مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 641

(86)
جلسة 3 من مايو سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي ومحمد طاهر عبد الحميد ومحمد صلاح الدين السعيد وعلي لبيب حسن - المستشارين.

القضية رقم 598 لسنة 11 القضائية

( أ ) - عطاء "العلم بالقبول".
الاختلاف في عنوان مقدم العطاء لا يعني حتماً عدم وصول الخطاب المتضمن إبلاغه بقبول العطاء - لموزع البريد بحكم اتصاله بالمنطقة التي يعمل بها ما يساعده عادة على الاهتداء إلى المحل الصحيح للمرسل إليه على الرغم مما يكون قد وقع فيه من تحريف في العنوان - مثال ذلك، وصول خطاب آخر إلى المرسل إليه على الرغم من أن العنوان المدون عليه هو العنوان المغلوط - الاختلاف الواقع في عنوان مقدم العطاء لا يعتبر اختلافاً جوهرياً - تسليم الخطاب يكون صحيحاً طالما قد تم في الموطن الذي عينه المعلن إليه - ليس على موزع البريد أن يتحقق من صفات الأشخاص الذين يصح تسليم الخطابات إليهم.
(ب) - عيب إساءة استعمال السلطة.
هو من العيوب القصدية في السلوك الإداري - يجب إقامة الدليل عليه لأنه لا يفترض.
(جـ) - عقد إداري "تنفيذه".
لا يوجد ما يحول دون مصادرة التأمين عند تقصير المتعهد وبين إلزامه بفروق الأسعار التي تكون قد تحملتها جهة الإدارة نتيجة للتنفيذ على حسابه - أساس ذلك.
1 - إن المنازعة الراهنة تقوم على الاحتجاج بأن مورث الطاعنين لم يصل إلى علمه خطاب المحافظة المؤرخ 18 من يوليه سنة 1962 المتضمن إبلاغه بقبول العطاء المقدم منه بمقولة أن هذا الخطاب أرسل على العنوان "رقم 12 شارع سوق العقادين بالإسكندرية" وهو خلاف العنوان الذي أثبته في عطائه وهو "صاحب فابريقة الملابس الكبرى بسوق العقادين بالإسكندرية".
وأياً كان الأمر في شأن القرائن التي ناقشها الطاعنان في صحيفة الطعن بخصوص ما استخلصه الحكم المطعون فيه من اتصال علم مورثهما بالخطاب فإن مجرد الاختلاف في عنوان المرسل إليه لا يعني حتماً عدم وصول الخطاب إليه، إذ أن لموزع البريد بحكم اتصاله بالمنطقة التي يعمل في محيطها، ما يساعده عادة على الاهتداء إلى المحل الصحيح للمرسل إليه، على الرغم مما يكون قد وقع من تحريف في العنوان، ومما يؤكد ذلك ما حدث في الخصوصية المعروضة، إذ أن اختلاف العنوان المدون على خطاب المحافظة المؤرخ 18 من يوليه سنة 1962 عن العنوان الذي أثبته مورث الطاعنين في عطائه لم يحل على الرغم من ذلك دون وصول هذا الخطاب إلى محل المرسل إليه وتسليمه إلى رئيس عمال ورشته طبقاً لما أقرت به هيئة البريد، ذلك أن مورث الطاعنين قد جعل الاهتداء إلى المحل الذي يعنيه متروكاً لفطنة موزع البريد وخبرته في منطقة سوق العقادين بالإسكندرية الأمر الذي يؤخذ منه أن التحديد الحرفي للعنوان لم يكن ذا أهمية خاصة في سبيل ضمان وصول خطابات المحافظة إليه، يؤكد هذا النظر أن خطاب المحافظة المؤرخ 6 من سبتمبر سنة 1962 المتضمن إبلاغه بمصادرة التأمين المودع منه مع التنفيذ على حسابه قد ثبت أنه سلم إليه في موطنه المذكور على الرغم من أن العنوان المدون على هذا الخطاب الأخير هو العنوان المغلوط ذاته المدون على الخطاب المؤرخ 18 من يوليه سنة 1962 السالف الإشارة إليه.
ومتى كان الأمر كذلك، فإن الاختلاف الواقع في عنوان مورث الطاعنين، لا يعتبر اختلافاً جوهرياً، كما أن هذا الاختلاف، حسبما استخلصه الحكم المطعون فيه، لم يمنع من وصول خطابات المحافظة إلى المحل الذي عينه المذكور في عطائه إذ فضلاً عن أن التسليم يكون صحيحاً طالما قد تم في الموطن ذاته الذي عينه المعلن إليه، بغض النظر عما عساه أن يقع من تحريف في كتابة العنوان، فإنه ليس على موزع البريد أن يتحقق من صفات الأشخاص الذين يصح تسليم الخطابات إليهم ما دام من تسلم الخطاب في موطن المعلن إليه قد قرر بأنه ذو صفة في تسلمه، ومن ثم فإن المرسل إليه، كما قال الحكم المطعون فيه بحق، هو وشأنه مع من تسلم الخطاب دون أن تكون له صفة في ذلك أو مع من تسلمه دون أن يسلمه إلى صاحبه - وبناءً على ذلك، فإن القرينة الظاهرة هي أن خطاب المحافظة موضوع المنازعة يعتبر أنه قد سلم إلى مورث الطاعنين تسليماً قانونياً منتجاً لجميع الآثار التي يرتبها القانون على هذه الواقعة، وبالتالي فإن تصرف المحافظة على النحو السالف إيضاحه يكون قد تم وفقاً لصحيح حكم القانون، ومطابقاً لشروط العقد الذي تم بين الطرفين ومن بينها مصادرة التأمين وإلغاء العقد والتنفيذ على حساب مورث الطاعنين.
2 - إن إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها هما من العيوب القصدية في السلوك الإداري، قوامها أن يكون لدى الإدارة قصد إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها، فعيب إساءة استعمال السلطة الذي يبرر إلغاء القرار الإداري أو التعويض عنه يجب أن يشوب الغاية منه ذاتها، بأن تكون جهة الإدارة قد تنكبت وجه المصلحة العامة التي يجب أن يتغياها القرار، أو أن تكون قد أصدرت القرار بباعث لا يمت لتلك المصلحة، وعلى هذا الأساس فإن عيب إساءة استعمال السلطة يجب إقامة الدليل عليه لأنه لا يفترض، ولم يقم هذا الدليل.
3 - لا يوجد ما يحول دون مصادرة التأمين عند تقصير المتعهد في تنفيذ التزام من التزامات العقد، وبين إلزامه بفروق الأسعار التي تكون قد تحملتها جهة الإدارة نتيجة للتنفيذ على حسابه، إذ المقصود بها مواجهة الأضرار التي لحقت بالإدارة من جراء خطأ المتعاقد معها وهو بمثابة تعويض لها عن تلك الأضرار، طالما كان الضرر لا يزال موجوداً بعد مصادرة التأمين أي تجاوز قيمة هذا التأمين.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن في أن مورث الطاعنين أقام الدعوى رقم 494 لسنة 17 القضائية ضد محافظة الإسكندرية أمام محكمة القضاء الإداري "هيئة العقود الإدارية والتعويضات"، بعريضة أودعها قلم كتاب المحكمة في 12 من يناير سنة 1963، يطلب فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر من المحافظة المدعى عليها بمصادرة التأمين الابتدائي الذي كان قد قدمه مع عطائه الذي تحدد للبت فيه جلسة 29 من مايو سنة 1962 مع إلزامها بأن تدفع له تعويضاً مؤقتاً قدره قرش صاغ واحد، نظير الأضرار التي لحقت به نتيجة لحرمانه من عملية التوريد والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - وقال في العريضة وفي مذكراته شرحاً لدعواه أن بلدية الإسكندرية كانت قد أعلنت عن مناقصة لتوريد الكساوي المصلحية اللازمة لمستخدميها للعام 1962/ 1963 وحددت لفتح المظاريف جلسة 29 من فبراير سنة 1962، فتقدم بعطائه مصحوباً بالتأمين الابتدائي، ولكنه لم يتلق رداً في الميعاد الذي حددته اللائحة حتى فوجئ بخطاب مؤرخ 6 من سبتمبر سنة 1962 بأنه قد تمت مصادرة تأمينه الابتدائي، بدعوى أنه لم يسدد التأمين النهائي خلال المدة المقررة بخطاب قسم المناقصات والعقود المؤرخ 18 من يوليه سنة 1962، وأنه تقرر شراء الأصناف الراسية عليه على حسابه مع تحميله فروق الأسعار والمصاريف الإدارية. وقد أوضح المدعي أنه لم يصله خطاب المحافظة المؤرخ 18 من يوليه سنة 1962 وأنه اتصل بالمسئولين بقسم المناقصات لإبلاغهم بعدم تسلمه خطاب الجهة الإدارية المشار إليه، وأبدى في الوقت ذاته استعداده لسداد التأمين والقيام بالتوريد خلال المواعيد التي تحددها المحافظة - إلا أن عرضه هذا لم يصادف قبولاً فاضطر إلى توجيه إنذار على يد محضر إلى مدير قسم المناقصات والعقود بالمحافظة موضحاً فيه عدم تسلمه خطاب المحافظة المقول بأنه أرسل إليه في 18 من يوليه سنة 1962 مع تمسكه بعطائه واستعداده لتنفيذ شروطه - وقد اتصلت المحافظة بهيئة البريد للاستعلام عن مصير هذا الخطاب فجاءها الرد بوقوع خطأ من ساعي البريد، إذ سلمه إلى شخص يدعى "أحمد محمد حسن" ولم يسلمه للمرسل إليه شخصياً وأنه تقرر مجازاة هذا الساعي. وأضاف المدعي أنه على الرغم من كل هذا فقد قامت المحافظة بإسناد التوريد إلى المتعهد التالي على الرغم من ارتفاع أسعاره، وأنها كلفته إيداع التأمين النهائي، مع أن تأمينه الابتدائي كان بخطاب ضمان انتهى مفعوله، وأنه كان يتعين عليها بدلاً من أن تسلك هذا السبيل، وأن تخطره بمصادرة التأمين، إذ تراخى عن الوفاء بالتزاماته، وعندئذ يكون من حقها مصادرة التأمين الابتدائي، أو الشراء على حسابه، مع تحميله فروق الأسعار، وفقاً لما تقضي به اللائحة، إلا أن الإجراءات التي سلكتها الجهة الإدارية في مصادرة التأمين الابتدائي، وحرمانه من حقه في التوريد على الرغم من عروضه المتكررة، ومن ثبوت الخطأ من جانب البريد، إذ قام بتسليم الخطاب لغير المرسل إليه، وظهور هذه النتائج قبل التصرف والتعاقد مع المتعهد الذي يلي المدعي في ترتيب الأسعار - هذه الإجراءات جميعها في رأيه تتسم بالخطأ وإساءة استعمال السلطة مما يحق له معه أن يطلب من المحكمة إلغاء قرار مصادرة التأمين والقضاء له بتعويض مؤقت قدره قرش صاغ واحد عن الأضرار التي لحقت به نتيجة لحرمانه من حقه في توريد هذه الملبوسات - وانتهى المدعي من هذا إلى التصميم على طلباته سالفة الذكر. وقد ردت المحافظة المدعى عليها على الدعوى بمذكرة استعرضت فيها نصوص قائمة الشروط المرافقة لعطاء المدعي للتدليل على أن الإعلان بالعنوان الوارد بالعطاء يعتبر صحيحاً، وأن للإدارة الحق في مصادرة التأمين الابتدائي والتشغيل على الحساب، إذا لم يقم المتعهد بدفع التأمين النهائي في الأجل المحدد، وأن العطاء يعتبر ساري المفعول ولو انقضت مدته طالما لم يسحب التأمين الابتدائي، وأضافت المحافظة أنه لا جدوى من القول بعدم وصول الإخطار الخاص بقبول عطاء المدعي، ذلك أن البند (6) من الاشتراطات الخاصة الذي يطابق نص المادة (40) من لائحة المناقصات والمزايدات يشترط على مقدمي العطاءات أن يوضحوا في عطاءاتهم العنوان الذي يمكن مخابرتهم فيه في حالة رسو العطاء على أحدهم، وأن إعلانه فيه يعتبر صحيحاً، وقد أوضح المدعي عنوانه فذكر أنه صاحب فابريقة الملابس الكبرى بسوق العقادين بالإسكندرية، وقد التزمت المحافظة هذا العنوان في جميع مكاتباتها له، وعلى ذلك كان غريباً منه أن يتنصل من عنوانه، ويزعم أن خطابها المؤرخ 18 من يوليه سنة 1962 لم يصل إليه، إذ أن مجرد إخطاره في العنوان المحدد بالعطاء، يقيم الرابطة العقدية، ويلزمه بدفع التأمين وتوريد المواد المتفق عليها - وعلى الرغم من وضوح حكم القانون، وصراحة نصوص العقد في هذه الخصوصية، فقد اتصلت المحافظة بهيئة البريد للاستعلام عن الخطاب، فجاءها الرد متضمناً أن مستلمه هو "أحمد محمد حسن" رئيس عمال ورشة ملابس المدعي، وفي هذا وحده ما يكفي لدرء أية مسئولية عن المحافظة، أما عن مساءلة الهيئة لموزع البريد فهذا أمر خارج عن النزاع المعروض أمام المحكمة، وانتهت المحافظة من كل هذا إلى طلب الحكم برفض الدعوى مع إلزام رافعها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - وأودعت حافظة بمستنداتها أرفقت بها أوراق المناقصة وما تم في شأنها من إجراءات.
وقد عقب المدعي على رد المحافظة بمذكرة ردد فيها أقواله سالفة الذكر، وأضاف أن الشخص الذي وقع بتسليم الخطاب كان يعمل لديه في فترة سابقة، وانقطعت صلته بالعمل - على ما هو ثابت من المستندات المرفقة بالحافظة المقدمة منه - وأن موزع البريد قد التقى به خارج المصنع وسلمه الخطاب، وأنه بذلك لم يتصل علمه به، وأن المحافظة لم ترسل خطابها المذكور على عنوانه المحدد في عطائه وهو "صاحب فابريقة الملابس الكبرى بسوق العقادين بالإسكندرية" وإنما أرسلته على عنوان آخر هو "12 سوق العقادين بالإسكندرية". - ومن ثم لم يكن غريباً ألا يصل كتابها إليه خاصة وأنه يوجد "سوق العقادين" ولا يوجد "شارع سوق العقادين". كما أن خطأ المحافظة لم يتمثل في كتابها الخاص بطلب سداد التأمين النهائي فقط، وإنما تمثل أيضاً في الكتاب المرسل إليه في شأن طلب مد مدة عطائه الذي لم يصله أيضاً بسبب هذا الخطأ، وخلص المدعي من هذا إلى أنه ما دامت المحافظة قد أرسلت كتابها سالف الذكر على غير عنوانه المبين في عطائه، فيكون تصرفها وكل ما اتخذته من إجراءات باطلاً، ومن ثم يحق له طلب الحكم بإلغاء قرارها الخاص بإلغاء عطائه ومصادرة تأمينه المؤقت مع تحميله فروق الأسعار والمصاريف الإدارية، فضلاً عن طلب التعويض المؤقت عن الأضرار المادية والأدبية التي أصابته بسبب قرار المحافظة غير المشروع، وما أفضى إليه من حرمانه من عطائه، ومن المزايا المادية التي كانت ستعود عليه منه، وأحقيته في هذا الطلب الأخير مستمدة من أن عقده كان قائماً عندما أصدرت المحافظة قرارها بإلغائه، وبمصادرة التأمين والشراء على حسابه، لأنه ولئن كان لم يتسلم الكتاب الخاص بمد عطائه حتى 20 من يوليه سنة 1962 إلا أن هذا العطاء يعتبر ممتداً طبقاً للبند الثالث من قائمة الشروط الملحقة بعطائه، وهذا النعي ليس إلا ترديداً لأحكام المادة 39 من لائحة المناقصات والمزايدات، وقد قامت المحافظة بإلغاء عقده ومصادرة تأمينه المؤقت، كما قامت بالشراء على حسابه وتحميله الفروق ورسم الإنتاج الذي كان قد فرض على الخيوط والمصاريف الإدارية، مع أنها لا تملك أن تنزل به جزاءين في آن واحد، لأن الشراء على الحساب يفترض قيام العقد الذي قامت بإلغائه، ومن ثم يعتبر قرار الإدارة بإلغاء عطائه مخالفاً لأحكام العقد الإداري وموجباً لمساءلة جهة الإدارة بالتعويض عن هذا التصرف وتأسيساً على ذلك انتهى المدعي في مذكرته المشار إليها إلى طلباته الآتية:
أولاً: طلب الحكم بإبطال قرار الإدارة بشأن تحميله فروق الأسعار ورسم الإنتاج والمصاريف الإدارية.
ثانياً: طلب الحكم بإبطال قرار الإدارة بشأن إلغاء عقده ومصادرة تأمينه المؤقت لثبوت خطئها في إرسالها الكتاب الخاص بسداد التأمين النهائي على غير عنوانه المبين بعطائه، فضلاً عن قيام الأدلة التي تثبت عدم تسلمه هذا الكتاب.
ثالثاً: طلب الحكم بالتعويض المؤقت نظير الأضرار التي أصابته بسبب قرار الإدارة غير المشروع المتمثل في إلغاء عقده، ومصادرة تأمينه المؤقت وحبس مستحقاته لديها وحرمانه من الانتفاع بمزايا عقده ومستحقاته قبل الإدارة، والإساءة إلى سمعته الأدبية والتجارية - مع إلزام جهة الإدارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد عقبت المحافظة المدعى عليها على مذكرة المدعي سالفة الذكر بمذكرة أوضحت فيها أن المدعي قد ذكر في عطائه أنه صاحب فابريقة الملابس الكبرى بسوق العقادين بإسكندرية، وأورد بصدر قائمة شروط المناقصة بعد ذكر اسمه أن عنوانه هو شارع سوق العقادين بالإسكندرية وذكرت المحافظة أنها قد التزمت هذا العنوان في جميع إخطاراتها له على التفصيل الآتي:
1 - في 16 من يونيه سنة 1962 أرسلت المحافظة للمدعي خطاباً يحمل العنوان الآتي:
"12 شارع سوق العقادين بالإسكندرية" ترجو فيه سرعة موافاتها بموافقته على ما جاء بالشرط رقم (5) الخاص بالتقييف والذي أشر عليه في عطائه بالإلغاء، وقد جاء في ذيل صورة هذا الخطاب إقرار من المدعي بتوقيعه، يتضمن تنازله عن الشرط المذكور وفي هذا ما يقطع بصحة العنوان المرسل عليه الخطاب المذكور ووصوله إليه.
2 - في 18 من يوليه سنة 1962 أبلغت المحافظة المدعي على العنوان ذاته بإرساء العطاء عليه وطالبته بتكملة التأمين - وهذا الخطاب هو الذي ينكر وصوله إليه على الرغم مما ثبت، بعد الاتصال بهيئة البريد، من أن الذي تسلمه هو أحد أتباعه على النحو السابق تفصيله.
3 - أرسلت المحافظة للمدعي كتابها المؤرخ 6 من سبتمبر سنة 1962 على العنوان المذكور وهو "12 شارع سوق العقادين بالإسكندرية" تبلغه فيه بمصادرة تأمينه والتنفيذ على حسابه، وقد أقر المدعي نفسه بتسلمه هذا الخطاب في 10 من سبتمبر سنة 1962، وقد جاء هذا الإقرار في الإنذار الرسمي الموجه منه لبلدية الإسكندرية في 12 من سبتمبر سنة 1962، الذي قال فيه أنه وصله خطاب من البلدية في 10 من سبتمبر سنة 1962 يتضمن مصادرة التأمين والتنفيذ على حسابه.
وقد استخلصت المحافظة أن كل أولئك يقطع بصحة العنوان الذي أرسلت إليه كل الخطابات الموجهة للمدعي، ومن ثم فلا يقبل منه أن ينكر وصول الخطاب المؤرخ 18 من يوليه سنة 1962 الخاص بإبلاغه بإرساء العطاء عليه ومطالبته بتكملة التأمين خلال مدة معينة، وإلا كان من حقها فسخ العقد ومصادرة التأمين. أما بالنسبة إلى ما أثاره بخصوص مدى أحقيتها في الجمع بين فسخ العقد ومصادرة التأمين وبين جزاء التنفيذ على الحساب فليس هذا مجاله، إذ أن الدعوى الحالية منصبة على طلب إلغاء الإجراءات الخاصة بفسخ العقد ومصادرة التأمين وليست مسألة التنفيذ على الحساب مطروحة الآن على المحكمة - وانتهت المحافظة من هذا إلى التصميم على طلب رفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وبجلسة 28 من مارس سنة 1965 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه برفض الدعوى وبإلزام المدعي، وهو مورث الطاعنين، المصروفات - ويبين من مطالعة أسباب هذا الحكم أن المحكمة رأت استبعاد طلب المدعي الحكم بإبطال إجراءات التنفيذ على حسابه استناداً إلى أن هذا الطلب قدم لأول مرة في مذكرته المودعة بجلسة 21 من فبراير سنة 1965 دون أن يسدد عنه الرسم المقرر - أما فيما يتعلق بالطلبين الآخرين، فقد انتهت المحكمة إلى سلامة الإجراءات التي اتخذتها المحافظة حيال مورث الطاعنين، ذلك أن الخطأ الذي وقع في العنوان الواجب توجيه المراسلات إليه لم يمنع من وصولها إليه فعلاً، إذ الثابت أن الكتاب الأول المؤرخ 16 من يونيه سنة 1962 المتضمن طلب المحافظة موافقة مورث الطاعنين على ما جاء بالشرط رقم (5) من شروط المناقصة، وهو الشرط الخاص بالتقييف، الذي كان قد تمسك بإلغائه في العطاء المقدم منه - قد تأشر عليه منه بما يدل على وصوله إليه في التاريخ ذاته والمرسل فيه، كما أنه أقر بوصول الكتاب المؤرخ 6 من سبتمبر سنة 1962 المتضمن إبلاغه بمصادرة التأمين المودع منه وتحميله فروق الأسعار، فإذا كان الأمر كذلك وكان الكتاب المرسل إليه في 18 من يوليه سنة 1962 المتضمن إبلاغه برسو العطاء عليه قد سلم إلى المدعو "أحمد محمد حسن" على أساس ما زعمه لموزع البريد من أنه يعمل رئيساً لعمال ورشة المرسل إليه، فإن في ذلك ما يكفي للاقتناع بوصول هذا الإخطار إلى مورث الطاعنين، وفيه ما يكفي بالتالي لتقرير انعقاد العقد، وسلامة الإجراءات التي اتخذتها المحافظة حياله طبقاً لشروط هذا العقد. ولا وجه لما يحتج به المذكور من أن صلته "بأحمد محمد حسن" كانت قد انقطعت من قبل، إذ أن مثل هذا الاحتجاج لا يمنع من القول بوصول إخطار المحافظة إليه حسبما تقدم، وإذا كان ثمة وجه للمسئولية في هذا الشأن، فإنها تقع على هذا الشخص الذي تسلم الكتاب المذكور، وحجبه عنه على الرغم من انقطاع صلته به، هذا إلى أن التعبير عن الإرادة يبدأ في إنتاج آثاره القانونية بحسب المادة 91 من القانون المدني من الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه، ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به حتى ولو لم يتلقه شخصياً، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك - وقد أورد البند (6) من الاشتراطات الخاصة الملحقة بالعقد حكماً ردد فيه ما جاء بالمادة 40 من لائحة المناقصات والمزايدات، ويتحصل هذا الحكم في ضرورة أن يكون مقدم العطاء مقيماً في الجمهورية العربية المتحدة، وأن يبين في عطائه العنوان الذي يمكن مخابرته فيه، ويعتبر إعلانه فيه صحيحاً، ولا يعدو أن يكون هذا الحكم ترديداً للقرينة القانونية التي نصت عليها المادة 91 من القانون المدني التي تجعل من وصول التعبير إلى محل من وجه إليه قرينة على علمه به في وقت الوصول، ولا ينقض هذه القرينة سوى قيام من وجه إليه التعبير بإثبات السبب الأجنبي الذي حال بينه وبين هذا العلم - وخلصت المحكمة من ذلك إلى أن مورث الطاعنين كان قد حدد عنوانه في عطائه بأنه "صاحب فابريقة الملابس الكبرى بسوق العقادين بالإسكندرية" وأن المحافظة جرت في الاتصال به على إرسال مكاتباتها على العنوان "12 سوق العقادين بالإسكندرية". والاختلاف في العنوان لم يكن هو السبب في عدم تسلم مورث الطاعنين للكتاب الخاص بإبلاغه برسو العطاء عليه، إنما تنحصر المسألة في أن من يدعى "أحمد محمد حسن" قد تسلم الكتاب المذكور، مدعياً أنه رئيس عمال ورشته، في حين أنه يقول أن صلته بهذا الشخص قد انقطعت، ولا شك أن المحافظة لا دخل لها في كل هذا، ولا يصح الاحتجاج قبلها بذلك للتدليل على عدم وصول التعبير عن إرادتها إلى المدعي - هذا فضلاً عن أن هذا الأخير لم يستطع أن يثبت بما قدمه من أوراق انقطاع صلة المذكور به وقت تسلمه الخطاب الموجه إليه، مما يتعين معه عدم التعويل على احتجاج مورث الطاعنين في هذا الشأن - وفضلاً عما تقدم فإن ثمة قرينة أخرى تدل على أن الخطأ الواقع في العنوان من جانب المحافظة لم يحل دون وصول الخطابات إلى مورث الطاعنين، ذلك أن مدة سريان العطاء المقدم منه كانت تنتهي في 3 من يوليه سنة 1962 وأنه ثابت أنه لم يسحب التأمين المودع منه على الرغم من انتهاء هذه المدة، الأمر الذي يؤخذ منه أن كتاب الإدارة المؤرخ 2 من يوليه سنة 1962 الذي طلبت فيه مد مدة سريان العطاء حتى 20 من يوليه سنة 1962 كان قد وصل إليه بدوره وأن في سكوته عن سحب التأمين المقدم منه بعد انتهاء المدة المحددة لسريان العطاء ما ينبئ عن علمه بانعقاد العقد، ويقوم قرينة تضاف إلى القرائن الأخرى التي تحمل على القول بتسلمه خطاب المحافظة المؤرخ 18 من يوليه سنة 1962 المتضمن إبلاغه برسو العطاء عليه. وقد خلصت المحكمة في حكمها المطعون فيه إلى أنه طالما قد تم إبلاغ مورث الطاعنين بقبول عطائه على الوجه سالف الذكر، فإن هذا يعتبر كافياً حسب نصوص اللائحة وشروط المناقصة ونص المادة 91 من القانون المدني في قيام قرينة علمه بمضمون هذا البلاغ وبالتالي انعقاد العقد بين الطرفين، وأنه ما دام المذكور لم يقدم من الأدلة الكافية ما يدحض به هذه القرينة فمن ثم يكون تصرف الإدارة في ضوء ثبوت هذه الواقعة واعتباره ناكلاً عن تنفيذ التزامه على الرغم من إبلاغه بقبول عطائه، والتنبيه عليه بسداد التأمين النهائي، وعدم قيامه بتنفيذ ما كلف به، سليماً ولا مطعن عليه، وتكون الدعوى غير قائمة على أساس سليم مما يتعين معه رفضها.
ومن حيث إن الطاعنين يذهبان إلى أن الحكم المطعون فيه، إذ قضى باستبعاد طلب إبطال شراء الأصناف الراسية على مورثهما على حسابه - بدعوى عدم سداد الرسم المستحق عليه - يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك إن الثابت من صحيفة الدعوى أن مورثهما كان قد طلب إلغاء القرار المبلغ له بخطاب الإدارة المؤرخ 6 من سبتمبر سنة 1962 الذي تضمن إبلاغه ليس فقط بمصادرة التأمين الابتدائي وإنما أيضاً بشراء الأصناف الراسية عليه على حسابه، وأنه لم يكن من المتصور أن يطلب في دعواه إلغاء شطر من القرار المذكور دون الشطر الآخر، ولا سيما أن الشطرين مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، وأن مورثهما كان يستهدف مصلحة ظاهرة في طلبه إلغاء القرار المذكور بشطريه خاصة وأنه إذا كان يطلب إلغاء القرار المذكور برمته لم يكن مطلوباً منه طبقاً للائحة الرسوم إلا أن يسدد رسماً واحداً قام بسداده فعلاً - وأنه ليس من شأن اختلاف نظر المحكمة في تكييف الدعوى من دعوى إلغاء القرار المذكور إلى اعتبارها دعوى متعلقة بعقد إداري - أن يغير هذا من وجوب اعتبارها شاملة لإبطال إجراءات الإدارة سواء ما اتصل منها بمصادرة التأمين الابتدائي أو بشراء الأصناف الراسية على مورثهما على حسابه، هذا إلى أن المحكمة لم تطلب منه سداد أي رسم عن طلب إبطال شراء الأصناف الراسية عليه على حسابه.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بهذا الوجه من الطعن فإن الطعن في القرارات التي تدخل في نطاق العقد الإداري إنما يقوم على أساس استعداء ولاية القضاء الكامل للقضاء الإداري دون ولاية الإلغاء، وأن اختصاص محكمة القضاء الإداري بالفصل في المنازعات المذكورة هو اختصاص شامل مطلق لأصل تلك المنازعات وما يتفرع عنها، ويستوي في ذلك ما يتخذ منها صورة قرار إداري وما لا يتخذ هذه الصورة طالما توفرت في المنازعة خصائص العقد الإداري.
ومن حيث إنه يبين من الرجوع إلى الأوراق أن مورث الطاعنين كان قد أقام دعواه أول الأمر طالباً الحكم بإلغاء قرار المحافظة بمصادرة التأمين الابتدائي المودع منه، فضلاً عن إلزامها بأن تدفع له تعويضاً مؤقتاً قدره قرش صاغ واحد لجبر الأضرار التي أصابته من جراء حرمانه من عملية التوريد - إلا أنه عاد وحدد طلباته في مذكرته المقدمة إلى محكمة القضاء الإداري بجلسة 21 من فبراير سنة 1965 على الوجه الآتي:
1 - الحكم بإبطال قرار الإدارة بشأن تحميله فروق الأسعار ورسم الإنتاج والمصاريف الإدارية.
2 - الحكم بإبطال قرار الإدارة بشأن إلغاء العقد ومصادرة التأمين المؤقت المودع منه.
3 - الحكم بالتعويض المؤقت.
ولما كان الطلبان الأول والثاني هما من المنازعات المتفرعة عن العقد الإداري وكان مورث الطاعنين قد سدد عند إيداع صحيفة افتتاح دعواه الرسم المستحق بالنسبة إلى طلب الحكم بإلغاء قرار المحافظة بمصادرة التأمين المؤقت المودع منه على اعتبار أنه يشمل أيضاً ما عاد وأضافه إلى طلباته في مذكرته المودعة بجلسة 21 من فبراير سنة 1965 بمقولة أن هذه الطلبات جميعها تقوم على أساس واحد، فلا يستحق عنهما إلا رسم واحد ثابت قام بسداده بالإضافة إلى الرسم النسبي المسدد عن طلب التعويض، فإنه ما كان للحكم المطعون فيه أن يستبعد طلب إبطال إجراءات التنفيذ على حساب المذكور.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بأوجه الطعن الأخرى التي ينعاها الطاعنان على الحكم المطعون فيه الذي قضى برفض طلبات مورثهما، فإنها تقوم على أن الحكم المطعون فيه قد ذهب إلى أن الاختلاف في العنوان لم يكن هو السبب في عدم تسلم مورثهما الخطاب الخاص برسو العطاء عليه، في حين أن الحكم المطعون فيه يسلم ضمناً بالمبدأ القانوني المقرر لصالحهما ولكنه أخطأ في التطبيق - ذلك أن جهة الإدارة تقرر أنها أرسلت كتابها بطلب سداد التأمين النهائي على عنوانه المحدد في عطائه، وأنه على ذلك قامت قرينة العلم بمضمون هذا الكتاب في حق مورثهما، إلا أنه ليست هناك قرينة على العلم طالما أن الكتاب المذكور أرسل على عنوان غير العنوان الوارد في عطائه، لأنه يوجد "سوق العقادين" ولا يوجد "شارع سوق العقادين" الذي أضافت إليه "رقم 12" وبذلك يكون تصرف الإدارة باطلاً، وكل ما اتخذته من إجراءات استناداً إلى هذا التصرف يكون باطلاً أيضاً وعديم الأثر قانوناً، ويكون من حق مورثهما طلب إبطال قرارها الصادر بإلغاء عطائه ومصادرة التأمين المؤقت مع تحميله فروق الأسعار والمصاريف الإدارية، كما أنه من حقه أن يتمسك بطلب التعويض المؤقت الذي يستمده من أن عقده كان قائماً عند إلغائه وعند مصادرة التأمين المؤقت والشراء على حسابه - هذا إلى أن مجرد وصول الكتاب المؤرخ 6 من سبتمبر سنة 1962 إلى مورثهما والمرسل من الإدارة بشأن مصادرة التأمين المؤقت على الرغم من الخطأ في عنوانه لا يدل حتماً على أن أي كتاب آخر كان يحمل العنوان ذاته قد وصله، لأن تسلم مورثهما هذا الكتاب نتيجة صدفة بحتة، قد يكون مردها إلى علم موزع البريد بحقيقة عنوانه، لا ينشئ للإدارة حقاً في مخالفة عنوانه الصحيح الثابت في عطائه، ولا ينشئ في حق مورثهما قرينة على تسلمه لأي كتاب آخر. وعلى هذا لم تكن الإدارة لتملك الشراء على حساب مورثهما وتحميله فروق الأسعار بجانب إلغاء العقد مما يحق لهما معه طلب إلغاء الحكم المطعون فيه والحكم ببطلان إجراءات محافظة الإسكندرية الخاصة بمصادرة التأمين الابتدائي والتنفيذ على حساب مورثهما مع تحميله فروق الأسعار والمصاريف الإدارية وكذا الحكم لهما بقرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت نظير الأضرار التي لحقت بمورثهما نتيجة حرمانه من عملية التوريد - مع إلزام المحافظة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
ومن حيث إن المنازعة الراهنة تقوم على الاحتجاج بأن مورث الطاعنين لم يصل إلى علمه خطاب المحافظة المؤرخ 18 من يوليه سنة 1962 المتضمن إبلاغه بقبول العطاء المقدم منه بمقولة أن هذا الخطاب أرسل على العنوان "رقم 12 شارع سوق العقادين بالإسكندرية" وهو خلاف العنوان الذي أثبته في عطائه وهو "صاحب فابريقة الملابس الكبرى بسوق العقادين بالإسكندرية".
ومن حيث إنه أياً كان الأمر في شأن القرائن التي ناقشها الطاعنان في صحيفة الطعن بخصوص ما استخلصه الحكم المطعون فيه من اتصال علم مورثهما بالخطاب المشار إليه، محل هذه المنازعة، فإن ثمة قرينة أخرى لم يدحضها الطاعنان تعزز ما استند إليه الحكم المطعون فيه من قرائن، وهي القرينة المستفادة من رد هيئة البريد في شأن خطاب المحافظة سالف الذكر، إذ أوضحت في ردها أن الخطاب المذكور قد سلم إلى "أحمد محمد حسن" رئيس عمال ورشة ملابس المرسل إليه، وإذا كان مورث الطاعنين قد أنكر صلته بالمذكور مدعياً بأنها انقطعت منذ سنة 1958، كما زعم بأن له سيما بمنطقة سوق العقادين يحتمل أن يكون الخطاب قد سلم إليه، إلا أنه لم يقدم أي دليل يؤيد هذا الدفاع، وليس يكفي في إثبات انقطاع صلته برئيس عماله ما قدمه، ضمن مستنداته، من إقرارات لبعض الأشخاص ذكروا فيها أنهم يتعاملون معه بوصفهم مقاولين من الباطن، وأن العمال الذين يعملون بورشته إنما هم عمال تابعون لهم مباشرة دونه، وأنه ليس من بين هؤلاء العمال عمال يدعي "أحمد محمد حسن" وذلك منذ سنة 1960، إذ أن صلة مقدمي هذه الإقرارات بمورث الطاعنين لا تسمح لهم حتماً بأن يحيطوا علماً بكل ما عسى أن يقوم من علاقات بينه وبين الآخرين، هذا فضلاً عن أن هذه المستندات والإقرارات قد حررت في تاريخ لاحق لإقامة الدعوى مما يحمل على مظنة أنها قد أعدت خصيصاً لخدمتها.
ومن حيث إنه يبين من ناحية أخرى أن مجرد الاختلاف في عنوان المرسل إليه لا يعني حتماً عدم وصول الخطاب إليه، إذ أن لموزع البريد بحكم اتصاله بالمنطقة التي يعمل في محيطها، ما يساعده عادة على الاهتداء إلى المحل الصحيح للمرسل إليه، على الرغم مما يكون قد وقع من تحريف في العنوان، ومما يؤكد ذلك ما حدث في الخصوصية المعروضة، إذ أن اختلاف العنوان المدون على خطاب المحافظة المؤرخ 18 من يوليه سنة 1962 على العنوان الذي أثبته مورث الطاعنين في عطائه لم يحل على الرغم من ذلك دون وصول هذا الخطاب إلى محل المرسل إليه وتسليمه إلى رئيس عمال ورشته طبقاً لما أقرت به هيئة البريد، ذلك أن مورث الطاعنين قد جعل الاهتداء إلى المحل الذي يعنيه متروكاً لفطنة موزع البريد وخبرته في منطقة سوق العقادين بالإسكندرية الأمر الذي يؤخذ منه أن التحديد الحرفي للعنوان لم يكن ذا أهمية خاصة في سبيل ضمان وصول خطابات المحافظة إليه، يؤكد هذا النظر أن خطاب المحافظة المؤرخ 6 من سبتمبر سنة 1962 المتضمن إبلاغه بمصادرة التأمين المودع منه مع التنفيذ على حسابه قد ثبت أنه سلم إليه في موطنه المذكور على الرغم من أن العنوان المدون على هذا الخطاب الأخير هو العنوان المغلوط ذاته المدون على الخطاب المؤرخ 18 من يوليه سنة 1962 السالف الإشارة إليه.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك، فإن الاختلاف الواقع في عنوان مورث الطاعنين، لا يعتبر اختلافاً جوهرياً، كما أن هذا الاختلاف، حسبما استخلصه الحكم المطعون فيه، لم يمنع من وصول خطابات المحافظة إلى المحل الذي عينه المذكور في عطائه، فضلاً عما جاء برد هيئة البريد من حصول التسليم في محل المرسل إليه إلى "أحمد محمد حسن" رئيس العمال بورشته، الأمر الذي لم يدحضه دليل عكسي، ومن ثم فلا عبرة بما أثاره مورث الطاعنين من أن "أحمد محمد حسن" كانت علاقته به، قبل أن تنقطع، علاقة مقاولة من الباطن وليست علاقة عقد عمل، إذ فضلاً عن أن التسليم يكون صحيحاً طالما قد تم في الموطن ذاته الذي عينه المعلن إليه، بغض النظر عما عساه أن يقع من تحريف في كتابة العنوان، فإنه ليس على موزع البريد أن يتحقق من صفات الأشخاص الذين يصح تسليم الخطابات إليهم ما دام من تسلم الخطاب في موطن المعلن إليه قد قرر بأنه ذو صفة في تسلمه، ومن ثم فإن المرسل إليه، كما قال الحكم المطعون فيه بحق، هو وشأنه مع من تسلم الخطاب دون أن تكون له صفة في ذلك أو مع من تسلمه دون أن يسلمه إلى صاحبه - وبناءً على ذلك، فإن القرينة الظاهرة هي أن خطاب المحافظة موضوع المنازعة يعتبر أنه قد سلم إلى مورث الطاعنين تسليماً قانونياً منتجاً لجميع الآثار التي يرتبها القانون على هذه الواقعة، وبالتالي فإن تصرف المحافظة على النحو السالف إيضاحه يكون قد تم وفقاً لصحيح حكم القانون، ومطابقاً لشروط العقد الذي تم بين الطرفين ومن بينها مصادرة التأمين وإلغاء العقد والتنفيذ على حساب مورث الطاعنين.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بطلب التعويض عن الأضرار التي لحقت بمورث الطاعنين نتيجة لحرمانه من حقه في توريد هذه الملبوسات، ومن المزايا التي حرم منها بسبب قرار المحافظة المقول بأنه غير مشروع الذي صدر بإلغاء العقد ومصادرة التأمين والشراء على حسابه، فإنه لم يثبت أن قرار المحافظة هذا قد صدر معيباً، أو أن جهة الإدارة قد انحرفت أو أساءت استعمال سلطتها عندما اتخذت الإجراءات سالفة الذكر، بل على العكس من ذلك فقد ثبت من الأوراق أن جميع الإجراءات قد وقعت صحيحة، وأنه ليس ثمة إساءة لاستعمال السلطة من جانب الإدارة في هذا الشأن - وغني عن البيان أن إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها هما من العيوب القصدية في السلوك الإداري، قوامها أن يكون لدى الإدارة قصد إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها، فعيب إساءة استعمال السلطة الذي يبرر إلغاء القرار الإداري أو التعويض عنه يجب أن يشوب الغاية منه ذاتها، بأن تكون جهة الإدارة قد تنكبت وجه المصلحة العامة التي يجب أن يتغياها القرار، أو أن تكون قد أصدرت القرار بباعث لا يمت لتلك المصلحة، وعلى هذا الأساس فإن عيب إساءة استعمال السلطة يجب إقامة الدليل عليه لأنه لا يفترض، ولم يقم هذا الدليل.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك، فإن لم يثبت أن ثمة خطأ قد ارتكبته جهة الإدارة، عندما قامت بمصادرة التأمين المدفوع من مورث الطاعنين والشراء على حسابه وطالما أنه ليس هناك خطأ، وهو أحد أركان المسئولية الموجبة للتعويض، فقد أصبح القرار بريئاً من كل العيوب، الأمر الذي ينتفي معه وجه التعويض مهما بلغت جسامة الأضرار التي لحقت مورث الطاعنين نتيجة له، إن كانت ثمة أضرار قد لحقته، ومن ثم يكون هذا الوجه من الطعن على غير أساس سليم من القانون.
ومن حيث إن الدفاع عن الطاعنين قدم مذكرة بدفاعهما لجلسة 3 من مايو سنة 1969 التي عينت للنطق بالحكم في هذا الطعن - ردد فيها أقوالهما سالفة الذكر ثم ناقش مفردات المبالغ التي خصمت من مورثهما نتيجة التنفيذ على حسابه - كما أوضح أنه لا يجوز الجمع بين مصادرة التأمين والشراء على حساب مورثهما.
ومن حيث إنه على الرغم من أنه يبين أن الدعوى كانت قد أقيمت ابتداء بطلب إلغاء الإجراءات الخاصة بفسخ العقد ومصادرة التأمين، ولم تكن مسألة إجراء التنفيذ على الحساب مطروحة على المحكمة عند إصدارها الحكم المطعون فيه، الأمر الذي لا يجوز معه قانوناً طرح المنازعة في شأن مدى أحقية جهة الإدارة في تلك المبالغ ومناقشتها لأول مرة أمام المحكمة العليا - على الرغم من ذلك فإن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه لا يوجد ما يحول دون مصادرة التأمين عند تقصير المتعهد في تنفيذ التزام من التزامات العقد، وبين إلزامه بفروق الأسعار التي تكون قد تحملتها جهة الإدارة نتيجة للتنفيذ على حسابه، إذ المقصود بها مواجهة الأضرار التي لحقت بالإدارة من جراء خطأ المتعاقد معها وهو بمثابة تعويض لها عن تلك الأضرار طالما كان الضرر لا يزال موجوداً بعد مصادرة التأمين أي تجاوز قيمة هذا التأمين - وهذا الحكم هو ما رددته الفقرة الثانية من المادة 21 من قائمة شروط المناقصة، محل هذه المنازعة إذ تنص على أنه: "... ويكون للبلدية الحق تبعاً لذلك بغير حاجة إلى اتخاذ أية إجراءات أخرى أو الالتجاء إلى القضاء في أن تخصم من أية مبالغ تكون مستحقة أو تستحق له أياً كان سبب الاستحقاق لدى البلدية أو أية مصلحة حكومية أخرى كل خسارة تلحقها من جراء ذلك، وهذا دون الإخلال بحق البلدية في المطالبة قضائياً بالخسائر التي لا يتيسر لها استردادها وبالتعويضات عما قد يلحق بها من ضرر".
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن على غير أساس من القانون متعيناً القضاء برفضه موضوعاً، مع إلزام الطاعنين بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت الطاعنين بالمصروفات.