مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 688

(92)
جلسة 10 من مايو سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ المستشار مصطفى كامل إسماعيل - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي ومحمد طاهر عبد الحميد وأحمد علي البحراوي ومحمد صلاح الدين السعيد - المستشارين.

القضية رقم 222 لسنة 10 القضائية

موظف "تأديب - مخالفات تأديبية".
تراخي الموظف في الإدلاء إلى رئيسه بامتناع قلم المحفوظات عن موافاته بملف الموضوع وقد أمتد سنوات ثلاثاً، وجاوز بذلك كل عذر مقبول، يعد خروجاً على مقتضى واجبات الوظيفة العامة يبرر مؤاخذته تأديبياً - لا ينال من ذلك عدم وجود تعليمات توجب عرض مثل هذه الموضوعات على الرئيس بعد فترة معينة، أساس ذلك.
إن تراخي المدعي، في الإدلاء إلى رئيسه بامتناع قلم المحفوظات عن موافاته بملف الموضوع، وقد امتد سنوات ثلاثاً وجاوز بذلك كل عذر معقول، ينطوي على الواقع من الأمر على استهانة سافرة بما يتطلبه الصالح العام وحسن سير المرافق العامة من السرعة الواجبة في إنجاز الأعمال والحرص على البت فيها في الوقت المناسب، وبهذه المثابة فإن تراخي المدعي على هذا النحو يعد خروجاً على مقتضى واجبات الوظيفة العامة يبرر مؤاخذته تأديبياً. ولا يغض من صواب هذا النظر أن رئيسه لم يلجأ بدوره إلا إلى استعجال الملف من قبل المحفوظات ملتزماً نهجه في هذا الشأن، ذلك أنه كان حتماً على رئيسه إذا ما أعيته السبل أن يتصل بالجهات الرئاسية صاحبة الاختصاص في الإشراف والرقابة على قلم المحفوظات لإلزامه بأداء واجباته وللنظر في أمر المسيء فيه، بما لم يكن معه بد من وجوب عرضه الأمر في الوقت المناسب على الرئيس للتصرف. أما الاحتجاج بأنه لا توجد ثمة تعليمات توجب على المدعي عرض مثل هذه الموضوعات على رئيسه بعد فترة معينة، يترتب على مخالفتها توفر عناصر الذنب الإداري، فهو غير سائغ يأباه منطق التدرج الرئاسي الوظيفي، وما يستتبعه من وجوب عرض كل ما يعن للموظف من مشاكل على رئيسه في الوقت المناسب وتلقي توجيهاته للإسهام في حلها على وجه يتحقق معه حسن أداء العمل. أما استباحة الموظف الانفراد بالعمل، وقصوره في الالتجاء إلى رئيسه في شأن معوقات إنجاز هذا العمل لمعاونته على تذليلها، وسكوته عن التصرف الإيجابي الذي يفرضه عليه واجبه فيمثل السلبية الضارة بعينها التي لا يستلزم أمر تأثيمها قيام تعليمات تنظم عرض الأعمال على الرئيس في أمد معين. وإذ تراخى المدعي في إبلاغ رئيسه بحقيقة الموقف في الأجل المناسب لتدارك عواقبه وظل سادراً في تهاونه ثلاث سنوات، فإنه يكون بذلك قد ارتكب ذنباً إدارياً يبيح لجهة الإدارة التدخل لتقويم مسلكه وإنزال العقاب به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 1422 لسنة 9 القضائية ضد السيد وزير المواصلات بصفته الرئيس الأعلى للهيئة العامة لشئون السكك الحديدية بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات والسكك الحديدية في 31 من يوليه سنة 1962، بناءً على قرار لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة المذكورة الصادر لصالحه بجلسة 9 من يونيه سنة 1962 في طلب الإعفاء رقم 1301 لسنة 19 القضائية المقدم منه في 9 من مايو سنة 1962 وطلب الحكم "بإلغاء القرار الإداري الصادر في 8 من أكتوبر سنة 1961 برقم 859/ 47 بمجازاته بخصم ثلاثة أيام من مرتبه لإهماله في عمله الذي أدى إلى ضياع حق من الحقوق المالية للهيئة نتيجة عدم تحرير العقد الخاص بأشرطة المخازن المنتفعة بها شركة سوكوني فاكوم في حينه مع إلزام المدعى عليه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة مع جميع ما يترتب على ذلك من آثار" وقال شرحاً لدعواه أن هيئة السكك الحديدية قررت في عام 1952 مضاعفة القيمة الايجارية لأشرطة المخازن المؤجرة إلى الشركات وعند إجراء هذه التعديلات تبين وجود مخالفات كثيرة بين الأطوال الفعلية لهذه الأشرطة وتلك الواردة بعقود الإيجار، وكان ذلك راجعاً إلى إهمال الأقسام التي كانت تقوم بمد أشرطة المخازن في إخطار قلم الإيجارات لرفع القيمة الايجارية بما يتناسب وهذه الإضافات ولتدارك إهمال الأقسام المختصة في هذا الشأن طلب إليها، بموافقة رئيسه بيان أطوال الأشرطة التي تنتفع الشركات بها، وقد تكشفت عندئذ بعض المخالفات ومن بينها موضوع الشريط المؤجر إلى شركة سوكوني فاكوم، إذ بلغ طوله 1282.5 متراً بينما المدرج في عقد الإيجار هو 922 متراً فقط، وقد أشار القسم إلى أن أسباب هذا الاختلاف وتاريخ حدوثه غير معروفة. وبناءً على ذلك طلب من المحفوظات الملف الخاص بالشركة لفحصه إلا أنه لم يرد على الرغم من الاستعجالات المستمرة منذ سنة 1954، فعرض الأمر على رئيسه المباشر الذي أيد تصرفه واستعجل الملف في 12 من مارس سنة 1957 ولما طولبت الشركة بأداء الإيجار المتأخر دفعت بالتقادم الخمسي، الأمر الذي انتهت النيابة الإدارية بسببه إلى اتهامه بأنه "تسبب بإهماله في ضياع حق من الحقوق المالية للدولة بأن لم يحرر العقد الخاص بأشرطة المخازن المنتفعة بها شركة سوكوني فاكوم أويل في حينه" واستناداً إلى ذلك صدر قرار مجازاته. ونعى المدعي على قرار الجزاء هذا مخالفته للقانون تأسيساً على أن المسئولية الأصلية تقع على عاتق قلم المحفوظات لإهماله في إرسال ملف الشركة على الرغم من استعجالاته العديدة، وأضاف أن الشركة قامت بأداء جميع الإيجار المستحق وبذلك ينهار القول بأنه أضاع على الهيئة حقاً مالياً.
وقد أجابت الجهة الإدارية عن الدعوى بأن تراخي المدعي مدة بلغت أكثر من ثلاث سنوات دون اتخاذ أي إجراء لإلزام قلم المحفوظات بموافاته بالملف المطلوب ينطوي على قدر كبير من الإهمال يبرر مؤاخذته عليه، وانتهت إلى طلب رفض الدعوى.
وبجلسة 12 من نوفمبر سنة 1963 قضت المحكمة الإدارية "بإلغاء القرار رقم 859/ 47 الصادر في 8 من أكتوبر سنة 1961 فيما تضمنه من مجازاة المدعي بخصم ثلاثة أيام من راتبه وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الهيئة المدعى عليها المصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن المدعي لم يقصر من جانبه في متابعة الموضوع واستعجال المختصين بجميع الوسائل في إرسال الملف إليه فضلاً عن عدم وجود تعليمات ولو شفوية توجب عليه عرض مثل هذه الموضوعات على رئيسه بعد فترة معينة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الثابت من الأوراق والتحقيقات أن المخالفة التي استند إليها قرار الجزاء المطعون فيه تتحصل في إهمال المدعي في أداء واجبات وظيفته، وذلك بعدم عرضه موضوع امتناع قلم المحفوظات عن موافاته بملف العقد الخاص بشركة سوكوني فاكوم على رئيسه وذلك لمدة تزيد على ثلاث سنوات إلى أن تبين عدم جدوى الانتظار فرفع الأمر إلى رئيسه متأخراً في 12 من مارس سنة 1957، وقد استخلصت هذه الواقعة استخلاصاً صحيحاً من الأوراق وبذا قام القرار المطعون فيه على سبب مشروع يبرره بما لا مجال معه للنعي عليه ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد خالف القانون إذ قضى بإلغاء هذا القرار.
ومن حيث إنه يخلص من الأوراق أن جهة الإدارة أبلغت المدعي بالقرار المطعون فيه في 22 من نوفمبر سنة 1961 فتظلم منه في 18 من يناير سنة 1962، ولما لم يخطر بما آل إليه تظلمه فتقدم في 9 من مايو سنة 1962 إلى لجنة المساعدة القضائية طالباً إعفاءه من الرسوم المقررة، وإذ تقرر قبول طلبه في 9 من يونيه سنة 1962 أقام دعواه في 31 من يوليه سنة 1962 وبالتالي تكون مقبولة شكلاً لرفعها في الميعاد القانوني.
ومن حيث إنه يؤخذ من الأوراق والتحقيقات أن تفتيش أقسام هندسة السكك الحديدية بالزقازيق أبلغ تفتيش الأملاك بالكتاب رقم 104/ 7 المؤرخ 14 من نوفمبر سنة 1953 بأن الأشرطة التي تنتفع بها شركة سوكوني فاكوم يبلغ طولها 1282.5 متراً في حين أن المدرج في العقد المبرم معها هو 922 متراً فقط، وقد أحيل الموضوع إلى المدعي بصفته باشكاتب قسم الأملاك في 7 من مارس سنة 1954 لتحرير عقد إيجار جديد على أساس الأطوال الفعلية فقام بطلب ملف الموضوع من قلم المحفوظات وظل يستعجله قرابة ثلاثة السنوات إلى أن رفع الأمر في 12 من مارس سنة 1957 إلى رئيسه للتصرف.
ومن حيث إن تراخي المدعي، في الإدلاء إلى رئيسه بامتناع قلم المحفوظات عن موافاته بملف الموضوع، وقد امتد سنوات ثلاثاً وجاوز بذلك كل عذر معقول، ينطوي في الواقع من الأمر على استهانة سافرة بما يتطلبه الصالح العام وحسن سير المرافق العامة من السرعة الواجبة في إنجاز الأعمال والحرص على البت فيها في الوقت المناسب، وبهذه المثابة فإن تراخي المدعي على هذا النحو يعد خروجاً على مقتضى واجبات الوظيفة العامة يبرر مؤاخذته تأديبياً. ولا يغض من صواب هذا النظر أن رئيسه لم يلجأ بدوره إلا إلى استعجال الملف من قبل المحفوظات ملتزماً نهجه في هذا الشأن، ذلك أنه كان حتماً على رئيسه إذا ما أعيته السبل أن يتصل بالجهات الرئاسية صاحبة الاختصاص في الإشراف والرقابة على قلم المحفوظات لإلزامه بأداء واجباته وللنظر في أمر المسيء فيه، بما لم يكن معه بد من وجوب عرضه الأمر في الوقت المناسب على الرئيس للتصرف. أما الاحتجاج بأنه لا توجد ثمة تعليمات توجب على المدعي عرض مثل هذه الموضوعات على رئيسه بعد فترة معينة، يترتب على مخالفتها توفر عناصر الذنب الإداري، فهو قول غير سائغ يأباه منطق التدرج الرئاسي الوظيفي، وما يستتبعه من وجوب عرض كل ما يعن للموظف من مشاكل على رئيسه في الوقت المناسب وتلقي توجيهاته للإسهام في حلها على وجه يتحقق معه حسن أداء العمل. أما استباحة الموظف الانفراد بالعمل، وقصوره في الالتجاء إلى رئيسه في شأن معوقات إنجاز هذا العمل لمعاونته على تذليلها، وسكوته عن التصرف الإيجابي الذي يفرضه عليه واجبه فيمثل السلبية الضارة بعينها التي لا يستلزم أمر تأثيمها قيام تعليمات تنظم عرض الأعمال على الرئيس في أمد معين. وإذ تراخى المدعي في إبلاغ رئيسه بحقيقة الموقف في الأجل المناسب لتدارك عواقبه وظل سادراً في تهاونه ثلاث سنوات، فإنه يكون بذلك قد ارتكب ذنباً إدارياً يبيح لجهة الإدارة التدخل لتقويم مسلكه وإنزال العقاب به.
ومن حيث إن قرار الجزاء المطعون فيه قد نسب إلى المدعي "إهماله في عمله الذي أدى إلى ضياع حق من الحقوق المالية للهيئة نتيجة عدم تحرير العقد الخاص بأشرطة المخازن المنتفعة بها شركة سوكوني فاكوم في حينه". وقد قامت الشركة المذكورة بأداء قيمة الإيجار المستحق عليها عن أشرطة المخازن المشار إليها في 31 من مايو سنة 1956 قبل توقيع الجزاء الصادر به القرار المطعون فيه في 8 من أكتوبر سنة 1961 بما ينفي أن المدعي قد أضاع حقاً مالياً على الهيئة، إلا أن ما هو قائم في حق المذكور من إهماله في عمله بعدم عرض أمر تأخير قلم المحفوظات طوال ثلاث سنوات في موافاته بملف الموضوع على رؤسائه وما يترتب على ذلك من تأخير تحرير العقد في حينه، يكفي في ذاته لحمل القرار على سبب صحيح هو ركنه المبرر للإبقاء عليه بقطع النظر عن الوصف القانوني الذي أورده للواقعة التي استند إليها. ومن ثم فإن الدعوى بطلب إلغاء هذا القرار تكون غير قائمة على أساس سليم من القانون حقيقة بالرفض وإذ قضى الحكم المطعون فيه بخلاف ذلك فإنه يكون قد جانب الصواب، ويتعين القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.