مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 661

(88)
جلسة 3 من مايو سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ المستشار مصطفى كامل إسماعيل - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي ومحمد طاهر عبد الحميد وأحمد علي البحراوي ومحمد صلاح الدين السعيد - المستشارين.

القضية رقم 1467 لسنة 12 القضائية

( أ ) - استيراد "مصادرة السلع المستوردة". المصادرة الإدارية.
القانون رقم 9 لسنة 1959 في شأن الاستيراد يحظر الاستيراد كأصل عام إلا بترخيص من وزارة الاقتصاد - الجزاء على المخالفة يتمثل أصلاً في العقوبات الجنائية وتبعاً في المصادرة الإدارية.. الدعوى الجنائية لا تقام إلا بإذن من الجهة الإدارية - للجهة الإدارية خيار الاكتفاء بالمصادر الإدارية.
(ب) - قرار إداري "قرار مصادرة السلع المستوردة".
القرار الذي يصدره الوزير المختص أو من ينيبه عنه بالاكتفاء بمصادرة السلع المستوردة بالمخالفة لأحكام القانون رقم 9 لسنة 1959 هو قرار إداري - وجوب قيامه على سببه المبرر له - للقضاء الإداري سلطة مراقبة صحة الوقائع التي يقوم عليها وصحة تكييفها القانوني نزولاً على مبدأ المشروعية وسيادة القانون.
(جـ) - حجية الحكم الجنائي.
المحكمة المدنية تتقيد بما أثبتته المحكمة الجنائية في حكمها من وقائع دون أن تتقيد بالتكييف القانوني لهذه الوقائع - لا يتقيد القضاء الإداري بالحكم الجنائي إذا كان هذا الحكم قد قام على تكييف أو تأويل قانوني - مثال ذلك.
(د) - تعويض "التعويض عما تم التصرف فيه من السلع المستوردة تنفيذاً للمصادرة".
التعويض المنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من المادة 10 من القانون رقم 9 لسنة 1959 أمر جوازي للوزير المختص - ثبوت حسن نية المستورد ليس العنصر الوحيد الذي بتحققه يستمد المستورد حقاً في التعويض - هذا التعويض يدخل في نطاق الملاءمة التقديرية التي تملكها الإدارة بغير معقب عليها من القضاء الإداري - أساس ذلك.
1 - إن المشرع حسبما يؤخذ من المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 9 لسنة 1959 المشار إليه ارتأى تمشياً مع سياسة الدولة الاقتصادية الموجهة التي تستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي في جميع الميادين وحماية لهذه السياسة أن يحظر الاستيراد كأصل عام إلا بترخيص من وزارة الاقتصاد، وحتى لا يتعرض هذا النظام للخطر فقد فرض عقوبات جنائية أصيلة بجانب عقوبة تبعية هي المصادرة الإدارية، ثم أورد قيداً على سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية فلا تقام هذه الدعوى إلا بناءً على إذن كتابي من الجهة الإدارية التي أولاها خيار الاكتفاء بالمصادرة الإدارية، أو تقديم المتهم إلى المحاكمة، أو التصالح معه بعد إقامة الدعوى الجنائية، أو صدور حكم نهائي فيها أو الأمر بالإفراج عن السلع المستوردة.
2 - إن القرار الذي يصدره الوزير المختص أو من ينيبه عنه بالنظر إلى الظروف وبمراعاة الملابسات على النحو المتقدم، والاكتفاء بمصادرة السلع المستوردة بالمخالفة لأحكام القانون رقم 9 لسنة 1959 في شأن الاستيراد، هو في حقيقته قرار إداري لا قضائي، وبهذه المثابة يلزم، شأنه في ذلك شأن أي قرار إداري آخر، أن يقوم على سببه المبرر له فلا تتدخل الإدارة بإجراء المصادرة الإدارية إلا إذا قامت حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخلها هي ثبوت وقوع المخالفة لأحكام القانون رقم 9 لسنة 1959 سالفة الذكر، وللقضاء الإداري سلطة مراقبة صحة قيام هذه الوقائع وصحة تكييفها القانوني نزولاً على مبدأ المشروعية وسيادة القانون.
3 - إن المحكمة المدنية تتقيد بما أثبتته المحكمة الجنائية في حكمها من وقائع، دون أن تتقيد بالتكييف القانوني لهذه الوقائع، وأن ما ذهب إليه الفقه والقضاء في المجال المدني أولى بالإتباع وأوجب في المجال الإداري، فلا يتقيد القضاء الإداري بالحكم الجنائي إذا كان هذا الحكم قد قام على تكييف أو تأويل قانوني وذلك وفقاً لما جرى به قضاء هذه المحكمة ولما كان الحكم الجنائي الصادر ببراءة ممثل الشركة من مخالفة قانون النقد قد انبنى على ما فهمته المحكمة الجنائية بحسب تأويلها للنصوص القانونية في هذا الشأن، ولم يقم على نفي أو ثبوت واقعة معينة من الوقائع فإن هذا الحكم وإن حاز قوة الأمر المقضي في تلك الجريمة المعينة، إلا أنه لا يحوز هذه القوة في ثبوت عدم مخالفة الشركة لترخيص الاستيراد وشروطه، الذي هو أمر يقتضي تأويلاً وتكييفاً قانونياً على مقتضى القانون رقم 9 لسنة 1959 في شأن الاستيراد.
4 - إن نص الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة قد جعل الأمر بالتعويض جوازياً للوزير المختص واعتبر أن ثبوت حسن نية المستورد هو مجرد عنصر يتعين توفره بداءة قبل استخدام الرخصة في التعويض وليس العنصر الوحيد الذي بتحققه يستمد المستورد حقاً في التعويض مباشرة من القانون، ومتى كان الوضع كذلك فإن الأمر بالتعويض المنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة سالفة الذكر إنما يدخل في نطاق الملاءمة التقديرية التي تملكها الإدارة بغير معقب عليها فيها من القضاء الإداري الذي ليس له الحلول محلها فيما هو داخل في صميم اختصاصها وتقديرها، ولا يحق له بالتبعية مراجعتها في وزنها لمناسبات قرارها وملاءمة إصداره.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي بصفته مديراً لشركة "دلال إخوان وشركاه" أقام الدعوى رقم 1557 لسنة 17 القضائية ضد وزارة الاقتصاد بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 19 من يونيه سنة 1963 وطلب الحكم: "بإلزام المدعى عليه بصفته بأن يدفع للطالبة مبلغ 3454 جنيه و940 مليم، وعلى سبيل الاحتياط أن يأمر بتعويض الطالبة بالقدر الذي يوازي الثمن الذي استولت وزارة التموين على أساسه على البضاعة المصادرة أو تكاليف تلك البضاعة أيهما أقل عملاً بالشق الأخير من المادة 10 من القانون رقم 9 لسنة 1959، مع إلزام المطعون ضده في جميع الحالات بمصروفات الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ المعجل بلا كفالة". وتوجز أسانيد دعواه في أن الشركة التي يمثلها استصدرت في 21 من يوليه سنة 1959 ترخيصاً باستيراد إطارات وأنابيب مطاط للسيارات من اليابان بمبلغ 47091 دولاراً "سيف" ونص في هذا الترخيص على أن نوع البضاعة هو إطارات "كاوتشوك" للسيارات بشرط ألا تكون من المقاسات التي تنتج محلياً وعلى مصلحة الجمارك التحقق من ذلك قبل الإفراج عن البضاعة. وفي 7 من يناير سنة 1961 وردت البضاعة مكونة من إطارات خارجية ومن أنابيب داخلية من مقاسات مختلفة، وقد وافقت مصلحة الجمارك على الإفراج عن الإطارات الخارجية كلها وعن بعض مقاسات الأنابيب الداخلية، وامتنعت عن الإفراج عن باقي المقاسات لحين التأكد من عدم إنتاج مثلها محلياً، فلجأت الشركة إلى شركة النقل والهندسة، وهي الشركة المحتكرة لإنتاج الإطارات في مصر، التي طلبت إلى وزارة الصناعة الإفراج بصفة استثنائية عن الأنابيب المحبوسة، وبناءً على طلب هذه الوزارة وافقت الإدارة العامة للاستيراد بوزارة الاقتصاد على الإفراج عن بعض المقاسات على دفعات، وبقيت أخيراً كمية قدرها 200 أنبوبة من مقاسات 600 × 16 و1000 أنبوبة من مقاس 825 × 20 بدون إفراج فتظلمت الشركة في 6 من فبراير سنة 1961 طالبة الإفراج عن باقي الكمية وفي أثناء نظر التظلم صدر القرار رقم 271 لسنة 1961 بحظر استيراد الإطارات وبالاستيلاء على ما يوجد منها لدى الحائزين وأوجب على هؤلاء تقديم إقرارات عما في حيازتهم منها، وتنفيذاً لذلك قدمت الشركة المدعية الإقرار اللازم عن أنابيبها المحبوسة بالجمرك، غير أنها فوجئت في 27 من فبراير سنة 1962 بخطاب صادر من الإدارة العامة للاستيراد مؤرخ 9 من ديسمبر سنة 1961، وسلم إلى مكتب البريد في 25 من فبراير سنة 1962 يتضمن أنه تقرر في 11 من فبراير سنة 1969 مصادرة الأنابيب المتبقية لورودها بغير ترخيص استيراد طبقاً للقانون رقم 9 لسنة 1959 في شأن الاستيراد، ونعت الشركة المدعية على قرار المصادرة هذا مخالفته القانون لعدم مشروعية ركني السبب والغاية فيه، ولصدوره عن باعث غير مشروع، وأضافت أن حسن نيتها في استيراد الأنابيب المصادرة ينطق به الإجراء الذي اتخذته عندما عرضت بيان المقاسات المطلوبة من اليابان على السلطات الجمركية عند فتح الاعتماد المستندي في يوليه سنة 1959، فأبدت السلطات المذكورة موافقتها على الإفراج عن مقاسات الأنابيب الداخلية عند ورودها. وقد أجابت الهيئة الإدارية عن الدعوى بمذكرة أبانت فيها أن الشركة باستيرادها إطارات من المقاسات التي تنتج محلياً تكون قد خالفت شروط ترخيص الاستيراد الممنوح لها وفي هذه الحالة تعتبر الإطارات المذكورة مستوردة بدون ترخيص وتبعاً لذلك تكون مصادرتها أمراً مطابقاً للقانون، أما ما ساقته الشركة المدعية من مطاعن على القرار موضوع المنازعة الراهنة فمردود بأن مقاسات الأنابيب التي تقرر الإفراج عنها وإن كانت من المقاسات المحظور استيرادها إلا أن السوق المحلية كانت في حاجة إليها، وهو ما لم يتحقق بالنسبة إلى المقاسات الأخرى محل المصادرة، وإذا كان إبلاغ الشركة بقرار المصادرة قد تراخى إلى ما بعد صدور القرار رقم 271 لسنة 1961 بالاستيلاء على الإطارات فإن ذلك كان مرده إلى التأخير في إجراءات التنفيذ وليس في الرغبة في الحصول على الأنابيب دون دفع تعويض عنها. وأما بالنسبة لما ذهبت إليه الشركة من أن حسن النية كان متوافراً لديها عندما قامت باستيراد المقاسات المحظورة فهو قول يعوزه الدليل وانتهت وزارة الاقتصاد من هذا إلى طلب رفض الدعوى. وبجلسة 26 من يونيه سنة 1966 قضت محكمة القضاء الإداري "هيئة العقود والتعويضات" برفض طلبات المدعي (منير دلال/ شركة دلال إخوان) وألزمته المصاريف وأقامت قضاءها في خصوص الطلب الأصلي للمدعي على أن الشركة المدعية استوردت إطارات تختلف عن مواصفاتها عن الإطارات المرخص في استيرادها، وقد قررت اللجنة المشتركة للاستيراد عدم الإفراج عن الإطارات المخالفة واتخاذ الإجراءات القانونية لمصادرتها، ووافق وزير الاقتصاد على ذلك في 11 من مارس سنة 1961. أي قبل صدور قرار وزير التموين رقم 271 لسنة 1961 في 25 من نوفمبر سنة 1961 بالاستيلاء على الإطارات. ومن ثم فإن قرار المصادرة يكون قائماً على سبب صحيح ومبرءاً من عيب إساءة استعمال السلطة الذي لم يقم عليه دليل، وبالتالي ينتفي خطأ الإداري الموجب للتعويض. وفيما يتعلق بالطلب الاحتياطي ذهبت المحكمة إلى أن تعويض المستورد طبقاً للفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من القانون رقم 9 لسنة 1959 في شأن الاستيراد هو من الملاءمات المتروكة لجهة الإدارة وأن الشركة المدعية لم تقدم ما يثبت إساءة استعمال السلطة في هذا الخصوص.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه، إذ ذهب إلى أن الإطارات المصادرة قد وردت بدون ترخيص استيراد يكون قد أخطأ في تفسير أحكام القانون رقم 9 لسنة 1959 في شأن الاستيراد، ذلك أن مؤدى نص المادة الأولى من القانون المذكور أن لا يكون هناك ترخيص استيراد على الإطلاق، أما إذا كان هناك ترخيص استوردت السلعة بموجبه فإن البحث عما إذا كانت السلعة مطابقة لشروط الترخيص أم غير مطابقة يغدو أمراً آخر يخرج عن نطاق حكم المادة الأولى سالفة الذكر. والقول بغير هذا النظر ينطوي على إهدار لحجية الحكم الجنائي الصادر ببراءة ممثل الشركة تأسيساً على عدم مخالفة ترخيص الاستيراد أو شروطه. هذا إلى أن الحكم المطعون فيه قد أغفل طلب الشركة الاحتياطي وذلك على الرغم من توفر شروط تطبيق نص الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من القانون رقم 9 لسنة 1959 المشار إليه ومن ثبوت حسن نية الشركة حسبما أفصح عن ذلك الحكم الجنائي المتقدم ذكره، ولا وجه للتحدي في هذا المجال بفكرة الملاءمة المتروكة لتقدير الإدارة والتي تترخص بمقتضاها في التعويض بمحض اختيارها، ذلك أن دفع ثمن البضاعة في حالة ثبوت حسن النية حق مالي صرف لا يتصل بالصالح العام ولا يجوز الانحراف بالسلطة لتحقيق أهداف مالية. ومن ناحية أخرى فإن الحكم المطعون فيه قد قام على أسباب متهاترة وشابه فساد في الاستدلال.
ومن حيث إن طلبات الشركة المدعية تنحصر أصلياً: في طلب الحكم بإلزام الوزارة المدعى عليها بأن تدفع لها مبلغ 3454 جنيه و940 مليم قيمة التعويض الذي تقدره عن الأضرار التي أصابتها بسبب القرار الصادر بمصادرة إطارات السيارات المرخص لها في استيرادها، واحتياطياً: في طلب الحكم لها بتعويض يوازي الثمن الذي على أساسه استولت وزارة التموين على البضاعة المصادرة أو تكاليف استيراد تلك البضاعة أيهما أقل استناداً إلى نص الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من القانون رقم 9 لسنة 1959 في شأن الاستيراد.
ومن حيث إن الشركة المدعية تؤسس طلبها الأصلي على أن قرار وزير الاقتصاد بمصادرة إطارات السيارات المرخص لها في استيرادها كان إجراء خاطئاً لمخالفته للقانون رقم 9 لسنة 1959 آنف الذكر، وذلك لعدم مشروعية سببه والغاية منه والباعث عليه فضلاً عن اتسامه بعيب إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة أحكام القانون رقم 9 لسنة 1959 في شأن الاستيراد أنه نص في المادة الأولى منه على أن: "يحظر استيراد السلع من خارج الجمهورية قبل الحصول على ترخيص في الاستيراد من وزارة الاقتصاد، وتعتبر هذه التراخيص شخصية ولا يجوز التنازل عنها. ويسري هذا الحظر على السلع التي تصل إلى أحد جمارك إقليم مصر وتكون قد شحنت من الخارج قبل الحصول على الترخيص، وكذلك على كل زيادة في مقادير السلع المرخص باستيرادها، إلا إذا وردت في حدود القيمة المرخص بها، وتعتبر التراخيص التي تصدر بناءً على مستندات مصطنعة كأن لم تكن". كما نص في المادة التاسعة منه على أنه "يجوز لوزير الاقتصاد بموافقة لجنة التموين العليا الإفراج عن السلع التي تستورد بالمخالفة لأحكام هذا القانون بشرط سداد الرسوم المستحقة الأداء". كذلك قضى في مادته العاشرة بأنه "لا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ إجراءات في هذه الجرائم إلا بناءً على طلب كتاب من وزير الاقتصاد أو من ينيبه كتابة في ذلك. ويجوز لوزير الاقتصاد أو من ينيبه الاكتفاء بمصادرة السلع المستوردة إدارياً مع سداد رسم الاستيراد المستحق ولو كانت السلع معفاة من أدائه. كما يجوز له التصالح على هذا الأساس بعد رفع الدعوى أو صدور حكم فيها. ويترتب على التصالح انقضاء الدعوى الجنائية أو وقف تنفيذ العقوبة الجنائية حسب الأحوال. ويجوز لوزير الاقتصاد إذا ثبتت حسن نية المستورد وكانت السلع قد تم التصرف فيها تنفيذاً للمصادرة أن يأمر بتعويضه بما لا يجاوز الثمن الذي بيعت به السلع المصادرة أو على تكاليف استيرادها أيهما أقل وذلك بعد خصم رسوم الاستيراد وكافة المصروفات الأخرى". ومفاد النصوص المتقدمة أن المشرع حسبما يؤخذ من المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 9 لسنة 1959 المشار إليه ارتأى تمشياً مع سياسة الدولة الاقتصادية الموجهة التي تستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي في جميع الميادين وحماية لهذه السياسة أن يحظر الاستيراد كأصل عام إلا بترخيص من وزارة الاقتصاد، وحتى لا يتعرض هذا النظام للخطر فقد فرض عقوبات جنائية أصلية بجانب عقوبة تبعية هي المصادرة الإدارية، ثم أورد قيداً على سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية فلا تقام هذه الدعوى إلا بناءً على إذن كتابي من الجهة الإدارية التي أولاها خيار الاكتفاء بالمصادرة الإدارية، أو تقديم المتهم إلى المحاكمة، أو التصالح معه بعد إقامة الدعوى الجنائية، أو صدور حكم نهائي فيها أو الأمر بالإفراج عن السلع المستوردة.
ومن حيث إن القرار الذي يصدره الوزير المختص أو من ينيبه عنه بالنظر إلى الظروف وبمراعاة الملابسات على النحو المتقدم، بالاكتفاء بمصادرة السلع المستوردة بالمخالفة لأحكام القانون رقم 9 لسنة 1959 في شأن الاستيراد، هو في حقيقته قرار إداري لا قضائي، وبهذه المثابة يلزم، شأنه في ذلك شأن أي قرار إداري آخر، أن يقوم على سببه المبرر له فلا تتدخل الإدارة بإجراء المصادرة الإدارية إلا إذا قامت حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخلها هي ثبوت وقوع المخالفة لأحكام القانون رقم 9 لسنة 1959 سالفة الذكر، وللقضاء الإداري سلطة مراقبة صحة قيام هذه الوقائع وصحة تكييفها القانوني نزولاً على مبدأ المشروعية وسيادة القانون.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الشركة المدعية استصدرت في 21 من يوليه سنة 1959 ترخيص الاستيراد رقم 666840 الذي نص فيه على أن نوع البضاعة إطارات كاوتشوك للسيارات بشرط ألا تكون من المقاسات التي تنتج محلياً وعلى الجمارك التحقق من ذلك قبل الإفراج عن البضاعة "وأنه في 7 من يناير سنة 1960 وردت الإطارات المستوردة واتضح أن من بينها إطارات ذات مقاسات مماثلة للمقاسات التي تنتج محلياً مما حدا بمصلحة الجمارك إلى الامتناع عن الإفراج عنها. وفي 12 من مارس سنة 1960 وافق وزير الاقتصاد على توصية وزارة الصناعة في 19 من يناير سنة 1960 بالتصريح باستيراد كميات معينة في نطاق حصة محددة من بعض المقاسات المحظور استيرادها من إطارات المطاط الداخلية نظراً لعدم استطاعة المصنع المحلي سد احتياجات السوق المحلية منها، وعلى هذا الأساس تم الإفراج تباعاً بناءً على طلب الشركة المدعية عن بعض المقاسات التي استوردتها بموجب ترخيص الاستيراد سالف الذكر، ثم في 27 من فبراير سنة 1961 رفضت اللجنة المشتركة للاستيراد طلب الشركة المدعية الإفراج عن باقي المقاسات التي لم ترد أصلاً ضمن المقاسات التي اعتمد وزير الاقتصاد توصية وزارة الصناعة بالإفراج عنها في 12 من مارس سنة 1960 وقررت اللجنة اتخاذ الإجراءات القانونية لمصادرة الرسالة الواردة بالمخالفة لشروط الترخيص. وفي 11 من مارس سنة 1961 وافق وزير الاقتصاد على قرار اللجنة، وتم إبلاغ الشركة ومصلحة الجمارك بقرار المصادرة الإدارية بخطاب مؤرخ 9 من ديسمبر سنة 1961 للتنفيذ.
ومن حيث إن الشركة المدعية لا تماري في أن بعض مقاسات الإطارات المستوردة ضمن ما شمله ترخيص الاستيراد رقم 666840 وهي التي صدر القرار بمصادرتها إدارياً في 11 من مارس سنة 1961، وهي من المقاسات التي ينتج مثيلها محلياً، وإنما الذي تصر على المجادلة فيه هو ما إذا كان استيراد هذه المقاسات يشكل جريمة استيراد سلعة بدون ترخيص طبقاً للمادة الأولى من القانون رقم 9 لسنة 1959 في شأن الاستيراد أم لا. وتذهب الشركة إلى أن مناط تطبيق حكم المادة الأولى سالفة الذكر هو أن يتم الاستيراد بدون ترخيص وأن يتم الشحن قبل الحصول على الترخيص، أو أن تكون هناك زيادة في الكميات المستوردة مع تجاوز القيمة المرخص بها، وكلها أمور غير متحقق أي منها في المنازعة الراهنة.
ومن حيث إنه لا شبهة في أن البضاعة التي رخص للشركة المدعية في استيرادها قد حدد نوعها تحديداً قاطعاً بأن تكون "إطارات كاوتشوك للسيارات بشرط ألا تكون من المقاسات التي تنتج محلياً. فالترخيص إذن لم يرد عاماً مطلقاً وإنما جاء مشروطاً بشرط واضح تحددت به مقاسات الإطارات تحديداً قاطعاً لا غموض فيه ولا إبهام بأن تكون هذه المقاسات من غير مثيلتها المنتجة محلياً، فإذا تخلف تحقق هذا الشرط بالنسبة إلى بعض المقاسات المستوردة فإن أثر ذلك ينسحب حتماً على الترخيص الذي يصبح في خصوص هذه المقاسات لا وجود له، في مجال الأصل فيه هو الحظر، وليس الإباحة. وعلى مقتضى ذلك فإن مقاسات الإطارات التي استوردتها الشركة المدعية، ولها مثيل من المنتج محلياً، تكون قد استوردت بغير ترخيص استيراد وتكون قد حقت في شأنها المصادرة الإدارية، ولا يقدح في ذلك ما تمسكت به الشركة في تقرير الطعن من أن ممثلها قدم إلى المحاكمة الجنائية بتهمة عدم تقديمه في الميعاد القانوني المستندات الدالة على أن البضائع التي أفرج عن عملة أجنبية من أجل استيرادها قد وردت إلى مصر بالمخالفة للمادتين الأولى والتاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد، وأنه قد صدر في 30 من مايو سنة 1964 حكم بالبراءة استناداً إلى أن "البضاعة قد وردت بالفعل وأن إذن الاستيراد قد جاء خلواً من بيان المقاسات المحظورة التي تنتج محلياً الأمر الذي يحتمل معه أن يكون المتهم قد كان حسن النية في استيراده تلك البضائع التي جاءت متفقة وترخيص الاستيراد في كونها تدخل ضمن الإطارات الكاوتشوك لزوم السيارات، وأن المحكمة الجنائية لم تر في عدم إفراج مصلحة الجمارك عن الإطارات دليلاً قاطعاً على أنها قد استوردت بالمخالفة للترخيص أو على أن المتهم قد تعمد ذلك، وقد صدق على هذا الحكم من السيد/ رئيس الجمهورية في 15 من فبراير سنة 1965 وأصبح نهائياً وحائزاً لقوة الأمر المقضي في شأن عدم مخالفة الشركة لترخيص الاستيراد الأمر الذي يتعين معه النزول على هذه الحجية وعدم إهدارها، لا يقدح هذا الدفاع في حقيقة الواقع كما سلف بيانه ولا سيما أن مفاد المادة 406 من القانون المدني أن المحكمة المدنية تتقيد بما أثبتته المحكمة الجنائية في حكمها من وقائع، دون أن تتقيد بالتكييف القانوني لهذه الوقائع، وأن ما ذهب إليه الفقه والقضاء في المجال المدني أولى بالإتباع وأوجب في المجال الإداري، فلا يتقيد القضاء الإداري بالحكم الجنائي إذا كان هذا الحكم قد قام على تكييف أو تأويل قانوني وذلك وفقاً لما جرى به قضاء هذه المحكمة. ولما كان الحكم الجنائي الصادر ببراءة ممثل الشركة من مخالفة قانون النقد قد انبنى على ما فهمته المحكمة الجنائية بحسب تأويلها للنصوص القانونية في هذا الشأن، ولم يقم على نفي أو ثبوت واقعة معينة من الوقائع فإن هذا الحكم وإن حاز قوة الأمر المقضي في تلك الجريمة المعينة، إلا أنه لا يحوز هذه القوة في ثبوت عدم مخالفة الشركة لترخيص الاستيراد وشروطه، الذي هو أمر يقتضي تأويلاً وتكييفاً قانونياً على مقتضى القانون رقم 9 لسنة 1959 في شأن الاستيراد.
ومن حيث إنه لا وجه لما ذهبت إليه الشركة المدعية من عدم مشروعية قرار المصادرة من الغاية منه والباعث عليه فضلاً عن اتسامه بعيب إساءة استعمال السلطة، لأن ذلك مردود بما ساقه الحكم المطعون فيه من أسباب في هذا الخصوص والتي تأخذ بها هذه المحكمة لما هو مقرر من أن إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها هو من العيوب القصدية في السلوك الإداري قوامه أن يكون لدى الإدارة قصد إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها الأمر الذي لم تقم المدعية عليه أي دليل.
ومن حيث إنه وقد ثبت على الوجه السالف بيانه أن قرار المصادرة الإدارية موضوع المنازعة الراهنة قد صدر صحيحاً مطابقاً للقانون ومبرءاً من كل عيب، فإنه لا يكون ثمة محل لطلب التعويض عنه، إذ من المسلمات أن مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية رهينة بأن يكون القرار معيباً، وأن يترتب عليه ضرر، وأن تقوم علاقة سببية بين عدم مشروعية القرار وبين الضرر الذي أصاب ذوي الشأن فيه.
ومن حيث إن الشركة المدعية تقيم طلبها الاحتياطي على ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من القانون رقم 9 لسنة 1959 السابق الإشارة إليه والتي تقضي بأنه: "ويجوز لوزير الاقتصاد إذا ثبتت حسن نية المستورد وكانت السلع قد تم التصرف فيها تنفيذاً للمصادرة أن يأمر بتعويضه بما لا يجاوز الثمن الذي بيعت به السلع المصادرة أو على تكاليف استيرادها أيهما أقل وذلك بعد خصم رسوم الاستيراد وكافة المصروفات الأخرى". وتذهب الشركة إلى أنه طالما قد ثبت حسن النية بمقتضى الحكم الجنائي النهائي الصادر ببراءة ممثلها بجلسة 30 من مايو سنة 1964 في قضية النيابة العمومية رقم 54 لسنة 1963 قصر النيل، فإنه كان يتعين على الجهة الإدارية أن تعمل في شأنها حكم الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من القانون رقم 9 لسنة 1959 سالفة الذكر فتأمر بتعويضها في حدود ما قضت به تلك المادة، فإذا امتنعت عن ذلك كان امتناعها المادة، منطوياً على باعث مالي بحت يصم هذا الامتناع بعيب الانحراف في استعمال السلطة. وهذا الذي ساقته الشركة على النحو السابق إيراده إنما يتعارض مع نص الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة وفحواه الذي جعل الأمر بالتعويض جوازياً للوزير المختص واعتبر أن ثبوت حسن نية المستورد هو مجرد عنصر يتعين توفره بداءة قبل استخدام الرخصة في التعويض وليس العنصر الوحيد الذي بتحققه يستمد المستورد حقاً في التعويض مباشرة من القانون، ومتى كان الوضع كذلك فإن الأمر بالتعويض المنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة سالفة الذكر إنما يدخل في نطاق الملاءمة التقديرية التي تملكها الإدارة بغير معقب عليها فيها من القضاء الإداري الذي ليس له الحلول محلها فيما هو داخل في صميم اختصاصها وتقديرها، ولا يحق له بالتبعية مراجعتها في وزنها لمناسبات قرارها وملاءمة إصداره.
ومن حيث إنه بناءً على ما تقدم تكون الدعوى بشقيها غير قائمة على أساس سليم من القانون، ويكون الحكم المطعون فيه، إذ قضى برفضها قد أصاب الحق في قضائه، ويتعين والحالة هذه - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، مع إلزام الطاعن بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت الطاعن بمصروفاته.