضاء باستحقاق المدعي تسوية حالته بالتطبيق لقرار مجلس الوزراء الصادر في 9 من مارس سنة 1947 اعتباراً من تاريخ تعيينه بوزارة التربية والتعليم في أول إبريل سنة 1952، وإرجاع أقدميته في الدرجة الثامنة نتيجة لذلك إلى التاريخ المذكور، مع إلزام الحكومة بالمصروفات المناسبة".
ومن حيث إنه لما كان الحكم المتقدم ذكره قد أرسخ يقين المدعي بالنسبة إلى أقدميته في الدرجة الثامنة، إذ ردها صراحة، وبغير لبس أو غموض، إلى أول إبريل سنة 1952، وكانت الآثار المباشرة التي تترتب حتماً على هذا الحكم هي تعديل أقدمية المذكور في هذه الدرجة وتدرج راتبه فيها وصرف الفروق المالية الناجمة عن ذلك، دون أن تمتد هذه الآثار إلى الطعن بطريقة تلقائية على جميع القرارات اللاحقة الصادرة بالترقية بالأقدمية في الدرجات التالية، ذلك أن الدعوى بطلب إلغاء القرارات الإدارية المعيبة لا يمكن أن تتم إلا بإرادة صريحة جلية من الطاعن، ولا تغني عنها إرادة ضمنية أو مفترضة إذ أنه ليس في القوانين ما يلزم صاحب الحق بأن يحرك الدعوى لحماية حقه إذا ما اعتدى عليه، لما كان الأمر كذلك فإن الحكم المشار إليه وإن كان قد فتح أمام المدعي باب الطعن في القرارات اللاحقة، على أساس المركز القانوني الذي استقر له بمقتضى هذا الحكم إلا أن ذلك لا يعني قيام الطعن تلقائياً على هذه القرارات، ذلك أن هذا الطعن يفترض من المدعي إجراءً إيجابياً يعرب فيه عن إراداته الجلية في مخاصمة القرارات المذكورة ملتزماً في ذلك المواعيد والإجراءات القانونية المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة، وهذه المواعيد تبدأ من تاريخ صدور الحكم في 4 من إبريل سنة 1959، ولا تتراخى إلى تاريخ صدور قرار جهة الإدارة بتنفيذ هذا الحكم، ما دام المركز القانوني الجديد قد تحقق للمدعي من الحكم ذاته وليس من القرار المنفذ له.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم كان متعيناً على المدعي أن يتظلم من القرار المطعون فيه الخاص بالترقية إلى الدرجة السابعة، خلال الستين يوماً التالية لصدور حكم المحكمة الإدارية العليا في 4 من إبريل سنة 1959، فإذا لم تستجب جهة الإدارة لتظلمه كان عليه أن يقيم دعواه خلال الستين يوماً التالية لانقضاء ستين يوماً على سكوت الإدارة عن الإجابة عن تظلمه، وإذ هو لم يفعل ذلك بل تراخى في تقديم تظلمه وفي إقامة دعواه إلى أن أصدرت الجهة الإدارية قرارها المنفذ لهذا الحكم في 20 من سبتمبر سنة 1959 على النحو السالف بيانه، فإنه بذلك يكون قد فوت على نفسه مواعيد الطعن القانونية المنصوص عليها في المادة 22 من قانون مجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959، ومن ثم تكون دعواه غير مقبولة شكلاً.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه، إذ ذهب غير هذا المذهب وقضى بقبول الدعوى شكلاً فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين - والحالة هذه - القضاء بإلغائه وبعدم قبول الدعوى شكلاً، مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم قبول الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.