مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 825

(109)
جلسة 21 من يونيه سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ المستشار مصطفى كامل إسماعيل - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي ومحمد طاهر عبد الحميد وأحمد علي البحراوي ومحمد صلاح الدين السعيد - المستشارين.

القضية رقم 108 لسنة 11 القضائية

( أ ) عقد إداري. "موضوعه ترخيص استغلال مقصف". "تنفيذه".
الإعفاء من أداء الإتاوة المقررة القصد منه التأمين من المفاجآت - عدم تحقق ذلك بالنسبة إلى غلق الكلية فترة أجازة نصف السنة وكذلك بالنسبة لشهور رمضان - أساس ذلك.
(ب) عقد إداري "موضوعه ترخيص استغلال مقصف". "فسخ".
عدم النص على حق الجهة الإدارية في التعويض، علاوة على مصادرة التأمين، عما يلحقها من ضرر بسبب عدم قيام المتعهد بتنفيذ التزامه لا يؤدي في حالة فسخ العقد إلى حظر الجمع بين التعويض ومصادرة التأمين - أساس ذلك.
(جـ) عقد إداري "تأمين نهائي".
الجمع بين مصادرة التأمين والتعويض جائز طالما لا يحظر العقد الإداري هذا الجمع صراحة وما زال الضرر موجوداً بعد مصادرة التأمين.
1 - إن حق طلب الإعفاء من الإيجار منوط بأن تصدر الجامعة أمراً بإغلاق الكلية التابع لها المقصف. وليس من شك أن المقصود من تخويل المرخص له حق الإعفاء في هذه الحالة هو تأمينه ضد المفاجآت، أما حيثما يكون معلوماً له من قبل - شأنه في ذلك شأن الكافة - أن الكلية تغلق أبوابها في فترة إجازة نصف السنة، فإنه لا يكون للمتعهد أدنى حق في طلب الإعفاء من أداء الإتاوة المستحقة عن هذه الفترة، وكذلك الشأن بالنسبة إلى شهر رمضان المعظم الذي تستوجب شعائره واحترام فروضه امتناع المسلمين عن التعامل مع المقصف موضوع الاستغلال، وهو ما أدخله المتعهد - بغير جدال في اعتباره وحسبانه عند تقديم عطائه مما لا يسوغ له أن يتمسك بإعفائه من أداء الإتاوة المقررة خلاله.
2 - إن شروط العقد موضوع الترخيص وإن لم يرد فيه نص، علاوة على مصادرة التأمين، على حق الجامعة في التعويض عما يلحقها من ضرر بسبب عدم قيام المتعهد بتنفيذ التزامه، إلا أن مجرد عدم النص على ذلك لا يؤدي في حالة فسخ العقد إلى حظر الجمع بين التعويض ومصادرة التأمين، ذلك أن فسخ العقد يخضع لقاعدة قانونية عامة تقضي بأن الدائن الذي أجيب إلى فسخ العقد أن يرجع بالتعويض عما أصابه من ضرر على المدين إذا كان عدم قيام هذا المدين بتنفيذ التزامه راجعاً إلى خطئه نتيجة إهمال أو تعمد من جانبه، وكان قد ترتب على هذا الخطأ ضرر. ومن ثم فإن هذا التعويض الذي مرده إلى القواعد القانونية العامة مستقل في سببه كما أنه مختلف في طبيعته ووجهته وغايته عن شرط مصادرة التأمين الذي هو أحد الجزاءات المالية التي جرى العرف الإداري على اشتراطها في العقد الإداري وما دام السبب في كل من مصادرة التأمين والتعويض مستقلاً عنه في الآخر، والطبيعة والوجهة والغاية في كل منهما متباينة، فلا تثريب إن اجتمع في حالة فسخ العقد مع مصادرة التأمين استحقاق التعويض، إذ لا يعتبر الجمع بينهما ازدواجاً للتعويض، حتى ولو لم ينص في العقد الإداري على استحقاق التعويض لأن استحقاقه كما سلف البيان إنما هو تطبيق للقواعد العامة.
3 - إنه من المقرر أن الجمع بين مصادرة التأمين والتعويض رهين بأن لا يحظر العقد الإداري صراحة هذا الجمع، وأن يكون الضرر لا يزال موجوداً بعد مصادرة التأمين أي يجاوز قيمة هذا التأمين، فإذا كانت مصادرة التأمين قد جبرت الضرر كله فلا محل للتعويض بالتطبيق للقواعد العامة ما لم يتفق على خلاف ذلك.


"المحكمة"

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن السيد/ لمعي حبيب روفائيل أقام الدعوى رقم 32 لسنة 13 القضائية ضد وزارة التربية والتعليم وكلية الطب بجامعة القاهرة، بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 9 من أكتوبر سنة 1958 طلب فيها الحكم بإلزام المدعى عليهما بأن يدفعا للمدعي مبلغ 1000 جنيه ألف جنيه بالتضامن فيما بينهما كتعويض عن الأدوات والمهمات والبضائع المملوكة له والتأمين المدفوع للكلية وعما أصابه من أضرار وخسائر نتيجة إنهاء العقد بطريقة تعسفية دون سبب مع المصاريف ومقابل الأتعاب وحفظ كافة الحقوق". وتوجز أسانيد دعواه في أنه رخص له باستغلال مقصف كلية الطب بجامعة القاهرة لمدة تبدأ من نوفمبر سنة 1957 وتنتهي في آخر أغسطس سنة 1958 بإيجار شهري قدره 60 جنيهاً وقد قام بدفع مبلغ 180 جنيهاً قيمة التأمين المقرر واستمر في استغلال المقصف وأداء مقابل الاستغلال شهرياً إلى أن أصدرت الكلية أمراً بإغلاق المقصف خلال شهر رمضان للسنة الهجرية 1377 الذي حل في مارس سنة 1958 فطلب إعفاءه من إيجار الشهر المذكور إلا أن طلبه رفض، ثم فوجئ في 14 من مايو سنة 1958 بحرس الكلية المذكورة يغلقون المقصف بحجة تأخره في سداد الإيجار، فأقام الدعوى رقم 4218 لسنة 1958 مستعجل مصر يطلب فيها تمكينه من إعادة وضع يده على المقصف بعد أن طرد منه بالقوة ودون سابق تنبيه أو إنذار، وقد قضى في الدعوى المذكورة بعدم اختصاص المحكمة بنظرها، ثم في 21 من يوليه سنة 1958 أنذر كلية الطب طالباً رد التأمين وتسليمه المهمات والبضائع والأدوات الموجودة بالمخزن المغلق وهي عدته في مزاولة عمله وكسب رزقه، إلا أن الكلية امتنعت عن الاستجابة لهذا الطلب. ولما كانت الإجراءات التي اتخذت في حقه هي إجراءات تعسفية ومشوبة بإساءة استعمال السلطة مما يستوجب تعويضه عن الأضرار التي لحقته بسبب هذه الإجراءات الخاطئة، فإنه يطلب الحكم بإلزام جهة الإدارة بأن تدفع له التعويض الذي يقدره بمبلغ ألف جنيه منها 400 جنيه أربعمائة جنيه قيمة المهمات والأدوات والبضائع التي احتجزتها الكلية و600 ستمائة جنيه مقابل الخسائر التي تحملها وما فاته من ربح.
وقد أجابت جامعة القاهرة عن الدعوى بمذكرة مؤرخة 21 من فبراير سنة 1959 أشارت فيها إلى أن المدعي استأجر مقصف كلية الطب وظل ينفذ العقد ويسدد الإيجار، إلا أنه امتنع عن الدفع اعتباراً من أول فبراير حتى مايو سنة 1958، فاستحق عليه مبلغ يجاوز قيمة التأمين المدفوع منه وبمطالبته بالوفاء بهذا المبلغ امتنع عن السداد الأمر الذي اضطرت معه الكلية، بعد أن شكلت لجنة إدارية لفحص الموضوع إلى إغلاق المقصف ثم قررت في 14 من مايو سنة 1958 إلغاء الترخيص ومصادرة التأمين، وأبلغته بذلك. انتهت الجهة الإدارية إلى طلب الحكم برفض الدعوى. وفي أول مارس سنة 1960 قام المدعي بتوجيه طلباته إلى السيد مدير عام جامعة القاهرة بصفته ثم في 28 إبريل سنة 1960 أودعت جامعة القاهرة قلم كتاب محكمة القضاء الإداري صحيفة دعوى فرعية طلبت فيها الحكم: "بإلزام المدعي بأن يدفع للطالبة مبلغ 120 جنيهاً والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ رفع الدعوى حتى تمام الوفاء والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة" وأخيراً في جلسة 8 من مايو سنة 1960 عدل المدعي طلباته في الدعوى الأصلية إلى طلب الحكم "أولاً/ بثمن البضائع والأثاث بواقع 540 جنيه و500 بدلاً من 400 جنيه، ثانياً/ باسترداد باقي التأمين وقدره 90 جنيهاً بعد حساب كامل الإتاوة حتى تاريخ طرد المدعي من المقصف ثالثاً/ 600 جنيه تعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي لحقته بسبب طرده دون وجه حق". وبجلسة، 25 من أكتوبر سنة 1964 قضت محكمة القضاء الإداري "هيئة العقود الإدارية والتعويضات" أولاً/ في الدعوى الأصلية برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها. وفي الموضوع بإلزام الجامعة المدعى عليها بأن تدفع للمدعي لمعي حبيب روفائيل مبلغ 90 تسعين جنيهاً ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات، ثانياً/ في الدعوى الفرعية بإلزام لمعي حبيب روفائيل بأن يدفع للجامعة المدعية مبلغ 90 تسعين جنيهاً ورفضت كل ما عدا ذلك من الطلبات، ثالثاً/ أمرت بإجراء المقاصة بين الأطراف عن المبالغ المقضي بها، وكذلك المقاصة في أتعاب المحاماة وألزمت كلاً منهما بالمصاريف المناسبة. "وأقامت قضاءها بالنسبة إلى رفض الدفع بعدم الاختصاص على أن طلب التعويض محل المنازعة الراهنة إنما يقوم على إخلال الجهة الإدارية بالتزاماتها التعاقدية وبهذه المثابة تكون المنازعة متفرعة عن عقد إداري ترتب على إلغائه ضرر يختص القضاء الإداري بنظر طلب التعويض عنه طالما أن هذا القضاء هو صاحب الولاية وحده في نظر المنازعات الخاصة بالعقود الإدارية طبقاً للقانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة. وبالنسبة إلى موضوع الدعوى الأصلية على أنه متى ثبت أن المقصف كان مغلقاً بأمر كلية الطب في أجازة نصف السنة وخلال شهر رمضان، وأن الكلية بناءً على طلب الجامعة لم تصادر قيمة التأمين، بل خصمتها من المستحق على المدعي فإن طلب عدم مصادرة التأمين وإعفاءه من مقابل فترة الإجازة وشهر رمضان يكون في محله ويتعين إجابته إليه والحكم له بمبلغ 90 جنيهاً باقي قيمة التأمين بعد خصم مقابل الاستغلال حتى 15 من مايو سنة 1958 تاريخ إلغاء العقد، أما عن طلب التعويض فإن الإجراءات التي اتخذتها الجامعة كانت للمحافظة على حقوقها طبقاً لشروط العقد وقد صدرت قراراتها في هذا الخصوص مبرأة من كل العيوب ومن إساءة استعمال السلطة مما لا محل معه لمساءلة الجامعة بتعويض عنها. وفيما يتعلق بالدعوى الفرعية فإن إغلاق المقصف باقي مدة التعاقد قد أصاب الجامعة بضرر قدرت المحكمة التعويض عنه بمبلغ 90 جنيهاً تعويضاً شاملاً جابراً، وأمرت بالمقاصة بين هذا المبلغ والمبلغ الذي قضت به للمدعي في الدعوى الأصلية، ورفضت طلب الحكم بالفوائد لعدم الجدوى في هذه الحالة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون ذلك أنه كان يتعين القضاء بانقطاع الخصومة بالنسبة إلى السيد وزير التربية والتعليم لزوال صفته بإنشاء وزارة التعليم العالي، وأنه ليس صحيحاً أن الجامعة لم تصادر قيمة التأمين إذ الثابت أنها تمسكت بذلك طبقاً لنص المادة 12 من العقد وأبلغت المدعي بإلغاء العقد ومصادرة التأمين في 15 من مايو سنة 1958 أما بالنسبة لإعفاء المدعي من مقابل الاستغلال عن فترة أجازة نصف السنة وشهر رمضان فلم يصدر من الكلية المتعاقدة أمر بإغلاق المقصف في هاتين الفترتين حتى يمكن القول بهذا الإعفاء، هذا إلى أن الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب إذ قدر قيمة التعويض عن الضرر الذي أصاب الجامعة بمبلغ 90 جنيهاً هو عبارة عن الجعل المتفق عليه لمدة شهر ونصف، على حين أن ما فاتها من كسب هو مبلغ 150 جنيهاً، يضاف إليه مبلغ 120 جنيهاً قيمة باقي الأجرة المستحقة حتى تاريخ فسخ العقد بعد خصم المبالغ المتحصلة من بيع بعض المنقولات المحجوز عليها، كما أن حق الجامعة في اقتضاء الفوائد عن هذا المبلغ ثابت طبقاً للمادة 226 من القانون المدني، وذلك من تاريخ المطالبة القضائية.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع بعدم الاختصاص المبدى من جامعة القاهرة قد أصاب الحق في قضائه، وذلك للأسباب التي قام عليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة.
ومن حيث إنه ولئن كان وزير التربية والتعليم الذي اختصم ابتداء في الدعوى بصفته الرئيس الأعلى للجامعات المصرية - قد زالت عنه هذه الصفة بعد إنشاء وزارة التعليم العالي بقرار رئيس الجمهورية رقم 1568 لسنة 1961 وتحديد مسئولياتها بقرار رئيس الجمهورية رقم 1665 لسنة 1961 اللذين بمقتضاهما أصبح وزير التعليم العالي هو الرئيس الأعلى للجامعات المصرية الأمر الذي كان يستتبع بالضرورة اختصام وزير التعليم العالي بصفته في المنازعة الراهنة بعد أن انقطعت الخصومة بقوة القانون لزوال صفة أحد الخصوم وهو وزير التربية والتعليم بالتطبيق لنص المادة 294 من قانون المرافعات المدنية والتجارية النافذ وقتذاك لئن كان الأمر كذلك، إلا أن الإجراءات قد سارت وصدر الحكم المطعون فيه ضد جامعة القاهرة في الدعوى الأصلية مع الاستجابة إلى بعض طلباتها في الدعوى الفرعية ولم يتصد الحكم لغير الجامعة من الخصوم بحسبانها الجهة الأصلية ذات الشأن الأول في النزاع وصاحبة الصفة الحقيقية في الطعن تبعاً لذلك نزولاً على المبدأ المقرر في المادة 377 من قانون المرافعات سالف الذكر التي تقضي بعدم جواز الطعن في الأحكام إلا من المحكوم عليه، ومن ثم فإن طلب الحكم بانقطاع سير الخصومة في الدعوى بالنسبة إلى وزير التربية والتعليم يكون طلباً في غير محله لفوات أوانه وافتقاده ما يبرره في مرحلة الطعن.
ومن حيث إنه عن الدعوى الأصلية يبين من مطالعة الأوراق أنه في 22 من أكتوبر سنة 1957 رخصت كلية الطب بجامعة القاهرة للمدعي في استغلال المقصف التابع لها لقاء إتاوة قدرها 60 جنيهاً شهرياً لمدة عشرة شهور تبدأ من أول نوفمبر سنة 1957 وتنتهي في آخر أغسطس سنة 1958، وضماناً لتنفيذ شروط الترخيص التزم المرخص له بأن يؤدي مبلغ 180 جنيهاً قيمة الإتاوة عن ثلاثة شهور بصفة تأمين يخصم منه قيمة الغرامات وغيرها. وقد قام المرخص له بدفع قيمة التأمين في 22 من أكتوبر سنة 1957 بموجب القسيمة رقم 831898 واستمر يستغل المقصف كما أدى الإتاوة الشهرية المستحقة عن شهور نوفمبر وديسمبر ويناير سنة 1958، وسدد من الإتاوة المستحقة عن شهر فبراير سنة 1958 30 جنيهاً، ثم امتنع عن السداد بعد ذلك حتى 14 من مايو سنة 1958 حيث شكل عميد الكلية لجنة لتكليف المرخص له بأداء المبالغ المستحقة عليه إلا أن المذكور امتنع عن ذلك فقامت اللجنة المشار إليها بإغلاق المقصف وحررت محضراً في هذا الخصوص اعتمده السيد العميد. وفي 15 من مايو سنة 1958 أبلغت الكلية المدعي بأنه "نظراً لامتناعه عن تسديد إيجار مقصف الكلية رغم التنبيهات المتكررة عليه وطبقاً للبند 12 من العقد المبرم بشأن استغلال المقصف المذكور فقد قررت الكلية إلغاء الترخيص الصادر باستغلال المقصف ومصادرة التأمين المدفوع." وقد تظلم المدعي من هذا الإجراء فأعادت الكلية إبلاغه بإصرارها على إلغاء الترخيص ومصادرة التأمين.
ومن حيث إنه لا خلاف بين طرفي المنازعة في أن المدعي قد أخل بالتزامه بأداء الإتاوة المستحقة عليه طبقاً لشروط الترخيص موضوع العقد المبرم معه وذلك اعتباراً من منتصف شهر مايو سنة 1958 وأنه استمر في امتناعه حتى منتصف شهر مايو سنة 1958 الأمر الذي اضطرت معه الجهة الإدارية إلى إلغاء الترخيص ومصادرة التأمين بوصفه ضمانها الذي يؤمنها ضد الأخطاء الصادرة من المتعاقد معها عندما يباشر تنفيذ شروط العقد والذي يضمن لها في الوقت ذاته ملاءة المذكور عند مواجهة المسئوليات التي قد يتعرض لها من جراء إخلاله بتنفيذ أحكام العقد الإداري. وقد استندت الإدارة في اتخاذ هذا الإجراء إلى حقها المخول لها بموجب البند الثاني عشر من شروط الترخيص الذي يقضي بأنه: "إذا أخل المستأجر بأي شرط من شروط العقد كان للكلية إما أن تلغي الترخيص وتصادر التأمين وإما أن توقع عليه غرامة لا تجاوز جنيهاً في المرة الواحدة بدون حاجة إلى تنبيه أو إنذار أو اتخاذ أي إجراء قانوني." ومتى ثبت على النحو السالف بيانه أن كلية الطب بعد إذ تبين لها إصرار المرخص له في استغلال المقصف على عدم الوفاء بمقابل الاستغلال على الرغم من تنبيهه إلى ذلك مراراً، قد آثرت أن تلغي الترخيص وتصادر التأمين المدفوع منه، فإنها تكون قد أعملت سلطتها التقديرية التي تنأى عن الرقابة القضائية طالما كانت متفقة مع مبدأ المشروعية وغير متسمة بإساءة استعمال السلطة. ويكون طلب المدعي استرداد التأمين المدفوع منه بأكمله غير قائم على سند صحيح من شروط الترخيص أو القانون، ولا يقدح في هذا النظر ما أثاره الحكم المطعون فيه وسايرته فيه هيئة مفوضي الدولة من أن الجهة الإدارية بعد أن قررت مصادرة التأمين في 15 من مايو سنة 1958 عادت في 28 من سبتمبر سنة 1958 وسحبت قرارها، لأنه من المسلمات أن القرار الإداري متى صدر صحيحاً امتنع سحبه كلية وإذا كان معيباً تحصن بفوات مواعيد الطعن، وفي المنازعة الراهنة صدر قرار مصادرة التأمين في 15 من مايو سنة 1958 وهو حق لجهة الإدارة قامت أسبابه وتحققت دواعيه المترتبة على إخلال المرخص له بالتزاماته، فتظلم منه ورفض تظلمه في 19 من مايو سنة 1958، ومن ثم لم يعد هناك محل للقول بعدول الجامعة عن قرار المصادرة أو بحسبه. أما ما اتخذته الإدارة من إجراءات بعد ذلك للوصول إلى حقها عن طريق الحجز الإداري، ووضع أسس للمحاسبة مع المرخص له في محاولة لتسوية النزاع ودياً معه فإن هذه الإجراءات لا تعدو أن تكون مقترحات لم تنته إلى اتفاق نهائي بين الطرفين، بل أن المدعي رفض صراحة هذه المقترحات بكتابه المؤرخ 24 من نوفمبر سنة 1958 مشيراً إلى أن النزاع قد طرح أمام القضاء. وترتيباً على ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى أن الجهة الإدارية لم تصادر قيمة التأمين، ثم أقام على هذه النتيجة قضاءه باستحقاق المدعي لاسترداد مبلغ 90 جنيهاً من قيمة التأمين المذكور على حين أنه قد أصبح بأكمله حقاً خالصاً للمدعى عليها في الدعوى الأصلية، يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين والحالة هذه القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.
ومن حيث إنه عن دعوى المدعى عليها فإن الطلبات العارضة المقدمة من الجامعة قد تحددت نهائياً في جلسة 26 من يونيه سنة 1960 بطلب "إلزام المدعى عليه بأن يدفع للجامعة مبلغ 270 جنيهاً والفوائد 4% من تاريخ المطالبة القضائية والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة". وقد أوضحت الجامعة مفردات هذا المبلغ بأنه عبارة عن مبلغ 120 جنيهاً باقي مقابل الاستغلال في المدة من 15 من فبراير إلى 15 من مايو سنة 1958 بعد خصم مبلغ 60 جنيهاً المتحصل من بيع المنقولات المملوكة للمرخص له والمحجوز عليها إدارياً. ومبلغ 150 جنيهاً قيمة التعويض الذي تقدره عن الضرر الذي لحقها نتيجة إلغاء الترخيص قبل نهاية مدته في آخر أغسطس سنة 1958.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المرخص له قد امتنع عن أداء الإتاوة المستحقة عليه وذلك اعتباراً من منتصف شهر فبراير حتى منتصف شهر مايو سنة 1958، وبذلك يستحق للجامعة في ذمته مبلغ 180 جنيهاً قيمة الإتاوة المتفق عليها عن ثلاثة شهور بواقع 60 جنيهاً في الشهر، ثم يخصم من هذا القدر مبلغ 60 جنيهاً المتحصل من بيع المنقولات فيصبح المبلغ الذي يتعين إلزام المتعهد بأدائه هو 120 جنيهاً، دون أن يخصم منه أي مبلغ مقابل مدة إجازة نصف السنة وشهر رمضان المعظم ومدتهما شهر ونصف وهما اللذان يتمسك المرخص له بأن المقصف كان مغلقاً خلالهما ذلك أن البند الثالث عشر من شروط العقد يقضي بأنه "ليس للمستأجر أن يطلب إعفاءه من الإيجار جزئياً أو كلياً لأي سبب من الأسباب وإنما يكون له الحق في طلب الإعفاء من أداء الإيجار أو جزء منه إذا أصدرت الجامعة أمراً بإغلاق الكلية. ويقتصر طلب الإعفاء عن المدة التي تغلق فيها الكلية فقط". ومفاد هذا النص أن حق طلب الإعفاء من الإيجار منوط بأن تصدر الجامعة أمراً بإغلاق الكلية التابع لها المقصف. وليس من شك أن المقصود من تخويل المرخص له حق الإعفاء في هذه الحالة هو تأمينه ضد المفاجآت، أما حيثما يكون معلوماً له من قبل - شأنه في ذلك الكافة - أن الكلية تغلق أبوابها في فترة إجازة نصف السنة. فإنه لا يكون للمتعهد أدنى حق في طلب الإعفاء من أداء الإتاوة المستحقة عن هذه الفترة، وكذلك الشأن بالنسبة إلى شهر رمضان المعظم الذي تستوجب شعائره واحترام فروضه امتناع المسلمين عن التعامل مع المقصف موضوع الاستغلال، وهو ما أدخله المتعهد - بغير جدال في اعتباره وحسبانه عند تقديم عطائه مما لا يسوغ له أن يتمسك بإعفائه من أداء الإتاوة المقررة خلاله.
ومن حيث إن الجامعة تقدر التعويض الجابر لما لحقها من ضرر نتيجة إلغاء الترخيص بسبب إخلال المتعاقد معها بالتزاماته بمبلغ 150 جنيهاً. وقد استبان للحكم - المطعون فيه من جانب الجامعة وحدها - مدى أحقيتها لهذا الطلب فقضى بإلزام المدعى عليه بأن يدفع لها مبلغ 90 جنيهاً تعويضاً شاملاً جابراً لجميع الأضرار، وتنعى الجامعة على هذا التقدير قصوره عن استيعاب كافة عناصر الضرر التي تتمثل في عدم استغلال المقصف في المدة من 15 من مايو حتى نهاية أغسطس سنة 1958، أي لمدة شهرين ونصف، باعتبار أن شهري يوليه وأغسطس يعتبران شهراً واحداً عند تحديد الإتاوة المستحقة طبقاً للبند الثاني من شروط الترخيص.
ومن حيث إن البند الثاني عشر من شروط العقد موضوع الترخيص وإن لم يرد فيه نص، علاوة على مصادرة التأمين، على حق الجامعة في التعويض عما يلحقها من ضرر بسبب عدم قيام المتعهد بتنفيذ التزامه، إلا أن مجرد عدم النص على ذلك لا يؤدي في حالة فسخ العقد إلى حظر الجمع بين التعويض ومصادرة التأمين، ذلك أن فسح العقد يخضع لقاعدة قانونية عامة تقضي بأن للدائن الذي أجيب إلى فسخ العقد أن يرجع بالتعويض عما أصابه من ضرر على المدين إذا كان عدم قيام هذا المدين بتنفيذ التزامه راجعاً إلى خطئه نتيجة إهمال أو تعمد من جانبه، وكان قد ترتب على هذا الخطأ ضرر. ومن ثم فإن هذا التعويض الذي مرده إلى القواعد القانونية العامة مستقل في سببه كما أنه مختلف في طبيعته ووجهته وغايته عن شرط مصادرة التأمين الذي هو أحد الجزاءات المالية التي جرى العرف الإداري على اشتراطها في العقد الإداري وما دام السبب في كل من مصادرة التأمين والتعويض مستقلاً عنه في الآخر، والطبيعة والوجهة والغاية في كل منهما متباينة، فلا تثريب إن اجتمع في حالة فسخ العقد مع مصادرة التأمين استحقاق التعويض، إذ لا يعتبر الجمع بينهما ازدواجاً للتعويض، حتى ولو لم ينص في العقد الإداري على استحقاق التعويض، لأن استحقاقه كما سلف البيان إنما هو تطبيق للقواعد العامة.
ومن حيث إنه من المقرر أن الجمع بين مصادرة التأمين والتعويض رهين بأن لا يحظر العقد الإداري صراحة هذا الجمع، وأن يكون الضرر لا يزال موجوداً بعد مصادرة التأمين أي يجاوز قيمة هذا التأمين، فإذا كانت مصادرة التأمين قد جبرت الضرر كله فلا محل للتعويض بالتطبيق للقواعد العامة ما لم يتفق على خلاف ذلك.
ومن حيث إنه بتطبيق الأصول المتقدمة على المنازعة الراهنة يبين أن قيمة التأمين الذي تقررت مصادرته تبلغ 180 جنيهاً على حين أن التعويض الجابر الذي قدرته الجامعة ذاتها يبلغ 150 جنيهاً، ومن ثم فإن مصادرة التأمين تكون قد جبرت الضرر موضوع التعويض كله، ولم تشتمل شروط العقد على نصوص تغاير ذلك.
ومن حيث إنه بناءً على ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه، إذ أخذ بغير هذا النظر في خصوص الطلبات العارضة، قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين من ثم القضاء بإلغائه في هذا الخصوص وبإلزام السيد/ لمعي حبيب روفائيل بأن يدفع لجامعة القاهرة مبلغ 120 جنيهاً (مائة وعشرين جنيهاً) وفوائده القانونية بواقع 4% (أربعة في المائة) سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 28 من إبريل سنة 1960 لغاية تمام الوفاء مع إلزامه بالمصروفات المناسبة، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات.

"فلهذه الأسباب"

"حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه: (أولاً) بالنسبة إلى الدعوى الأصلية بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات. و(ثانياً) فيما يتعلق بالطلب العارض المقدم من جامعة القاهرة المدعى عليها بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلزام السيد/ لمعي حبيب روفائيل بأن يدفع للجامعة المذكورة مبلغ 120ج (مائة وعشرين جنيهاً) وفوائده القانونية بواقع 4% (أربعة في المائة) سنوياً، من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 28 من إبريل سنة 1960 لغاية تمام الوفاء، مع إلزامه بالمصروفات المناسبة، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات".