مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 557

(73)
جلسة 31 من مارس سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ محمد شلبي يوسف - وكيل مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة حسنين رفعت ومحمد فتح الله بركات ومحمد بهجت عتيبة وأبو بكر محمد عطية - المستشارين.

القضية رقم 490 لسنة 10 القضائية

( أ ) - هيئة عامة - إدارة النقل العام لمدينة الإسكندرية - "كادر عمالها". وظيفة "مراقب أشارجية".
كادر عمال إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية الذي عمل به اعتباراً من أول مايو سنة 1945 لم ينص على وظيفة "مراقب أشارجية" - الكادر لم يرد به نص يخول الإدارة سلطة تقييم الوظائف التي لم ينظمها أو قياسها على وظائف أخرى مما ورد فيه - أثر سكوت الكادر عن تنظيم وظيفة "مراقب أشارجية" التي كانت موجودة بالإدارة فعلاً منذ صدوره.
(ب) - هيئة عامة - إدارة النقل العام لمدينة الإسكندرية - وظيفة "مراقب أشارجية". تقييم جهة الإدارة لوظيفة "مراقب أشارجية" بوظيفة مفتش أو ناظر محطة أو قياسها عليها دون سند من القانون - لا يكسب حقاً في التمسك بأعمال آثار هذه التسوية أساس ذلك.
1 - يبين من مطالعة كادر عمال إدارة النقل العام لمدينة الإسكندرية الذي عمل به اعتباراً من أول مايو سنة 1945 أنه نص على وظيفة "أشارجي" وقد أوردها ضمن وظائف عمال الحركة في الدرجة من 120 إلى 240 مليماً بعلاوة قدرها 15 مليماً كل سنتين وأن خلا من النص على وظيفة "مراقب أشارجية" والكادر المشار إليه لم يرد به أي نص يخول الإدارة سلطة تقييم الوظائف التي لم يتناولها بالتنظيم أو قياسها على وظائف أخرى مما ورد فيه.
وسكوت الكادر عن تنظيم وظيفة "مراقب أشارجية" التي كانت موجودة بالإدارة فعلاً عند صدوره لا يمكن أن يجمل إلا على أحد أمرين أولهما: أن نية جهة الإدارة قد انصرفت إلى إبقاء الوضع الوظيفي بالنسبة إلى هذه الوظيفة على ما هو عليه، وثانيهما: أن نية جهة الإدارة قد اتجهت إلى عدم تمييز وظيفة مراقب أشارجية "عن وظيفة أشارجي" من ناحية الربط المالي، وفي كلا الحالين لا يكون للمدعي ثمة حق في المطالبة بالعلاوة موضوع الدعوى.
2 - ولئن كانت جهة الإدارة قد قيمت وظيفة "مراقب أشارجية" بوظيفة مفتش أو ناظر محطة أو قاستها عليها فإن ذلك لا يكسب المدعي حقاً في التمسك بإعمال آثار هذه التسوية، طالما أن جهة الإدارة لم تستند في إجرائها إلى أي سند من القانون، ومن المسلم به أن مركز المدعي مركز قانوني تنظمه القوانين واللوائح، ومن ثم فلا يجوز له المطالبة بحق لا تخوله إياه القوانين أو اللوائح.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 57 لسنة 10 قضائية أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية ضد إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية، بموجب صحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة في 20/ 10/ 1962 بعد أن صدر بتاريخ 9/ 10/ 1962 قرار بقبول طلب معافاته من الرسوم وقال شرحاً لدعواه أنه التحق بإدارة النقل العام بوظيفة عامل تليفون بتاريخ 23/ 6/ 1934 بمرتب شهري قدره أربعة جنيهات ثم نقل إلى مراقب الأشارجية وتدرج بالعلاوات، وفي 1/ 5/ 1945 رفع مرتبه إلى تسعة جنيهات ثم منح في 1/ 5/ 1947 علاوة دورية قدرها جنيه بلغ بها مرتبه عشرة جنيهات، ثم استطرد قائلاً أنه يستحق علاوة دورية قدرها جنيه في 1/ 5/ 1949 طبقاً للتسوية التي أجريت له في 1/ 5/ 1945 ومنح على أساسها علاوة دورية في 1/ 5/ 1947 ولكن الإدارة أنكرت عليه حقه وطلب في ختام صحيفة دعواه الحكم بأحقيته في العلاوة الدورية المستحقة له اعتباراً من 1/ 5/ 1949 البالغ قدرها جنيهاً شهرياً مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إن المدعي قال في المذكرة التي تقدم بها أمام المحكمة الإدارية بياناً للسند القانوني الذي يستند إليه في إقامة دعواه أن الإدارة سوت حالته طبقاً للقواعد الخاصة بالتفتيش ونظار المحطات الواردة في كادر عمال الإدارة المطبق في سنة 1945 ومنحته العلاوة الدورية المقررة لهم طبقاً للكادر في سنة 1947 ومن ثم فقد كان يتعين عليها الاستمرار في معاملته طبقاً لهذه القواعد وعدم إنكارها حقه في معاملته بمقتضى هذه القواعد بمقولة أن وظيفة مراقب أشارجية لم ترد في كادر عمال الإدارة إذ أن عدم ورودها في الكادر ليس من شأنه أن ينفي وجودها الفعلي، ومن ثم فإن من حق الإدارة نظراً لعدم وجود نص منظم لكيفية معاملة هذه الوظيفة أن تعاملها على النحو الذي تراه متفقاً مع مستويات وظائف واردة في الكادر، فالإدارة إذن كانت تملك سلطة تقديرية في شأن تحديد مستوى وظيفة مراقب أشارجية بالنسبة لمستوى الوظائف الواردة بالكادر، وهي إذ باشرت سلطتها في هذا الصدد واعتبرت الوظيفة المذكورة في مستوى وظائف المفتشين ونظار المحطات تكون قد باشرت سلطة مخولة لها قانوناً وأجرت تسوية شرعية لحالة المدعي.
ومن حيث إن إدارة النقل العام ردت على الدعوى بقولها إن المدعي التحق بخدمة الإدارة في وظيفة عامل تليفون بأجر شهري قدره أربعة جنيهات في 23/ 6/ 1934 وفي ديسمبر سنة 1934 نقل إلى وظيفة مراقب أشارجية بأجر شهري خمسة جنيهات وبلغ مرتبه تسعة جنيهات في 1/ 5/ 1945 رفع إلى عشرة جنيهات في 1/ 5/ 1947 ثم ثبت موظفاً بالشهرية في 1/ 3/ 1950 بمكتب صيانة ترام الرمل وعومل بكادر الموظفين من تاريخ تثبيته وتدرج بالعلاوات إلى أن وصل مرتبه الشهري 13 جنيه و500 مليم في 1/ 5/ 1960، وأن المدعي تحدد مركزه القانوني الذاتي من تاريخ تثبيته موظفاً بالشهرية وعومل بمقتضى كادر الموظفين، أما قبل هذا التاريخ فلم يكن له مركز قانوني محدد حيث كان يشغل وظيفة مراقب أشارجية وهي وظيفة لم يرد ذكرها بكشوف كادر الإدارة المطبق عام 1945، وإذا كانت الإدارة قد أجرت له تسوية بمناسبة صدور كادر سنة 1945 ومنحته علاوة قدرها 2 جنيه في 1/ 5/ 1945 وأخرى قدرها جنيه في 1/ 5/ 1947 فإن هذه التسوية ليس لها سند قانوني ومن ثم فإنه يكون قد منح هاتين العلاوتين جزافاً الأمر الذي يجعل دعواه باستحقاقه علاوة أخرى قدرها جنيه في 1/ 5/ 1949 مفتقراً إلى السند القانوني.
وبجلسة 23/ 12/ 1963 قضت المحكمة باستحقاق المدعي العلاوة الدورية المستحقة له في 1/ 5/ 1949 وقدرها جنيه واحد وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق المالية المترتبة على ذلك عن الخمس سنوات السابقة على 10/ 4/ 1957 وألزمت الإدارة المصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة مؤسسة قضاءها على أن الثابت أن كادر عمال الإدارة الذي طبق اعتباراً من 1/ 5/ 1945 لم يتضمن كادر الوظائف الموجودة بإدارة النقل العام وإنما أغفل بعض الوظائف الموجودة فعلاً في الإدارة ومن بينها وظيفة مراقب أشارجية التي كان يقوم عليها المدعي وقت تطبيق الكادر مما يتعين معه - وقد سوت الإدارة حالة المدعي على أساس هذا الكادر بمقتضى الأساس الذي قامت عليه هذه التسوية حتى يمكن بحث مدى أحقية المدعي في طلبه، ولما كان الثابت من المستند المودع من الإدارة في 2/ 11/ 1963 أن كادر عمال الإدارة المطبق من 1/ 5/ 1945 قد قضى بتسوية حالة نظار المحطات الموجودين بالخدمة وقت نفاذه بمنحهم علاوة من 1/ 5/ 1945 قدرها جنيهان أو منحهم أول مربوط الدرجة وقدره 8 جنيه و500 مليم أيهما أكبر، إذا كان مرتب الناظر عند تطبيق الكادر أقل من عشرة جنيهات فإذا زاد عن ذلك منح علاوة قدرها جنيهان ونصف على أن تكون العلاوة الدورية بعد ذلك كل سنتين بمقدار جنيه واحد شهرياً حتى نهاية مربوط الدرجة وقدره 17 جنيه و500 مليم وقد ذكرت الإدارة أن حالة المدعي سويت على هذه القاعدة فمنح علاوة قدرها جنيهان من 1/ 5/ 1945 ثم منح علاوة دورية قدرها جنيه واحد في 1/ 5/ 1947، فإن مفاد ذلك أن الإدارة قد قامت بتقييم وظيفة المدعي - بعد إذ أغفل الكادر ذلك - ورأت أنها تعادل في مستواها وظيفة ناظر محطة التي حدد لها الكادر الدرجة المالية 18 جنيه و500 مليم، 17 جنيه و500 مليم فقامت بتسوية حالة المدعي على هذا الأساس، وكان يتعين والحال كذلك أن ترتب الإدارة - بعد أن أعملت إرادتها على هذا النحو - كافة الآثار المترتبة على هذه التسوية بأن تجرى في معاملة المدعي بعد ذلك على نفس الأساس الذي تمت تسوية حالته عليه وذلك بإطلاق العلاوات الدورية المستحقة للمدعي على اعتبار أنه في الدرجة المالية 8 جنيه و500 مليم/ 17 جنيه و500 مليم إلا أن الإدارة حبست عن المدعي العلاوة الدورية المستحقة في 1/ 5/ 1949 وقدرها جنيه واحد دون مبرر أو مسوغ مشروع.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون عليه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله إذ قضى باستحقاق المطعون ضده علاوة دورية قدرها جنيه في 1/ 5/ 1949 ذلك أن علاقة الموظف بالحكومة هي علاقة تنظيمية عامة تحكمها القوانين واللوائح وأن اعتراف الإدارة للموظف بوضع مخالف للقوانين واللوائح لا يمنع المحكمة من إنزال حكم القانون الصحيح في المنازعة المطروحة أمامها لتعلق الأمر بأوضاع إدارية تحكمها القوانين واللوائح ولا تخضع لإرادة ذوي الشأن أو اتفاقهم أو إقراراتهم المخالفة لها، وإذ كان الثابت أن كادر عمال إدارة النقل الذي يحكم علاقة الإدارة بعمالها لم يتضمن وظيفة مراقب أشارجية التي كان يشغلها المطعون ضده، فإن قول الإدارة أن حالة المطعون ضده قد سويت على هدي ما اتبع بشأن نظار المحطات يجب ألا يحمل على أنها قامت بتسوية حالة المطعون ضده تسوية قانونية وعاملته طبقاً لأحكام كادر عمال الإدارة لأنه لم يكن شاغلاً لحرفة من الحرف الواردة على سبيل الحصر بالكادر والتي تعتبر مناطاً للإفادة من أحكامه بدليل أن الإدارة الطاعنة قررت في ردها على الدعوى أن العلاوات التي منحتها المطعون ضده قد منحت له جزافاً مما يقطع بعدم وجود قاعدة قانونية استندت إليها الإدارة في منح المطعون ضده العلاوتين اللتين منحتا له ومن ثم تكون مطالبته بالعلاوة موضوع الدعوى لا سند لها من القانون.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة كادر عمال إدارة النقل العام لمنطقة الإسكندرية الذي عمل به اعتباراً من أول مايو سنة 1945 أنه نص على وظيفة "أشارجي" وقد أوردها ضمن وظائف عمال الحركة في الدرجة من 120 إلى 240 مليماً بعلاوة قدرها 15 مليماً كل سنتين، وأن خلا من النص على وظيفة "مراقب أشارجية".
ومن حيث إن الكادر المشار إليه لم يرد به أي نص يخول الإدارة سلطة تقييم الوظائف التي لم يتناولها بالتنظيم أو قياسها على وظائف أخرى مما ورد فيه.
ومن حيث إن سكوت الكادر عن تنظيم وظيفة "مراقب أشارجية" التي كانت موجودة بالإدارة فعلاً عند صدوره لا يمكن أن يحمل إلا على أحد أمرين: أولهما: أن نية جهة الإدارة قد انصرفت إلى إبقاء الوضع الوظيفي بالنسبة إلى هذه الوظيفة على ما هو عليه، وثانيهما: أن نية جهة الإدارة قد اتجهت إلى عدم تمييز وظيفة مراقب أشارجية عن "وظيفة أشارجي" من ناحية الربط المالي، وفي كلا الحالين لا يكون للمدعي ثمت حق في المطالبة بالعلاوة موضوع الدعوى.
ومن حيث إنه يبين من الرجوع إلى ملف خدمة المدعي - فضلاً عما تقدم - أنه قد خلا من بيان أي سند قانوني للتسوية التي تم على أساسها منحه مرتباً قدره تسعة جنيهات اعتباراً من 1/ 5/ 1945 أو منحه علاوة دورية قدرها جنيه في 1/ 5/ 1947، وأن هذه التسوية قد تمت دون أن تقترن بأي إجراء أو تصاحبها أية مذكرة تفصح عن أن جهة الإدارة قد قيمت وظيفة المدعي على نحو معين أو قاستها على وظيفة أخرى من الوظائف التي وردت في الكادر، وقد طلب إلى إدارة الحركة - التي سوت مرتب المدعي على النحو السابق الإشارة إليه - بيان السند الذي استندت إليه في إجراء هذه التسوية فلم تحر جواباً مما اضطر جهة الإدارة أن تذكر استنتاجاً على نحو ما يبين من الملف - أن التسوية قد تمت على هدي القواعد التي اتبعت في تسوية حالة المفتشين والنظار، إذ أنه لا توجد فئة أخرى تقضي قواعد الكادر بتسوية حالتهم على نحو ما تم بالنسبة إلى المدعي سوى هذه الفئة.
ومن حيث إنه وإن صح القول - بالرغم مما تقدم - بأن جهة الإدارة قد قيمت وظيفة "مراقب أشارجية" بوظيفة مفتش أو ناظر محطة أو قاستها عليها فإن ذلك لا يكسب المدعي حقاً في التمسك بأعمال آثار هذه التسوية، طالما أن جهة الإدارة لم تستند في إجرائها إلى أي سند من القانون، ومن المسلم به أن مركز المدعي مركز قانوني تنظمه القوانين واللوائح، ومن ثم فلا يجوز له المطالبة بحق لا تخوله إياه القوانين أو اللوائح.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم تكون دعوى المدعي مفتقرة إلى السند القانوني ويكون الحكم المطعون عليه وقد ذهب غير هذا المذهب قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه، ويتعين - والحالة هذه - القضاء بإلغائه وبرفض دعوى المدعي مع إلزامه بالمصاريف.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.