مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 575

(76)
جلسة 12 من إبريل سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد موسي - وكيل مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري ومحمد طاهر عبد الحميد وأحمد علي البحراوي وعلي لبيب حسن - المستشارين.

القضية رقم 666 لسنة 12 القضائية

( أ ) - الري والصرف "تحديد طريق الصرف".
القانون رقم 68 لسنة 1953 في شأن الري والصرف قد جعل تحديد طريق الصرف من الملائمات المتروكة لتقدير الجهة الإدارية - لا معقب عليها في هذا الشأن ما دام قرارها خلا من إساءة استعمال السلطة.
(ب) - الري والصرف "مواعيد استيفاء الخرايط".
إن المواعيد المنصوص عليها في المادة 16 من القانون رقم 68 لسنة 1953 في شأن الري والصرف لا يترتب على تجاوزها البطلان. [(1)]
1 - إن تحديد طريق الصرف من الملائمات المتروكة لتقدير الجهة الإدارية المختصة بما لا معقب عليه في هذا الشأن ما دام قرارها قد خلا من إساءة استعمال السلطة - ولم يقم أدنى دليل على إساءة استعمال السلطة بل على العكس من ذلك فإن طريق الصرف الذي استقر عليه رأي تفتيش الري وصدر به القرار المطعون فيه بعد أن ثبت توافر شروط تطبيق المادة 16 من القانون رقم 68 لسنة 1953 هو الطريق الذي أجمعت المباحث الفنية والهندسية منذ سنة 1941 على أنه أنسب وأصلح الطرق لهذا الغرض.
2 - نعى المدعي على الجهة الإدارية المختصة أنها لم تراع المواعيد المنصوص عليها في المادة 16 سالفة الذكر لاستيفاء الخرائط وإصدار القرارات فإنه حتى لو صح ليس من شأنه أن يشوب القرار بما يبطله لأن المواعيد المذكورة لا تخرج عن كونها مواعيد تنظيمية لا يترتب على تجاوزها البطلان.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 26 من يوليه سنة 1965 أقام السيد/ إسماعيل رضوان بيبرس الدعوى رقم 3254 لسنة 19 القضائية ضد وزير الري ومفتش ري قسم زفتى بالمنصورة طالباً الحكم أولاً على وجه الاستعجال بوقف تنفيذ القرار الصادر من وزير الري بحفظ الاعتراض - التظلم - المقدم منه عن القرار الصادر من تفتيش ري الدقهلية بتاريخ 15 من مايو سنة 1965 وباشتراك صرف أطيان السيد/ أحمد عيسى مصطفى وشركاه البالغ مساحتها 17 س 18 ط 68 ف بحوض السمارة 42 والزمام 44 في الصرف على المصرف الخصوصي س 5 ص المار بالحد الشرقي للقطعة 7 بحوض العمدة 42 بملك المدعي بزمام ناحية الجنينة مركز دكرنس - وثانياً بإلغاء القرار المذكور واعتباره كأن لم يكن وثالثاً بإلزام المدعى عليهما بالمصاريف والأتعاب - وقال شرحاً لدعواه أنه في سنة 1928 حرر بين ورثة المرحوم الشيخ رضوان العدل بيبرس - وهو منهم - عقد قسمة الأطيان الزراعية المخلفة عنه ومقدارها 300 فدان بناحية الجنينة مركز دكرنس ونص في هذا العقد على أن كل وارث اختص بنصيبه في هذه الأطيان - وبأنه ليس لأي وارث من المتقاسمين أي حق من حقوق الارتفاق قبل الآخر - وذكر أن السيد/ يوسف دميان مليكة اشترى من بعض إخوته فحل محل البائع له بنفس القيود ولما أراد التنصل منها نشأت منازعات وقضايا انتهت بإقرار حق المدعي - ثم في سنة 1946 تقدم يوسف دميان بطلب إلى تفتيش الري لإنشاء مصرف في ذات المكان الذي حدده الحكم النهائي وصدر بذلك قرار إداري نفذه بإيداع مبلغ التعويض وظل الأمر على هذا الوضع إلى أن باع المذكور أرضه إلى السيد/ أحمد عيسى مصطفى وشركائه واتبع هؤلاء ذات الخطوات التي اتبعها سلفهم ولما باءت بالفشل لجأوا إلى تفتيش الري في 22 من أغسطس سنة 1964 طالبين تنفيذ قرار سنة 1946 واعتماد المبلغ المدفوع من البائع لهم لهذا الغرض إلا أن تفتيش الري قرر تلقائياً إنشاء مصرف في أرض المدعي واعتمد لتبرير قراره على طلب سابق بالملف - وأضاف المدعي أنه تقدم بتظلم طبقاً للقانون 68 لسنة 1953 ولكن الوزير رفضه وأخطره بذلك بكتاب مؤرخ 20 من يوليه سنة 1965 - وأنه يطعن في هذا القرار للأسباب الآتية: (1) إن طالبي الصرف قد أوضحوا في طلبهم المؤرخ 22 من أغسطس سنة 1964 أنهم يريدون الحلول محل يوسف دميان في المصرف موضوع قرار سنة 1946 وهذا الطلب يفسخ أي طلب سابق ويدل على كفاية هذا الطريق لصرف أطيانهم فلا يجوز الاعتداد على ملكيته دون مبرر. (2) إن القضاء المختص قد أجهز نهائياً على محاولات يوسف دميان مليكة مقرراً أن له طريق صرف آخر وإن طالبي الصرف الحاليين تلقوا الملكية بهذه الحالة واستعملوها فلا يجوز لهم التنكر لذلك بأية وسيلة. (3) إن قرار سنة 1946 ما زال قائماً من الوجهتين القانونية والفنية. (4) إن القرار المطعون فيه تجاهل طلب المدعي أن تحقق الوزارة طريقة الصرف منذ تاريخ الشراء حتى الآن وكذلك ما استند إليه قرار سنة 1946 من أسباب فنية وموافقة الجميع عليه (5) إن القرار المطعون فيه لم يبحث أي سند مما ارتكن إليه المدعي.
وأودع المدعي مذكرة بدفاعه قال فيها إن طالبي الصرف حصروا طلبهم المؤرخ 22 من أغسطس سنة 1964 في الحلول محل يوسف دميان في المصرف موضوع قرار سنة 1946 فما كان يجوز لتفتيش الري أن يعطي لهم مصرفاً آخر إضراراً به - وأن أرضه خاليه من أي ارتفاق وهو ما نص عليه في عقد القسمة المبرم بين ورثة الشيخ رضوان العدل في سنة 1928 - وأنه في سنة 1934 تصرف بعض أخوته ببيع نصيبهم إلى السيد/ يوسف دميان مليكة الذي اعتدى على أرض المدعي بالقوة في سنة 1936 إذ شق فيها لنفسه طريق صرف - فأقام ضده المدعي رقم 2937 سنة 1934 أمام محكمة دكرنس التي قضى له فيها في 26 من مايو سنة 1936 بتثبيت ملكيته للأرض المبينة بعريضة الدعوى وتسليمها إليه خالية من أي حق ارتفاق للغير ومنعه من الصرف فيها وإلزامه بأن يردم هذا الجزء بمصاريف من طرفه خلال شهر من تاريخ الحكم - وأيدت محكمة الاستئناف هذا القضاء وأضافت في حكمها أنه ظهر من نتيجة الانتقال الذي أجرته أن المصرف المتنازع عليه لا تدل حالته على أنه كان مصرفاً قديماً لمصلحة جميع الأطيان التي صار قسمتها بل هو على الأرجح رشاح أحدثه المستأنف عليه لمصلحة الأطيان التي اختص بها بطريق القسمة وأن أطيان المستأنف كانت تصرف فيما مضى قبل القسمة وبعدها من مصرف قديم لا تزال آثاره باقية إلى الآن وكان يشق هذه الأطيان من الشرق إلى الغرب حتى يتصل بمصرف عمومي يسمى مصرف الماكينة بجوار الأطيان من الجهة الغربية - وأضاف المدعي أنه بعد صدور هذا الحكم تقدم يوسف مليكة بطلب إلى تفتيش ري المنصورة لإنشاء مصرف لأطيانه يمر بأرض المدعي - ولكن تفتيش الري رفض هذا الطلب لأن تنفيذه يتعارض مع الحكم النهائي المشار إليه - وطلب يوسف مليكة إنشاء مصرف آخر فصدر قرار وزاري في سنة 1946 بإنشاء مصرف في ذات المكان المنوه عنه بالحكم النهائي المذكور ونفذ يوسف مليكة هذا القرار بإيداع مبلغ التعويض لحساب ملاك الأراضي التي يمر بها هذا المصرف وصرف أحد المنتفعين نصيبه في هذا التعويض - وما زال هذا القرار نافذاً لم يرد عليه إلغاء حتى الآن وهو يمنع من إصدار قرار آخر في هذا الشأن - ولا تنطبق المادة 16 من القانون رقم 68 لسنة 1953 لوجود المصرف المقرر قانوناً من الجهة المختصة بناءً على طلب صاحب الأرض - وكان طالبو الصرف الحاليون مستأجرين ووكلاء عن يوسف دميان مليكة ثم اشتروا منه فتعتبر القرارات السابقة حجة عليهم - ومضى المدعي يقول إن القرار المطعون فيه قد خالف القانون بمخالفته لعقد القسمة المحرر بين الورثة ومخالفته حكم تثبيت الملكية - ومخالفته لقرار إداري سابق - ولمخالفته للمنطق والمعقول - وذكر أن الصرف وفقاً للقرار المشار إليه سيلحق به أفدح الأضرار لأن أرض الطالبين أعلى من أرضه مما يعرض زراعته للغرق - وأن مصرفه لا يزيد عن كونه رشاحاً صغيراً مخصصاً لسبعة أفدنة ومن المستحيل أن يشترك فيه صرف 68 فداناً - وقال إن ركني طلب وقف التنفيذ متوافران - وانتهى في مذكرته إلى طلب الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه. وأجابت الوزارة على الدعوى بمذكرة طلبت فيها رفضها بشقيها وذكرت أن ركني طلب وقف التنفيذ غير متوافرين - وأنه وفقاً لأحكام المادة 16 من القانون رقم 68 لسنة 1953 في شأن الري والصرف تقدم السيد/ أحمد عيسى مصطفى وآخرون في 27 من يوليه سنة 1964 إلى تفتيش ري شرق الدقهلية بطلب إيجاد طريق لصرف الأرض الزراعية المملوكة لهم عن طريق المصرف المار بأرض السيد/ إسماعيل رضوان ببيرس وتبين من المعاينة والمباحث الرسمية والتحقيقات الإدارية أن أرض الطالبين محرومة من الصرف فصدر القرار المطعون فيه في 15 من مايو سنة 1965 بإشراكها في الصرف على المصرف الخصوصي س. ص المار بأرض المدعي - ولا محل لاستناد المدعي إلى أن أطيانه غير محملة بحقوق ارتفاق لأن القرار المطعون فيه لم يستند إلى ذلك وإنما استند إلى أحكام القانون رقم 68 لسنة 1953 في شأن الري والصرف بناءً على شكوى مقدمة من ذوي الشأن - وتقدير صلاحية طريق الصرف وكفايته من الأمور التي تستقل جهة الإدارة بتقديرها - أما قول المدعي أن القضاء العادي قد قرر أن ليوسف دميان مليكة طريق صرف آخر وأن طالبي الصرف الحاليين تلقوا الملكية بهذه الحالة فمردود بأن المصرف م م ل موضوع القرار الوزاري رقم 8320 الصادر في 8 من نوفمبر سنة 1945 كان هو الطريق الذي كان أصلاً مرتباً لصرف الأطيان موضوع الطلب وأهمل هذا الطريق منذ حوالي ثلاثين عاماً ومنذ إهماله حرمت هذه الأطيان من الصرف - ولو كان المصرف المذكور موجوداً فعلاً لما كانت الوزارة بحاجة إلى إصدار قرارها رقم 8320 لسنة 1945 بإنشائه - أما قول المدعي أن طالبي الصرف أوضحوا في طلبهم المؤرخ 22 من أغسطس سنة 1964 أنهم يريدون الحلول محل يوسف دميان في المصرف موضوع قرار سنة 1964 وهو يكفي لري أطيانهم فمردود بأن تقرير كفاية طريق الصرف من عدمه أمر تستقل به الجهة الإدارية بلا معقب عليها في هذا الشأن إلا أن يكون قرارها مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أنه يخلص من الأوراق أنه كان بأطيان أحمد عيسى مصطفى وشركائه مصرف قديم في سنة 1939 وأنه صدر في سنة 1945 قرار بإنشاء مصرف بأرض الغير لصالح هذه الأطيان هو المصرف م م ل ولم ينفذ وظلت هذه الأطيان معطلة عن الصرف وطلب ملاكها من تفتيش الري صرفها على المصرف س ص في 27 من يوليه سنة 1964 كما طالبوا بتنفيذ المصرف م م ل في أغسطس سنة 1964 - ووفقاً للمادة 16 من قانون الري والصرف يتعين توافر شرطين ليصدر قرار مسبب باستعمال مصرف بأرض الغير هما تقديم طلب من ذوي الشأن، وتبين تفتيش الري من التحقيق الذي يجريه استحالة أو تعذر الصرف دون استعمال المصرف المشار إليه وقد توافر هذان الشرطان بالنسبة إلى القرار المطعون فيه وتضمنت أسبابه أنه أقرب طريق لصرف أطيان الطالبين وأنه أنسب الطرق من الوجهة الفنية - أما قول المدعي أن قرار إنشاء المصرف م م ل الصادر في سنة 1945 ما زال قائماً وأنه لذلك ما كان يجوز لتفتيش الري إشراك صرف أطيان الطالبين مع أطيانه على المصرف س، ص فمردود بأنه كان على التفتيش أن يصدر قراراً مسبباً في الطلبين اللذين تلقاهما من طالبي الصرف وفقاً لأحكام المادة 16 من القانون رقم 68 لسنة 1953 سواء كان قرار سنة 1945 قائماً أو غير قائم وسواء اختلف القرار الجديد عن القرار القديم أو اتفق معه وذلك متروك لتقدير التفتيش وحده ويعتبر القرار الجديد ناسخاً أو معدلاً للقرار القديم أن اعتبر قائماً وأنه لذلك يتعين الحكم برفض الدعوى بشقيها.
ومن حيث إن الطعن يقوم على الأسباب الآتية:
أولاً: إنه وقع بطلان من الإجراءات يترتب عليه بطلان الحكم ذلك أن المدعي أخطر بجلسة 10 من أغسطس سنة 1965 لنظر طلب وقف التنفيذ وظلت الدعوى تؤجل في خصوصية هذا الطلب وحده وقدم تقرير المفوض عنه فقط وحجزت الدعوى للحكم على هذا الأساس ولكن المحكمة فاجأته بالفصل في الدعوى بشقيها دون أن يبدي دفاعه أو يتقدم بمستنداته في الموضوع.
ثانياً: إن الحكم المطعون فيه قد شابه خطأ في القانون وقصور في التسبيب إذ تجاهل كل دفاع المدعي واكتفى بجملة مؤداها الاستناد إلى نص المادة 16 من قانون الري والصرف دون أن يبحث ما أبداه المدعي من أن القرار السابق كان قائماً - كما حجب نفسه عن بحث ما قرره المدعي من أن أرضه خالية من أي حق ارتفاق لطالب الري ومن أن القرار المطعون فيه قرار بإنشاء مصرف جديد لا إشراك في الصرف فقط وأنه يلحق به ضرراً جسيماً - كما لم يتناول الحكم طلب وقف التنفيذ إطلاقاً.
وأودع المدعي مذكرة بدفاعه قال فيها أن دفاعه موضح في مذكرته المقدمة لمحكمة القضاء الإداري وبتقرير الطعن وأنه يضيف إلى ذلك أنه أبدى في تلك المذكرة طلبات تحقيق لم تستجب إليها المحكمة رغم إنها جوهرية وأنه لذلك يطلب تحقيقها - كما يبين في ذات المذكرة أن الاشتراك في الصرف مستحيل وهو أمر يطلب تحقيقه - وذكر أنه أودع حافظة مستندات أمام المحكمة العليا تضمنت صورة رسمية من الحكم الاستئنافي الذي حسم الأمر في المنازعة وصورة رسمية من تقرير الخبير في دعوى إثبات الحالة التي أقامها أثبت فيه أن تفتيش الري لم يشرك أرضاً في صرف أرضه بل أنشأ مصرفاً جديداً فيها وذلك يدل على استحالة الاشتراك وأشار إلى أن بملف الموضوع تقريراً مؤرخاً 31 من يوليه سنة 1941 يعترف بوجود مصرف قديم لأرض يوسف دميان وبأن حق الصرف قد فصل فيه نهائياً عن طريق القضاء - وأضاف المدعي في مذكرة ثانية تقدم بها إلى تفتيش الري أنه لم ينفذ الإجراءات التي استوجبتها المادة 16 فلم يطلب الخرائط والمستندات خلال أسبوعين ولم يصدر القرار خلال شهرين.
وأودعت الوزارة مذكرة انتهت فيها إلى طلب الحكم برفض الطعن وإلزام المدعي بالمصروفات.
ومن حيث إنه يبين من الرجوع إلى أوراق الدعوى وإلى محاضر جلسات محكمة القضاء الإداري - أن المحكمة قد سارت في نظر الدعوى بشقيها على السواء - وأن المذكرة التي أودعتها الوزارة في 8 من ديسمبر سنة 1965 والتي استلم وكيل المدعي صورة منها قد تضمنت دفاعها وطلباتها في كل من طلبي وقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه - وأنه ولئن كان المدعي قد انتهى في مذكرته المودعة في 26 من يناير سنة 1966 إلى طلب الحكم بوقف تنفيذ القرار المذكور - إلا أن ما أبداه من دفاع في تلك المذكرة كان شاملاً لشقي الدعوى ومتضمناً بحث الموضوع من جميع نواحيه على وجه مفصل واف - بل إن ذات هذا الدفاع هو الذي أحال إليه المدعي في مذكرته في هذا الطعن بل ونعى على الحكم المطعون فيه أنه تجاهله ولم يجب طلبات التحقيق التي تضمنها.
ومن حيث إنه لذلك وإذ لم تنطو إجراءات الدعوى على أي إخلال بحق المدعي في الدفاع كما أنها خلت مما يبطلها فإن النعي على الحكم بالوجه الأول من أوجه الطعن يكون على غير أساس.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى ملفي الموضوع وباقي الأوراق المتعلقة به يبين أن الأرض التي صدر القرار المطعون فيه بإشراكها في الصرف على المصرف (س ص) المار بأرض المدعي - كانت مملوكة لأخيه عمر رضوان ببيرس - ثم اشتراها السيد/ يوسف دميان مليكة الذي ادعى أن لها حق الصرف في المصرف المذكور وثار نزاع بينه وبين المدعي في هذا الشأن صدر فيه حكم من محكمة دكرنس الجزئية في 26 من مايو سنة 1936 بتثبيت ملكية المدعي إسماعيل رضوان بيبرس للقدر المتنازع عليه وتسليمه إليه خالياً من أي حق ارتفاق ليوسف دميان مليكة أو للغير ومنعه من الصرف فيه وبإلزامه بردم هذا الجزء - وأيدت محكمة المنصورة الابتدائية هذا الحكم وذلك بحكمها الصادر في 21 من مايو سنة 1939 في الاستئناف المرفوع من يوسف مليكة وأثبتت في أسباب حكمها أنه ظهر لها من الانتقال الذي أجرته (أن المصرف المتنازع عليه لا تدل حالته على أنه كان مصرفاً قديماً لمصلحة جميع الأطيان التي صار قسمتها بل هو على الأرجح رشاح أحدثه المستأنف عليه لمصلحة الأطيان التي اختص بها بعد القسمة وظهر منه أيضاً أن أطيان المستأنف كانت تصرف فيما مضى قبل القسمة وبعدها في مصرف قديم لا تزال آثاره باقية إلى الآن وكان يشق هذه الأطيان من الشرق إلى الغرب حتى يتصل بمصرف عمومي يسمى مصرف الماكينة يمر بجوار الأطيان من الجهة الغربية).
وفي 22 من مايو سنة 1939 طلب يوسف دميان مليكة من تفتيش ري زفتى إنشاء مصرف في أرض المدعي لصرف المياه المتخلفة من أطيانه وأبدى استعداده لدفع التعويض بالتطبيق للائحة الترع والجسور - وأسفرت المعاينة التي أجريت في أول مايو سنة 1941 على أن أرض الطالب محرومة من الصرف وأن المصرف المطلوب إنشاؤه والذي يمر بأرض المدعي هو أقرب طريق لصرفها - ووافق باشمهندس الري المختص على إنشاء هذا المصرف بالتعويض - ولكن المدعي اعترض على ذلك مستنداً إلى أن الحكم الصادر لصالحه قد قضى بتثبيت ملكيته للمصرف المطلوب الصرف فيه خالياً من أي حق ارتفاق ليوسف دميان مليكة أو للغير - وإلى أن أرضه منخفضة جداً عن أرض يوسف دميان بحيث يترتب على مرور مياه الصرف عن طريقها أضرار كثيرة - وعرض الأمر على قسم قضايا الوزارة الذي بين بكتابه المؤرخ 29 من يوليه سنة 1941 أن المادة 15 من لائحة الترع والجسور تستلزم تحقق شرطين هما ألا يكون بالأرض مصرف ويتعذر على المالك الاتفاق مع الغير - وألا يحدث ضرر من مرور المصرف بأرض الغير وذلك غير متوفر لأن لأرض يوسف دميان مليكة مصرفاً كما ثبت ذلك قضائياً من جهة ولأن حق الصرف قد فصل فيه قضائياً بصفة انتهائية من جهة أخرى وما دام الأمر قد رتب بعقد القسمة ثم فصل فيه قضائياً فالطالب وشأنه مع المجاورين في ترتيب حقوق صرف جديدة إذا أراد العدول عن طريق صرفه المقرر فيما بينهم.
فتقدم يوسف دميان مليكة في 14 من أغسطس سنة 1941 بطلب إلى تفتيش الري لإنشاء مصرف بالتعويض في أي مكان من الأراضي المجاورة يراه التفتيش مناسباً وأبدى استعداده لدفع التعويضات وفقاً للائحة الترع والجسور - وقام تفتيش الري ببحث هذا الطلب وبين الباشمهندس المختص في كتابه المرسل إلى مفتش الري في 23 من أغسطس سنة 1943 أن المصرف القديم الذي ثبت في الحكم أنه كان يشق أرض الطالب في الشرق إلى الغرب والمرموز له في الخريطة بالحروف (ل م م) قد أزيل من الطبيعة وأن إعادة إنشائه تقتضي المرور بأطيان أبي بكر رضوان بيبرس وأشقائه الذين يعارضون في ذلك - وأنه من الوجهة الفنية أقرب طريق لصرف أرض الطالب هو المصرف الخاص الحالي (س ص ع) الذي سبق عمل المباحث الخاصة به في سنة 1941 والذي لم يصدر قرار به لصدور حكم المحكمة بشأن عدم وجود أي حق ارتفاق لصرف مياه أرض الطالب بالمصرف المذكور.
وفي 30 من يوليه سنة 1944 تقدم يوسف دميان مليكة بطلب لإعادة طريق الصرف لأرضه وفقاً لما تقضي به لائحة الترع والجسور - كما وقع في 11 من نوفمبر سنة 1944 إقراراً يتضمن قبول إعادة ذلك المصرف وتحمله تكاليف ذلك في حدود خمسمائة جنيه - ولكن ملاك الأراضي الواقعة في طريق المصرف المذكور اعترضوا على إعادته وبين مفتش الري في كتابه المرسل إلى وكيل الوزارة في 24 من يوليه سنة 1945 أنه بعد عمل المباحث الإدارية والهندسية رؤى أن أقرب طريق لصرف مياه أرض الطالب هو المصرف الخاص (س ص ع) الذي منع حكم المحكمة الصرف فيه ويلي هذا الطريق من حيث القرب والسهولة المصرف الخاص (م م ل) ليتصل بالمصرف المشترك (ن ل ي) الذي يصب في مصرف الجنينة العمومي.
وفي 8 من نوفمبر سنة 1945 صدر قرار وزير الأشغال رقم 8320 متضمناً النص في المادة الأولى منه على أن (ينشأ المصرف م م ل.... ليتسنى الصرف بالمصرف المشترك ن ل ي الذي يصب في مصرف الجنينة العمومي) وأشار هذا القرار في ديباجته إلى أن الأبحاث الإدارية والهندسة قد أثبتت أن أرض يوسف دميان مليكة محرومة من الصرف.
ولكن هذا القرار لم ينفذ بسبب ما أثاره ملاك الأرض التي كان سيمر بها المصرف م م ل من منازعات وما أقاموه من دعاوى وقدموه من شكاوى وظل تنفيذه معطلاً حتى سنة 1957 وفي 14 من مارس سنة 1957 كلف يوسف دميان مليكة بعرض التعويض المقدر للأرض التي يسير فيها المصرف على ملاكها فأجاب في 22 من مايو سنة 1957 بأنه عرضه عليهم فرفضوا قبوله - ورغم أنه قام بإيداع التعويض خزانة محكمة المنصورة بمقتضى محضري إيداع مؤرخين 3 و27 من يوليه سنة 1957 إلا أن القرار لم ينفذ وبعد أن تقدم بعدة شكاوى في تواريخ مختلفة من عدم قيام تفتيش الري بتنفيذ القرار قدم في أول إبريل سنة 1864 طلباً إلى مفتش ري الدقهلية ذكر فيه أنه باع أرضه إلى عدة مشترين وأنه لذلك يقرر تنازله عن طلب إنشاء المصرف في ملك الغير ويطلب اعتباره كأن لم يكن حتى يتمكن من صرف المبلغ الذي أودعه خزانة المحكمة وذكر أنه ليس للمشترين منه حق الحلول محله في الطلب المذكور.
وفي 27 من يوليه سنة 1964 تقدم المشترون المذكورون (وهم أحمد عيسى مصطفى وآخرون) بطلب ذكروا فيه أن الأرض التي اشتروها محرومة من الصرف وأنه لا يفصلها عن مشروع مصرف الجنينة العمومي سوى أطيان المدعي إسماعيل رضوان بيبرس بمسافة لا تزيد على 150 متراً وأن هذه المسافة مشغولة بمصرف خاص للمالك المذكور وأنه لا يحول بينهم وبين هذا المصرف إلا جسر مشترك عرضه متران وأنه بوضع ماسورة في هذا الجسر يتيسر لهم الصرف دون أن يلحق جارهم ضرر وأنهم لذلك يطلبون صدور قرار بفتح المصرف المذكور مع إلزامهم بالتعويض والنفقات.
ثم في 22 من أغسطس سنة 1964 تقدموا بطلب آخر قالوا فيه إن من حقهم الحلول محل البائع لهم يوسف ديمان مليكة في الطلب السابق تقديمه منه وفي التعويض الذي أودعه خزانة المحكمة والسير في إجراءات إنشاء المصرف المذكور وأبدوا استعدادهم لدفع تكاليف الإنشاء بالإضافة إلى المبلغ الذي أودعه البائع لهم.
ثم في 2 من سبتمبر سنة 1964 تقدم المشترون بطلب ثالث طلبوا فيه تطبيق المادة 16 من قانون الري والصرف رقم 68 لسنة 1953 لمرور المصرف المبين على الخريطة المرافقة لطلبهم وذكروا أنه يمر بمصرف المدعي إسماعيل رضوان بيبرس وأنه أوفق لطبيعة الأرض وأقرب للمصرف العمومي وأقل نفقة وأبدوا استعدادهم لدفع التكاليف التي يقدرها تفتيش الري.
واعترض المدعي إسماعيل رضوان بيبرس على صرف مياه تلك الأرض عن طريق المصرف الخاص بأرضه - واستند في اعتراضه إلى الحكم الصادر لصالحه ضد يوسف دميان مليكة وإلى أن أرض الطالبين ترتفع عن أرضه بمقدار متر وأنه لذلك قد يترتب على الصرف منها عن طريق أرضه أن تغمرها مياه الصرف كما استند إلى أنه يمكن صرف مياه أرض الطالبين عن طريق استعمال المصرف (م ل ي).
وأجرى تفتيش الري تحقيقاً في هذا الشأن أسفر عن أن أرض الطالبين ترتفع عن أرض المدعي في حدود ثلاثين أو أربعين سنتيمتراً وعن أنه ليس هناك ضرر يصيب أرض المدعي ما دام الطالبون سيقومون بتوسيع وتعميق المصرف الخاص - وأن المصرف م ل غير موجود في الطبيعة ومهدوم منذ زمن بعيد كما أنه طريق طويل إذ يبلغ طوله 532 متراً ويقطع عدة طرق للري والصرف الأمر الذي يستدعي إنشاء سحارات تحتها - وانتهى تفتيش الري إلى أن أنسب الطرق لصرف مياه أطيان الطالبين من الوجهة الفنية هو عن طريق المصرف س ص المار بأرض المدعي.
وفي 15 من مايو سنة 1965 أصدر مفتش ري الدقهلية القرار المطعون فيه متضمناً النص على (إشراك صرف أطيان الطالبين على المصرف الخصوصي س ص المار بأرض السيد/ إسماعيل رضوان بيبرس... مع توسيع وتعميق هذا المصرف... ليستوعب صرف الأطيان موضوع القرار).
وبعد أن تظلم المدعي من هذا القرار ورفض تظلمه أقام دعواه التي صدر فيها الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن القرار المذكور قد صدر استناداً إلى المادة 16 من القانون رقم 68 لسنة 1953 في شأن الري والصرف المعدل بالقانون رقم 29 لسنة 1956 التي تنص على أنه "إذا رأى أحد ملاك الأطيان أنه يستحيل أو يتعذر عليه ري أرضه رياً كافياً أو صرفها صرفاً كافياً إلا بإنشاء مسقاة أو مصرف في أرض ليست ملكه أو باستعمال مسقاة أو مصرف موجود في أرض الغير وتعذر عليه التراضي مع أصحاب الأراضي ذوي الشأن أو وكلائهم الرسميين فيرفع شكواه لمفتش الري ليأمر بإجراء التحقيق فيها وعلى التفتيش أن يطلب جميع الخرائط والمستندات التي يستلزمها بحث الطلب في مدة لا تجاوز أسبوعين من تاريخ وصول الطلب إليه - ويتولى بالباشمهندس إجراء التحقيق.... وترفع نتيجة هذا التحقيق إلى المفتش الذي يصدر قراره مسبباً بإجابة الطلب أو رفضه.... ويجب أن يصدر القرار خلال شهرين من تاريخ استيفاء تلك الخرائط والمستندات....".
ومن حيث إن المدعي ينعى على القرار سالف الذكر أنه مخالف للقانون لمخالفته لما قضت به محكمة المنصورة الابتدائية في حكمها الصادر في 21 من مايو سنة 1939 ولعقد القسمة المشار إليه في الحكم المذكور - ولمخالفته لقرار إداري سابق هو قرار وزير الأشغال رقم 8220 الصادر في 8 من نوفمبر سنة 1945 بتقرير طريق آخر لصرف مياه أرض الطالبين هو المصرف (م م ل) - ولمخالفته لما كان يطلبه ذوو الشأن من الحلول محل بائع الأرض لهم في طريق الصرف المقرر له - ثم لمخالفته أحكام المادة 16 من قانون الري والصرف.
ومن حيث إن خلو أرض المدعي من أي حق ارتفاق اتفاقي لمنفعة أرض جيرانه لم يكن ليسلبهم حقهم في طلب إيجاد طريق لصرف مياه أرضهم وفقاً لأحكام المادة 16 المشار إليها متى توافرت شروط تطبيقها ولو كان ذلك عن طريق مرور تلك المياه في المصرف (س ص) الخاص بأرض المدعي - وليس في ذلك أي إخلال بحجية حكم محكمة المنصورة الابتدائية سالف الذكر الذي اقتصر على نفي وجود أي حق لأرض يوسف دميان مليكة على المصرف المار بأرض المدعي - إذ أن ذلك ما كان ليؤثر على حق يوسف المذكور ومن بعده من تلقوا الملكية عنه في طلب إيجاد طريق للمصرف وفقاً لما كانت تقضي به لائحة الترع والجسور - ومن بعدها قانون الري والصرف رقم 68 لسنة 1953 وما كان ليقيد السلطة التقديرية لجهة الإدارة المختصة في تحديد هذا الطريق.
ومن حيث إنه ولئن كان الحكم سالف الذكر قد أشار في أسبابه إلى أن أطيان يوسف دميان مليكة التي آلت إلى الطالبين كانت تصرف فيما مضى قبل القسمة في مصرف قديم لا تزال آثاره باقية وكان يشق هذه الأطيان من الشرق إلى الغرب - إلا أن ما أثبته هذا الحكم قاطع في الدلالة على أن هذا المصرف لم يكن قائماً في تاريخ انتقال المحكمة لمعاينة الأرض بل كانت آثاره هي الباقية - كما أن المستفاد من الأوراق أن الصرف في هذا المصرف كان قد أبطل من قبل صدور هذا الحكم وأن أطيان يوسف دميان مليكة كانت محرومة من الصرف إلى أن صدر قرار وزير الأشغال رقم 8320 في 8 من نوفمبر سنة 1945 بإنشاء المصرف المذكور - كما أنها ظلت محرومة من طريق للصرف بعد هذا القرار بسبب عدم تنفيذه حتى باع يوسف دميان مليكة أرضه إلى أحمد عيسى مصطفى وآخرين - وتقدم بطلب في أول إبريل سنة 1964 تضمن تنازله عن طلب إنشاء المصرف سالف الذكر وأنه ليس للمشترين منه حق الحلول محله في الطلب المذكور.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أنه منذ بدأ البحث في الطلب الأول المقدم من يوسف دميان مليكة أسفرت المعاينة والأبحاث الفنية التي أجريت في سنة 1941 ثم في سنة 1943 ثم في سنة 1945 عن أن أقرب وأصلح طريق لصرف أرضه هو المصرف "س ص" الموجود بأرض المدعي - وأنه لم يحل دون صدور قرار بإشراك أرض يوسف دميان مليكة في الصرف عن طريق هذا المصرف سوى ما كانت تعتقده الجهة الإدارية المختصة خطأ من أن عقد قسمة الأرض وحكم محكمة المنصورة الابتدائية الصادر في سنة 1939 يحولان دون ذلك وهو اعتقاد لا يقوم على أساس سليم حسبما سبق البيان.
ومن حيث إنه بعد أن تقدم المشترون من يوسف دميان مليكة بطلباتهم لإيجاد طريق لصرف مياه أرضهم أسفر التحقيق الذي أجراه تفتيش الري في شأنها عن ذات النتيجة التي أسفرت عنها الأبحاث السابقة وهي أن أنسب وأقرب طريق للصرف من الوجهة الفنية هو المصرف (س ص) المار بأرض المدعي - كما أسفر هذا التحقيق عن عدم صحة اعتراض المدعي القائم على أن الصرف عن هذا الطريق من شأنه أن يعرض أرضه لأن تغمرها مياه الصرف وبناءً على ذلك صدر القرار المطعون فيه (بإشراك صرف أطيان الطالبين على المصرف س ص المار بأرض المدعي مع توسيعه وتعميقه ليستوعب صرف الأطيان موضوع القرار).
ومن حيث إن نعي المدعي على هذا القرار بأنه مخالف للقانون لمخالفته لقرار إداري سابق هو قرار وزير الأشغال الصادر في 8 من نوفمبر سنة 1945 - هذا النعي مردود بأنه فضلاً عن أن قرار وزير الأشغال المذكور الذي لم ينفذ أصلاً قد صدر استجابة لطلب مقدم من يوسف دميان مليكة الذي تنازل عن هذا الطلب - فإن هذا القرار الذي لم يكسب المدعي حقاً ولم ينشئ له مركزاً ذاتياً لا يجوز المساس به - لم يكن من شأنه أن يقيد حرية الجهة الإدارية المختصة عند بحث الطلبات المقدمة ممن اشتروا الأرض بالتزام ذات الطريق الصرف المحدد فيه بل أنها تظل محتفظة بسلطتها التقديرية كاملة في اختيار أنسب الطرق وأقصرها وأقلها نفقة ولو أدى ذلك إلى تعديل أو إلغاء القرار المذكور.
ومن حيث إن ما ينعيه المدعي على القرار المطعون فيه من أنه قرر طريقاً للصرف غير الذي طلبه ذوو الشأن الذي أنصب طلبهم على حلولهم محل البائع لهم في الطريق المقررة له - هذا النعي مردود بأن الثابت من الأوراق أن مشتري الأرض من يوسف دميان مليكة قد تقدموا بثلاثة طلبات أولها في 27 من يوليه سنة 1964 طلبوا فيه الصرف عن طريق المصرف المار بأرض المدعي والثاني في 22 من أغسطس سنة 1964 طلبوا فيه الحلول محل يوسف دميان مليكة في طلبه والثالث في 2 من سبتمبر سنة 1964 طلبوا فيه ما سبق أن تضمنه طلبهم الأول ثم في 27 من يناير سنة 1965 وقعوا إقراراً قبلوا بمقتضاه تحمل مصروفات الصرف عن طريق أرض المدعي - وفضلاً عن أن المستفاد من هذه الطلبات أن ذوي الشأن قد انتهوا إلى التصميم على أن يكون صرف مياه أرضهم عن طريق المصرف (س ص) المار بأرض المدعي - فإن تحديد طريق الصرف من الملائمات المتروكة لتقدير الجهة الإدارية المختصة بما لا معقب عليه في هذا الشأن ما دام قرارها قد خلا من إساءة استعمال السلطة - ولم يقم أدنى دليل على إساءة استعمال السلطة بل على العكس من ذلك فإن طريق الصرف الذي استقر عليه رأي تفتيش الري وصدر به القرار المطعون فيه بعد أن ثبت توافر شروط تطبيق المادة 16 من القانون رقم 68 لسنة 1953 هو الطريق الذي أجمعت المباحث الفنية والهندسية منذ سنة 1941 على أنه أنسب وأصلح الطرق لهذا الغرض.
ومن حيث إن المستفاد من الأوراق أن القرار المطعون فيه لم يصدر إلا بعد استيفاء الخرائط والمستندات المرفقة بملفي الموضوع وبعد عمل المباحث الهندسية والإدارية - وبعد إجراء تحقيق سمعت فيه أقوال ذوي الشأن وأقوال رجال الإدارة المحليين وحققت فيه اعتراضات المدعي على الصرف عن طريق المصرف المار بأرضه - ولذلك يكون نعي المدعي على الجهة الإدارية المختصة أنها لم تتبع الإجراءات المنصوص عليها في المادة 16 سالفة الذكر غير قائم على أساس - أما قوله أنها لم تراع المواعيد المنصوص عليها في تلك المادة لاستيفاء الخرائط وإصدار القرارات فإنه حتى لو صح ليس من شأنه أن يشوب القرار بما يبطله لأن المواعيد المذكورة لا تخرج عن كونها مواعيد تنظيمية لا يترتب على تجاوزها البطلان.
ومن حيث إنه لا يجدى المدعي ما ينعيه على ما تم في شأن تنفيذ القرار المطعون فيه من أنه لم يقتصر على إشراك ذوي الشأن في الصرف عن طريق المصرف المار بأرضه بل جاوز ذلك إلى إنشاء مصرف بها - إذ أن التنفيذ واقعة مادية ولو صح أنه قد حدث فيها خطأ أو تجاوز فإن ذلك ليس من شأنه أن يشوب القرار الذي صدر سليماً بما يبطله.
ومن حيث إنه لما تقدم تكون دعوى المدعي بشقيها غير قائمة على أساس سليم وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفضها فإنه يكون قد أصاب الحق في قضائه الأمر الذي يتعين معه رفض الطعن وإلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعن بالمصروفات.


[(1)] قارن حكم المحكمة الإدارية العليا. الصادر بجلسة 8 من فبراير سنة 1969 في القضية رقم 570 لسنة 13 القضائية