مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 745

(99)
جلسة 31 من مايو سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي ومحمد طاهر عبد الحميد وأحمد علي البحراوي وعلي لبيب حسن - المستشارين.

القضية رقم 811 لسنة 12 القضائية [(1)]

( أ ) - موظف "انتهاء خدمة". أسبابها - حكم في جريمة مخلة بالشرف.
القانون رقم 210 لسنة 1951 - انتهاء خدمة الموظف بسبب الحكم عليه في جناية أو جريمة مخلة بالشرف - المركز القانوني لهذا الموظف لا يتغير تلقائياً بمجرد صدور حكم من هذا القبيل - لا بد من تدخل الإدارة، بحسب تقديرها لقيام ظرف الإخلال بالشرف، بعمل إيجابي تنزل به حكم القانون على وضعه الفردي متى قدرت توفر شروط انطباقه في حقه - سلطة الإدارة التقديرية في تكييف طبيعة الجريمة الصادر فيها الحكم ومدى العقوبة المقضي بها وأثرها.
(ب) - موظف - "انتهاء خدمة" أسبابها. الحكم عليه في جريمة إصدار شيك بدون رصيد.
المركز القانوني القائم على إنهاء خدمة الموظف بسبب الحكم عليه في جريمة إصدار شيك بدون رصيد، إذا ما اعتبرت جريمة مخلة بالشرف، يلزم لنشوئه صدور قرار إداري بمعناه الصحيح المتعارف عليه بقصد إنشاء هذا المركز القانوني - لا يسوغ للمحكمة التأديبية أن تستنبط افتراض وجود مثل هذا القرار - مثال.
(جـ) - موظف "انتهاء خدمة - فصل".
حق الإدارة في عزل الموظف إدارياً، متى قام موجبه، دون إحالته إلى المحاكمة التأديبية لا يعني أن هذا الحق منوط بهذه الجهة وحدها - يجوز لها إحالة الموظف إلى المحاكمة التأديبية إذا ما رأت وجهاً لذلك - لا وجه للتحدي بوجوب صدور قرار إنهاء الخدمة من الجهة الإدارية ومن المحكمة التأديبية. أساس ذلك.
(د) - موظف "مسئولية تأديبية".
ترك الموظف للخدمة لا يترتب عليه الإفلات من المساءلة التأديبية عما يكون قد ارتكبه أثناء قيام الرابطة الوظيفية.
1 - لئن كان البادي من استظهار نص الفقرة الثامنة من المادة 107 من قانون نظام موظفي الدولة السابق الإشارة إليه أنه قد أورد في مجال أعماله حكماً تنظيمياً عاماً مفاده إنهاء رابطة التوظف بسبب الحكم على الموظف في جناية أو جريمة مخلة بالشرف إلا أن المركز القانوني لهذا الموظف لا يتغير تلقائياً بمجرد صدور حكم من هذا القبيل وإنما تتدخل الإدارة - بحسب تقديرها لقيام الإخلال بالشرف - بعمل إيجابي تنزل به حكم القانون على وضعه الفردي متى قدرت توفر شروط انطباقه في حقه، وهي في سبيل ذلك إنما تتدخل بسلطتها التقديرية في تكييف طبيعة الجريمة الصادر فيها الحكم ومدى العقوبة المقضي بها وأثرها.
2 - إن المركز القانوني القائم على إنهاء خدمة الطاعنة بسبب الحكم عليها في جرائم إصدار شيكات بدون رصيد، إذا ما اعتبرت جرائم مخلة بالشرف يلزم لنشوئه صدور إفصاح ممن يملكه بقصد إنشاء هذا المركز القانوني المعين متى كان ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً، أي صدور قرار إداري بمعناه الصحيح المتعارف عليه وهو الأمر غير المتحقق حتى الآن بغير جدال في شأن الطاعنة، فإنه لا يسوغ للمحكمة التأديبية أن تستنبط افتراض وجود مثل هذا القرار أو أن تعتبر خدمة المذكورة منتهية تلقائياً بمجرد صدور الأحكام النهائية الموجبة لذلك، وإنما كان يتعين عليها وقد استبان لها أن الطاعنة قد أدينت في جرائم اعتبرت مخلة بالشرف وتحقق بذلك مناط تطبيق حكم الفقرة الثامنة من المادة 107 سالفة الذكر أن تقرر إنزال حكم القانون بإنهاء الرابطة الوظيفية بوصف أن ذلك هو الجزاء الحتمي لقاء ما اقترفته الطاعنة وأدينت بسببه، دون أن - يحتج على المحكمة بأنها لا تملك توقيع مثل هذا الجزاء بمقولة أن العزل في هذه الحالة حق مقصور على الجهة الإدارية وحدها.
3 - ولئن كان مفاد الفقرة الثامنة من المادة 107 من قانون نظام موظفي الدولة المشار إليه أن المشرع قد خول الجهة الإدارية الحق في عزل الموظف إدارياً متى قام موجبه دون إحالته إلى المحاكمة التأديبية، إلا أنه ليس معنى ذلك أن هذا الحق منوط بالجهة الإدارية وحدها بل إن لها كذلك إحالة الموظف إلى المحاكمة التأديبية، إذا ما رأت وجهاً لذلك، وفي هذا مصلحة محققة للموظف، إذ ليس من شك في أن محاكمة الموظف تأديبياً ضمان أوفى له من مجرد عزله بقرار إداري، ومن ثم فإن تمسك الطاعنة بوجوب صدور قرار بإنهاء خدمتها من الجهة الإدارية دون المحكمة التأديبية يكون قائماً على حجة داحضة ويتعين اطراحه.
4 - إن واقعة ترك الخدمة لأي سبب كان لا يترتب عليها إفلات الموظف من المساءلة التأديبية عما يكون قد ارتكبه في أثناء قيام الرابطة الوظيفية، وإنما يكون من حق الجهة الإدارية تتبعه ومجازاته عما جناه في حقها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد صدر بجلسة 21 من فبراير سنة 1966 فإن ميعاد الطعن فيه ينتهي يوم 22 من إبريل سنة 1966، إلا أنه لما كان هذا اليوم قد صادف عطلة رسمية - يوم الجمعة - وكان اليوم التالي عطلة رسمية أيضاً بمناسبة رأس السنة الهجرية، فإن ميعاد الطعن يمتد إلى أول يوم عمل بعدهما، وفقاً لحكم المادة 23 من قانون المرافعات المدنية والتجارية النافذ وقتذاك، وإذ أودع تقرير الطعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، في اليوم التالي لنهاية العطلة الرسمية وهو يوم 24 من إبريل سنة 1966، فإن الطعن يكون قد رفع في الميعاد المقرر قانوناً، ويكون قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن النيابة الإدارية أودعت في 7 من مارس سنة 1963 قلم كتاب المحكمة التأديبية لموظفي وزارة التربية والتعليم أوراق الدعوى التأديبية التي قيدت بسجل المحكمة المذكورة تحت رقم 40 لسنة 5 القضائية وأرفقت بها تقرير اتهام ضد السيدة/ كريمة محمد فؤاد سالم المدرسة بالمدرسة الإنجيلية الابتدائية بالدرجة السادسة متضمناً اتهامها بأنها في غضون المدة من عام 1958 حتى عام 1962 بمحافظة القاهرة وبوصفها مدرسة تابعة لمنطقة شرق القاهرة التعليمية، خالفت ما يجب أن يكون عليه الموظف العام بصفة عامة، ومربي النشء بصفة خاصة من حسن السير والسلوك، وذلك بأن قامت بإصدار شيكات بدون رصيد واعتادت ذلك على نحو يخالف مقتضى حسن النية فضلاً عن قيامها بتبديد أشياء محجوز عليها ومسلمة إليها كحارسة، الأمر الذي ترتب عليه صدور أحكام جنائية نهائية متعددة عليها، فأهدرت بذلك كرامة الوظيفة العامة وضربت أسوأ مثل لما يمكن أن يكون عليه شاغل هذه الوظيفة، وبذلك تكون المتهمة قد ارتكبت المخالفات الإدارية المنصوص عليها في المادتين 6 فقرة 2، 83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة. وطلبت النيابة الإدارية محاكمتها طبقاً للمادتين المذكورتين والمادتين 14، 31 من القانون رقم 117 لسنة 1958. وبسطت النيابة الإدارية الوقائع في مذكرتها المرفقة بتقرير الاتهام وهي تتحصل في أن شكوى قدمت ضد السيدة المذكورة تضمنت طعناً في أخلاقها وسلوكها وأن عدداً من الأحكام الجنائية صدرت بإدانتها في جرائم نصب واحتيال وأنها كثيراً ما تتغيب عن عملها في إجازات مرضية وعرضية. وقد قام قسم الرقابة الإدارية بفحص الشكوى وملف الخدمة فتبين له أنها تزوجت مرتين ولم تثبت ضدها واقعة المعاشرة غير الشرعية التي نسبتها إليها الشكوى كما اتضح له أنها تعاني من اضطراب نفسي مصحوب بأرق وأنها منحت بسبب ذلك إجازة قدرها 140 يوماً في السنة الدراسية 1959/ 1960 من مجموع أيام هذه السنة وقدرها 160 يوماً كما منحت 43 يوماً إجازة مرضية منذ عملها بالمدرسة الإنجيلية اعتباراً من 18 من أكتوبر سنة 1961. وقد ثبت أن السيدة المذكورة اتهمت في قضيتين الأولى برقم 79 جنح الدرب الأحمر لسنة 1962 بتهمة إصدار شيك بدون رصيد، والثانية برقم 2383 جنح الخليفة لسنة 1961 بتهمة تبديد أشياء محجوز عليها. وقد استعرضت مذكرة النيابة الإدارية الأحكام الجنائية النهائية الصادرة بإدانة السيدة المذكورة على النحو المفصل بها، وخلصت إلى أنها تتعلق بإصدار المتهمة عدداً من الشيكات بسوء نية دون أن يكون لها رصيد قائم وقابل للسحب وتبديدها المنقولات المحجوز عليها قضائياً والمسلمة لها على سبيل الوديعة بصفتها حارسة عليها. وطلبت النيابة الإدارية فصل المتهمة من الخدمة لفقدها شرط حسن السمعة، وهو من شروط الصلاحية للبقاء في الوظيفة العامة والاستمرار فيها. وفي مذكرة لاحقة قررت النيابة الإدارية أنه لا مجال لتطبيق المادة 107 فقرة 8 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على حالة السيدة المذكورة وإنهاء خدمتها لأن الأحكام تضاربت في شأن ما إذا كانت جريمة إعطاء شيك بدون رصيد تعتبر من الجرائم المخلة بالشرف أم لا تعتبر كذلك. وبجلسة 21 من فبراير سنة 1966 قضت المحكمة التأديبية "بحرمان المتهمة السيدة/ كريمة محمد فؤاد سالم من المعاش لمدة ثلاثة أشهر" وأقامت قضاءها على أن المتهمة قد صدرت ضدها أحكام كثيرة في جرائم متعددة متعلقة بإصدار شيكات بدون رصيد بعضها نافذ المفعول وبعضها مشمول بوقف التنفيذ، وأن ما ارتكبته المتهمة من مخالفات بتكرارها ارتكاب جرائم إصدار الشيكات بدون رصيد يدل على أنها استمرأت الجريمة وقطعت فيها شوطاً كبيراً مما يفقد الأمل في تقويم إعوجاجها، كما ينم عن سلوك معيب لا يتفق مع ما يجب أن تكون عليه المدرسات. ولما كانت جريمة إصدار شيك بدون رصيد هي من الجرائم المخلة بالشرف فإن خدمة المتهمة تنتهي بقوة القانون اعتباراً من 30 من ديسمبر سنة 1959 تاريخ الحكم عليها نهائياً في القضية رقم 4227 لسنة 1959 جنح عابدين، وذلك تنفيذاً لما تقضي به الفقرة الثامنة من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة من انتهاء رابطة التوظف كأثر حتمي لصدور حكم على الموظف في جناية أو جريمة مخلة بالشرف، ومن ثم فإن فصل المتهمة من الخدمة هو في حقيقته إجراء منفذ لمقتضى حكم القانون بما لا معدي معه عن إنزال هذا الأثر القانوني على حالة المتهمة والحكم عليها تبعاً لذلك بإحدى العقوبات المقررة لمن ترك الخدمة وهي الواردة في المادة 67 من القانون رقم 46 لسنة 1964 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة.
ومن حيث إن طعن رئيس هيئة مفوضي الدولة المقدم منه وجوباً بناءً على طلب السيدة/ كريمة محمد فؤاد سالم بالتطبيق لحكم المادة 32 من القانون رقم 117 لسنة 1958 في شأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية يقوم على أن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر خدمة الطاعنة منتهية بقوة القانون اعتباراً من 30 من ديسمبر سنة 1959 تاريخ الحكم عليها في أول جريمة إصدار شيك بدون رصيد قد خالف القانون ذلك أن فصل الموظف لصدور حكم جنائي ضده لا ينشأ المركز فيه إلا بصدور قرار بالفصل من الجهة التي اختصها القانون بذلك والثابت أن وزارة التربية والتعليم ومحافظة القاهرة بوصفها السلطة التابعة لها الطاعنة تأديبياً طبقاً لقانون الإدارة المحلية قد قامتا باتخاذ مثل هذا القرار في شأن الطاعنة المذكورة. ومن ناحية أخرى فإن اعتبارها مفصولة منذ 30 من ديسمبر سنة 1959 يستتبع عدم مساءلتها عن الوقائع التي أدت إلى الحكم عليها بأحكام جنائية تالية لهذا التاريخ، هذا بالإضافة إلى أن ما وقع منها لا يعد مخالفة إدارية لأن إصدار الشيكات بدون رصيد شأنه شأن الأوراق التجارية الأخرى كالكمبيالة والسند الأذني لا يعدو أن يكون من قبيل المعاملات المالية التي لا يعتبر النزاع بصددها سوء سلوك من الموظف يؤثر على سمعة الوظيفة وكرامتها.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن السيدة/ كريمة محمد فؤاد سالم المدرسة بالمدرسة الإنجيلية الابتدائية والشاغلة للدرجة السادسة قد صدرت ضدها أحكام عديدة في جنح إصدار شيكات بدون رصيد ومن بينها القضية رقم 4227 لسنة 1959 جنح عابدين التي قضي فيها نهائياً بجلسة 30 من ديسمبر سنة 1959 بتأييد الحكم الغيابي الصادر في 28 من أكتوبر سنة 1959 بتغريمها خمسة جنيهات لإعطائها السيدة/ هدية بركات بصفتها رئيسة جمعية المرأة الجديدة شيكاً بمبلغ عشرة جنيهات في أول إبريل سنة 1959 لصالح الجمعية دون أن يكون للمذكورة رصيد قائم وقابل للسحب. وقد رأت النيابة الإدارية بما لها من اختصاص في هذا الشأن، أن ما نسب إلى المدرسة المذكورة يشكل سلوكاً معيباً لا يتفق مع ما يجب أن تكون عليه المدرسات وهن القائمات على تربية النشء وتثقيفه بالأخلاق الفاضلة وترويضه على التزامها فضلاً عن أن المخالفات التي قارفتها تتعدى إلى النيل من خلقها وسمعتها مما يفقدها شرط حسن السمعة والسيرة الحميدة الذي يجب توفره بالنسبة للموظفين عموماً باعتباره شرطاً من شروط الصلاحية للتعيين في الوظيفة العامة والبقاء فيها، وعلى هذا إحالتها إلى المحكمة التأديبية المختصة لمحاكمتها طبقاً للمادتين 6 فقرة 2 و83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة.
ومن حيث إن جريمة إصدار شيك بدون رصيد المنصوص عليها في المادة 337 من قانون العقوبات تقضي - كجريمة النصب - الالتجاء إلى الكذب كوسيلة لسلب مال الغير بالباطل، وقد تصدر عن انحراف في الطبع وتنم عن ضعة في النفس، ومن ثم فإنها تكون من الجرائم المخلة بالشرف إذا ما انطوت - بحسب النظرة إليها - على ضعف في الخلق وانعدام في الأمانة ورغبة في ابتزاز أموال الناس ومن شأن هذه الجريمة عندئذ إذا ما ارتكبها الموظف العام وقضى بإدانته فيها أن تمس سمعته وذمته وتخل بالثقة المشروعة في أمانته ونزاهة معاملاته، إذ أنها تتطلب قصداً جنائياً خاصاً يقوم على توفر سوء النية وقصد الإضرار بالمجني عليه، حتى أن الشارع ألحقها في المادة 337 من قانون العقوبات بجريمة النصب وعاقب عليها بالعقوبة ذاتها التي قررها في المادة 336 منه لجريمة النصب، وبالتالي فإن الحكم على الموظف في جريمة - هكذا شأنها - إذا ما اتسمت بالصفات المتقدمة لما يؤثر ولا شك في صلاحيته لتولي الوظيفة العامة أو الاستمرار فيها لانعكاس صدى هذه الجريمة على هيبة الوظيفة وكرامتها والثقة في استقامة شاغلها وأمانته ونزاهته وذمته.
ومن حيث إنه وقد ثبت على النحو السالف بيانه أن الطاعنة قد صدرت ضدها أحكام نهائية عديدة بإدانتها في جرائم إصدار شيكات بدون رصيد، وهي جرائم مخلة بالشرف بحسب الظروف التي تمت فيها وما تكشف عن وقائعها من أفعال حسبما سلف القول، فإنه يصدق في شأنها حكم الفقرة الثامنة من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة النافذ وقتذاك والتي تقضي بانتهاء خدمة الموظف المعين على وظيفة دائمة في حالة الحكم عليه في جناية أو في جريمة مخلة بالشرف الأمر الذي ينبني عليه وجوباً عزل الطاعنة من وظيفتها. وغني عن البيان أن العزل الذي يقع كنتيجة لصدور حكم جنائي على النحو الوارد بالمادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 سالف الذكر لا يخرج عن كونه عقوبة تبعية أوردها القانون المذكور بكل ما في كلمة العقوبة من معنى لأن هذا العزل إن هو إلا جزاء لما اقترفه الموظف من إثم يعتبر جناية أو جنحة مخلة بالشرف والعقوبة ما هي إلا جزاء.
ومن حيث إنه ولئن كان البادي من استظهار نص الفقرة الثامنة من المادة 107 من قانون نظام موظفي الدولة السابق الإشارة إليه أنه قد أورد في مجال أعماله حكماً تنظيمياً عاماً مفاده إنهاء رابطة التوظف بسبب الحكم على الموظف في جناية أو جريمة مخلة بالشرف إلا أن المركز القانوني لهذا الموظف لا يتغير تلقائياً بمجرد صدور حكم من هذا القبيل وإنما تتدخل الإدارة - بحسب تقديرها لقيام ظرف الإخلال بالشرف - بعمل إيجابي تنزل به حكم القانون على وضعه الفردي متى قدرت توفر شروط انطباقه في حقه، وهي في سبيل ذلك إنما تتدخل بسلطتها التقديرية في تكييف طبيعة الجريمة الصادر فيها الحكم ومدى العقوبة المقضي بها وأثرها. وقد كان دور جهة الإدارة في التقدير في حالة الطاعنة بالذات وبالنسبة لما ارتكبته من جرائم إصدار شيكات بدون رصيد أمراً لازماً حيال ما ثار من جدل حول طبيعة هذه الجرائم وما إذا كانت من الجرائم المخلة بالشرف أم أنها ليست كذلك، وهو ما أفصحت عنه صراحة مذكرة النيابة الإدارية المؤرخة 13 من ديسمبر سنة 1962 والمرفقة بتقرير الاتهام، إذ أشارت إلى أن الأحكام قد تضاربت فيما إذا كانت جريمة إعطاء شيك بدون رصيد من الجرائم المخلة بالشرف، وعلى هذا الأساس طلبت النيابة الإدارية من المحكمة التأديبية في جلستها المنعقدة في 30 من مارس سنة 1964 تطبيق المادة 107 فقرة "8" من القانون رقم 210 لسنة 1951 لصدور أحكام نهائية ضد الطاعنة مخلة بالشرف.
ومن حيث إنه متى استقام أن المركز القانوني القائم على إنهاء خدمة الطاعنة بسبب الحكم عليها في جرائم إصدار شيكات بدون رصيد، إذا ما اعتبرت جرائم مخلة بالشرف، يلزم لنشوئه صدور قرار ممن يملكه بقصد إنشاء هذا المركز القانوني المعين متى كان ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً، أي صدور قرار إداري بمعناه الصحيح المتعارف عليه، وهو الأمر غير المتحقق حتى الآن بغير جدال في شأن الطاعنة، فإنه لا يسوغ للمحكمة التأديبية أن تستنبط افتراض وجود مثل هذا القرار أو أن تعتبر خدمة المذكورة منتهية تلقائياً بمجرد صدور الأحكام النهائية الموجبة لذلك، وإنما كان يتعين عليها، وقد استبان لها أن الطاعنة قد أدينت في جرائم اعتبرت مخلة بالشرف وتحقق بذلك مناط حكم الفقرة الثامنة من المادة 107 سالفة الذكر أن تقرر إنزال حكم القانون بإنهاء الرابطة الوظيفية، بوصف أن ذلك هو الجزاء الحتمي لقاء ما اقترفته الطاعنة وأدينت بسببه، دون أن يحتج على المحكمة بأنها لا تملك توقيع مثل هذا الجزاء بمقولة أن العزل في هذه الحالة حق مقصور على الجهة الإدارية وحدها، ذلك أنه ولئن كان مفاد الفقرة الثامنة من المادة 107 من قانون نظام موظفي الدولة المشار إليه أن المشرع قد خول الجهة الإدارية الحق في عزل الموظف إدارياً متى قام موجبه دون إحالته إلى المحاكمة التأديبية، إلا أنه ليس معنى ذلك أن هذا الحق منوط بالجهة الإدارية وحدها، بل إن لها كذلك إحالة الموظف إلى المحاكمة التأديبية، إذا ما رأت وجهاً لذلك، وفي هذا مصلحة محققة للموظف، إذ ليس من شك في أن محاكمة الموظف تأديبياً ضمان أوفى له من مجرد عزله بقرار إداري، ومن ثم فإن تمسك الطاعنة بوجوب صدور قرار بإنهاء خدمتها من الجهة الإدارية دون المحكمة التأديبية يكون قائماً على حجة داحضة ويتعين إطراحه.
ومن حيث إنه من جهة أخرى، فإن المادة 102 "مكرراً ثانياً" من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة النافذة بصدد الخصوصية المعروضة كانت تقضي بأنه يجوز إقامة الدعوى التأديبية عن المخالفات المالية والإدارية على الموظف الذي يكون قد ترك الخدمة لأي سبب كان، وفي هذه الحالة يجوز الحكم عليه بإحدى العقوبات المبينة بالمادة المذكورة ومنها الحرمان من المعاش لمدة ثلاثة أشهر، ومفاد النص المتقدم، أن واقعة ترك الخدمة لأي سبب كان لا يترتب عليها إفلات الموظف من المساءلة التأديبية عما يكون قد ارتكبه في أثناء قيام الرابطة الوظيفية، وإنما يكون من حق الجهة الإدارية تتبعه ومجازاته عما جناه في حقها.
ومن ثم فإن المحكمة التأديبية لا تملك توقيع إحدى العقوبات الواردة في المادة 102 "مكرراً ثانياً" سالفة الذكر إلا إذا كانت واقعة ترك الخدمة قد تمت في تاريخ لاحق لارتكاب الموظف ما يستوجب محاكمته، وهو الأمر المتخلف في شأن الطاعنة بمسايرة الفهم الخاطئ الذي أقام عليه الحكم المطعون فيه قضاءه، ومؤداه اعتبار خدمة الطاعنة منتهية منذ 30 من ديسمبر سنة 1959، تاريخ الحكم عليها نهائياً في أول جريمة مخلة بالشرف نسب إليها ارتكابها.
ومن حيث إنه بناءً على ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه، إذ اعتبر أن خدمة الطاعنة منتهية منذ 30 من ديسمبر سنة 1959، تاريخ صدور أول حكم نهائي بإدانتها في جريمة مخلة بالشرف، وقضى نتيجة لذلك بحرمانها من المعاش لمدة ثلاث أشهر، وهي إحدى العقوبات المقررة لمن ترك الخدمة، على حين أنه كان يتعين على المحكمة التأديبية، وقد قدرت أن شرط إعمال الفقرة الثامنة من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 متحقق في شأن الطاعنة أن تتدخل بإنشاء المركز القانوني، وتنزل حكم هذه الفقرة، فتقضي بعزل المذكورة فحسب فإن الحكم المطعون فيه، إذ جرى هذا المجرى، يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين من ثم القضاء بإلغائه فيما قضى به من حرمان المتهمة من المعاش لمدة ثلاثة أشهر وبتعديله فيما قضى به ضمناً من اعتبار خدمة المذكورة منتهية من 30 من ديسمبر سنة 1959، إلى اعتبارها منتهية من تاريخ صدوره، مع حفظ حقها في المعاش أو المكافأة.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من حرمان المتهمة من المعاش لمدة ثلاثة أشهر، وبتعديله فيما قضى به ضمناً من اعتبار خدمة المذكورة منتهية من 30 من ديسمبر 1959، إلى اعتبارها منتهية من تاريخ صدوره.


[(1)] قارن الأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية العليا في شأن اعتبار خدمة الموظف منتهية بحكم القانون في حالة الحكم عليه بالإدانة في جريمة إصدار شيك بدون رصيد بوصفها جريمة مخلة بالشرف.