أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 48 - صـ 1025

جلسة 29 من يونيه سنة 1997

برئاسة السيد المستشار/ محمد فتحي الجمهودي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مصطفى حسيب, خيري فخري, حسين نعمان نواب رئيس المحكمة وفتحي محمد حنضل.

(195)
الطعن رقم 11865 لسنة 65 القضائية

(1 - 7) مسئولية "مسئولية تقصيرية : إساءة استعمال الحق".دعوى. تعويض. محكمة الموضوع. نقض "سلطة محكمة النقض".حكم "حجية الحكم الجنائي" "تسبيبه". نيابة عامة.
(1) حق التقاضي والإبلاغ والشكوى. من الحقوق المباحة. مؤدى ذلك. عدم مسئولية من يلج أبواب القضاء تمسكاً حق أو زوداًً عنه إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح إلى اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق بقصد الإضرار بالخصم.
(2) الإبلاغ عن الجرائم. عدم اعتباره خطأ تقصيرياً ما لم يثبت كذب البلاغ وتوافر سوء القصد أو صدور التبليغ عن تسرع ورعونة وعدم احتياط. عجز المبلغ عن إثبات الوقائع المبلغ عنها لا يقطع حتماً بكذبها.
(3) استخلاص الفعل المؤسس عليه طلب التعويض من سلطة محكمة الموضوع متى كان استخلاصاً سائغاً, تكييف الفعل بأنه خطأ أو نفي هذا الوصف عنه. خضوعه لرقابه محكمة النقض.
(4) مساءلة خصم عن الأضرار الناشئة عن استعمال حق التقاضي. وجوب إيراد الحكم العناصر الواقعية والظروف التي يصح استخلاص نية الانحراف والكيد منها استخلاصاً سائغاً.
(5) حجية الحكم الجنائي أمام المحاكم المدنية. شرطها. أن يكون قد فصل فصلاً لازماً في وقوع الفعل المكوّن للأساس المشترك بين الدعويين وفي الوصف القانوني لهذا الفعل ونسبته إلى فاعله. المادتان 102 إثبات، 456 إجراءات جنائية.
(6) قضاء المحكمة الجنائية بالبراءة للشك الذي تفسره لصالح المتهم في جريمة البلاغ الكاذب. لا يدل على كذب الوقائع المبلغ بها ولا يمنع المحكمة المدنية من إعادة بحث عناصر المسئولية المدنية طالما لم تفصل المحكمة الجنائية في الأساس المشترك بين الدعويين.
(7) استبعاد النيابة العامة أحد المتهمين من الاتهام وإقامة الدعوى الجنائية على غيره في جريمة البلاغ الكاذب. لا يعد دليلاً على عدم صحة الوقائع المبلغ عنها. وجوب ألا تبني المحكمة حكمها إلا على ما يقتضيه بحثها عناصر المسئولية من النزاع المطروح عليها.
1 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن مفاد النص في المادتين الرابعة والخامسة من القانون المدني أن من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر بالغير، وأن استعمال الحق يكون غير مشروع إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير وهو ما يتحقق بانتفاء كل مصلحة من استعمال الحق وأن حق التقاضي وحق الإبلاغ وحق الشكوى من الحقوق المباحة للأشخاص واستعمالها لا يدعو إلى مساءلة طالما لم ينحرف به صاحب الحق ابتغاء مضارة المبلغ ضده، ولا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكاً بحق يدعيه لنفسه أو زوداً عن هذا الحق إلا إذا ثبت انحرافه عنه إلى اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم.
2 - تبليغ الجهات المختصة بما يقع من الجرائم لا يُعد خطأ تقصيرياً يستوجب مسئولية المبلغ إلا إذا ثبت كذب الواقعة المبلغ بها وأن التبليغ صدر عن سوء قصد وبغية الكيد والنيل والنكاية بمن أبلغ عنه أو ثبت صدور التبليغ عن تسرع ورعونة وعدم احتياط. فمجرد عجز المبلغ عن إثبات الوقائع المبلغ عنها لا يقطع حتماً بكذبها.
3 - المقرر أنه ولئن كان استخلاص الفعل الذي يؤسس عليه طلب التعويض مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع إلا أنه يشترط أن يكون هذا الاستخلاص سائغاً وله أصل ثابت بالأوراق فضلاً عن أن تكييف هذا الفعل بأنه خطأ أو نفي هذا الوصف عنه هو من مسائل القانون التي تخضع لرقابة محكمة النقض.
4 - يتعين على الحكم الذي ينتهي إلى مسئولية خصم عن الأضرار الناشئة عن استعمال حق التقاضي أن يورد العناصر الواقعية والظروف الحاصلة التي يصح استخلاص نية الانحراف والكيد منها استخلاصاً سائغاً.
5 - مفاد نص المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 102 من قانون الإثبات أن للحكم الصادر في الدعوى الجنائية حجية الشيء المحكوم فيه أمام المحاكم المدنية وإذا كان الحكم الجنائي قد فصل فصلاً لازماً في أمر يتعلق بوقوع الفعل المكوّن للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفي الوصف القانوني للفعل ونسبته إلى فاعله فإن فصلت المحكمة الجنائية بحكم بات في هذه المسائل امتنع على المحاكم المدنية مخالفة الحكم الجنائي السابق عليه.
6 - قضاء المحكمة الجنائية بالبراءة للشك الذي تفسره المحكمة لصالح المتهم لا يدل بمجرده على كذب الواقعة المبلغ عنها ولا يمنع المحكمة المدنية من إعادة بحث عناصر المسئولية المدنية طالما لم تفصل المحكمة الجنائية في هذا الأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية.
7 - استبعاد النيابة العامة أحد المتهمين من الاتهام وإقامة الدعوى الجنائية على غيره لا تنهض دليلاً على عدم صحة الوقائع المبلغ بها، ولا يقيد ذلك المحكمة المدنية التي يجب ألا تبني قضاءها إلا على ما يقتضيه بحثها عناصر المسئولية من النزاع المطروح عليه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم (....) لسنة 1991 مدني شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإلزام الطاعنة بأن تؤدي له مبلغ 50000 جنيه والفوائد القانونية. وقال بياناً لذلك إنه لخلاف بين المطعون عليه الثاني والطاعنة على ممر فاصل بين منزليهما أبلغت الشرطة ضدهما وآخر كذباً بأنهم اعتدوا عليها بالضرب وضبط عن ذلك قضية الجنحة رقم (....) لسنة 1987 شبين القناطر، وقد استبعدته النيابة العامة من الاتهام فأقامت ضدهما الجنحة المباشرة رقم (......) لسنة 1988 شبين القناطر عن ذات الواقعة. كما أبلغت ضده وزارة العدل والنيابة العامة أنه بصفته مستشاراً تدخل لدى قاضي محكمة شبين القناطر لعرقلة الفصل في هذه الجنحة الأخيرة وقد أصابته - نتيجة لذلك - أضرار أدبية يقدر التعويض عنها بالمبلغ المطالب به, أقام المطعون عليه الثاني الدعوى رقم (.....) لسنة 1991 مدني شمال القاهرة الابتدائية بطلب إلزام الطاعنة بأن تؤدي له مبلغ 50000 جنيه, والفوائد القانونية, قولاً منه إنها - للخلافات المشار إليها - أبلغت جهة الشرطة ضده والمطعون عليه الثاني وآخر بالاعتداء عليها بالضرب كما أنه فتح مطلات على ملكها وضبط عن ذلك قضية الجنحة رقم (.....) لسنة 1987 شبين القناطر سالفة الذكر واتهمته أيضاً بذلك في الجنحة رقم (....) لسنة 1988 شبين القناطر, كما أقامت ضده بطريق الادعاء المباشر قضية الجنحة رقم (.....) لسنة 1988 شبين القناطر تتهمه فيها بذات الوقائع المبلغ عنها, وقد قضى ببراءته مما نسبته إليه في تلك الجنح جميعها بحكم صار باتاً. وإذ لحقته من جراء ذلك أضرار مادية وأدبية يقدر التعويض الجابر لها بالمبلغ المطلب به فقد أقام الدعوى. كما أقامت الطاعنة الدعويين رقمي (....) لسنة 1991, (.....) لسنة 1991 مدني شمال القاهرة الابتدائية ضد المطعون عليهما المذكورين بطلب الحكم بإلزام كل منهما بأن يؤدي لها مبلغ 250000 جنيه تعويضاً على قالة أنهما تعديا عليها بالضرب مما أدى إلى إصابتها بأزمة قلبية سافرت على أثرها للعلاج في الخارج وانحسم النزاع بينهما صلحاً بيد أنهما أقاما ضدها الدعويين سالفتيّ الذكر بما يُعد إساءة لاستعمال حق التقاضي وقد لحقتها أضرار مادية وأدبية تقدر التعويض عنها بالمبلغ المطالب به ومن ثم أقامت هاتين الدعويين.
ضمنت المحكمة الدعاوي الأربعة ثم حكمت بتاريخ 31/ 8/ 1994 في الدعوى رقم (.....) لسنة 1991 مدني كلي شمال القاهرة بإلزام الطاعنة بأن تؤدي للمطعون عليه الأول مبلغ 10000 جنيه تعويضاً عن الأضرار الأدبية والفوائد القانونية. وفي الدعوى رقم (....) لسنة 1991 بإلزامها بأن تؤدي للمطعون عليه الثاني مبلغ 5000 جنيه تعويضاً عن الأضرار المادية، 5000 جنيه تعويضاً عن الأضرار الأدبية والفوائد القانونية وفي الدعويين رقمي (....) لسنة 1991, (....) لسنة 1991 برفضهما. استأنفت الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئنافين رقميّ (....) لسنة 111 ق, (....) لسنة 111 ق, كما استأنفه المطعون عليهما لدى ذات المحكمة بالاستئناف رقم (....) لسنة 111 ق أمرت المحكمة بضم الاستئنافات الثلاثة . وفي 9/ 11/ 1995 حكمت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض, وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه, وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك تقول إنها تمسكت لدى محكمة الموضوع بأن إبلاغها في حق المطعون عليهما كان نتيجة لما وقع فعلاً من اعتداء على نفسها ومالها ولاعتقادها بأن الشكوى تحقق لها الحماية القانونية وأنها السبيل إلى ذلك وإلى درء تكراره ولم تقصد محض الإضرار بهما, وأنها كانت تستعمل حقاً مشروعاً ولم تنحرف به إلى الكيد والعنت, غير أن الحكم المطعون فيه لم يعرض لهذا الدفاع الجوهري، هذا إلى أن الأحكام الجنائية الصادرة في قضايا الجنح أرقام (....) لسنة 1987، (.....) لسنة 1988، (.....) لسنة 1988 شبين القناطر ببراءة المطعون عليه الثاني لم تفصل في صحة البلاغ أو سوء قصدها وإنما كان مبناها الشك الذي تفسره المحكمة لصالح المتهم، كما وأن النيابة العامة لم ترفع الدعوى الجنائية ضد المطعون عليه الأول واستبعدته من الاتهام بما مؤداه أن هذه الأحكام لا تكون لها حجية أمام القضاء المدني، غير أن الحكم خالف الثابت بالأوراق وأعتد بحجية الأحكام الجنائية المشار إليها في ثبوت عدم صحة الوقائع المبلغ بها وتوافر نية الانحراف بحق الطاعنة في الإبلاغ والتقاضي ورتب على ذلك توافر الخطأ في جانبها وألزمها بالتعويض المقضي وهو ما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن مفاد النص في المادتين الرابعة والخامسة من القانون المدني أن من استعمل حقه استعمالاًً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر بالغير، وأن استعمال الحق يكون غير مشروع إذا لم يقصد به سوي الإضرار بالغير وهو ما يتحقق بانتفاء كل مصلحة من استعمال الحق، وأن حق التقاضي وحق الإبلاغ وحق الشكوى من الحقوق المباحة للأشخاص واستعمالها لا يدعو إلى مساءلة طالما لم ينحرف به صاحب الحق ابتغاء مضارة المبلغ ضده، ولا يُسأل من يلج أبواب القضاء تمسكاً بحق يدعيه لنفسه أو زوداً عن هذا الحق إلا إذا ثبت انحرافه عنه إلى اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم، وأن تبليغ الجهات المختصة بما يقع من الجرائم لا يُعد خطأ تقصيرياً يستوجب مسئولية المبلغ إلا إذا ثبت كذب الواقعة المبلغ بها وأن التبليغ صدر عن سوء قصد وبغية الكيد والنيل والنكاية بمن أُبلغ عنه أو ثبت صدور التبليغ عن تسرع ورعونة وعدم احتياط. فمجرد عجز المبلغ عن إثبات الوقائع المبلغ عنها لا يقطع حتماً بكذبها، كما أن المقرر أنه ولئن كان استخلاص الفعل الذي يؤسس عليه طلب التعويض مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع إلا أنه يشترط أن يكون هذا الاستخلاص سائغاً وله أصل ثابت بالأوراق فضلاً عن أن تكييف هذا الفعل بأنه خطأ أو نفي هذا الوصف عنه وهو من مسائل القانون التي تخضع لرقابة محكمة النقض، فيتعين على الحكم الذي ينتهي إلى مسئولية خصم عن الأضرار الناشئة عن استعمال حق التقاضي أن يورد العناصر الواقعية والظروف الحاصلة التي يصح استخلاص نية الانحراف والكيد منها استخلاصاً سائغاً. لما كان ما تقدم، وكان مفاد نص المادة 456 من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 102 من قانون الإثبات أن للحكم الصادر في الدعوى الجنائية حجية الشيء المحكوم فيه أمام المحاكم المدنية وإذا كان الحكم الجنائي قد فصل فصلاً لازماً في أمر يتعلق بوقوع الفعل المكّون للأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية وفي الوصف القانوني للفعل ونسبته إلى فاعله فإن فصلت المحكمة الجنائية بحكم بات في هذه المسائل امتنع على المحاكم المدنية مخالفة الحكم الجنائية السابق عليه، أما قضاء المحكمة الجنائية بالبراءة للشك الذي تفسره المحكمة لصالح المتهم لا يدل بمجرده على كذب الواقعة المبلغ عنها ولا يمنع المحكمة المدنية من إعادة بحث عناصر المسئولية المدنية طالما لم تفصل المحكمة الجنائية في هذا الأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية. كما أن استبعاد النيابة العامة أحد المتهمين من الاتهام وإقامة الدعوى الجنائية على غيره لا ينهض دليلاً على عدم صحة الوقائع المبلغ بها، ولا يقيد ذلك المحكمة المدنية التي يجب ألا تبني قضاءها إلا على ما يقتضيه بحثها عناصر المسئولية من النزاع المطروح عليها. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بمسئولية الطاعنة وبإلزامها بالتعويض المقضي به على قوله "....... إن المستأنفة - الطاعنة - أساءت حقها في الإبلاغ والتقاضي..... وكان ذلك منطوياً على سوء قصد متسماً بالرعونة والتهور ابتغاء مضارة المبلغ ضده وثبت ذلك بأحكام جنائية باتة ذلك أنها أبلغت كذباً بأن المستأنف ضده الثاني تعدى عليها في الجنحة رقم (......) لسنة 1987 شبين القناطر وصدور حكم جنائي بات ببراءته لأن الواقعة ملفقة، كما أنها أبلغت كذباً بأن المستأنف ضدهما تعديا عليها بالضرب....... رغم علمها بعدم تواجدهما بالبلدة....... وإذ تحرر عن الواقعة المحضر رقم....... واستبعدت النيابة العامة المستأنف ضده الأول من الاتهام وقدمت الثاني إلا أنها رغم ذلك رفعت الجنحة رقم (.....) لسنة 1988 شبين القناطر.... ضد المستأنف ضدهما وقد صدر حكم جنائي بات بالبراءة لعدم صحة الواقعة لعدم تواجد المستأنف ضدهما بالبلدة حسبما أسفرت عنه تحريات المباحث وكان هذا الذي ساقه الحكم المطعون فيه وأقام عليه قضاءه لا يصلح سنداً لتوافر الخطأ الموجب للتعويض فهو لا يكفي لإثبات انحراف الطاعنة عن حقها المكفول في الإبلاغ والتقاضي إلى الكيد والعنت واللدد في الخصومة بقصد مضارة المطعون ضدهما هذا إلى أن الثابت من الأوراق أن مبنى الحكم ببراءة المطعون عليه الثاني في الأحكام الجنائية سالفة البيان هو الشك الذي تفسره المحكمة لصالح المتهم وهو ما لا يدل بمجرده على كذب الوقائع المبلغ بها, ولم يكن مبناه الكيدية وعدم الصحة - على ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه - هذا إلى أن النيابة العامة لم تقم الدعوى الجنائية ضد المطعون عليه الأول في الجنحة المذكورة واستبعدته من الاتهام وقدمت غيره للمحاكمة الجنائية وهذا الذي انتهت إليه النيابة العامة بالنسبة له - أياً كان سنده - لا ينهض بذاته دليلاً على عدم صحة الواقعة المبلغ بها. كما أنه لم يكن متهماً محكوماً عليه في الأحكام الجنائية آنفة البيان فلا يكون له أن يستند إلى حجيتها أو أن يفيد من أي تقريرات تكون وردت في سياق مدونات أسبابها ما دام أنها لم تفصل في أمر يكون الأساس المشترك بين الدعويين الجنائية والمدنية على ما سلف بيانه. وإذ خالف الحكم المطعون فيه النظر وأعتد بحجية الأحكام الجنائية في أمور لم تفصل فيها واتخذ منها دليلاً على قيام الخطأ الموجب للمسئولية رغم أنها لا تصلح ما انتهى إليه. وإذ لم يبين العناصر الواقعة والظروف الحاصلة التي استخلص منها توافر نية الانحراف والكيد لدى الطاعنة فإنه يكون قد أقام قضاءه على واقعة ظنية افترضها دون أن يكون في الأوراق ما يرشح لقيامها أو توافر دليل على ثبوتها وحجب نفسه بذلك عن بحث وتمحيص دفاع الطاعنة الوارد بسبب النعي رغم أنه جوهري من شأنه - لو صح - أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.