مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 762

(101)
جلسة 9 من يونيه سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور أحمد موسى - وكيل مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمد عبد العزيز يوسف ومحمد فتح لله بركات ومحمد بهجت محمود عتيبة وأبو بكر محمد عطية - المستشارين.

القضية رقم 1159 لسنة 10 القضائية

عامل "أجر".
المركز القانوني في الأجر المقرر بموجب أحكام كادر العمال لا ينشأ بموجب قرار إداري وإنما ينشأ بالقانون ذاته متى توفرت شروطه - لا يسري في هذا الشأن ميعاد الستين يوماً وإنما مدد التقادم المعتادة.
إن المركز القانوني في الأجر المقرر بموجب أحكام كادر العمال لا ينشأ بموجب قرار إداري يسقط حق الطعن فيه بالإلغاء أو يمتنع سحبه بعد فوات ميعاد الستين يوماً، وإنما هو مركز قانوني ينشأ بالقانون ذاته رأساً في حق صاحب الشأن متى توفرت شروطه، وهذا مستفاد من أحكام كادر العمال في هذا الخصوص وما دام المركز القانوني ينشأ بقوة القانون فهو من الحقوق التي لا يسري عليها ميعاد الستين يوماً وإنما تخضع لمدد التقادم المعتادة بالنسبة للجانبين الموظف والحكومة طالما أن مدد التقادم لم تنقض، فيجوز للموظف أن يطالب بتسوية وضعه على مقتضاها كما يجوز للإدارة إلغاء هذه التسويات إن كانت قد تمت على خلاف القانون وما يصدر من الإدارة في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون إجراءً كاشفاً للمركز القانوني لصاحب الشأن المستمد من أحكام القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 1075 لسنة 9 القضائية بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية في 5 من أغسطس سنة 1962 وطلب في صحيفة دعواه الحكم بتسوية حالته بتعديل أجره ومنحه العلاوات والترقيات طبقاً للقانون وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات وقال بياناً للدعوى أنه عين بمهنة كهربائي سيارات بدرجة دقيق ممتاز في أول ديسمبر سنة 1953 ومنح أجراً يومياً قدره 500 م بعد تأدية الامتحان ثم ندب للعمل بتفتيش الري المصري بالسودان ونقل إلى مصلحة الميكانيكا والكهرباء في مايو سنة 1955 وظل بها حتى الآن، ولم تمنحه المصلحة أي علاوة أو ترقية طوال هذه المدة ثم فوجئ بصدور قرار من رئيس المصلحة بتخفيض أجره اليومي من 500 م إلى 360 م وخصم الفروق عن المدة السابقة وقدرها 288 م 245 ج بحجة أن أجره كان 360 م أصلاً وهو أول مربوط دقيق ممتاز وأن رفع أجره إلى 500 م جاء مخالفاً للتعليمات التي تقضي بضرورة التعيين بأول مربوط الدرجة، وأضاف المدعي أن قرار خفض أجره قصد به حمله على الاستقالة ذلك أن قرار تعيينه بأجر يومي 500 م اكتسب حصانة تعصمه من التعديل أو الإلغاء كما أن تعيينه جاء في حدود درجة دقيق ممتاز 360/ 700 ولا توجد قيود تفرض على الإدارة تعيينه بأول مربوط الدرجة، وأنه كان مفهوماً أن تقوم المصلحة بعد تخفيض أجره أن تجري تسوية حالته اعتباراً من تاريخ التعيين بما يترتب على ذلك من علاوات وترقيات إلا أنها تركته بهذا الأجر المخفض حتى الآن وأنه يحق له المطالبة بتسوية حالته بتعديل أجره اليومي طبقاً للقانون محسوباً على أساس 500 م من بدء التعيين وما يترتب على ذلك من آثار.
وردت الجهة الإدارية على الدعوى بمذكرة ضمنتها أن المدعي عين في أول ديسمبر سنة 1953 بمهنة كهربائي سيارات بدرجة دقيق ممتاز بأجر يومي قدره 500 م، ولما كان المذكور قد عين في ظل قرارات حظر التعيين بأجر أعلى من أول مربوط الدرجة بمبلغ قدره 140 م أي ما يعادل سبع علاوات الدرجة لذلك فإنه لم يمنح زيادة في أجره حيث اعتبر تعيينه باليومية المؤقتة وقد تقدمت شكوى في هذا الخصوص أجرت النيابة الإدارية تحقيقها وبعد التحقيق تقرر تخفيض أجره إلى 360 م وتحصيل الفروق التي صرفت إليه بدون حق من بدء تعيينه حيث أثبت التحقيق وجود مخالفة في تعيينه وانتهت الجهة الإدارية إلى طلب رفض الدعوى.
وعقب المدعي بمذكرة تضمنت أنه عين بعد أن اجتاز اختباراً أمام اللجنة الفنية التي قررت صلاحيته لدرجة دقيق ممتاز بأجر يومي وقدره 500 م واستمر يتقاضى هذا الأجر مدة طويلة بناءً على قرار تعيينه الذي صدر صحيحاً وهذا القرار اكتسب حصانة ومن ثم فلا يجوز للإدارة أن تصدر قراراً بتخفيض راتبه إلى 360 م وخصم الفروق الناتجة عن ذلك الخفض لأنه قبضه بحسن نية ومضت المدة القانونية المسقطة للمطالبة برد الأجر ومن ثم لا يحق للجهة الإدارية استرداد تلك الفروق، أما بالنسبة لتسلسل أجر المدعي بالعلاوات والترقيات فهو حق ثابت له قانوناً، وأن اعتباره كعامل مؤقت لتعيينه في ظل قرارات حظر التعيين مخالف لنصوص كادر العمال وانتهى في مذكرته إلى طلب الحكم:
أولاً: بتسوية حالته طبقاً لكادر العمال باعتباره من العمال الدائمين وتسلسل أجره في العلاوات والترقيات.
ثانياً: إلغاء قرار تخفيض أجره من 500 م إلى 360 م.
ثالثاً: إلغاء قرار خصم مبلغ 364 م 245 ج من أجره.
رابعاً: إلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة في جميع الأحوال.
وبمناقشة المدعي في طلباته المشار إليها بجلسة 2 من مارس سنة 1964 أمام المحكمة الإدارية قرر أنه يتمسك بالطلبين الثاني والثالث ووافق على استبعادهما إذا استحق عليهما رسم لم يسدد على أن يقضي في الطلب الأول مع إلزام الوزارة بالمصروفات.
وبجلسة 6 من إبريل سنة 1964 قضت المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية بأحقية المدعي أجراً قدره 500 م يومياً اعتباراً من تاريخ تعيينه واستبعاد طلب إلغاء قرار خصم مبلغ 364 م 245 ج من أجره لعدم سداد الرسم المقرر عنه وألزمت الحكومة نصف المصروفات وبأن تدفع للمدعي مبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من طلبات وأقامت قضاءها على أن طلب المدعي إلغاء قرار تخفيض أجره من 500 م إلى 360 م يدخل ضمن طلبه الأصلي بتسوية حالته بتعديل أجره ومنحه العلاوات والترقيات طبقاً للقانون، وهو طلبه الأول المعدل بمذكرته الأخيرة بتسوية حالته طبقاً لكادر العمال باعتباره من العمال الدائمين وتسلسل أجره بالعلاوات والترقيات، أما بالنسبة لطلب المدعي إلغاء قرار خصم مبلغ 364 م 245 ج من أجره فإن هذا الطلب مستقل ولم يسدد عنه رسماً لذلك يتعين استبعاده لعدم سداد الرسم عنه، وذكر الحكم أن قراراً إدارياً صدر من مفتش عام الري المصري بالسودان بتعيين المدعي بأجر يومي قدره 360 م ثم صدر قرار آخر بتعيين المدعي نفسه بأجر يومي قدره 500 م ووضع القرار الأخير محل القرار الأول، وأرسلت الرقابة الإدارية إلى النيابة الإدارية صورتين شمسيتين من قراري التعيين الأول والثاني وقد كشف التحقيق أن المفتش العام للري المصري للسودان هو مصدر القرارين إلا أن التحقيق لم يكشف عن ملابسات اختفاء القرار الأول وإصدار القرار الثاني بإدارة المستخدمين بتفتيش عام الري المصري بالسودان وأن الثابت من الأوراق أن المدعي عين بوظيفة كهربائي سيارات في أول ديسمبر سنة 1953 عاملاً مؤقتاً بتفتيش الري المصري بالسودان على ما يبين في المستند المودع برقم 168 بالجزء الثاني من ملف خدمته إذ أنه عين في ظل قراري مجلس الوزراء الصادرين في 7 من يناير و18 من نوفمبر سنة 1951 ومن ثم فإنه لا يفيد من أحكام كادر العمال باعتباره من العمال المؤقتين لذلك فإن إعادة تعيين المدعي بأجر يومي قدره 500 م مما يدخل في سلطة مفتش عام الري المصري بالسودان لذلك فإن تخفيض الإدارة أجر المدعي اليومي إلى 360 م ينطوي على مخالفة القانون مما يتعين معه الحكم بأحقيته في أجر يومي قدره 500 م ومتى كان المدعي من العمال المؤقتين فإن حقه في العلاوات والترقيات لا يقوم على سند سليم من القانون مما يتعين معه رفض هذا الطلب.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن طلب المطعون ضده إلغاء قرار تخفيض أجره من 500 م إلى 360 م يدخل في عداد الطلبات التي يقدمها ذوو الشأن بالطعن في القرارات الإدارية النهائية الصادرة بالتعيين في الوظائف العامة أو الترقية أو بمنح علاوات ومن ثم يتعين لقبول طلب إلغائها مراعاة المواعيد والإجراءات المنصوص عليها في المادتين 12 و22 من القانون رقم 55 لسنة 1959 وأن الثابت أن المطعون ضده لم يراع تلك المواعيد والإجراءات حيث تقدم بطلبه إلى المحكمة دون أن يسبق ذلك تقديمه تظلماً إلى الجهة الإدارية ودون مراعاة المواعيد المقررة قانوناً لرفع دعاوى الإلغاء فإن دعواه تكون غير مقبولة وكان يتعين على المحكمة أن تقضي بعدم قبولها، كما أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون فيما انتهى إليه من الاعتداد بقرار التعيين الثاني الذي صدر في ظروف كانت موضع تحقيق النيابة الإدارية وثبت من هذا التحقيق أن القرار الأول سلخ من ملف خدمة المطعون ضده وأن القرار الثاني دس على هذا الملف بطريقة غير مشروعة وأن القرار الثاني لا يعتد به، نظراً للظروف التي أحاطت بإصداره، كقرار بإعادة تعيين المطعون ضده بأجر يومي قدره 500 م، وأنه لا يوجد ثمة ما يمنع من استعارة أحكام كادر العمال وإعمالها في شأن العمال المؤقتين فيؤدي المرشح منهم للعمل اختباراً فنياً لتقدير مدى كفاءته وصلاحيته ثم تحديد أجره الذي يعين عليه باليومية المؤقتة على أساس الأجر الذي يمنح لزميله المعين باليومية الدائمة، وأن المعول عليه في تحديد أجر المطعون ضده باعتبار أنه التحق بخدمة الوزارة عاملاً مؤقتاً هو الأجر الوارد بالقرار الأول الصادر بتعيينه بأجر يومي قدره 360 م وهو القرار الصحيح الذي يعتد به في قيام العلاقة الوظيفية بين الوزارة والمطعون ضده، وأنه بفرض صحة ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من الاعتداد بالقرار الذي تضمن منح المدعي أجراً يومياً مقداره 500 م فإنه لا تثريب على جهة الإدارة إن هي خفضت أجر المطعون ضده لأنه باعتباره من العمال المؤقتين يعتبر مفصولاً بانتهاء المدة المحددة لخدمته المؤقتة فإذا عين لمدة أخرى كان ذلك تعييناً جديداً ومن ثم فإن القرار بتخفيض أجره يعتبر بمثابة تعيين جديد وإنهاء العلاقة الوظيفية السابقة بما قامت عليه من أوضاع وما كانت ترتبه من آثار ومن ثم فإنه لا يجوز القول بأن له حقاً في الاحتفاظ بأجره الذي عين به ابتداء وقدره 500 م.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً بالرأي القانوني انتهت فيه للأسباب الواردة به إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من أحقية المدعي في أجر قدره 500 مليم يومياً اعتباراً من تاريخ تعيينه ورفض هذا الطلب وتأييده فيما عدا ذلك مع إلزام المدعي بالمصروفات.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن مفتش عام الري المصري بالسودان أصدر قراراً بتعيين المطعون ضده كهربائي سيارات في درجة صانع دقيق ممتاز بأجر يومي قدره 360 م بعد أدائه اختباراً أمام لجنة فنية بالورش الأميرية في شهر أكتوبر سنة 1953 فقدرت له هذه الدرجة وضمن مفتش عام الري قراره الكتابي رقم 15509 في 24 من نوفمبر سنة 1953 الموجه إلى مدير مكتب ري السودان بوزارة الأشغال وبعد أن تسلم المطعون ضده العمل في أول ديسمبر سنة 1953 وصرف إليه أجره في الشهر المذكور على أساس 360 م يومياً استبدل خطاب آخر بالخطاب رقم 15509 المشار إليه يحمل الرقم ذاته وكذلك التاريخ والتوقيع ويتضمن تعيين المطعون ضده في الوظيفة ذاتها بأجر يومي مقداره 500 م في درجة صانع دقيق ممتاز، وقد تولت النيابة الإدارية التحقيق في الموضوع بناءً على طلب من الرقابة الإدارية فأسفر هذا التحقيق عن أن مفتش عام الري المصري بالسودان هو الذي أصدر القرارين وأعطى القرار الثاني تاريخ القرار الأول ليحل محله وانتهت النيابة الإدارية إلى قيد الواقعة مخالفة مالية وإدارية بالمواد 82 مكرراً رابعاً و83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 وقرار مجلس الوزراء الصادر بكادر عمال اليومية ضد مفتش عام الري المصري بالسودان ومدير المستخدمين بتفتيش عام الري المصري بالسودان.
لأنهما في يناير سنة 1954 بإدارة التفتيش العام للري المصري بالسودان.
الأول: خرج على مقتضى الواجب.
1 - بأن أصدر قراراً بتعيين العامل عوض زكي محمد في درجة صانع دقيق ممتاز بأجر يومي قدره 500 م بالمخالفة لأحكام كادر العمال.
2 - بأن أعطى القرار الذي تضمن تعيين العامل المذكور بأجر يومي قدره 500 م تاريخ القرار السابق القاضي بتعيينه بأجر يومي قدره 360 م الأمر الذي ترتب عليه إحلال القرار الجديد محل القرار السالف ونزع الأوراق الخاصة بالقرار السالف.
والثاني: خرج على مقتضى الواجب.
بأن استصدر قراراً بتعيين العامل عوض زكي محمد في درجة صانع دقيق ممتاز بأجر يومي قدره 500 م بالمخالفة لأحكام كادر العمال.
وقد تجاوزت النيابة الإدارية عن إقامة الدعوى التأديبية عن الأول بعد أن أحيل إلى المعاش لأن ما نسب إليه لا يستأهل ذلك وحفظ الموضوع مؤقتاً بالنسبة للثاني لعدم كفاية الأدلة.
وبناءً على ما أسفر عنه هذا التحقيق خفض أجر المطعون ضده إلى 360 م يومياً.
وأن الثابت بملف خدمة المطعون ضده أنه منح إعانة غلاء معيشة اعتباراً من أول مارس سنة 1954، وجاء بكتاب مفتش عام الري المصري بالسودان المؤرخ 18 من ديسمبر سنة 1954 المودع بالملف المرسل إلى مدير الورش الأميرية بمناسبة طلب المطعون ضده النقل إليها أن المطعون ضده كهربائي سيارات بدرجة دقيق ممتاز وأنه اختبر بمعرفة الورش الأميرية وتسلم العمل بمكتب العمل بالسودان اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1953 وأنه يصرف أجره من ميزانية التفتيش، كما طلب مفتش عام الري المصري بالسودان بكتابه المؤرخ 24 من ديسمبر سنة 1954 الموجه إلى وكيل تفتيش منشأة سوبك بمناسبة تقديم المطعون ضده طلباً للترقية إلى درجة صانع ممتاز، أن يخطر بأن قرار مجلس الوزراء الصادر في 12 من أغسطس سنة 1951 يشترط للترقية قضاء 12 سنة على الأقل في درجة دقيق ودقيق ممتاز أما إذا كان التعيين من الخارج فلا يكون إلا بموافقة الوزير المختص في حدود النسبة المقررة للتعيين من الخارج، كما جاء بكتاب وكيل تفتيش الري المصري المرسل إلى مفتش عام الري المصري بالسودان المحرر في 16 من يناير سنة 1955 أنه يوافق على نقل المطعون ضده "الكهربائي بدرجة دقيق ممتاز 360 - 700"، كما أودع بملف الخدمة استمارة رقم 97 مالية - ع - ح "كشف مدة خدمة عمال اليومية الدائمين" وقد دون بها أن المطعون ضده عين في وظيفة كهربائي سيارات في درجة صانع دقيق ممتاز. ومن حيث إن تعيين المطعون ضده بعد استيفاء الإجراءات المقررة للتعيين في كادر العمال وذلك بعد اجتيازه اختباراً أمام لجنة فنية حددت وظيفته ودرجته، وصدور قرار التعيين غير متضمن التأقيت، ومنحه إعانة غلاء المعيشة بعد ثلاثة أشهر من تعيينه شأن العمال الدائمين، ومعاملة الإدارة له على أساس أنه عامل دائم وذلك عندما ردت كتابة على طلبه الترقية إلى درجة صانع ممتاز حيث أشارت إلى أن قواعد كادر العمال لا تجيز هذه الترقية كما قررت في خطاب لها بمناسبة الموافقة على نقله أنه يشغل درجة دقيق ممتاز (360/ 700)، وإيراد البيانات الخاصة بمدة خدمته بالاستمارة رقم 97 مالية ع. ح وهي كشف مدة خدمة عمال اليومية الدائمين، كل ذلك واضح الدلالة على أن تعيينه كان في درجة من درجات كادر العمال، ولا وجه لما ذهبت إليه الإدارة من أن المطعون ضده عين في ظل قرارات مجلس الوزراء بحظر التعيين وأن ذلك يقوم دليلاً على أن تعيينه كان في وظيفة مؤقتة ذلك أن المصالح المصرية بالسودان كانت معفاة من حظر التعيين في الوظائف الخالية بموجب قرار مجلس الوزراء الصادر في 8 من إبريل سنة 1953، ولا يغير من ذلك وصف المطعون ضده بعد إجراء التحقيق في موضوع تعديل الراتب بأنه عامل مؤقت.
ومن حيث إن المطعون ضده معين على درجة من درجات كادر العمال والمنازعة تدور حول الراتب الذي يستحقه وفقاً لأحكامه، ومن ثم تكون الدعوى من قبيل المنازعات المتعلقة بالرواتب التي يستمد صاحب الشأن أصل حقه فيها من القوانين واللوائح مباشرة، دون أن يلزم لنشوء مثل هذا الحق صدور قرار إداري بذلك وبهذه المثابة تنظرها المحكمة دون التقيد بميعاد الستين يوماً المحددة لتقديم طلبات الإلغاء ولا يغير من الأمر أن تكون قد اتخذت إجراءات في خصوص تلك المنازعة وفات ميعاد الستين يوماً بالنسبة إليها، وذلك لأن مثل هذه الإجراءات لا تغير طبيعة المنازعة من خصومه شخصية تقوم على أصل حق ذاتي لصاحب الشأن ويكون للحكم الصادر فيها حجية مقصورة على أطرافه فقط، إلى خصومة عينية تقوم على اختصام القرار عينه بحيث يكون للحكم الصادر فيها حجية على الكافة، ولذلك يكون ما ذهبت إليه الحكومة في طعنها من عدم قبول الدعوى لعدم مراعاة المواعيد والإجراءات المنصوص عليها في المادتين 12 و22 من القانون رقم 55 لسنة 1959 غير سديد.
ومن حيث إن المركز القانوني في الأجر المقرر بموجب أحكام كادر العمال لا ينشأ بموجب قرار إداري يسقط حق الطعن فيه بالإلغاء أو يمتنع سحبه بعد فوات ميعاد الستين يوماً، وإنما هو مركز قانوني ينشأ بالقانون ذاته رأساً في حق صاحب الشأن متى توفرت شروطه، وهذا مستفاد من أحكام كادر العمال في هذا الخصوص وتقضي بأنه لا يعين في وظائف مساعدي الصناع والصناع الممتازين والأسطوات والملاحظين من الخارج إلا في حدود 20% من الخلوات على الأكثر في كل فئة ولا يعين عامل من الخارج إلا بعد اجتيازه امتحاناً أمام لجنة فنية يصدر بتشكيلها قرار من الوزير المختص، وتحدد هذه اللجنة وظيفته ودرجته، ولا يجوز أن يتقاضى أجراً عند تعيينه أزيد من أول مربوط الدرجة التي حددت له. وما دام المركز القانوني ينشأ بقوة القانون فهو من الحقوق التي لا يسري عليها ميعاد الستين يوماً وإنما تخضع لمدد التقادم المعتادة بالنسبة للجانبين الموظف والحكومة طالما أن مدد التقادم لم تنقض، فيجوز للموظف أن يطالب بتسوية وضعه على مقتضاها كما يجوز للإدارة إلغاء هذه التسويات إن كانت قد تمت على خلاف القانون وما يصدر من الإدارة في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون إجراء كاشفاً للمركز القانوني لصاحب الشأن المستمد من أحكام القانون.
ومن حيث إنه لذلك يكون ما قام به مفتش عام الري المصري بالسودان من زيادة أجر المطعون ضده إلى 500 م من بدء التعيين في حين أن الأجر الذي يستحقه من بدء التعيين طبقاً لأحكام كادر العمال هو 360 م يومياً أول ربط درجة دقيق ممتاز مخالفاً للقانون ولا يكتسب المطعون ضده حقاً في هذا الأجر ويكون ما أجرته الإدارة من النزول بأجر المطعون ضده إلى الحد الذي ينص عليه الكادر المذكور بصرف النظر عن ميعاد الستين يوماً صحيحاً في القانون. ويكون الحكم المطعون فيه وقد أخذ بغير هذا النظر قد خالف القانون وهو ما يتعين معه إلغاؤه والحكم على مقتضى ما تقدم وذلك بتقرير أحقيته في أجر قدره 360 مليماً من بدء التعيين وما يترتب على ذلك من آثار ومن بينها صرف العلاوات الدورية التي ثبت للمطعون ضده الحق فيها بثبوت تعيينه على درجة من درجات كادر العمال وباعتبار ذلك أثراً من الآثار الحتمية لمركزه القانوني وفق ذلك الأساس حيث تظلم المطعون ضده إلى الجهة الإدارية طالباً تقرير أحقيته في تلك العلاوات منذ 30 من يونيه سنة 1956 وواصل التظلم في السنوات اللاحقة بقطع التقادم إلى أن أقام دعواه، وتقضي المحكمة بإلزام كل من الطرفين بنصف المصروفات ذلك أن الحكومة نازعت بغير حق في كون المطعون ضده عاملاً دائماً وأنه قضى بالآثار المترتبة على كونه معيناً طبقاً لأحكام كادر العمال على أساس أنه عين على درجة من درجاته.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبأحقية المدعي في أجر يومي قدره 360 (ثلثمائة وستون مليماً) اعتباراً من تاريخ تعيينه في أول ديسمبر سنة 1953 مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق على الوجه المبين بالأسباب وألزمت كلاً من طرفي الخصومة بنصف المصروفات.