أحكام المحكمة الدستورية العليا - الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 - صـ 892

جلسة 4 أكتوبر 1997

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف. وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر -أمين السر.

قاعدة رقم (60)
القضية رقم 95 لسنة 18 قضائية "دستورية"

1 - عاملون "ميزة المسكن: مناطها".
تخصيص جهة العمل مساكن للعاملين لديها يبلور ميزة تستمد وجودها من رابطة العمل ذاتها - مناط هذه الميزة الأعمال التي يؤدونها أثناء قيام هذه الرابطة وتزول بانتهائها.
2 - عاملون "ميزة المسكن: امتداد قانوني".
إخضاع الأماكن المؤجرة لتنظيم خاص من طبيعة استثنائية أملته الضرورة - امتداد حكم هذه الضرورة إلى المزايا التي منحتها جهة العمل لعمالها مقابل العمل لا يكون إنفاذاً لمتطلباتها - بقاؤهم في هذه المساكن بعد انتهاء عملهم لا يستقيم قانوناً.
3 - عقد العمل "انتهاؤه - ميزة المسكن".
انتهاء عقد العمل يفيد بالضرورة انقضاء الحق في الأجر بكل العناصر التي يشتمل عليها - اندراج ميزة المسكن ضمن هذه العناصر - عدم جواز طلبها بعد أن صار العقد منقضياً.
1 - بعض الجهات قد تقيم لموظفيها أو عمالها مساكن يأوون إليها، كي توفر بها ظروفاً أفضل لأداء ما نيط بهم من أعمال، فلا يكون شغلهم لها منفصلاً عنها، بل متطلباً لاستيفاء ضرورة تتعلق بكمال تسييرها، بما مؤداه اتصال هذه الأعمال ببيئتها الأكثر تطوراً في مجال تحقيق أهدافها، فلا يكون العمل بدونها سوياً ولا منتجاً بصورة مرضية. ومن ثم يكون العمل - وسواء تعلق بنشاط يباشره مرفق عام، أم كان واقعاً في منطقة القانون الخاص - سبباً لإقامتهم فيها، ولا يتصور بالتالي أن يمتد مكثهم بها إلى ما بعد انقطاع صلتهم بجهة عملهم وزوال حقهم في الأجر؛ وإنما يكون لها أن تتسلمها منهم حتى تعدها لعمال آخرين ينهضون بالأعمال ذاتها أو بغيرها، فلا تتعثر خطاها؛ بما مؤداه أن تخصيص جهة العمل مساكن لعمالها، إنما يبلور ميزة تستمد وجودها من رابطة العمل ذاتها، ومعها تدور وجوداً وعدماً، ولا يمكن القول بأن جهة العمل قد كفلتها ليقيم عمالها في مساكنها دائماً أبداً، ولا أنها عرضتها عليهم وعلى غيرهم من أحاد الناس يتزاحمون فيما بينهم لطلبها، ولا أن صفتهم كعمال لديها لم تكن اعتباراً ملحوظاً في منحها، وإنما مناطها الأعمال التي يؤدونها، تلابسها وتزول بانتهائها.
2 - القيود التي فرضها هذا التنظيم الخاص في شأن امتناع إنهاء الإجارة بانقضاء مدتها، أملتها أزمة الإسكان وفرضتها حدة ضغوطها. وإذ كانت الضرورة تقدر بقدرها، وكان مسارها محدداً على ضوء الأوضاع التي اقتضتها، فإن امتداد حكم هذه الضرورة إلى المزايا التي منحتها جهة العمل لعمالها مقابل العمل، لا يكون إنفاذاً لمتطلباتها. وتلك القيود التي فرضها المشرع على تأجير الأماكن، كان ملحوظاً فيها ما ينبغي أن يقوم من توازن بين حقوق مؤجريها ومستأجريها، صوناً لمصالحهم، فلا يكون أيهم غابناً. ولا كذلك الأوضاع التي يواجهها النص المطعون فيه، والتي ترتد في أساسها إلى ميزة كان العمل سببها، فلا يعتبر الحرمان منها بعد زوال الحق فيها، إهداراً لها أو انتقاصاً منها.
ولا يجوز بالتالي أن تمتد إليها تدابير استثنائية تنفصل - في مجال تطبيقها - عنها، ولا أن تعتبر استثناء من قواعد تضمنتها هذه التدابير التي لا تتناولها أصلاً، وإنما حجبها المشرع عن عمال لم تعد لهم صلة بجهة عملهم، استصحاباً لأصل مقرر في شأن روابط العمل مؤداه أنها - بطبيعتها - عصية على التأبيد، تقديراً بأن مآلها إلى زوال؛ إما باستكمال الأعمال موضوعها أو بانتهاء المدة المحددة لإتمامها، فلا تبقى بزوالها الحقوق التي أنتجتها ولا المزايا التي كفلتها، ويندرج تحتها أماكن دبرتها جهة العمل لسكنى عمالها، وهو ما يعني أن بقاءهم فيها بعد انتهاء عملهم، لا يستقيم قانوناً.
3 - انتهاء عقد العمل يفيد بالضرورة انقضاء الحق في الأجر بكل العناصر التي كان يشتمل عليها، وتندرج الميزة محل النزاع الراهن تحتها، فلا يكون طلبها بعد أن صار هذا العقد منقضياً، كافلاً عدلاً، ولا جائزاً قانوناً. فليس من العدل أن تتحمل جهة العمل أعباء ترهقها أو تنوء بها من خلال إلزامها بأن تعد لعمالها الوافدين إليها مساكن جديدة تُضيفها إلى ما هو قائم منها، وما برح عمالها القدامى شاغلين لها دون سند. بل إن حَمْلها على إبقائهم فيها، يتمحض إخلالاً بالفرص التي كان يمكن أن تتيحها لآخرين للعمل بها بدلاً عنهم؛ إذ عليها عندئذ أن تقيم بمواردها مساكن جديدة تقدر ضرورتها لتنفيذ العمل. وقد لا تكفيها مواردها هذه، فَتَحْبِطَ أعمالها. كذلك فإن إلزامها بالتخلي عما هو قائم من مساكنها لعمال لم يعد لهم حق فيها، إنما يناقض ما هو مقرر قانوناً من أن شغلهم لها ينحل اتفاقاً مُلحقاً بعقد العمل بقصد تنفيذه؛ منطوياً على تقرير ميزة تدخل في تقدير الأجور التي يتقاضونها؛ نائية بطبيعتها عن أحكام الإجارة لخضوعها لقواعد عقد العمل وحده؛ ومنقضية وجوباً بانتهائه.


الإجراءات

بتاريخ الرابع عشر من سبتمبر سنة 1996، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص البند ( أ ) من المادة الثانية من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن شركة النصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى - المطعون عليها الأخيرة - كانت قد أقامت ضد المدعي دعواها رقم 286 لسنة 1995 مدني كلي كفر الشيخ، طالبة الحكم بطرده - وبسبب عجزه صحياً - من المسكن الذي كانت هذه الشركة قد هيأته ليقيم فيه، وقد قضي لهذه الشركة بطلباتها، فاستأنف المدعي حكمها بالاستئناف رقم 107 لسنة 29 قضائية أمام المحكمة الاستئنافية بطنطا مأمورية كفر الشيخ. وأثناء نظره، دفع المدعي بعدم دستورية نص البند " أ " من المادة الثانية من القانون رقم 49 لسنة 1977. في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرخت برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام المدعي الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة الثانية من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، تنص في بندها " أ " على ألا تسري الأحكام التي تضمنها الباب الأول لهذا القانون، على المساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت وغيرها من المساكن التي تشغل بسبب العمل.
وحيث إن المدعي ينعي على هذا البند، وتوخيه حماية الملكية الخاصة للوحدات السكنية الملحقة بالمرافق، ودون ما اعتداد بمصالح الأسر التي تشغلها، والمهددين بالطرد منها إثر انتهاء رابطة العمل، رغم انتفاء قدرتها على تدبير مسكن بديل مما يؤدي إلى تشردها وضياعها، وإلى التمييز بين هذه الأسر وغيرها التي دبر القائمون عليها لأنفسهم مساكن يأوون إليها وقت أن كان عرضها يزيد على طلبها. بل إن طرد العمل من المساكن التي ألحقتهم جهة عملهم بها، مؤداه إلغاء ميزة سبق أن وفرتها لهم هذه الجهة. وليس ذلك عملاً صائباً. بل عذاباً مقيماً، منافياً مفهوم العدالة الاجتماعية التي ينبغي بسطها على المواطنين جميعاً، وبما يكفل تساويهم أمام القانون.
وحيث إن تقصي التطور التشريعي لأوضاع المساكن التي تنشئها جهة العمل لعمالها لضمان تنفيذ أعمالهم بما يكفل كمال تحقيقها، يدل على أن المشرع كان قد أصدر القانون رقم 564 لسنة 1955 بشأن عدم سريان أحكام القانون رقم 121 لسنة 1947 بإيجارات الأماكن، على المساكن الحكومية المخصصة لبعض موظفي الحكومة وعمالها، تقديراً بأن هذه المساكن ملحقة بالمرافق والمنشآت الحكومية، وأن جهة العمل قد خصصتها لمن يعملون فيها، فلا تنظم القوانين الاستثنائية قواعد انتفاعهم بها، وإلا كان ذلك تفويتاً للحكمة من إنشائها.
ثم صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 46 لسنة 1962 بتحديد إيجار الأماكن، وفسر باعتبار أن الأحكام التي تضمنها، لا مجال لتطبيقها في شأن المساكن التي تملكها الحكومة أو هيئاتها أو مؤسساتها العامة أو مجالس محافظاتها أو مدنها، وتقيمها لعمال تلحقهم بها بحكم وظائفهم.
وتلا ذلك صدور القانون رقم 52 لسنة 1969 في شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين، الذي نص بالفقرة الأولى من مادته الثانية، على عدم سريان أحكامه في شأن المساكن الملحقة بالمرافق والمنشآت وغيرها من المساكن التي تشغل بسبب العمل، دالاً بذلك على أنه أياً كانت الجهة التي أعدتها لسكنى عمالها، فإنها لا تتوخى بإنشائها غير تنظيم علاقتها بهم بمناسبة أعمال يؤدونها لحسابها، وهي لا تقدمها لهؤلاء انتهازاً من جانبها لظروفهم، ولا لاستثمار هذه الأماكن من خلال مضاربتها على أسعارها - وهما اعتباران تغيا التنظيم الاستثنائي لعقود الإيجار دفعهما - ولكنها توفرها وتعدها لضرورة يقتضيها تنفيذ العمل. ولا يجوز بالتالي بقاء عمالها فيها إلى ما بعد انتهاء علاقتهم بها. وهو ما نحاه المشروع التمهيدي للقانون المدني إذ نص بالفقرة الأولى من المادة 948 - التي اقتبسها، وعلى ما جاء بالأعمال التحضيرية لهذا المشروع، من الاتجاه السائد في القضاء الدولي - على أن يعتبر ما يلتزم به رب العمل للعامل من مأكل ومسكن، ملحقاً بالأجر المتفق عليه، ويزول بزوال الحق في الأجر.
وأعقب صدور النص المطعون فيه، العمل بالفقرة الأولى من المادة 22 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، التي يدل حكمها على أن المشرع ما فتئ ملتزماً بما درج عليه من قبل من اعتبار حق العمال في الاستقرار بالمساكن التي هيأتها جهة العمل، منقضياً بانتهاء خدمتهم، ذلك أن هذه الفقرة لا تعطي غير مجرد أولوية في تأجير الوحدات السكنية التي تقيمها الدولة أو محافظاتها أو هيئاتها العامة أو شركات قطاعها العام، لتلبية احتياجات العاملين الذين انتهت خدمتهم من شاغلي المساكن التابعة للحكومة ووحدات الحكم المحلي والهيئات العامة وشركات القطاع العام.
وحيث إن البين من جماع ما تقدم، أن بعض الجهات قد تقيم لموظفيها أو عمالها مساكن يأوون إليها، كي توفر بها ظروفاً أفضل لأداء ما نيط بهم من أعمال، فلا يكون شغلهم لها منفصلاً عنها، بل متطلباً لاستيفاء ضرورة تتعلق بكمال تسييرها، بما مؤداه اتصال هذه الأعمال ببيئتها الأكثر تطوراً في مجال تحقيق أهدافها، فلا يكون العمل بدونها سوياً ولا منتجاً بصورة مرضية. ومن ثم يكون العمل - وسواء تعلق بنشاط يباشره مرفق عام، أم كان واقعاً في منطقة القانون الخاص - سبباً لإقامتهم فيها، ولا يتصور بالتالي أن يمتد مكثهم بها إلى ما بعد انقطاع صلتهم بجهة عملهم وزوال حقهم في الأجر؛ وإنما يكون لها أن تتسلمها منهم حتى تعدها لعمال آخرين ينهضون بالأعمال ذاتها أو بغيرها، فلا تتعثر خطاها؛ بما مؤداه أن تخصيص جهة العمل مساكن لعمالها، إنما يبلور ميزة تستمد وجودها من رابطة العمل ذاتها، ومعها تدور وجوداً وعدماً، ولا يمكن القول بأن جهة العمل قد كفلتها ليقيم عمالها في مساكنها دائماً أبداً، ولا أنها عرضتها عليهم وعلى غيرهم من آحاد الناس يتزاحمون فيما بينهم لطلبها، ولا أن صفتهم كعمال لديها لم تكن اعتباراً ملحوظاً في منحها، وإنما مناطها الأعمال التي يؤدونها، تلابسها وتزول بانتهائها.
وما ذهب إليه المدعي من أن عقود هذه المساكن كان ينبغي أن تمتد امتداداً قانونياً، شأنها في ذلك شأن غيرها من الأماكن المؤجرة التي أخضعها المشرع لتنظيم خاص من طبيعة استثنائية، مردود أولاً: بأن القيود التي فرضها هذا التنظيم الخاص في شأن امتناع إنهاء الإجارة بانقضاء مدتها، أملتها أزمة الإسكان وفرضتها حدة ضغوطها. وإذ كانت الضرورة تقدر بقدرها، وكان مسارها محدداً على ضوء الأوضاع التي اقتضتها، فإن امتداد حكم هذه الضرورة إلى المزايا التي منحتها جهة العمل لعمالها مقابل العمل، لا يكون إنفاذاً لمتطلباتها.
ومردود ثانياً: بأن القيود التي فرضها المشرع على تأجير الأماكن، كان ملحوظاً فيها ما ينبغي أن يقوم من توازن بين حقوق مؤجريها ومستأجريها، صوناً لمصالحهم، فلا يكون أيهم غابناً. ولا كذلك الأوضاع التي يواجهها النص المطعون فيه، والتي ترتد في أساسها إلى ميزة كان العمل سببها، فلا يعتبر الحرمان منها بعد زوال الحق فيها، إهداراً لها أو انتقاصاً منها.
ولا يجوز بالتالي أن تمتد إليها تدابير استثنائية تنفصل - في مجال تطبيقها - عنها، ولا أن تعتبر استثناء من قواعد تضمنتها هذه التدابير التي لا تتناولها أصلاً، وإنما حجبها المشرع عن عمال لم تعد لهم صلة بجهة عملهم، استصحاباً لأصل مقرر في شأن روابط العمل مؤداه أنها - بطبيعتها - عصية على التأبيد، تقديراً بأن مآلها إلى زوال؛ إما باستكمال الأعمال موضوعها أو بانتهاء المدة المحددة لإتمامها، فلا تبقى بزوالها الحقوق التي أنتجتها ولا المزايا التي كفلتها، ويندرج تحتها أماكن دبرتها جهة العمل لسكنى عمالها، وهو ما يعني أن بقاءهم فيها بعد انتهاء عملهم، لا يستقيم قانوناً. لا ينال من ذلك ما قرره المدعي من أن إخراجهم منها يشرد أسرهم، فلا يكون لها مأواها، ذلك أن بطلان النصوص المطعون عليها أو صحتها، إنما يتحدد على ضوء مخالفتها أو موافقتها للقيم التي احتضنها الدستور. وكلما كانت هذه النصوص صحيحة في ذاتها وفق الدستور، فلا اعتداد بما قد ينشأ عن سريانها في شأن المخاطبين بها من مضار، وإنما يعود إلى المشرع وحده أمر تسويتها.
وحيث إن ما ينعاه المدعي من مخالفة النص المطعون عليه لمفهوم العدالة الاجتماعية ولمبدأ المساواة أمام القانون، مردود أولاً: بأن انتهاء عقد العمل يفيد بالضرورة انقضاء الحق في الأجر بكل العناصر التي كان يشتمل عليها، وتندرج الميزة محل النزاع الراهن تحتها، فلا يكون طلبها بعد أن صار هذا العقد منقضياً، كافلاً عدلاً، ولا جائزاً قانوناً. فليس من العدل أن تتحمل جهة العمل أعباء ترهقها أو تنوء بها من خلال إلزامها بأن تعد لعمالها الوافدين إليها مساكن جديدة تُضيفها إلى ما هو قائم منها، وما برح عمالها القدامى شاغلين لها دون سند. بل إن حَمْلها على إبقائهم فيها، يتمحض إخلالاً بالفرص التي كان يمكن أن تتيحها لآخرين للعمل بها بدلاً عنهم؛ إذ عليها عندئذ أن تقيم بمواردها مساكن جديدة تقدر ضرورتها لتنفيذ العمل. وقد لا تكفيها مواردها هذه، فَتَحْبِطَ أعمالها. كذلك فإن إلزامها بالتخلي عما هو قائم من مساكنها لعمال لم يعد لهم حق فيها، إنما يناقض ما هو مقرر قانوناً من أن شغلهم لها ينحل اتفاقاً ملحقاً بعقد العمل بقصد تنفيذه؛ منطوياً على تقرير ميزة تدخل في تقدير الأجور التي يتقاضونها؛ نائية بطبيعتها عن أحكام الإجارة لخضوعها لقواعد عقد العمل وحده؛ ومنقضية وجوباً بانتهائه.
ومردود ثانياً: بأن النص المطعون فيه يحول دون احتفاظ العمال - بعد انتهاء خدمتهم - بالمساكن التي كانت جهة عملهم قد هيأتها لتنفيذ الأعمال التي تولوها، لا تمييز بينهم في ذلك، سواء بتفضيل بعض على بعض، أو عن طريق استبعاد بعضهم - على أي نحو أخر - من تطبيق الأحكام التي تضمنها، لكنها القواعد ذاتها تنتظمهم جميعاً وفق الأسس عينها، فلا تتباين تطبيقاتها، بل تتحد ضوابطها.
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض وأي حكم أخر في الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.


استناداً إلى الحجية المطلقة لهذا الحكم، قضت المحكمة - خلال الفترة التي صدر عنها هذا الجزء من أحكامها - بعدم قبول الدعوى رقم 61 لسنة 19 ق دستورية، جلسة 4/ 4/ 1998