مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 696

(94)
جلسة 17 من مايو سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ المستشار مصطفى كامل إسماعيل - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي ومحمد طاهر عبد الحميد وأحمد علي البحراوي ومحمد صلاح الدين السعيد - المستشارين.

القضية رقم 759 و1179 لسنة 9 القضائية

( أ ) - موظف "معاش" العلماء والموظفون بمراقبة الشئون الدينية بوزارة الأوقاف.
المادة 17 من القانون رقم 394 لسنة 1956 بإنشاء صندوق التأمين والمعاشات لموظفي الدول المدنيين وآخر لموظفي الهيئات ذات الميزانية المستقلة حددت استثناء من الأصل العام السن التي يحال عند بلوغها العلماء الموظفون بمراقبة الشئون الدينية بوزارة الأوقاف بالخامسة والستين - الهدف من ذلك مساواتهم في هذا الشأن بالعلماء المدرسين والعلماء الموظفين بالأزهر والمعاهد الدينية المعاملين بلائحة التقاعد الخاصة بهم المعدلة بالقانون رقم 27 لسنة 1954 - عدم جواز تفسير هذه المادة بما يخل بهذه المساواة بذريعة أن الأمر في ذلك جوازي للجهة الإدارية تبقي منهم من ترى إبقاءه وتخرج منهم بعد سن الستين من ترى إخراجه - قرار الإحالة إلى المعاش لبلوغ سن الستين يكون قد صدر والحالة هذه مخالفاً للقانون ويحق المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي نجمت من جرائه.
(ب) - عقد الصلح "تفسيره".
عبارات الصلح تفسر تفسيراً ضيقاً - يترتب على ذلك قصر التصالح على ما تنازل عنه المتصالح وحده دون غيره - إذا كان التصالح وارداً على حقوق في الراتب فإنه لا ينبغي تفسيره على أنه شامل للتعويض عن الفصل من الخدمة - أساس ذلك.
(جـ) - دعوى الإلغاء "التنازل الضمني".
التنازل الضمني عن متابعة دعوى الإلغاء يقصد به أن تحقق المحكمة أثره بالحكم بانتهاء الخصومة - التنازل عن الخصومة في طلب الإلغاء يمتنع معه على القاضي الإداري أن يتدخل فيها بقضاء - أساس ذلك.
(د) - دعوى الإلغاء "انتهاء الخصومة". موظف "انتهاء خدمة". فصل "حسابه في مدة الخدمة". تعويض.
انتهاء الخصومة بالنسبة إلى طلب إلغاء القرار الصادر بالإحالة إلى المعاش يستتبع بالضرورة عدم حساب مدة الفصل ضمن مدة الخدمة المحسوبة في المعاش - تعارض ذلك مع طلب الإلغاء غير المباشر وهو التعويض.
1 - إن نص المادة 17 من القانون رقم 394 لسنة 1956 بإنشاء صندوق للتأمين والمعاشات لموظفي الدولة المدنيين وآخر لموظفي الهيئات ذات الميزانيات المستقلة قد حدد استثناء من الأصل العام السن التي يحال عند بلوغها العلماء الموظفون بمراقبة الشئون الدينية بوزارة الأوقاف بالخامسة والستين ليكون شأنهم في ذلك شأن العلماء المدرسين والعلماء الموظفين بالأزهر والمعاهد الدينية الذين يحالون إلى المعاش في هذه السن بحكم لائحة التقاعد الخاصة بهم معدلة بالقانون رقم 27 لسنة 1954، وأنه لا يقبل بعد أن سوى القانون في المعاملة بين الطائفتين وطبق عليهما الحكم ذاته، أن يفسر النص آنف الذكر بما يخل بهذه المساواة القائمة بينهما بذريعة أن الأمر في ذلك - مع أنه بطبيعته مما ينأى عن مجال السلطة التقديرية - جوازي للجهة الإدارية تبقي منهم من ترى إبقاءه في الخدمة وتخرج منهم بعد سن الستين من ترى إخراجه، وإذ كان ذلك هو التفسير السليم لحكم القانون وكان السبب في إصدار القرار الذي يطالب المدعون بتعويض مورثهم عنه هو بلوغه سن الستين على حين أن السن التي يحال قانوناً عند بلوغها إلى المعاش هي الخامسة والستون فإن قرار إحالة المذكور إلى المعاش لبلوغه سن الستين يكون قد صدر والحالة هذه مخالفاً للقانون ويحق للمدعين من ثم أن يطالبوا بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به من جراء هذه الإحالة المبكرة.
2 - إن التفسير الضيق لعبارات الصلح يستوجب قصر التصالح على ما تنازل عنه المتصالح وحده دون غيره، وإذ كان التنازل الوارد عن حقوق المدعي في الراتب مختلفاً في موضوعه عن طلب التعويض عن فصله من الخدمة، فإن هذا التنازل بفرض صحته لا ينبغي تفسيره على أنه شامل للتعويض، ومن ثم يحق للمدعين أن يطالبوا بالتعويض المشار إليه أخذاً بقاعدة تفسير الصلح تفسيراً ضيقاً.
3 - إن التنازل الضمني عن متابعة دعوى الإلغاء المستخلص من تعديل الطلبات إنما يرمي المدعون من ورائه إلى أن تحقق لهم المحكمة أثر هذا التنازل الإجرائي بالحكم بانتهاء الخصومة لأن الخصومة في طلب الإلغاء شأنها شأن كل خصومة يتوقف بقاؤها على إصرار رافعها على متابعتها، فإذا تنازل عنها فلا يجوز للقاضي الإداري أن يتدخل فيها بقضاء حاسم لها على الرغم من عدول صاحب الشأن عنها.
4 - وإذ خلصت هذه المحكمة إلى انتهاء الخصومة بالنسبة إلى طلب إلغاء القرار الصادر بإحالة مورث المدعين إلى المعاش، فإن مركز المذكور يكون قد تحدد نهائياً باعتباره مفصولاً من الخدمة مما يستتبع بالضرورة عدم حساب مدة فصله ضمن مدة خدمته المحسوبة في المعاش لتعارض هذا الطلب في الوقت ذاته مع طلب الإلغاء غير المباشر وهو التعويض. وما دامت مدة الفصل لم تقض فعلاً في الخدمة بصفة قانونية فلا يسوغ بحال حسابها في المعاش إذ لم يتقاض مورث المدعين عنها مرتباً وبالتالي لم يجر عليها حكم الاستقطاع وهو الشرط اللازم لحساب مدد الخدمة في المعاش طبقاً للقانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إنه سبق لدائرة فحص الطعون أن قررت ضم الطعنين رقم 759 لسنة 9 القضائية ورقم 1179 لسنة 9 القضائية أحدهما إلى الآخر للفصل فيهما معاً بحكم واحد.
ومن حيث إن الطعن رقم 759 لسنة 9 القضائية قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن بالنسبة إلى الطعن رقم 1179 لسنة 9 القضائية، فإن الثابت من الأوراق أن الطاعنين قدموا إلى لجنة المساعدة القضائية بهذه المحكمة في 2 من مايو سنة 1963 طلباً لإعفائهم من رسوم الطعن قيد تحت رقم 252 لسنة 9 القضائية. ولما كان الحكم المطعون فيه قد صدر في 13 من مارس سنة 1963 فإن هذا الطلب يكون قد قدم خلال الستين يوماً التالية لصدور الحكم المذكور. ولما كانت لجنة المساعدة القضائية قد أصدرت قرارها بقبول طلب الإعفاء المشار إليه في 10 من يونيه سنة 1963. وكان الطاعنون قد أودعوا تقرير طعنهم في 6 من أغسطس سنة 1963، فإن التقرير يكون قد أودع قبل انقضاء ستين يوماً محسوبة من تاريخ صدور قرار لجنة المساعدة القضائية سالف الذكر، ومن ثم يكون الطعن رقم 1179 لسنة 9 القضائية قد استوفى هو الآخر أوضاعه الشكلية وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة في خصوص أثر طلب المساعدة القضائية القاطع لميعاد رفع الطعن أمامها.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المرحوم عثمان خليل مصطفى الجندي أقام الدعوى رقم 757 لسنة 14 القضائية ضد وزارة الأوقاف بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 18 من فبراير سنة 1960 طلب فيها الحكم: "بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 18 من أكتوبر سنة 1959 بإحالته إلى المعاش لبلوغه سن الستين اعتباراً من هذا التاريخ مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام وزارة الأوقاف بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقال بياناً لدعواه أنه كان يعمل بوزارة الأوقاف في وظيفة إمام وخطيب ومدرس بمسجد الأمير مراد بالمحلة الكبرى وقد فوجئ في يوم 18 من أكتوبر سنة 1959 بقرار بإحالته إلى المعاش لبلوغه سن الستين، وذلك على الرغم من أن من حقه في البقاء في الخدمة حتى سن الخامسة والستين استناداً إلى حكم المادة 17 من القانون رقم 394 لسنة 1956 بإنشاء صندوق التأمين والمعاشات لموظفي الدولة المدنيين وآخر لموظفي الهيئات ذات الميزانيات المستقلة. وقد أجابت الجهة الإدارية عن الدعوى بأن المادة 17 من القانون رقم 394 لسنة 1956 سالفة الذكر تنص على أن تنتهي خدمة الموظفين المنتفعين بأحكامه عند بلوغهم سن الستين فيما عدا الوزراء ونواب الوزراء، واستثنى من ذلك العلماء الموظفون بمراقبة الشئون الدينية بوزارة الأوقاف فيجوز بقاؤهم حتى سن الخامسة والستين، وقد استفسرت وزارة الأوقاف من ديوان الموظفين عن مدى أحقية العلماء الموظفين بمراقبة الشئون الدينية في البقاء بالخدمة بعد سن الستين فأجاب الديوان بأن المادة 17 المشار إليها صريحة فيما أوردته من استثناءين أولهما خاص بالوزراء ونوابهم الذين استثنوا من تحديد سن الإحالة إلى المعاش بصفة مطلقة وثانيهما خاص بفئة العلماء المذكورة وقد ورد على خلاف الحكم الأول باعتباره استثناء جوازياً تترخص فيه الإدارة بما لها من سلطة تقديرية مستهدفة في ذلك الصالح العام. وقد أخذت الوزارة بهذا الرأي وسارت على قاعدة إنهاء خدمة العلماء الموظفين بها عند بلوغهم سن الستين مستهدفة بذلك إفساح المجال لتعيين خريجي الجامعة الأزهرية في وظائف الإمامة لتخفيف حدة مشكلة التعطل بين حملة المؤهلات العالية، وقدمت الجهة الإدارية إقراراً صادراً من المدعي في 26 من نوفمبر سنة 1960 يقر فيه بتنازله عن الدعوى مقابل أن تصدر وزارة الأوقاف قراراً بإعادته إلى العمل كما يقر فيه بعدم المطالبة بأي مرتب عن المدة من تاريخ فصله إلى اليوم السابق على تاريخ إعادته إلى الخدمة وتسلمه العمل، مع تعهده بتوقيع محضر الصلح الذي ستعده إدارة قضايا الحكومة لتقديمه إلى المحكمة. وبجلسة 27 من سبتمبر سنة 1961 قضت محكمة القضاء الإداري بانقطاع سير الخصومة في الدعوى لوفاة المدعي. وفي 2 من نوفمبر سنة 1961 قدم ورثته طلب تعجيل للدعوى، وبالجلسة المنعقدة أمام مفوض الدولة في 25 من يناير سنة 1962 قرر الحاضر عن الورثة أن الوزارة المدعى عليها أعادت مورثهم إلى الخدمة في أول ديسمبر سنة 1960 وأنه توفى إلى رحمة الله في 2 من فبراير سنة 1961، وأن الورثة يعدلون الطلبات في الدعوى إلى طلب الحكم بصرف مرتب مورثهم عن المدة من 31 من أكتوبر سنة 1959 إلى أول ديسمبر سنة 1960 واعتبار هذه المدة ضمن مدة خدمته مع ما يترتب على ذلك من آثار خاصة بعد مد الخدمة إلى 2 من فبراير سنة 1962 واعتبار قرار الإحالة إلى المعاش كأن لم يكن. وبجلسة 13 من مارس سنة 1963 قضت محكمة القضاء الإداري "هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي" بإثبات تنازل مورث المدعين عن دعواه فيما يتعلق بطلب الإلغاء والمرتب عن مدة الفصل، وبأحقية مورثهم في اعتبار مدة فصله حتى وفاته في 2 من فبراير سنة 1961 ضمن مدة خدمته مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت كلاً من الحكومة وورثة المدعي المصروفات المناسبة مع المقاصة في مقابل أتعاب المحاماة. وأقامت قضاءها على أن مورث المدعين سلم الوزارة في 26 من نوفمبر سنة 1960 تنازلاً صريحاً عن دعواه أطلعت عليه وقبلته بدليل أنها نفذت الشرط الذي علق عليه المورث تنازله وإعادته إلى العمل ومن ثم فلا تعدو مهمة القاضي مجرد إثبات هذا التنازل دون التصدي للفصل في موضوع المنازعة العينية المعروضة التي أصبحت غير ذات موضوع، وأنه ولئن عدل المدعون طلب مورثهم إلى أحقيتهم في مرتبه عن مدة فصله واعتبار هذه المدة محسوبة ضمن مدة خدمته حتى تاريخ وفاته في 2 من فبراير سنة 1961 واعتبار قرار الإحالة إلى المعاش كأن لم يكن فإن هذين الطلبين مرتبطان بالطلب الأول ارتباطاً جوهرياً، ومن ثم فإن التنازل المقدم إلى الوزارة يتضمن التنازل عن طلب الإلغاء وطلب المرتب معاً، وفي إثبات المحكمة لهذا التنازل إنهاء للخصومة في الطلب الأصلي بالإلغاء، وعدم قبول للدعوى بالنسبة لطلبه الثاني الخاص بالمرتب على أساس التعويض عنه، إذ أن التنازل ينصب في الواقع على المطالبة به بصفة عامة، وهو ما يتضمن التنازل عن المنازعة فيه مما يجعل الدعوى التي ترفع به غير مقبولة بعد أن أصبح الحق المتنازع عليه غير ذي موضوع. أما فيما يتعلق بطلب المدعين اعتبار المدة التي ظل مورثهم مفصولاً خلالها مدة خدمة حقيقة تحسب في مدة خدمته فإن هذا الطلب يخرج عن نطاق التنازل المشار إليه وهو نتيجة حتمية لإعادة المدعي إلى الخدمة وسحب قرار فصله مما يتعين القضاء به.
ومن حيث إن الطعن رقم 759 لسنة 9 القضائية يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك أن التنازل الصادر من مورث المدعين يتضمن حتماً وبالضرورة التنازل عن الطلبات جميعها وهي طلب الإلغاء المرفوعة به الدعوى، وطلب الراتب القائم على التعويض، وطلب حساب مدة الفصل ضمن مدة الخدمة، باعتبار أنها جميعاً مجرد آثار تترتب على إلغاء قرار الفصل الذي تم التنازل عنه. والثابت أن إعادة المورث إلى الخدمة لم تكن سحباً لقرار إنهاء خدمته وإنما إجراء جديد اتخذته الإدارة بمالها من رخصة طبقاً للمادة 17 من القانون رقم 394 لسنة 1956. يضاف إلى ذلك أن حساب هذه المدة في المعاش يخالف الأصل المقرر من أن المدة التي لا يجري عليها حكم الاستقطاع لا تحسب في المعاش.
ومن حيث إن مبنى الطعن رقم 1179 لسنة 9 القضائية أن محضر الصلح الذي اعتمدته المحكمة المطعون في حكمها باطل لمخالفته للنظام العام ولأنه مشوب بالإكراه ولما كان القرار الصادر بإحالة مورث المدعين إلى المعاش قبل بلوغه سن الخامسة والستين قد جاء باطلاً فإن هؤلاء الورثة يستحقون تعويضاً عن الأضرار التي لحقتهم من جرائه يعادل قيمة مرتب مورثهم عن المدة التي حرم فيها من هذا المرتب.
ومن حيث إنه لا خلاف بين طرفي المنازعة في أن مورث المدعين وهو من العلماء الموظفين بمراقبة الشئون الدينية بوزارة الأوقاف قد أحيل إلى المعاش قبل بلوغه سن الخامسة والستين، وإنما تدور المنازعة حول ما إذا كان القرار الصادر بإحالة المذكور إلى المعاش متفقاً مع حكم القانون حسبما تذهب إلى ذلك وزارة الأوقاف، أم أن تلك الإحالة جاءت على خلاف الحكم القانوني الصحيح الواجب مراعاته عند إحالة أفراد طائفة المدعي إلى المعاش على النحو الذي ساقه في دعواه.
ومن حيث إن الواضح من صياغة نص المادة 17 من القانون رقم 394 لسنة 1956 بإنشاء صندوق للتأمين والمعاشات لموظفي الدولة المدنيين وآخر لموظفي الهيئات ذات الميزانيات المستقلة وفي ضوء ما جاءت به المذكرة الإيضاحية لهذا القانون من تفسيرات أن واضع التشريع - وفقاً لما سبق أن قضت به هذه المحكمة - قد حدد استثناء من الأصل العام السن التي يحال عند بلوغها العلماء الموظفون بمراقبة الشئون الدينية بوزارة الأوقاف بالخامسة والستين ليكون شأنهم في ذلك شأن العلماء المدرسين والعلماء الموظفين بالأزهر والمعاهد الدينية الذين يحالون إلى المعاش في هذه السن بحكم لائحة التقاعد الخاصة بهم معدلة بالقانون رقم 27 لسنة 1954، وأنه لا يقبل بعد أن سوى القانون في المعاملة بين الطائفتين وطبق عليهما الحكم ذاته، أن يفسر النص آنف الذكر بما يخل بهذه المساواة القائمة بينهما بذريعة أن الأمر في ذلك - مع أنه بطبيعته مما ينأى عن مجال السلطة التقديرية - جوازي للجهة الإدارية تبقى منهم من ترى إبقاءه في الخدمة وتخرج منهم بعد سن الستين من ترى إخراجه، وإذ كان ذلك هو التفسير السليم لحكم القانون وكان السبب في إصدار القرار الذي يطالب المدعون بتعويض مورثهم عنه هو بلوغه سن الستين على حين أن السن التي يحال قانوناً عند بلوغها إلى المعاش هي الخامسة والستون فإن قرار إحالة المذكور إلى المعاش لبلوغه سن الستين يكون قد صدر والحالة هذه مخالفاً للقانون ويحق للمدعين من ثم أن يطالبوا بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به من جراء هذه الإحالة المبكرة.
ومن حيث إن وزارة الأوقاف أصدرت قراراً بإعادة مورث المدعين إلى خدمتها بعد أن استوقعته عقد صلح قبل ذلك على أساس تنازله عن دعواه بطلب إلغاء قرار إحالته إلى المعاش، وعلى أساس تنازله أيضاً عن المطالبة بالمرتب المستحق له خلال مدة فصله من الخدمة حتى تاريخ إعادته إليها بيد أن مورث المدعين عاد ونازع في صحة هذا التصالح.
ومن حيث إنه أياً كان وجه الرأي في مدى بطلان عقد الصلح تأسيساً على بطلان ركنه المتعلق بالتنازل عن دعوى الإلغاء - وفقاً لما سبق أن قضت به هذه المحكمة - فإنه حتى لو سلم على الفرض الجدلي باستقلال التنازل عن المرتب وتفرده بالصحة دون سائر شروط الصلح فإن التفسير الضيق لعبارات الصلح يستوجب قصر التصالح على ما تنازل عنه المتصالح وحدده دون غيره، وإذ كان التنازل الوارد عن حقوق المدعي في الراتب مختلفاً في موضوعه عن طلب التعويض عن فصله من الخدمة، فإن هذا التنازل بفرض صحته لا ينبغي تفسيره على أنه شامل للتعويض، ومن ثم يحق للمدعين أن يطالبوا بالتعويض المشار إليه أخذاً بقاعدة تفسير الصلح تفسيراً ضيقاً.
ومن حيث إن التنازل الضمني عن متابعة دعوى الإلغاء المستخلص من تعديل الطلبات إنما يرمي المدعون من ورائه إلى أن تحقق لهم المحكمة أثر هذا التنازل الإجرائي بالحكم بانتهاء الخصومة لأن الخصومة في طلب الإلغاء شأنها شأن كل خصومة يتوقف بقاؤها على إصرار رافعها على متابعتها، فإذا تنازل عنها فلا يجوز للقاضي الإداري أن يتدخل فيها بقضاء حاسم لها على الرغم من عدول صاحب الشأن عنها. ومن ثم فإن الحكم بانتهاء الخصومة ليس سببه هو هذا التنازل الاتفاقي عن دعوى الإلغاء الذي تضمنه عقد الصلح آنف الذكر إذ سبق القول ببطلان هذا العقد لمخالفة شروط التنازل لقواعد النظام العام وإنما مرده إلى التنازل الإجرائي الحاصل أمام القضاء الذي هو مانع للتقاضي من التدخل في الخصومة العينية بقضاء.
ومن حيث إن الطلب الأول للمدعين الوارد في مذكراتهم وفي تقرير الطعن مقصور على التعويض وقد قدروه بمقدار الراتب الذي حرم منه مورثهم مدة فصله من الخدمة وتوجيه طلبهم على هذا النحو في المنازعة يجعل التعويض مطلوباً وإن وقع منهم الخلط بين طلبي الراتب والتعويض. ومن ثم يتعين القضاء لهم بالتعويض الشامل عن الضرر المادي والأدبي الذي حاق بمورثهم بسبب قرار إحالته المبتسرة إلى المعاش ما دام قد وضح بطلانه حسبما سلف البيان وتقدر المحكمة هذا التعويض الجابر بمبلغ مائتي جنيه للضرر الأدبي والمادي الذي أصاب مورث المدعين وذلك بمراعاة ظروف إعادته إلى العمل ومدة بقائه مفصولاً سنة وقدرته على العمل في فترة الفصل.
ومن حيث إنه عن الطلب الثاني للمدعين وهو الخاص بحساب مدة الفصل ضمن مدة خدمة مورثهم، فإن هذا الطلب ولا ريب يرتبط ارتباطاً جوهرياً بالطلب الأصلي الذي أقيمت به الدعوى. وإذ خلصت هذه المحكمة إلى انتهاء الخصومة بالنسبة إلى طلب إلغاء القرار الصادر بإحالة مورث المدعين إلى المعاش، فإن مركز المذكور يكون قد تحدد نهائياً باعتباره مفصولاً من الخدمة مما يستتبع بالضرورة عدم حساب مدة فصله ضمن مدة خدمته المحسوبة في المعاش لتعارض هذا الطلب في الوقت ذاته مع طلب الإلغاء غير المباشر وهو التعويض. وما دامت مدة الفصل لم تقض فعلاً في الخدمة بصفة قانونية فلا يسوغ بحال حسابها في المعاش إذ لم يتقاض مورث المدعين عنها مرتبه وبالتالي لم يجر عليها حكم الاستقطاع وهو الشرط اللازم لحساب مدد الخدمة في المعاش طبقاً للقانون.
ومن حيث إنه بناءً على ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه إذ أخذ بغير هذا النظر يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين القضاء بإلغائه وبانتهاء الخصومة بالنسبة إلى طلب إلغاء القرار الصادر بإحالة مورث المدعين السيد/...... إلى المعاش، والقضاء للمدعين بتعويض شامل قدره مائتا جنيه عن فصل مورثهم من الخدمة، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات مع إلزام وزارة الأوقاف بالمصروفات المناسبة.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعنين المضمومين رقمي 759 و1179 لسنة 9 القضائية شكلاً، وفي موضوعهما بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباعتبار الخصومة منتهية بالنسبة إلى طلب إلغاء القرار الصادر بإحالة مورث المدعين إلى المعاش، وبإلزام وزارة الأوقاف بأن تدفع لورثته مبلغ 200 ج (مائتي جنيه) على سبيل التعويض عن إحالة مورثهم إلى المعاش، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات وألزمت وزارة الأوقاف بالمصروفات المناسبة.