أحكام المحكمة الدستورية العليا - الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 - صـ 921

جلسة 15 نوفمبر 1997

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: نهاد عبد الحميد خلاف وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وماهر أحمد البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

قاعدة رقم (63)
القضية رقم 133 لسنة 18 قضائية "دستورية"

1 - عقوبة "مشروعيتها".
مناط مشروعية العقوبة - دستورياً - أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها تقديراً لها.
2 - عقوبة "تفريدها".
الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها.
3 - عقوبة "تفريد: وقف التنفيذ" - سياسة جنائية.
سلطة القاضي في مجال وقف تنفيذ العقوبة فرع من تفريدها - اتصال تفريد العقوبة بالمفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية - تفريد العقوبة يردها إلى جزاء يعايش الجريمة ويتناسب مع ظروفها.
4 - غرامة "تفريدها".
تفريد عقوبة الغرامة يجنبها عيوبها باعتبارها أثقل على الفقراء منها على الأغنياء.
5 - عقوبة "شخصيتها وتناسبها" - وظيفة قضائية.
شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها مرتبطتان بالمسئول عن ارتكابها على ضوء دوره فيها وما نجم عنها من ضرر - تقدير هذه العناصر داخل في إطار الخصائص الجوهرية للوظيفة القضائية.
6 - عقوبة "تفريد" - وظيفة قضائية.
حرمان القضاة من سلطتهم في مجال تفريد العقوبة مؤداه أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بواقعها.
7 - تشريع "نص المادة 9 من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش: عوار دستوري".
إهدار هذا النص - من خلال إلغائه سلطة القاضي في تفريد العقوبة - جوهر الوظيفة القضائية، تقييده الحرية الشخصية في غير ضرورة، إخلاله بضوابط المحاكمة المنصفة، مخالفته من ثم لأحكام الدستور.
1، 2 - إن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم نمطاً ثابتاً، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها، بما مؤداه أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها. وتقرير استثناء من هذا الأصل - أياً كانت الأغراض التي يتوخاها - مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحدة لا تغاير فيها. وهو ما يعني إيقاع جزاء في غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابساتها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتض. ذلك أن مشروعية العقوبة من زاوية دستورية، مناطها أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديراً لها، في الحدود المقرر قانوناً. فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها، جبراً لآثار الجريمة من منظور موضوعي يتعلق بها وبمرتكبها.
3 - السلطة التي يباشرها القاضي في مجال وقف تنفيذ العقوبة، فرع من تفريدها؛ وكان التفريد لا ينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية، ويتصل بالتطبيق المباشر لعقوبة فرضها المشرع بصورة مجردة، شأنها في ذلك شأن القواعد القانونية جميعها، وكان إنزالها "بنصها" على الواقعة الإجرامية محل التداعي، ينافي ملاءمتها لكل أحوالها ومتغيراتها وملابساتها؛ فإن سلطة تفريد العقوبة - ويندرج تحتها الأمر بإيقافها - هي التي تخرجها من قوالبها الصماء، وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة ومرتكبها، ويتصل بها اتصال قرار.
4 - إن تفريد عقوبة الغرامة - وهو أكثر مرونة من تفريد العقوبة السالبة للحرية - يجنبها عيوبها باعتبارها أثقل على الفقراء منها على الأغنياء؛ وكان فرض تناسبها في شأن جريمة بذاتها، إنصافاً لواقعها وحال مرتكبها، يتحقق بوسائل متعددة يندرج تحتها أن يفاضل القاضي - وفق أسس موضوعية - بين الأمر بتنفيذها أو إيقافها؛ وكان المشرع قد سلب القاضي هذه السلطة بنص المادة 9 المطعون عليها فإنه بذلك يكون قد أخل بخصائص الوظيفة القضائية، وقوامها في شأن الجريمة محل الدعوى الجنائية، تقدير العقوبة التي تناسبها، باعتبار أن ذلك يعد مفترضاً أولياً متطلباً دستورياً لصون موضوعية تطبيقها A constitutionl prerequisite to the proportionate imposition of penalty.
5، 6 - لا يجوز للدولة - في مجال مباشرتها لسلطة فرض العقوبة صوناً لنظامها الاجتماعي - أن تنال من الحد الأدنى لتلك الحقوق التي لا يطمئن المتهم في غيابها إلى محاكمة تتم إنصافاً، غايتها إدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة وفقاً لمتطلباتها التي بينتها المادة 67 من الدستور؛ وكان من المقرر أن "شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها" مرتبطتان "بمن يكون قانوناً مسئولاً عن ارتكابها" على ضوء دوره فيها، ونواياه التي قارنتها، وما نجم عنها من ضرر، ليكون الجزاء عنها موافقاً لخياراته بشأنها. متى كان ذلك، وكان تقدير هذه العناصر جميعها، داخلاً في إطار الخصائص الجوهرية للوظيفة القضائية؛ فإن حرمان من يباشرونها من سلطتهم في مجال تفريد العقوبة بما يوائم "بين الصيغة التي أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها في حالة بذاتها" مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بواقعها، فلا تنبض بالحياة، ولا يكون إنفاذها "إلا عملاً مجرداً يعزلها عن بيئتها" دالاً على قسوتها ومجاوزتها حد الاعتدال، جامداً فجاً منافياً لقيم الحق والعدل.
7 - النص المطعون فيه - وعلى ضوء ما تقدم - يكن قد أهدر - من خلال إلغاء سلطة القاضي في تفريد العقوبة - جوهر الوظيفة القضائية؛ وجاء منطوياً على تدخل في شئونها؛ مقيداً الحرية الشخصية في غير ضرورة؛ ونائياً عن ضوابط المحاكمة المنصفة.


الإجراءات

بتاريخ 26 نوفمبر سنة 1996، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة 9 من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع الغش والتدليس.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن النيابة العامة كانت قد أحالت المدعي للمحاكمة الجنائية في القضية رقم 9258 لسنة 1995 - أمام محكمة جنح قسم شبين الكوم - بتهمة بيعه لبناً مغشوشاً مع علمه بذلك، وطلبت عقابه بمقتضى المواد 2/ 1، 7، 8، 9 من القانون رقم 48 لسنة 1941، والمواد 1، 2، 5، 6 من القانون رقم 10 لسنة 1966 في شأن مراقبة الأغذية وتنظيم تداولها.
وإذ قضت المحكمة بمعاقبة المدعي بالحبس سنة مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات وبغرامة مقدارها عشرة آلاف جنيه، والمصادرة، فقد طعن على هذا الحكم بالاستئناف رقم 13156 لسنة 1996 جنح مستأنف شبين الكوم، ودفع المدعي - أثناء نظر استئنافه - بعدم دستورية نص المادة (9) من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع الغش والتدليس، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، فقد صرحت له بإقامة دعواه الدستورية، فأقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المدعي ينعي على المادة 9 المشار إليها مخالفتها للمادتين 165، 166 من الدستور، وذلك لما انطوت عليه من افتئات على الاختصاص المقرر دستورياً للسلطة القضائية في مجال مباشرتها لوظائفها باعتبار أن وقف تنفيذ العقوبة جزء من تفريدها.
وحيث إن المادة 9 من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش، تنص على ما يأتي: "لا تطبق أحكام المادة 55 من قانون العقوبات على عقوبة الغرامة في الأحوال المنصوص عليها في هذا القانون".
وتقضي المادة (55) من قانون العقوبات "بأنه يجوز للمحكمة عند الحكم في جناية أو جنحة بالغرامة أو الحبس مدة لا تزيد على سنة أن تأمر في نفس الحكم بإيقاف تنفيذ العقوبة إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون، ويجوز لها كذلك أن تجعل الإيقاف شاملاً لأية عقوبة تبعية ولجميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم".
متى كان ذلك، فإن مؤدي هاتين المادتين - مترابطتين - امتناع الأمر بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة، إذا كان قضاء المحكمة بها قد صدر تطبيقاً لأحكام القانون رقم 48 لسنة 1941 المشار إليه.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة، قد جرى على أن المتهمين لا تجوز معاملتهم بوصفهم نمطاً ثابتاً، أو النظر إليهم باعتبار أن صورة واحدة تجمعهم لتصبهم في قالبها، بما مؤداه أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها. وتقرير استثناء من هذا الأصل - أياً كانت الأغراض التي يتوخاها - مؤداه أن المذنبين جميعهم تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم يجب أن تكون واحدة لا تغاير فيها. وهو ما يعني إيقاع جزاء في غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع وزن الجريمة وملابساتها، وبما يقيد الحرية الشخصية دون مقتض. ذلك أن مشروعية العقوبة من زاوية دستورية، مناطها أن يباشر كل قاض سلطته في مجال التدرج بها وتجزئتها، تقديراً لها، في الحدود المقرر قانوناً. فذلك وحده الطريق إلى معقوليتها وإنسانيتها، جبراً لآثار الجريمة من منظور موضوعي يتعلق بها وبمرتكبها.
وحيث إن السلطة التي يباشرها القاضي في مجال وقف تنفيذ العقوبة، فرع من تفريدها؛ وكان التفريد لا ينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية، ويتصل بالتطبيق المباشر لعقوبة فرضها المشرع بصورة مجردة، شأنها في ذلك شأن القواعد القانونية جميعها، وكان إنزالها "بنصها" على الواقعة الإجرامية محل التداعي، ينافي ملاءمتها لكل أحوالها ومتغيراتها وملابساتها؛ فإن سلطة تفريد العقوبة - ويندرج تحتها الأمر بإيقافها - هي التي تخرجها من قوالبها الصماء، وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة ومرتكبها، ويتصل بها اتصال قرار.
وحيث إن من الثابت كذلك، أن تفريد عقوبة الغرامة - وهو أكثر مرونة من تفريد العقوبة السالبة للحرية - يجنبها عيوبها باعتبارها أثقل على الفقراء منها على الأغنياء؛ وكان فرض تناسبها في شأن جريمة بذاتها، إنصافاً لواقعها وحال مرتكبها، يتحقق بوسائل متعددة يندرج تحتها أن يفاضل القاضي - وفق أسس موضوعية - بين الأمر بتنفيذها أو إيقافها؛ وكان المشرع قد سلب القاضي هذه السلطة بنص المادة 9 المطعون عليها؛ فإنه بذلك يكون قد أخل بخصائص الوظيفة القضائية، وقوامها في شأن الجريمة محل الدعوى الجنائية، تقدير العقوبة التي تناسبها، باعتبار أن ذلك يعد مفترضاً أولياً متطلباً دستورياً لصون موضوعية تطبيقها A constitutionl prerequisite to the proportionate imposition of penalty.
وحيث إنه فضلاً عما تقدم، لا يجوز للدولة - في مجال مباشرتها لسلطة فرض العقوبة صوناً لنظامها الاجتماعي - أن تنال من الحد الأدنى لتلك الحقوق التي لا يطمئن المتهم في غيابها إلى محاكمة تتم إنصافاً، غايتها إدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة وفقاً لمتطلباتها التي بينتها المادة 67 من الدستور؛ وكان من المقرر أن "شخصية العقوبة وتناسبها مع الجريمة محلها" مرتبطتان "بمن يكون قانوناً مسئولاً عن ارتكابها" على ضوء دوره فيها، ونواياه التي قارنتها، وما نجم عنها من ضرر، ليكون الجزاء عنها موافقاً لخياراته بشأنها. متى كان ذلك، وكان تقدير هذه العناصر جميعها، داخلاً في إطار الخصائص الجوهرية للوظيفة القضائية؛ فإن حرمان من يباشرونها من سلطتهم في مجال تفريد العقوبة بما يوائم "بين الصيغة التي أفرغت فيها ومتطلبات تطبيقها في حالة بذاتها" مؤداه بالضرورة أن تفقد النصوص العقابية اتصالها بواقعها، فلا تنبض بالحياة، ولا يكون إنفاذها "إلا عملاً مجرداً يعزلها عن بيئتها" دالاً على قسوتها ومجاوزتها حد الاعتدال، جامداً فجاً منافياً لقيم الحق والعدل.
وحيث إن النص المطعون فيه - وعلى ضوء ما تقدم - يكون قد أهدر - من خلال إلغاء سلطة القاضي في تفريد العقوبة - جوهر الوظيفة القضائية؛ وجاء منطوياً على تدخل في شئونها؛ مقيداً الحرية الشخصية في غير ضرورة؛ ونائياً عن ضوابط المحاكمة المنصفة؛ وواقعاً بالتالي في حمأة مخالفته لأحكام المواد 41، 67، 165، 166 من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة 9 من القانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة [(1)].


[(1)] قضت المحكمة بذات المبدأ - وفي ذات الجلسة - في القضية المماثلة رقم 124 لسنة 18 ق دستورية.
(2) استناداً إلى الحجية المطلقة لهذا الحكم الأخير قضت المحكمة - خلال الفترة التي صدر عنها هذا الجزء من أحكامها - باعتبار الخصومة منتهية في الدعاوى المماثلة الآتية:
1 - الدعوى رقم 138 لسنة 18 ق دستورية: جلسة 6/ 6/ 1998.
2 - الدعوى رقم 13 لسنة 19 ق دستورية: جلسة 6/ 6/ 1998.
3 - الدعوى رقم 120 لسنة 18 ق دستورية: جلسة 6/ 6/ 1998.