مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 617

(82)
جلسة 21 من إبريل سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ محمد شلبي يوسف - وكيل مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمد عبد العزيز يوسف ومحمد فتح الله بركات ومحمد بهجت محمود عتيبة وأبو بكر محمد عطية - المستشارين.

القضية رقم 1044 لسنة 12 القضائية

موظف "معاش". تقادم "مبالغ المعاش".
سقوط الحق في مبالغ المعاش وفقاً لحكم المادة 62 من القانون رقم 37 لسنة 1929 - هو نوع خاص من التقادم المسقط للحق - سقوط الحق في هذه المبالغ بعدم المطالبة بها في الميعاد سنة واحدة من تاريخ استحقاقها، وفي حالة انقضاء سنة دون تجديد المطالبة السابقة.
إن سقوط الحق في مبالغ المعاش التي أشارت إليه المادة 62 من القانون رقم 37 لسنة 1929 لا يعدو أن يكون نوعاً من التقادم المسقط للحق تناوله المشرع بنص خاص وحدد له مدة خاصة.
وإعمالاً للحكم الذي أوردته هذه المادة يكون حق المدعية في المطالبة بمبالغ المعاش التي تجمدت لها منذ تاريخ وفاة زوجها حتى تاريخ صرف المعاش المستحق لها فعلاً قد سقط بالنسبة إلى كل مبلغ لم تطالب به في ميعاد سنة واحدة من تاريخ استحقاقه طبقاً لما تقضي به المادة أو طالبت به ثم انقضت سنة من تاريخ هذه المطالبة دون أن تقوم بتجديدها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت الدعوى رقم 197 لسنة 12 قضائية ضد وزارة الخزانة وهيئة البريد أمام المحكمة الإدارية لوزارة الخزانة بموجب صحيفة أودعتها سكرتيرية المحكمة بتاريخ 28 من إبريل سنة 1965، وقالت شرحاً لدعواها أن زوجها وقد كان موظفاً بهيئة البريد توفى في 8/ 4/ 1956، فتقدمت بتاريخ 12/ 4/ 1956 بطلب صرف استحقاقها هي وأولادها في معاش زوجها، وبتاريخ 24/ 4، 8/ 5/ 1956 تقدمت بطلبين آخرين في نفس المعنى، وبتاريخ 29/ 8/ 1956 تقدمت بطلب ضمنته تنازلها عن استحقاقها في معاش زوجها لأولادها القصر، وحدث بعد ذلك أن ربطت هيئة البريد معاش أولاد المدعية اعتباراً من تاريخ الوفاة ولم تستطع المدعية أن تتبين إن كان المبلغ الذي ربط لهم تضمن المعاش المستحق لها والذي تنازلت عنه لهم أم لم يتضمن شيئاً من ذلك فلما تبينت أنه لم يتضمن نصيبها في المعاش عادت إلى المطالبة به.
وبتاريخ 22/ 8/ 1963 صدر إذن بربط معاش قدره 2.894 مليمجـ للمدعية اعتباراً من 28/ 4/ 1962 وقالت الإدارة العامة للمعاشات في تبرير جعل الربط مبتدئاً من 28/ 4/ 1962 أنه تاريخ طلب الصرف الذي تقدمت به المدعية، في حين أن الطلب الذي تقدمت به في هذا التاريخ لم يكن الطلب الأول بل كان واحداً من الطلبات العديدة التي قدمتها للمطالبة بحقها في المعاش أو بإضافة نصيبها في المعاش إلى نصيب أولادها، ولذلك فقد عادت إلى المطالبة بمتجمد المعاش عن المدة من 9/ 4/ 1956 تاريخ وفاة زوجها إلى 27/ 4/ 1962 التاريخ السابق على صرف نصيبها في المعاش ولكن دون جدوى، وطلبت في ختام صحيفة دعواها الحكم باستحقاقها لمعاشها عن زوجها في الفترة من 9/ 4/ 1956 إلى 27/ 4/ 1962 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الهيئة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد ردت الجهة الإدارية على الدعوى بقولها أنه ليس للمدعية حق في أن تطالب باستحقاقها لمعاشها عن زوجها في الفترة من 9/ 4/ 1956 اليوم التالي لوفاة زوجها إلى 27/ 4/ 1962 اليوم السابق لربط معاش شهري لها إعمالاً لنص المادة 62 من القانون رقم 37 لسنة 1929 الذي يحكم النزاع والتي تقضي بأن "كل مبلغ مستحق كمعاش لم يطالب صاحبه به في ميعاد سنة واحدة من تاريخ استحقاقه يصبح حقاً للحكومة إلا إذا ثبت أن عدم المطالبة كان ناشئاً عن حادث قهري". ولنص المادة السادسة من ذات القانون التي تقضي بأنه "لا يجوز للحكومة ولا لصاحب الشأن المنازعة في أي معاش تم قيده متى مضى اثنا عشر شهراً من تاريخ تسليم السركي المبين فيه مقدار المعاش إلى صاحب الشأن". هذا ويبين من الاطلاع على ملف خدمة مورث المدعية إن ما تقدمت به من طلبات عقب وفاة زوجها إنما كان عن معاش أولادها القصر فقط وقد تم ربط المعاش لهم على هذا الأساس وإنه ليس بين هذه الطلبات طلب واحد بخصوص استحقاقها الشخصي في معاش زوجها المتوفى اللهم إلا ذلك الطلب المقدم منها في 28/ 4/ 1962 والذي ربط لها المعاش على مقتضاه، كما لم تنازع المدعية هي أو غيرها من الورثة في هذا الربط في خلال سنة من تاريخ تسلمهم السراكي المبين فيها مقدار المعاش المربوط لأولادها القصر، بل إن عدم منازعتها في هذا الربط خلال الفترة المشار إليها إنما تدل على أنها لم تتقدم بأية طلبات بخصوص استحقاقها في معاش زوجها ويدل أكثر من ذلك على أنها كانت تعتقد بأنها لا تستحق في معاش زوجها لكونها موظفة بالحكومة وتنطق بهذا أوراق الدعوى وقد كان التفسير السائد وقتذاك أن الأرملة لا تستحق معاشاً عن زوجها المتوفى إذا كانت تعمل بالحكومة أو بالمؤسسات العامة وهي لم تطالب باستحقاقها في المعاش إلا عندما علمت بمضمون الكتاب الدوري للإدارة العامة للمعاشات بوزارة الخزانة رقم 19/ 1962 الصادر في 18/ 3/ 1962 والذي يقضي بأنه يجوز للأرملة الجمع بين معاش زوجها وبين مرتبها في حالة استخدامها بالحكومة أو المؤسسات العامة، ويؤيد هذا الاعتقاد كتابها المؤرخ 12/ 6/ 1963 إلى السيد وكيل وزارة الخزانة فقد أشارت فيه إلى أنها تستحق معاشاً عن زوجها طبقاً لما جاء في الكتاب الدوري آنف الذكر.
وبجلسة 9 من إبريل سنة 1966 قضت المحكمة بأحقية المدعية في المعاش المستحق عن المدة من 9/ 4/ 1956 إلى 27/ 4/ 1962 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات وثلاثة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة مؤسسة قضاءها على أن الثابت من ملف خدمة مورث المدعية أنها تقدمت بتاريخ 29/ 8/ 1956 بطلب تتنازل فيه عن حقها في المعاش لأولادها القصر، وهذا الطلب إنما يتضمن مطالبة منها بالمعاش المستحق لها عن زوجها ثم إقراراً صريحاً منها بتنازلها عن هذا الحق لأولادها القصر، وهذه المطالبة الضمنية قد تمت في تاريخ لم يجاوز السنة من الوفاة، ومن ثم فإن المطالبة بالمعاش تكون قد تمت خلال الفترة المحددة طبقاً للمادة 62 من القانون رقم 37 لسنة 1929.
ومن ثم فإن المعاش المستحق أصلاً للمدعية لا يكون محلاً للسقوط وبالتالي لا يصبح حقاً للحكومة ويكون ادعاء جهة الإدارة سقوط حق المدعية في المعاش لعدم المطالبة به غير مستند إلى أساس من الواقع أو القانون.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله حين طرح دفاع الجهة الإدارة السابق إيضاحه والذي يرتكز على أنه ليس للمدعية حق في أن تطالب باستحقاقها لمعاشها عن زوجها في الفترة من 9/ 4/ 1956 إلى 27/ 4/ 1962 أي من اليوم التالي لوفاة زوجها إلى اليوم السابق لقيام الوزارة الطاعنة بربط معاش شهري لها استناداً إلى نص المادة 62 من القانون رقم 37 لسنة 1929 التي تقضي بأن "كل مبلغ مستحق كمعاش لم يطالب صاحبه به في ميعاد سنة واحدة من تاريخ استحقاقه يصبح حقاً للحكومة إلا إذا ثبت أن عدم المطالبة كان ناشئاً عن حادث قهري".
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن هناك خلطاً من جانب الدفاع عن الحكومة ومن جانب الحكم بين أمرين متباينين، أولهما - سقوط حق المدعية في المعاش وثانيهما: التقادم المسقط لحق المدعية في مبالغ المعاش التي استحقت لها بعد ثبوت حقها في المعاش.
ومن حيث إن القانون رقم 37 لسنة 1929 الذي يحكم النزاع نص على الأمر الأول في المادة 40 منه - وقد أغفل الدفاع عن الحكومة والحكم الإشارة إليها - وهي تقضي بأن كل طلب يتعلق بالمعاش يقدم بعد انقضاء المواعيد المقررة في المادة 39 من القانون - وهي ستة أشهر تبتدئ "من اليوم التالي لوفاة الموظف بالنسبة إلى المستحقين عنه - يكون مرفوضاً ويسقط كل حق للطالب في المعاش، ومع ذلك فللوزير أو رئيس الجهة التابع لها الموظف التجاوز عن هذا التأخير لأسباب جدية يبديها طالب المعاش، وأن طلب المعاش المقدم بالكيفية المبينة في المادة 39 من أحد المستحقين عن الموظف المتوفى يمنع سقوط حق المستحق الآخرين".
أما الأمر الثاني فهو الذي نصت عليه المادة 62 من القانون - وقد أشير إليها في دفاع الحكومة وفي الحكم - ويجرى نصها كالآتي: "كل مبلغ مستحق كمعاش لم يطالب صاحبه به في ميعاد سنة واحدة من تاريخ استحقاقه يصبح حقاً للحكومة إلا إذا ثبت أن عدم المطالبة كان ناشئاً عن حادث قهري".
ومن حيث إن حق المدعية في تقاضي معاش عن زوجها لم يسقط طبقاً للفقرة الأخيرة من المادة 40 السابق الإشارة إليها والتي تقضي بأن طلب المعاش المقدم من أحد المستحقين عن الموظف المتوفى يمنع سقوط حق المستحقين الآخرين، ذلك أنه لا خلاف بين أطراف النزاع في أن المدعية بصفتها وصية على قصر المتوفى - وهم مستحقون معاشاً عنه - قد تقدمت فور وفاته بطلب صرف هذا المعاش، وهذا الطلب من شأنه طبقاً لصريح نص المادة السابقة أن يمنع سقوط حق المدعية في معاش زوجها باعتبارها إحدى المستحقات في هذا المعاش، بل إن جهة الإدارة قد قامت بصرف هذا المعاش للمدعية فعلاً اعتباراً من 28/ 4/ 1962 تاريخ تقدمها بطلب صرف هذا المعاش، ومن ثم فلا ترى المحكمة محلاً للخوض فيما يثور من الجدل بين المدعية والحكومة حول أنها تقدمت من خلال سنة من تاريخ وفاة زوجها بطلب صرف المعاش المستحق لها أم أنها لم تتقدم أو أن الطلب الذي تقدمت به وأعلنت فيه تنازلها عن حقها في المعاش لأولادها ينطوي على مطالبة ضمنية بحقها أم لا ينطوي طالما أن حقها في المعاش لم يسقط على نحو ما تقدم إيضاحه.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم يكون النزاع الذي يثور في هذه الدعوى هو في حقيقته نزاع حول سقوط حق المدعية في متجمد المبالغ التي استحقت لها كمعاش عن زوجها من تاريخ وفاته إلى تاريخ صرف هذا المعاش لها فعلاً.
ومن حيث إنه لا خلاف بين طرفي الخصومة في أن مطالبة المدعية بصرف المعاش المستحق عن زوجها - أياً كان وجه الرأي في مطالباتها وهي تنصرف إلى المطالبة بحق أولادها القصر أم بحقها هي شخصياً - قد توقفت منذ تاريخ صرف معاش القصر في 19/ 11/ 1956 وإن هذه المطالبات لم تستأنف إلا عندما تقدمت المدعية بطلب صرف نصيبها في المعاش بتاريخ 28/ 4/ 1962.
ومن حيث إن سقوط الحق في مبالغ المعاش التي أشارت إليه المادة 62 من القانون رقم 37 لسنة 1929 لا يعدو أن يكون نوعاً من التقادم المسقط للحق تناوله المشرع بنص خاص وحدد له مدة خاصة.
ومن حيث إنه إعمالاً للحكم الذي أوردته هذه المادة يكون حق المدعية في المطالبة بمبالغ المعاش التي تجمدت لها منذ تاريخ وفاة زوجها حتى تاريخ صرف المعاش المستحق لها فعلاً قد سقط بالنسبة إلى كل مبلغ لم تطالب به في ميعاد سنة واحدة من تاريخ استحقاقه طبقاً لما تقضي به المادة أو طالبت به ثم انقضت سنة من تاريخ هذه المطالبة دون أن تقوم بتجديدها.
ومن حيث إنه تأسيساً على ذلك تكون مبالغ المعاش التي تجمدت للمدعية منذ تاريخ وفاة زوجها قد سقط حقها في المطالبة بها وأصبحت حقاً للحكومة إعمالاً للنص فيما عدا المبالغ المستحقة عن السنة السابقة على تاريخ مطالبتها الحاصلة في 28/ 4/ 1962، ذلك أنها دأبت منذ هذا التاريخ على مطالبة الجهة الإدارية بأداء حقها إلى أن لجأت إلى القضاء للمطالبة بهذا الحق.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه وقد قضى بأحقية المدعية في المعاش عن المدة 9/ 4/ 1956 (اليوم التالي لوفاة زوجها) إلى 27/ 4/ 1962 (اليوم السابق على تقدمها بطلب المعاش المستحق لها) دون اعتداد بحكم المادة 62 من القانون رقم 37 لسنة 1929 وما ترتب عليه من سقوط حقها في المطالبة بمتجمد هذا المعاش فيما عدا المبالغ التي استحقت عن السنة السابقة على تاريخ تقدمها بطلب المعاش، قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه، ويتعين لذلك تعديله وقصر حق المدعية في المطالبة بمتجمد المعاش على السنة السابقة على تاريخ تقدمها بالطلب في 28/ 4/ 1962 مع إلزامها هي والحكومة بالمصاريف مناصفة بينهما عملاً بحكم المادة 186 من قانون المرافعات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه وبأحقية المدعية في المعاش عن سنة سابقة على تاريخ الطلب المقدم منها في 28 من إبريل سنة 1962 وبرفض ما عدا ذلك من الطلبات وألزمت كلاً من طرفي الخصومة بنصف المصروفات.