مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 771

(102)
جلسة 14 من يونيه سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي ومحمد طاهر عبد الحميد وأحمد علي البحراوي ومحمد صلاح الدين السعيد - المستشارين.

القضية رقم 239 لسنة 11 القضائية

عقد إداري. استمراره "تأمين مؤقت".
ترك المتعهد التأمين المؤقت بعد انقضاء مدة سريان عطائه يعتبر قرينة قانونية، قابلة لإثبات العكس على قبوله استمرار ارتباطه بعطائه - تقدم المتعهد لاسترداد التأمين المؤقت ينفي هذه القرينة - إيجاب المتعهد لا يسقط بمجرد انقضاء مدة سريان العطاء وإنما يبقى قائماً إلى أن يصل إلى علم الجهة الإدارية طلبه سحب التأمين المؤقت، أثر ذلك - تعديل المتعهد لمدة سريان العطاء المدونة أصلاً في الاشتراطات العامة لا يعني أنه قد قصد عدم استمرار ارتباطه بعطائه بعد انقضاء مدة سريان العطاء المتفق عليها - اختلاف مجال مدة سريان العطاء عن مجال مدة الارتباط بالعطاء إذ أن هذه المدة الأخيرة تبدأ من حيث تنتهي المدة الأولى - اختلاف كل من المجالين لا يسوغ معه أن يمتد أثر الموقف الذي يتخذه المتعهد في المجال الأول إلى المجال الثاني إلا إذا أفصح عن ذلك المتعهد صراحة واقترن إفصاحه بقبول الجهة الإدارية.
إن ترك المتعهد التأمين المؤقت بعد انقضاء مدة سريان عطائه، يعتبر قرينة قانونية على قبوله استمرار ارتباطه بعطائه، بيد أن هذه القرينة لا تسد السبيل في وجه المتعهد بغير مخرج، وإنما ترتفع، إذا انتفى الافتراض القائمة عليه، أي إذا تقدم المتعهد لاسترداد التأمين المؤقت، ومؤدى ذلك، أن إيجاب المتعهد لا يسقط بمجرد انقضاء مدة سريان العطاء ولكنه يبقى قائماً إلى أن يصل إلى علم الجهة الإدارية طلبه سحب التأمين المؤقت، ومن ثم فإن تعديل المتعهد لمدة سريان العطاء، المدونة أصلاً في الاشتراطات العامة، إلى مدة أقصر، أو سكوته عن طلب الجهة الإدارية تعديلها إلى مدة أطول - كما فعل المدعي - هذا الموقف لا يعني أن المتعهد قد قصد به - عدم استمرار ارتباطه بعطائه بعد انقضاء مدة سريان العطاء المتفق عليها. ذلك أن تعديل مدة سريان العطاء بالنقص أو بالزيادة، إنما يدخل في مجال تطبيق المادة 31 من لائحة المناقصات والمزايدات، التي تتعلق بتعيين مدة سريان العطاء وحق الجهة الإدارية في طلب مدها، تلك المدة التي لا يملك فيها المتعهد العدول عن عطائه ولا سحب التأمين المؤقت، سواء كانت هذه المدة هي المدونة أصلاً في الاشتراطات العامة، أم كانت هي المدة التي قبلت الجهة الإدارية تعديلها بناءً على طلب المتعهد، أم كانت المدة التي قبل المتعهد تعديلها بناءً على طلب الجهة الإدارية، وبذلك يخرج مثل هذا الموقف عن مجال تطبيق الفقرة الأخيرة من المادة 39 المشار إليها، الذي يبدأ من حيث تنقضي مدة سريان العطاء، والذي يملك فيه المتعهد العدول عن عطائه إذا طلب استرداد التأمين المؤقت. وإذ كان المجالان مختلفين زمناً وسبباً وحكماً فإنه لا يسوغ أن يمتد أثر الموقف الذي اتخذه المدعي في المجال الأول إلى المجال الثاني إلا إذا كان قد أفصح عن انصراف نيته إلى عدم الالتزام بالفقرة الأخيرة من البند 6 من الاشتراطات العامة، بشرط صريح تقبله الجهة الإدارية، يعلل فيه رفضه استمرار ارتباطه بعطائه بعد انقضاء مدة سريانه، أو بعبارة أخرى يعلن فيه صراحة إلغاء الفقرة الأخيرة من البند 6 سالفة الذكر واعتبارها غير نافذة المفعول في حقه وهو ما لم يفعله المدعي.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 1001 لسنة 15 القضائية ضد السيدين/ وزير الداخلية والمدير العام للميزانية والعقود والمشتريات بوزارة الداخلية بصفتهما، بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 6 من أغسطس سنة 1961 طلب فيها، الحكم بعدم ارتباطه بعطائه المقدم منه إلى إدارة الميزانية والعقود والمشتريات التابعة لوزارة الداخلية بخطابه المؤرخ 22 من إبريل سنة 1961، لانقضاء الميعاد الذي حدده لقبوله وهو أسبوع من التاريخ المذكور، وبإلزامهما بأن يردا إلى المدعي مبلغ سبعمائة جنيه، قيمة التأمين الابتدائي الذي قدمه تأميناً لعطائه المذكور، والذي قبضاه بغير وجه حق لسقوط سببه، وذلك مع فوائد المبلغ المذكور من تاريخ قبضه حتى تمام سداده مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، وتوجز أسانيد دعواه في أنه تقدم في 22 من إبريل سنة 1961 إلى إدارة العقود والمشتريات بوزارة الداخلية بعطائه في المناقصة التي كانت الوزارة قد أعلنت عنها لتوريد شعير لتغذية حيوانات الشرطة واحتاط لنفسه فصرح في كتابة عطائه بأنه لا يرتبط به إلا لمدة أسبوع من هذا التاريخ، أي حتى 29 من إبريل سنة 1961، وأرفق بصفة تأمين ابتدائي خطاب ضمان على البنك الأهلي (فرع روض الفرج) بمبلغ سبعمائة جنيه يستحق في 15 من مايو سنة 1961، ولبث ينتظر بعد ذلك أن تخطره الجهة الإدارية المختصة بقبول عطائه في الأجل الذي شرطه، ولكن الأيام مرت دون أن يبلغه شيء من ذلك، فحرر في 6 من يونيه سنة 1961 خطاباً موصى عليه إلى المدير العام للميزانية والعقود والمشتريات يخطره فيه بأنه لم يعد مرتبطاً بعطائه بعد فوات أجله وكذا أبرق إليه في عصر اليوم التالي الموافق 7 من يونيه سنة 1961 يطلب رد التأمين فوراً ولما واجهت إدارة الميزانية والعقود بهذا الموقف أرسلتا إليه كتاباً أعطته تاريخ 6 من يونيه سنة 1961 تبلغه فيه بأن عطاءه المقدم في 22 من إبريل سنة 1961 قد قبل وتطلب منه أن يوافيها بالتأمين المستحق ترتيباً على ما تقدم ومقداره 3350 جنيهاً و578 مليم، وتنوه له بأن من شأن هذا الإخطار أن يصبح التعاقد تاماً بينه وبين الوزارة فبادر بالاعتراض على هذا الكتاب بشتى الطرق، ولكن الإدارة المذكورة جادلته بأنه كان قد قبل إطالة ميعاد سريان خطاب الضمان الذي قدمه لها بصفة تأمين ابتدائي لعطائه وبأن عروة الاتفاق بينه وبين الوزارة قد انعقدت بموجب الخطاب المؤرخ 6 من يونيه سنة 1961، على حين أن تاريخ خطاب الضمان لم يكن من بادئ الأمر متمشياً مع تاريخ سريان إيجابه، فإذا ما قبل بعد ذلك مد أجل الخطاب بالضمان مع عدم تعديله ميعاد سريان إيجابه، امتنع - في نظره - افتراض تنازله عن هذا الميعاد، وعلى حين أن خطاب الإدارة المؤرخ 6 من يونيه سنة 1961، عليه خاتم بريد يحمل تاريخ 7 من يونيه سنة 1961، ومفاد ذلك - في رأيه - أن الإدارة لم ترسل خطابها المذكور إلا بعد تلقيها لخطابه المؤرخ 6 من يونيه سنة 1961، ومن ثم يكون قبول الإدارة للعطاء الذي يتضمنه ذلك الخطاب لم يصادف - كما يقول - إيجاباً قائماً، حتى يصح الحديث عن صورة التعاقد، وقد أجابت الوزارة عن الدعوى بأن العقد مع المدعي كان قد انعقد، بإخطاره بقبول العطاء المقدم منه قبل أن تتسلم الوزارة في 7 من يونيه سنة 1961 برقيته التي أعلن فيها تمسكه بسقوط أجل سريان هذا العطاء ومطالبته برد التأمين الابتدائي إليه، واستدلت على ذلك بأنه ولئن كان المدعي قد حدد يوم 29 من إبريل سنة 1961 كآخر ميعاد لسريان - العطاء المقدم منه إلا أن المادة 39 من لائحة المناقصات والمزايدات، وكذا المادة 6 من الشروط العامة الموقعة منه، تقضيان بأنه إذا انقضت المدة المحددة لسريان العطاء ولم يطلب صاحب العطاء استرداد التأمين المؤقت الذي أودع اعتبر المتعهد "قابلاً استمرار الارتباط بعطائه إلى أن يصل المصلحة أو السلاح أو الوزارة إخطار منه بسحبه التأمين المؤقت وعدوله عن عطائه" وخلصت الوزارة من ذلك إلى أن إخطارها المدعي بقول العطاء المقدم منه، إذ وصل إليه قبل أن تتلقى برقيته المؤرخة 7 من يونيه سنة 1961، يكون مقبولاً منها قد صادف إيجاباً صحيحاً قائماً. وفي 21 من يناير سنة 1962 قدمت الوزارة مذكرة طلبت فيها "الحكم: أولاً - برفض دعوى المدعي قبل الوزارة مع إلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - ثانياً - قبول طلباتها العارضة، وإلزام المدعي بأن يدفع إليها مبلغ 2978 جنيهاً و461 مليم والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة". وذكرت أن هذا المبلغ قد استحق لها نتيجة للشراء على حساب المدعي ومصادرة التأمين من الكميات التي ألغي العقد في شأنها، واحتفظت بحقها في تعديل الطلبات أو رفع دعوى جديدة بالمبالغ التي تستجد بعد ذلك. وفي 17 من سبتمبر سنة 1962 أودعت الوزارة كشفاً ببيان المبالغ المستحقة لها في ذمة المدعي بسبب امتناعه عن توريد كميات الشعير التي رسا عليه توريدها لحيوانات الشرطة في سنة 61/ 1962 وانتهى الكشف إلى تحديد جملة هذه المبالغ مبلغ 7296 جنيهاً و405 مليم، وقرر الحاضر عنها أمام مفوض الدولة أنها تعدل طلباتها إلى طلب "الحكم بإلزام المدعي بدفع هذا المبلغ والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد والمصاريف والأتعاب". فأجابه الحاضر عن المدعي بأنه ينكر على الوزارة جميع ما ورد في مذكراتها وكذا كشف الحساب المقدم منها لأنه لم يكن مرتبطاً بعقد مع الوزارة يخولها هذا الحق، وأنه يصمم على دعواه ويطلب رفض الدعوى الفرعية.
ومن حيث إنه بجلسة 27 من ديسمبر سنة 1964 قضت محكمة القضاء الإداري في الدعوى الأصلية، برفض طلبات عبد التواب صالح منصور، وألزمته مصاريفها، وفي الدعوى الفرعية بإلزامه بأن يؤدي إلى وزارة الداخلية مبلغ 7296 جنيهاً و405 مليم (سبعة آلاف ومائتين وستة وتسعين جنيهاً وأربعمائة وخمسة مليمات) والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في يوم 21 من يناير سنة 1962 عن مبلغ 2978 جنيهاً و461 مليم (ألفين وتسعمائة وثمانية وسبعين جنيهاً وأربعمائة وواحد وستين مليماً)، والحاصلة في يوم 17 من سبتمبر سنة 1962 بالنسبة لباقي المبلغ المحكوم به، وذلك حتى تمام الوفاء وألزمته المصاريف وأقامت قضاءها، بعد أن سردت الوقائع تفصيلاً، على أنه طبقاً للفقرة الأخيرة من البند السادس من شروط العطاء التي تنص على أنه "عند انقضاء مدة سريان العطاء يجوز لمقدمه استرداد التأمين المؤقت، وفي هذه الحالة يصبح العطاء ملغياً وغير نافذ المفعول، فإذا لم يطلب ذلك اعتبر قابلاً استمرار الارتباط بعطائه إلى أن يصل المصلحة أو السلاح أو الوزارة إخطار منه بسحب التأمين المؤقت وعدوله عن عطائه" - طبقاً لهذه الفقرة، يظل مقدم العطاء مرتبطاً بعطائه إلى أن يطلب سحب التأمين، وأن مجرد انقضاء المدة المحددة لسريان العطاء لا ينهي قانوناً هذا الإيجاب القائم، الذي يظل قائماً إلى أن يطلب مقدم العطاء سحب تأمينه وأن العبرة في الإرادة هي بوصولها إلى من وجهت إليه، وأن الثابت من كتاب الوزارة بقبول العطاء وصل إلى المدعي في يوم 7 من يونيه سنة 1961، وأن كتاب المدعي الذي طلب فيه سحب التأمين وصل إلى الوزارة في يوم 8 من يونيه سنة 1961، وأنه وإن كان ثابتاً أن برقية المدعي بسحب التأمين وصلت الوزارة في يوم 7 من يونيه سنة 1961، إلا أنه ثابت أيضاً من إنذاره المؤرخ 19 من يونيه سنة 1961، ومن التحقيق الذي أجراه مفتش الداخلية في يوم 11 من يونيه سنة 1961 أن هذه البرقية كتبت رداً على كتاب الوزارة وأمرها له بالتوريد الذي وصله في يوم 7 من يونيه سنة 1961، فيكون أمر الوزارة له بالتوريد قد وصله فعلاً في وقت كان إيجابه فيه قائماً على الرغم من مضي الأسبوع الذي حدده للارتباط بعطائه، وذلك بسبب أن طلبه سحب التأمين لم يكن قد وصل إلى الوزارة ويكون العقد قد انعقد قانوناً بين الطرفين، كما يكون المدعي قد امتنع عن التوريد دون سبب قانوني مقبول. وإذ قامت الوزارة بالتنفيذ على حسابه فإنه تستحق لها طبقاً للعقد المبالغ المبينة في الكشف الذي أودعته في 17 من سبتمبر سنة 1962 والذي لم يعترض عليه المدعي.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المدعي قد حدد لقيام عطائه ولالتزامه به أجلاً مقداره أسبوع بعد اجتماع لجنة فتح المظاريف في 22 من إبريل سنة 1961، بحيث ينتهي في 29 من إبريل سنة 1961، والمؤدى اللازم لهذا التحفظ الذي قيد به المدعي عطاءه أنه لا يصح قانوناً إلزامه بهذا العطاء ومؤاخذته به بعد فوات أجله المشروط وسقوط إيجابه بانقضاء هذا الأجل، ولما كان الثابت أنه لم يخطر بقبول عطائه إلا في 6 من يونيه سنة 1961، فإن هذا الإخطار يكون قد جاء بعد الأوان وليس من شأنه أن يولد رابطة عقدية، ولا ينال من ذلك ما تنص عليه المادة 39 من لائحة المناقصات من أنه إذا لم يسترد مقدم العطاء تأمينه المؤقت اعتبر عطاؤه سارياً، لأن عدم استرداد التأمين لا يعدو أن يكون قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس وظاهر من تحديد المدعي أجلاً لعطائه أنه ابتغى بذلك التصريح بعدم رغبته في الارتباط به لأكثر من القيد الزمني الذي شرطه، وأنه قصد بهذا القيد عدم الخضوع للقرينة المستفادة من المادة المذكورة يؤكد ما تقدم أن إدارة الميزانية والعقود والمشتريات أرسلت إليه في 24 من إبريل سنة 1961 كتاباً تطلب منه فيه أن يوافيها بإقرار بقبول مد سريان عطائه إلى 22 من مايو سنة 1961، فأبى أن يوافيها بهذا الإقرار، تشبثاً منه بالأجل الذي حدده لعطائه كما أن الخطاب الذي أرسله في 6 من يونيه سنة 1961، يطلب فيه سحب تأمينه لعدم ارتباطه بعطائه الذي سقط بانقضاء أجله كاشف لسقوط إيجابه، هذا إلى أن اعتماد عطائه كان محاباة للمنافسين المتقدمين عليه، وسعياً لتحمله أوزار غيره.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه صحيح للأسباب التي بني عليها، والتي تأخذ بها هذه المحكمة وتضيف إليها في مقام الرد على أوجه الطعن أن الفقرة الأخيرة من المادة 39 من لائحة المناقصات والمزايدات، التي تضمنت حكمها الفقرة الأخيرة من البند 6 من الاشتراطات العامة الموقعة من المدعي، تنص على أنه ".... وعند انقضاء مدة سريان العطاء، يجوز لمقدمه استرداد التأمين المؤقت، وفي هذه الحالة يصبح العطاء ملغياً وغير نافذ المفعول، فإذا لم يطلب ذلك اعتبر قابلاً استمرار الارتباط بعطائه، إلى أن يصل المصلحة أو السلاح أو الوزارة إخطار منه، بسحبه التأمين المؤقت وعدوله عن عطائه"، ومفاد هذه الفقرة أن ترك المتعهد التأمين المؤقت، بعد انقضاء مدة سريان عطائه، يعتبر قرينة قانونية على قبوله استمرار ارتباطه بعطائه، بيد أن هذه القرينة، لا تسد السبيل في وجه المتعهد بغير مخرج، وإنما ترتفع، إذا انتفى الافتراض القائمة عليه، أي إذا تقدم المتعهد لاسترداد التأمين المؤقت ومؤدى ذلك، أن إيجاب المتعهد لا يسقط بمجرد انقضاء مدة سريان العطاء، ولكنه يبقى قائماً إلى أن يصل إلى علم الجهة الإدارية طلبه سحب التأمين المؤقت، ومن ثم فإن تعديل المتعهد لمدة سريان العطاء، المدونة أصلاً في الاشتراطات العامة، إلى مدة أقصر أو سكوته عن طلب الجهة الإدارية تعديلها إلى مدة أطول - كما فعل المدعي - هذا الموقف لا يعني أن المتعهد قد قصد به عدم استمرار ارتباطه بعطائه بعد انقضاء مدة سريان العطاء المتفق عليها. ذلك أن تعديل مدة سريان العطاء بالنقص أو بالزيادة، إنما يدخل في مجال تطبيق المادة 31 من لائحة المناقصات والمزايدات، التي تتعلق بتعيين مدة سريان العطاء وحق الجهة الإدارية في طلب مدها، تلك المدة التي لا يملك فيها المتعهد العدول عن عطائه ولا سحب التأمين المؤقت، سواء أكانت هذه المدة هي المدونة أصلاً في الاشتراطات العامة، أم كانت هي المدة التي قبلت الجهة الإدارية تعديلها بناءً على طلب المتعهد، أم كانت المدة التي قبل المتعهد تعديلها بناءً على طلب الجهة الإدارية، وبذلك يخرج مثل هذا الموقف عن مجال تطبيق الفقرة الأخيرة من المادة 39 المشار إليها، الذي يبدأ من حيث تنقضي مدة سريان العطاء، والذي يملك فيه المتعهد العدول عن عطائه إذا طلب استرداد التأمين المؤقت. وإذ كان المجالان مختلفين زمناً وسبباً وحكماً فإنه لا يسوغ أن يمتد أثر الموقف الذي اتخذه المدعي في المجال الأول إلى المجال الثاني إلا إذا كان قد أفصح عن انصراف نيته إلى عدم الالتزام بالفقرة الأخيرة من البند 6 من الاشتراطات العامة، بشرط صريح تقبله الجهة الإدارية، يعدل فيه رفضه استمرار ارتباطه بعطائه بعد انقضاء مدة سريانه، أو بعبارة أخرى يعلن فيه صراحة إلغاء الفقرة الأخيرة من البند 6 سالفة الذكر واعتبارها غير نافذة المفعول في حقه وهو ما لم يفعله المدعي. ولا حجة في هذا المقام في التحدي بأن مدة خطاب الضمان، الذي قدمه المدعي بديلاً عن التأمين المؤقت النقدي، كانت تنتهي في 15 من مايو سنة 1961، فلا تكون ثمة جدوى من طلب سحب التأمين المؤقت بعد هذا التاريخ لا حجة في ذلك لأن الثابت أن خطاب الضمان المذكور، كان قابلاً للتجديد، دون الرجوع إلى المدعي، وقد جدد فعلاً، وصرفت قيمته الجهة الإدارية في 19 من يونيه سنة 1961.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم لا يكون الطعن قائماً على أساس سليم من القانون، مما يتعين معه القضاء برفضه موضوعاً، مع إلزام الطاعن بمصروفاته.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وألزمت الطاعن بمصروفاته.