أحكام المحكمة الدستورية العليا - الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 - صـ 985

جلسة 15/ نوفمبر 1997

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: نهاد عبد الحميد خلاف وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وماهر أحمد البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

قاعدة رقم (67)
القضية رقم 106 لسنة 18 قضائية "دستورية"

1 - اختصاص - المحكمة الدستورية العليا.
تقرير المحكمة الدستورية العليا - ابتداء - اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى.
2 - دستور "اختصاص المحكمة الدستورية العليا" - رقابة قضائية "محلها".
انفراد المحكمة الدستورية العليا - وفقاً للمادة 175 من الدستور - بالرقابة القضائية على الشرعية الدستورية - تعلق رقابة هذه المحكمة بالقانون بمعناه الموضوعي الأعم - تحديده على ضوء كل قاعدة قانونية تضمنها تنظيم تشريعي أصلياً كان أم فرعياً.
3- عاملون "الجمعية التعاونية للبترول".
الجمعية المذكورة تعمل بوصفها شركة مساهمة من أشخاص القانون الخاص - علاقة العاملين بها - أياً كان موقعهم - عقدية بطبيعتها وتحكمها قواعد القانون الخاص - اللائحة الصادرة بتنظيم مستحقاتهم قبلها لا تعتبر تشريعاً - عدم امتداد الرقابة القضائية في شأن الشرعية الدستورية عليها.
1 - قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تقرير اختصاصها ولائياً بنظر دعوى بذاتها، سابق بالضرورة على تثبتها من توافر شروط اتصال الخصومة القضائية بها وفقاً للأوضاع المنصوص عليها في قانونها. كذلك فإن حكمها باختصاصها بنظر خصومة بذاتها، لا يمنعها من الفصل في توافر الشرائط التي تطلبها القانون لقبولها، باعتبارها مدخلها للخوض في موضوعها.
2، 3 - الهيئة المصرية العامة للبترول، وإن كانت من أشخاص القانون العام باعتبارها من الهيئات العامة التي كفل المشرع استقلالها مالياً وإدارياً، إلا أن الجمعية التعاونية للبترول تعمل بوصفها شركة مساهمة من أشخاص القانون الخاص، ويتعلق نشاطها بتطبيق قواعد هذا القانون، وبالوسائل التي ينتهجها. ومن ثم لا يعتبر العاملون فيها موظفين عامين يرتبطون بها بعلاقة تنظيمية، بل يعملون لديها باعتبارها رباً للعمل، ووفقاً للشروط التي يرتضونها، وعلاقتهم بها بالتالي - أياً كان موقعهم - عقدية بطبيعتها، وتحكمها قواعد القانون الخاص.
خول الدستور المحكمة الدستورية العليا بنص المادة 175، أن تباشر - دون غيرها - رقابتها على دستورية القوانين واللوائح وذلك على الوجه المبين في القانون. وبناءً على هذا التفويض، أصدر المشرع قانونها، محدداً نطاق ولايتها في مجال صون الشرعية الدستورية، فاختصها بها دون غيرها؛ وجعل محلها منصباً على النصوص القانونية أياً كان موضعها، أو نطاق تطبيقها، أو الجهة التي أقرتها أو صدرتها؛ وغايتها ضمان اتفاق هذه النصوص مع القيم التي احتضنها الدستور؛ بما مؤداه تعلق رقابتها بالقانون بمعناه الموضوعي الأعم، محدداً على ضوء كل قاعدة قانونية تضمنها تنظيم تشريعي، أصلياً كان أم فرعياً.
وإذ كان النزاع الراهن يتعلق بلائحة أقرها مجلس إدارة الجمعية التعاونية للبترول، منظماً بها أوضاع عمالها فيما يتعلق بمرتباتهم وعلاواتهم ومكافأة الميزة الأفضل التي يستحقونها وأسس حسابها؛ فإن أحكامها - ويندرج تحتها البند ثالثاً المطعون عليه - لا تعتبر تشريعاً بالمعنى الموضوعي، ولا تمتد إليها بالتالي الرقابة التي تتولاها هذه المحكمة في شأن الشرعية الدستورية.


الإجراءات

بتاريخ 12 أكتوبر سنة 1996، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية البند ثالثاً من قرار الهيئة المصرية العامة للبترول رقم 19 لسنة 1985 الصادر بتاريخ 17/ 9/ 1985.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها القانوني.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي كان يعمل لدى المدعى عليها الأولى - الجمعية التعاونية للبترول - وأنهيت خدمته اعتباراً من 1/ 5/ 1995 لبلوغه سن الستين، وإذ صرفت الجمعية ما يستحقه من مكافأة الميزة الأفضل مقدرة على أساس أجره الأساسي في 30/ 6/ 1985 مضافاً إليه متوسط الحافز الذي صرفه عن شهري أكتوبر ونوفمبر سنة 1982، وليس على أساس أجره الأخير، فقد أقام ضد المدعى عليهم الثلاثة الأولين، الدعوى رقم 431 لسنة 1991 أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية - دائرة العمال - بطلب الحكم بعدم الاعتداد بقرار الهيئة المصرية العامة للبترول رقم 19 لسنة 1985 الصادر بتاريخ 17/ 9/ 1985، فيما تضمنه البند ثالثاً منه من عدم احتساب مكافأة الميزة الأفضل على أساس أجره الأخير في 30/ 4/ 1995، مع أداء الفروق المالية التي يستحقها ومقدارها 54449.22 جنيهاً، فضلاً عن التعويض عما لحق به من أضرار مالية ونفسية.
وإذ دفع المدعي - أثناء نظره دعواه الموضوعية - بعدم دستورية القرار رقم 19 لسنة 1985 الصادر عن مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للبترول بتاريخ 17/ 9/ 1985؛ وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعي برفع الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المدعي ينعي على البند ثالثاً من القرار المطعون عليه - وبه يتحدد نطاق المصلحة في الدعوى الدستورية - أن ما قضي به من حساب مكافأة الميزة الأفضل في حدود الربط الثابت للوظائف العليا والنهايات المعتمدة حتى تاريخ 30/ 6/ 1985 لربط المستويات الأول والثاني والثالث، إنما ينطوي على عدوان على الملكية الخاصة التي كفل الدستور صونها، تأسيساً على أن حساب مكافأة الميزة الأفضل التي يستحقها كان ينبغي أن تتم وفقاً لآخر أجر فعلي تقاضاه قبل إحالته إلى المعاش، وأن حسابها على أساس آخر قلل كثيراً من مقدارها، واغتال جانباً كبيراً من مبلغها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تقرير اختصاصها ولائياً بنظر دعوى بذاتها، سابق بالضرورة على تثبتها من توافر شروط اتصال الخصومة القضائية بها وفقاً للأوضاع المنصوص عليها في قانونها. كذلك فإن حكمها باختصاصها بنظر خصومة بذاتها، لا يمنعها من الفصل في توافر الشرائط التي تطلبها القانون لقبولها، باعتبارها مدخلها للخوض في موضوعها.
وحيث إنه عملاً بنص المادة 9 من القانون رقم 20 لسنة 1976 في شأن الهيئة المصرية العامة للبترول، يختص مجلس إدارتها - ودون تقيد بالنظم الحكومية، أو بأوضاع العاملين في القطاع العام - بوضع لوائح تنظم شئون العاملين بها، ويندرج تحتها قواعد مرتباتهم وأجورهم ومكافآتهم وبدلاتهم وغيرها من المزايا، مع جواز تطبيقها على غير هؤلاء من العاملين بقطاع البترول فيما تقرره من مزايا أفضل. وإعمالاً لهذه المادة، أصدر المجلس بتاريخ 17/ 9/ 1985 لائحة ضمنها تعديلاً لأجور العاملين بالهيئة وعلاواتهم وفق الأسس التي حددها، ومن بينها القيد المقرر بالبند ثالثاً منها - وهو النص المطعون عليها - ومؤداه ألا يعتد على الإطلاق بالزيادات التي تترتب على تطبيق هذه التعديلات على ما يصرف للعامل عند انتهاء خدمته نتيجة تطبيق أنظمة خاصة كالميزة الإضافية أو الاستثنائية أو أي ميزات أخرى مقررة ببعض الشركات، ويظل حسابها على ذات الأسس السارية حالياً؛ وهو ما يعني حسابها في حدود الربط الثابت للوظائف العليا والنهايات المالية لربط المستويات الأول والثاني والثالث والمعتمدة حتى تاريخ 30/ 6/ 1985.
وحيث إن وزير البترول والثروة المعدنية - إعمالاً للسلطة التي يباشرها بمقتضى المادة 11 من القانون المشار إليه - اعتمد هذه اللائحة، وأجاز تطبيقها في شأن من يرغب من شركات القطاع العام، وبموافقة مجلس إدارتها، وبشرط عدم تعديل القواعد التي تضمنتها.
وحيث إن مجلس إدارة الجمعية التعاونية للبترول، كان قد أصدر القرار رقم 89 بتاريخ 19/ 9/ 1985 بإعمال تلك اللائحة بكافة بنودها على عمالها. غير أن مجلس إدارة هذه الجمعية أصدر بعدئذ القرار رقم 46 بتاريخ 30/ 8/ 1987 قاضياً بأن يتم حساب الميزة الأفضل وفقاً لآخر أجر حصل عليه العامل، وليس على أساس الربط المقرر بالبند ثالثاً المشار إليه. بيد أن هذا المجلس نقض هذا القرار بقرار لاحق، وأبقى على هذا البند في مجال تطبيقه بالنسبة إلى هذه الميزة.
وحيث إن المادتين 1، 5 من القانون رقم 20 لسنة 1976 في شأن الهيئة المصرية العامة للبترول، تقضيان بأنها هيئة عامة تستقل بشخصيتها الاعتبارية، وأن موازنتها تعد على نمط الموازنات التجارية، وتعتبر أموالها مملوكة للدولة ملكية خاصة.
وحيث إن المادة الأولى من القرار بقانون رقم 57 لسنة 1963 في شأن تحويل الجمعية التعاونية للبترول بالقاهرة إلى شركة مساهمة، تنص على أنه استثناء من أحكام القانون رقم 26 لسنة 1954 في شأن الشركات المساهمة، والقانون رقم 317 لسنة 1956 بشأن إصدار قانون الجمعيات التعاونية، تحول الجمعية التعاونية للبترول إلى شركة مساهمة يطلق عليها اسم [الجمعية التعاونية للبترول] تتبع المؤسسة المصرية العامة للبترول، ويصدر بنظامها الأساسي قرار من مجلس إدارة هذه المؤسسة. ووفقاً للمادة 3 من القرار بقانون، يكون لحامل كل سهم من أسهم الجمعية سهم من أسهم الشركة الجديدة بنفس قيمته الاسمية، كذلك نصت المادة 6 على أن تحل هذه الشركة محل الجمعية المذكورة في حقوقها والتزاماتها.
وحيث إن مفاد ما تقدم، أن الهيئة المصرية العامة للبترول، وإن كانت من أشخاص القانون العام باعتبارها من الهيئات العامة التي كفل المشرع استقلالها مالياً وإدارياً، إلا أن الجمعية التعاونية للبترول تعمل بوصفها شركة مساهمة من أشخاص القانون الخاص، ويتعلق نشاطها بتطبيق قواعد هذا القانون، وبالوسائل التي ينتهجها. ومن ثم لا يعتبر العاملون فيها موظفين عامين يرتبطون بها بعلاقة تنظيمية، بل يعملون لديها باعتبارها رباً للعمل، ووفقاً للشروط التي يرتضونها، وعلاقتهم بها بالتالي - أياً كان موقعهم - عقدية بطبيعتها، وتحكمها قواعد القانون الخاص.
وحيث إن اللائحة المطعون عليها، وإن كانت قد صدرت عن مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للبترول، متوخياً بها - أصلاً - فتح نهاية الربط للمستويات الوظيفية المختلفة، وبما يسمح باستمرار منح العلاوات السنوية لجميع العاملين فيها، ودون ما اعتداد بالزيادة المترتبة على تطبيق هذه التعديلات فيما يصرف للعامل من مكافأة الميزة الأفضل عند انتهاء خدمته، والتي يظل حسابها على ذات الأسس السارية في تاريخ العمل بهذه اللائحة؛ إلا أن سريان هذه اللائحة على عمال الجمعية التعاونية للبترول بمقتضى القرار رقم 89 الصادر عن مجلس إدارتها في 19/ 9/ 1985، مؤداه أن الجمعية - وبوصفها من أشخاص القانون الخاص - هي التي قررت تطبيقها على عمالها الخاضعين كذلك لقواعد هذا القانون، بما يخرجها عن الحدود التي تباشر هذه المحكمة في نطاقها رقابتها على الشرعية الدستورية، لأمرين: أولهما: أن الدستور خول هذه المحكمة بنص المادة 175، أن تباشر - دون غيرها - رقابتها على دستورية القوانين واللوائح وذلك على الوجه المبين في القانون. وبناءً على هذا التفويض، أصدر المشرع قانونها، محدداً نطاق ولايتها في مجال صون الشرعية الدستورية، فاختصها بها دون غيرها؛ وجعل محلها منصباً على النصوص القانونية أياً كان موضعها، أو نطاق تطبيقها، أو الجهة التي أقرتها أو صدرتها؛ وغايتها ضمان اتفاق هذه النصوص مع القيم التي احتضنها الدستور؛ بما مؤداه تعلق رقابتها بالقانون بمعناه الموضوعي الأعم، محدداً على ضوء كل قاعدة قانونية تضمنها تنظيم تشريعي، أصلياً كان أم فرعياً. ثانيهما: أن سريان هذه اللائحة على كل من العاملين بالهيئة المصرية العامة للبترول وكذلك على الجمعية التعاونية للبترول - في آن واحد - لا يعني فصم الحدود الفاصلة بين كل من الهيئة والجمعية، فلا تزال لكل منهما شخصيتها القانونية ودائرة نشاطها، ونظامها القانوني الخاص بها. وفي نطاق الدائرة التي تخص كل منهما، تتحد علاقتها بالعاملين فيها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النزاع الراهن يتعلق بلائحة أقرها مجلس إدارة الجمعية التعاونية للبترول، منظماً بها أوضاع عمالها فيما يتعلق بمرتباتهم وعلاواتهم ومكافأة الميزة الأفضل التي يستحقونها وأسس حسابها؛ فإن أحكامها - ويندرج تحتها البند ثالثاً المطعون عليه - لا تعتبر تشريعاً بالمعنى الموضوعي، ولا تمتد إليها بالتالي الرقابة التي تتولاها هذه المحكمة في شأن الشرعية الدستورية.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة[(1)].


[(1)] استناداً إلى الحجية المطلقة لهذا الحكم، قضت المحكمة - وخلال الفترة التي صدر عنها هذا الجزء من أحكامها - باعتبار الخصومة منتهية في الدعاوى المماثلة الآتية:
1 - الدعوى رقم 154 لسنة 19 ق دستورية جلسة 9/ 5/ 1998.
2 - الدعوى رقم 99 لسنة 19 ق دستورية جلسة 9/ 5/ 1998.
3 - الدعوى رقم 102 لسنة 19 ق دستورية جلسة 9/ 5/ 1998.