مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 812

(107)
جلسة 16 من يونيه سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد شلبي يوسف - وكيل مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة حسنين رفعت ومحمد عبد العزيز يوسف ومحمد فتح الله بركات وأبو بكر محمد عطية - المستشارين.

القضية رقم 488 لسنة 10 القضائية

اختصاص. اختصاص القضاء الإداري.
المنازعات الخاصة بالمرتبات - اختصاص القضاء الإداري بنظرها - رقابة القضاء الإداري لا تتحقق في أحوال الخصم من راتب الموظف إلا ببحث ما استندت إليه جهة الإدارة في إجراء الخصم - ليس في ذلك إخلال بميزة التنفيذ المباشر، أساس ذلك.
إن رقابة القضاء الإداري لا تتحقق في أحوال الخصم من رواتب الموظفين العموميين إلا ببحث ما استندت إليه جهة الإدارة في إجراء الخصم ليقول كلمته في مدى صحته وسلامته، وليس في ذلك إخلال بميزة التنفيذ المباشر التي خص بها الشارع جهات الإدارة في سبيل استيفائها لما يكون مستحقاً لها قبل الموظف أو استرداد ما صرف إليه بدون وجه حق وفق أحكام القانون رقم 324 لسنة 1956، لأن هذه الميزة لا تعني تخويلها حقاً مطلقاً في إجراء الخصم من رواتب الموظفين، دون أن تسأل عما استندت إليه في إجراء هذا الخصم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 1503 لسنة 9 القضائية ضد جامعة الإسكندرية أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية بموجب صحيفة أودعها سكرتارية المحكمة في 8/ 5/ 1962 بعد أن صدر بتاريخ 13/ 3/ 1962 قرار بقبول طلب معافاته من الرسوم، وقال شرحاً لدعواه أنه يعمل موظفاً بمكتبة قسم العمارة بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية، وفي عام 1959 وعلى إثر نقل أمين المكتبة العامة للكلية شكلت لجنة لجرد هذه المكتبة والمكتبات الفرعية، وقد قدمت تقريراً أثبتت فيه وجود عجز بالمكتبة العامة للكلية، وفي 4 من ديسمبر 1960 علم المدعي بصدور قرار من إدارة الجامعة بخصم قيمة العجز من بعض موظفي المكتبة العامة والمكتبات الفرعية بالتساوي فيما بينهم وقد شمل هذا القرار المدعي دون وجه حق، وقد أجرى الخصم اعتباراً من شهر ديسمبر 1960، واستطرد قائلاً أن هذا القرار جاء مجحفاً بحقوقه إذ أنه يعمل بمكتبة قسم العمارة ولا علاقة له بالمكتبة العامة التي ثبت وجود العجز فيها، ولذلك فقد تظلم من هذا القرار للسيد عميد كلية الهندسة الذي أيده في أقواله ورفع تظلمه لجهات الاختصاص إلا أنها رفضته، وطلب في ختام صحيفة دعواه الحكم بإلغاء قرار الخصم المتوقع على مرتبه وما يترتب على ذلك من آثار ورد ما اقتطع منه بدون وجه حق مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد ردت الجامعة على الدعوى بقولها أنه عقب ندب السيد/ سعيد شمس الدين في 16/ 1/ 1959 للعمل أميناً لمكتبة كلية الهندسة، بادرت المراقبة العامة لشئون المكتبات بتشكيل لجنة لجرد مكتبة كلية الهندسة توطئة لتسليمها للأمين الجديد، وقد تكشف لهذه اللجنة وجود عجز بالكتب والدوريات، وأسفر التحقيق الإداري الذي أجري في هذا الشأن عن شيوع المسئولية بين أمين المكتبة السابق ومن يعملون معه من موظفي ومستخدمين إذ أنهم لم يتخذوا كافة الاحتياطات للمحافظة على عهدة الكلية، ومن ثم رؤى أن يتحمل الجميع المسئولية ومن بينهم المدعي، ثم أضافت أنه وإن كانت مكتبة عهدة الكلية ومكتبة قسم العمارة مستقلتين في عهدتهما وموظفيهما إلا أن المدعي عمل بمكتبة الكلية التي ظهر بها العجز مع السيد/ عبد العاطي عبد العال أمين مكتبة الكلية في ذلك الوقت بالإضافة إلى عمله الأصلي على نحو ما جاء بأوراق التحقيق الإداري الذي أجري في هذا الشأن، وخلصت الجامعة إلى أن القرار المطعون فيه صدر ممن يملكه في حدود السلطة المخولة له بناءً على تحقيق استخلصت نتيجته استخلاصاً سائغاً من الأوراق، ومن ثم فهو قرار سليم من الناحية القانونية ولا مطعن عليه، هذا فضلاً عن دفعها بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، إذ أن المدعي لم يتقدم بطلب المعافاة إلا في 3/ 4/ 1961 في حين أن قرار الخصم من راتبه صدر في 21/ 11/ 1960 وقد تظلم منه في 4/ 12/ 1960.
وبجلسة 23 من ديسمبر 1963 قضت المحكمة ببطلان الخصم الذي أجرته جامعة الإسكندرية على مرتب المدعي بالأمر الإداري رقم 3632 في 28/ 11/ 1960 ورد ما حصلته منه نتيجة هذا الخصم وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الإدارة بالمصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة، وأقامت قضاءها بالنسبة إلى الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد على أن المنازعة موضوع الدعوى هي منازعة تتعلق براتب المدعي واختصاص القضاء الإداري بنظر مثل هذه المنازعات منصوص عليه في المادة الثامنة من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة وهو اختصاص مطلق شامل لأصل تلك المنازعات وجميع ما يتفرع عنها، وعلى هذا الأساس تختص المحكمة بما يكون قد صدر في شأن تلك المرتبات من قرارات أو إجراءات باعتبارها من العناصر المتفرعة عن المنازعات الأصلية في حدود اختصاصها الكامل بالنسبة إليها وتأسيساً على ذلك تختص هذه المحكمة بنظر المنازعة المعروضة والفصل فيها باعتبارها منازعة في مرتب المدعي نتيجة قيام الجهة الإدارية التابع لها بخصم جزء منه ولا تعتبر هذه الدعوى من دعاوى الإلغاء التي يلتزم رافعها بمراعاة إجراءات ومواعيد محددة بل هي من دعاوى التسوية التي لا يتظلم وجوباً من القرارات موضوعها ويرتبط سقوط الحق في رفعها بمدد سقوط الحق موضوعها. أما بالنسبة إلى الموضوع فقد أسست المحكمة قضاءها على أن مبنى رجوع الإدارة على المدعي بطريق الخصم من راتبه كان بسبب مسئولية مشتركة مع غيره من موظفي مكتبة كلية الهندسة وأمينها السابق عن عجز عهدة المكتبة، ويتعين وقد أنكر المدعي مسئوليته وطلب بطلان الخصم الذي أجري على راتبه ورد ما خصم منه دون وجه حق، إن تثبت مسئولية المدعي عن هذا العجز أو المشاركة في أحداثه، ولما كان الثابت من الأوراق أن مكتبة كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية تنقسم إلى ثلاث مكتبات إحداها مكتبة الكلية والثانية مكتبة قسم العمارة والثالثة مكتبة قسم الكيمياء وكل من هذه المكتبات مستقل في عهدته وموظفيه، ولم يثبت من أعمال لجنة الجرد وجود عجز في عهدة مكتبة قسم العمارة التي يعمل فيها المدعي فإنه لا وجه للرجوع عليه بنصيب في قيمة العجز الذي تكشف في غير عهدة تلك المكتبة، ولا وجه لما يدعيه أمين مكتبة الكلية السابق من أن مرد مشاركة المدعي في المسئولية أن أمين المكتبة كان يكلفه بالعمل في المكتبة العامة لأن هذه الواقعة لا دليل عليها سوى هذه الأقوال في حين أن الكلية درجت على تنظيم العمل بمكتباتها بموجب أوامر إدارية منتظمة، وخلصت المحكمة إلى أنه وقد انتفت مسئولية المدعي عن العجز الذي تكشف للإدارة في عهدة مكتبة كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية فإنه لا يكون ثمت وجة للرجوع عليه بنصيب في قيمة تعويض هذا العجز، ويكون ما أجرته الإدارة من خصم على راتبه لهذا السبب قد وقع مخالفاً للقانون مما يتعين معه الحكم ببطلانه ورد ما تكون الإدارة قد حصلته من المدعي.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن قضاء المحكمة بإجابة المدعي إلى طلباته يعتبر قضاء ضمنياً باختصاصها بنظرها، وهذا ينطوي على مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، ذلك أنه من المسلم به أن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري ليس اختصاصاً عاماً ومطلقاً بل هو يحدد على سبيل الحصر بما هو وارد في قانون تنظيمه، وما خرج عن اختصاصه فإنه يدخل في اختصاص المحاكم المدنية التي تعتبر جهة القضاء ذات الولاية العامة بالنسبة إلى جميع المنازعات حتى تلك التي تكون الحكومة طرفاً فيها إلا ما استثنى بنص خاص، والنزاع مدني بطبيعته تحكمه نصوص القانون المدني ولا يغير من طبيعته التجاء الإدارة في سبيل استيفائها لحقها إلى التنفيذ المباشر بالخصم من راتب المدعي في الحدود التي أجاز فيها القانون رقم 324 لسنة 1956 هذا الخصم إذ أن هذا إجراء قصد به التيسير على الحكومة في تحصيل مستحقاتها وعدم تكليفها برفع دعوى لاقتضاء حقها ونقل عبء رفع الدعوى إلى الطرف الآخر إذا ما نازعها في صحة الإجراء الذي اتخذته، ولا وجه للاحتجاج بنص المادة الثامنة من القانون رقم 55 لسنة 1959 التي تقضي باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في المنازعات الخاصة بالمرتبات المستحقة للموظفين العموميين، لأن النزاع في الدعوى الماثلة لا يتعلق باستحقاق المدعي لراتب معين أو عدم استحقاقه له، كما لا يتعلق بمشروعية إجراء الخصم في ذاته، بل النزاع في حقيقته يدور حول مسئولية المدعي عن المبلغ المنفذ به وهو نزاع مدني، هذا من ناحية الدفع بعدم الاختصاص. أما من ناحية الموضوع فقد أقام الحكم المطعون عليه قضاءه بعدم مسئولية المدعي عن العجز في عهدة كلية الهندسة على القول بأنه لم يكن يعمل في المكتبة التي حدث بها العجز، وهذا الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه يخالف الثابت في الأوراق، ذلك أن الثابت من أوراق التحقيق الإداري الذي أجري بخصوص العجز في العهدة أن المدعي كان يعمل بمكتبة الكلية التي ظهر فيها العجز مع أمين المكتبة السابق بالإضافة إلى عمله الأصلي في مكتبة قسم العمارة، الأمر الذي يجعله مسئولاً مع غيره من الموظفين عما حدث من عجز في عهدة تلك المكتبة.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة الأوراق المقدمة في الدعوى، والخاصة بمكتبة كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية، وبالتحقيق الإداري الذي أسفر عن وجود العجز الذي خصمت قيمته من مرتبات المدعي ولفيف من زملائه العاملين بالمكتبة بالتساوي بينهم، أنه توجد بكلية الهندسة ثلاث مكتبات المكتبة العامة، ومكتبة قسم العمارة، ومكتبة قسم الكيمياء، وأن كل مكتبة من هذه المكتبات مستقلة تماماً عن الأخرى بالنسبة إلى عهدتها وإلى موظفيها، كما يبين أن تنظيم وتوزيع الأعمال في هذه المكتبات كان يتم بموجب قرارات مكتوبة موقع عليها من أمين المكتبة العامة ومعتمدة من عميد الكلية وكان يخطر بها الأمناء والموظفون، وأن العجز الذي اكتشف كان في المكتبة العامة، في حين أن المدعي كان يعمل بقسم العمارة.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن خصم قيمة العجز في عهدة المكتبة العامة بالكلية من مرتب المدعي وزملائه قد استند - حسبما ذكرت جهة الإدارة - إلى شيوع المسئولية بينهم، كما استند بالنسبة إلى المدعي بالذات - وهولا يعمل كما سلف البيان بالمكتبة التي وجد بها العجز - إلى ما قرره السيد أمين المكتبة من أنه كان يكلف المدعي ببعض الأعمال في المكتبة العامة.
ومن حيث إن الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر هذه الدعوى يقوم على أن المنازعة فيها تدور حول مدى مسئولية المدعي عن قيمة العجز في عهدة المكتبة العامة بكلية الهندسة، وهذه منازعة مدنية تدخل في اختصاص المحاكم المدنية التي تعتبر جهة القضاء ذات الولاية العامة إلا ما استثنى بنص خاص، أما ما نص عليه في المادة الثامنة من القانون رقم 55 لسنة 1959 من اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في المنازعات الخاصة بالمرتبات المستحقة للموظفين العموميين فهو اختصاص قاصر على بحث استحقاق الموظف الراتب من عدمه، وفي خصوصية الخصم من الراتب فإن دور القضاء الإداري يقتصر على بحث مشروعية إجراء الخصم، ومن ثم فهو ليس اختصاصاً عاماً ومطلقاً.
ومن حيث إن الحكومة وإن كانت لا تنازع في اختصاص القضاء الإداري بالفصل في مشروعية الخصم من رواتب الموظفين العموميين - على نحو ما توضح - إلا أنها تذهب إلى القول بقصر نطاق بحث هذه المشروعية على تعرف ما إذا كان الخصم قد تم في الحالات التي يجيز فيها القانون إجراءه أم لا وهو قول لا يمكن التسليم به لأنه يضيق من نطاق رقابة القضاء الإداري على مشروعية إجراء الخصم إلى حد كبير، ويسلبه اختصاصه الكامل المخول له طبقاً للفقرة الثانية من المادة الثامنة من القانون رقم 55 لسنة 1959، للفصل في المنازعات الخاصة بمرتبات الموظفين العموميين، وهو اختصاص شامل لأصل تلك المنازعات وما يتفرع منها، والواقع أن رقابة القضاء الإداري لا تتحقق في أحوال الخصم من رواتب الموظفين العموميين إلا ببحث ما استندت إليه جهة الإدارة في إجراء الخصم ليقول كلمته في مدى صحته وسلامته، وليس في ذلك إخلال بميزة التنفيذ المباشر التي خص بها الشارع جهات الإدارة في سبيل استيفائها لما يكون مستحقاً لها قبل الموظف أو استرداد ما صرف إليه بدون وجه حق وفق أحكام القانون رقم 324 لسنة 1956، لأن هذه الميزة لا تعني تخويلها حقاً مطلقاً في إجراء الخصم من رواتب الموظفين، دون أن تسأل عما استندت إليه في إجراء هذا الخصم.
ومن حيث إنه متى كان الثابت أن ما استندت إليه جهة الإدارة في خصم ما أجرت خصمه من مرتب المدعي استيفاء لقيمة العجز في عهدة المكتبة العامة بكلية الهندسة هو أولاً - شيوع المسئولية بينه وبين فريق من زملائه، وهذا يعني أنه لم يثبت في حق المدعي شخصياً ما يوجب مسئوليته، وثانياً - ما قرره أمين المكتبة من أنه كان يكلف المدعي ببعض الأعمال في المكتبة العامة وهي المكتبة التي ظهر فيها العجز، وهذا يخالف الثابت في الأوراق من أن تنظيم الأعمال في المكتبة كان يتم بموجب قرارات مكتوبة، وأن المدعي كان يعمل بمكتبة قسم العمارة التي لم يظهر بها أي عجز، متى كان الثابت ذلك فإن عدم سلامة الخصم من راتب المدعي تبدو واضحة.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم، فما كان يجوز لجهة الإدارة أن تتذرع بما تذرعت به من أسباب لإجراء الخصم من راتب المدعي وهي أسباب لا تجيز هذا الخصم ولا تبرره، ارتكاناً على التنفيذ المباشر إذ أن هذا الحق ليس مطلقاً - كما سبق أن توضح - ولا يمكن أن يخل باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري في رقابة مدى صحة وسلامة ما استندت إليه جهة الإدارة من إجراء الخصم.
ومن حيث إنه - لما تقدم - يكون الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر هذه المنازعة في غير محله، ويكون الحكم المطعون عليه قد طبق القانون تطبيقاً سليماً حين قضى ببطلان الخصم من راتب المدعي، ويكون الطعن على غير أساس سليم من القانون، ويتعين لذلك رفضه، مع إلزام الحكومة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعنة بالمصروفات