مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 834

(110)
جلسة 21 من يونيه سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ المستشار مصطفى كامل إسماعيل - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي ومحمد طاهر عبد الحميد وأحمد علي البحراوي وعلي لبيب حسن - المستشارين.

القضية رقم 708 لسنة 13 القضائية

( أ ) إيجار الأماكن. "مجلس المراجعة".
القانون رقم 46 لسنة 1962 بتحديد إيجار الأماكن أغلق باب الطعن بالإلغاء بالنسبة إلى قرارات مجلس المراجعة - قصد المشروع هو عزل القضاء عن نظر مثل هذه المنازعات - عدم جواز سماع الدعوى بطلب إلغاء قرار مجلس المراجعة أياً كانت طبيعة المخالفات ما دامت لا تنحدر بالقرار إلى درجة الانعدام.
(ب) قرار إداري - "انعدامه". إيجار أماكن "مجلس المراجعة".
القانون رقم 46 لسنة 1962 وكذلك قرار وزارة الإسكان رقم 540 لسنة 1962 ليس فيهما ما يوجب إخطار مالك العقار بأن تظلماً قد رفع من المستأجر عن قرار لجنة التقدير - هذا الإخطار لا يعتبر إجراءً جوهرياً في ذاته بحيث يترتب على مجرد إغفاله انعدام قرار مجلس المراجعة، أساس ذلك.
1 - يبين من استقراء أحكام القانون رقم 46 لسنة 1962 بتحديد إيجار الأماكن، إن قرار مجلس المراجعة نهائي، ولا يجوز الطعن فيه أمام القضاء، إذ تنص الفقرة الثالثة من المادة (5) من القانون المذكور على ما يأتي:
"يكون قرار مجلس المراجعة غير قابل لأي طريق من طرق الطعن".
ويؤخذ من ذلك أن المشرع قد أغلق باب الطعن بالإلغاء بالنسبة إلى قرارات مجلس المراجعة التي تصدر بالتطبيق لأحكام القانون سالف الذكر لا فرق في ذلك بين من طبق القانون في حقه تطبيقاً صحيحاً ومن لم يطبق هكذا في حقه، وأياً كانت طبيعة المخالفة القانونية أو نوع الانحراف في تحصيل الواقع أو تطبيق القانون، لأن القصد من المنع هو عزل القضاء عن نظر مثل هذه المنازعات استقراراً للوضع بالنسبة إلى تحديد القيمة الايجارية للأماكن، إذ أنه لا يجوز سماع الدعوى بطلب إلغاء قرار المجلس أياً كانت طبيعة المخالفات التي ينعاها صاحب الشأن على هذا القرار، ما دامت لا تنحدر به إلى درجة الانعدام.
2 - إن أحكام القانون رقم 46 لسنة 1962، وكذلك نصوص قرار وزارة الإسكان رقم 540 لسنة 1962 المعدل بالقرار رقم 140 لسنة 1963 المنظم لإجراءات التظلم من قرار لجنة التقدير والفصل في التظلم بوساطة مجلس المراجعة، قد خلت مما يوجب إخطار مالك العقار بأن تظلماً قد رفع من المستأجر عن قرار لجنة التقدير أو مما يوجب إبلاغه كذلك بالجلسة المعينة أمام مجلس المراجعة لنظر هذا التظلم، بل إن هذه النصوص قد خلت جميعاً مما يؤخذ منه أن هذا الإعلان يعتبر إجراء جوهرياً في ذاته، بحيث يترتب على مجرد إغفاله بطلان القرار بحسب مقصود الشارع، ولما كان الإعلان غير لازم قانوناً على هذا الوجه فإن إغفال إجرائه لا يلحق بالتالي بقرار مجلس المراجعة أي بطلان أو انعدام، ذلك أن التظلم المقدم لمجلس المراجعة لا يختصم المالك بل يختصم قرار لجنة التقدير ذاته.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعين أقاموا الدعوى رقم 581 لسنة 19 القضائية ضد محافظة القاهرة بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 10 من ديسمبر سنة 1964 وطلبوا فيها الحكم: "بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء قرار مجلس المراجعة الصادر بتاريخ 11 من أكتوبر سنة 1964 بجميع مشتملاته مع ما يترتب من آثاره مع إلزام المعلن إليه بصفته بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة." وتوجز أسانيد دعواهم في أنهم أقاموا العقار رقم 8 مكرر بشارع بكتمر الحاجب بقسم الأزبكية في ظل أحكام القانون رقم 46 لسنة 1962، وقد حددت لجان تقدير القيمة الايجارية الوحدات السكنية به وفقاً لأحكام المادة الأولى من القانون المذكور، إلا أن بعض المستأجرين تظلموا من هذا التقدير، وعلى أثر ذلك حدد مجلس المراجعة تلك الوحدات السكنية التي تظلم مستأجروها، غير أن هذا التحديد جاء مخالفاً للأسس التي صدر على مقتضاها قرار لجنة تقدير القيمة الايجارية وذلك للأسباب التي بينتها المدعية وشركاءها في صحيفة افتتاح دعواهم، وهي تخلص في أن مجلس المراجعة قد جانبه الصواب عندما حدد قيمة الوحدات السكنية بحسابه صافي فائدة. استثمار العقار بواقع 5% من قيمة الأرض والمباني و3% من قيمة المباني مقابل استهلاك رأس المال، إذ أن المادة (2) من القانون سالف الذكر نصت على أن تقدر الأرض وفقاً لثمن المثل وقت البناء وتقدر المباني وفقاً لسعر السوق وقت البناء ففي حين أن مجلس المراجعة قدر ثمن الأرض 18 جنيهاً للمتر المربع وقت البناء، مع إن ثمن المتر المربع طبقاً لعقد الشراء في سنة 1952 هو مبلغ 18 جنيهاً، وأن الفارق الزمني بين شراء الأرض وإقامة العقار وما استتبعه من تفاوت في الأسعار يثبت أن مجلس المراجعة لم يوفق في تحديد قيمة ثمن الأرض تحديداً سليماً، كما أن مجلس المراجعة قد حدد تكاليف المتر المربع للمباني وقت البناء بواقع 9 جنيهات مخالفاً في ذلك لجنة الإيجارات المكونة من مهندسين فنيين، وهذا التقدير مجحف ولا يستقيم من ارتفاع أسعار مواد البناء - وقد نظر مجلس المراجعة تلك التظلمات وحدد الوحدات السكنية دون إخطار المالكة لإبداء وجهة نظرها في تخفيض التكاليف مما يعد مخالفاً لأحكام المادة 9 من القانون رقم 46 لسنة 1962، وبذلك يكون مجلس المراجعة قد أساء تطبيق أحكام القانون رقم 46 لسنة 1962 وأساء استعمال السلطة في حساب ريع الوحدات السكنية حساباً صحيحاً، وتكون للقضاء الإداري رقابة مطلقة على تلك القرارات التي اتسمت بالانحراف في تقدير هذه الوحدات، وانتهى المدعون من هذا إلى طلب الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار مجلس المراجعة الصادر في 11 من أكتوبر سنة 1964 بجميع مشتملاته مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وبجلسة 28 من فبراير سنة 1967 قضت محكمة القضاء الإداري: "برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى، وبإلغاء القرار الصادر من مجلس المراجعة في 11 من أكتوبر سنة 1964 بتحديد إيجار المبنى رقم (8) مكرر بشارع بكتمر الحاجب شياخة الفجالة بقسم الأزبكية بالقاهرة وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات" وأقامت قضاءها على أنه نظراً لخطورة النتائج المترتبة على قرار مجلس المراجعة فيما يختص بتحديد إيجار الأماكن من كونه غير قابل للطعن فيه، إذ أنه تتولد عنه جريمة يعاقب عليها المؤجر في حالة مخالفته لقرار تحديد الإيجار وتوزيعه، فإنه يتعين على المجلس المذكور، وهو بحسب تشكيله بمثابة لجنة إدارية ذات اختصاص قضائي، أن يمكن كلاً من مالك المبنى والمستأجر وكلاهما طرف أصيل في المنازعة في تحديد إيجار المبنى، من الحضور أمام المجلس، وإبداء وجهة نظره، والدفاع عنها، وإغفال هذا الإجراء، سواء بالنسبة إلى مالك المبنى أو إلى المستأجر، يعتبر إخلالاً خطيراً بضمانة من الضمانات الأساسية المقررة لكل ذي شأن، وهو حق الدفاع، ويترتب على إغفال الإجراء المذكور بطلان الإجراءات وبالتالي بطلان كل ما ينجم عنها من قرارات على نحو ينحدر إلى درجة الانعدام فلا تلحقها حصانة عدم جواز الطعن المنصوص عليها في المادة الخامسة من القانون رقم 46 لسنة 1962، ذلك أن هذه الحصانة إنما تفترض في القرار الإداري المستوفي لمقومات القرار الإداري السليم، فإذا ما فقد هذه المقومات أصبح عدماً والعدم لا تمتد إليه حصانة - وخلصت المحكمة من هذا إلى القول بأنه وقد تبين إغفال المدعين بالتظلم المقدم لمجلس المراجعة، وبموعد نظره فإن هذا يترتب عليه بطلان جميع الإجراءات التالية بما في ذلك قرار مجلس المراجعة، محل هذه المنازعة، الأمر الذي يعتبر معه القرار المذكور في حكم المنعدم ومن ثم يكون غير معصوم من الطعن ولا تلحقه أية حصانة.
ومن حيث إن مبنى الطعن المقام من السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة أن الحكم المطعون فيه قد صدر مشواً بعيب مخالفة القانون، مما يتعين معه إلغاؤه، وذلك استناداً إلى الفقرة الثالثة من المادة (5) من القانون رقم 46 لسنة 1962 بتحديد إيجار الأماكن تنص على أن القرار الصادر من مجلس المراجعة في شأن تقدير القيمة الايجارية للعقار، غير قابل لأي طريق من طرق الطعن، وأن هذا المعنى قد أكده القرار التفسيري الذي صدر من اللجنة العليا لتفسير القانون المذكور - وخلص تقرير الطعن من ذلك إلى أن مجلس المراجعة هو جهة إدارية ذات اختصاص قضائي، وأن القرارات الإدارية التي تصدر منه في شأن التظلمات المقدمة إليه، ولو أنها قرارات إدارية، إلا أنها تكون حصينة بمولدها، وذلك حسبما تقضي به المادة (5) من القانون سالف الذكر، مما يمتنع معه التعقيب القضائي عليها من القضاء الإداري، وانتهت هيئة المفوضين في تقريرها إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والحكم بعدم جواز نظر الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري مع إلزام المدعية بالمصروفات.
ومن حيث إن المنازعة، موضوع الدعوى التي أقامتها المطعون عليها، تدور حول ما إذا كان يجوز الطعن أمام القضاء الإداري في القرار الصادر من مجلس المراجعة بالفصل في التظلم المقام من بعض المستأجرين للعقار المملوك لها هي وشركاؤها، وذلك فيما تنعاه، على تقدير القيمة الايجارية الصادر بها القرار المذكور - وما إذا كانت ثمة مخالفة لأحكام القانون عندما باشر مجلس المراجعة نظر تلك التظلمات، وحدد إيجار الوحدات السكنية دون إخطار المالكة لإبداء وجهة نظرها، في تخفيض تكاليف البناء المذكور، مما أدى إلى تخفيض القيمة الايجارية لهذه الوحدات.
ومن حيث إنه يبين من استقراء أحكام القانون رقم 46 لسنة 1962 بتحديد إيجار الأماكن، إن قرار مجلس المراجعة نهائي، ولا يجوز الطعن فيه أمام القضاء، إذ تنص الفقرة الثالثة من المادة (5) من القانون المذكور على ما يأتي:
"يكون قرار مجلس المراجعة غير قابل لأي طريق من طرق الطعن".
ويؤخذ من ذلك أن المشرع قد أغلق باب الطعن بالإلغاء بالنسبة إلى قرارات مجلس المراجعة التي تصدر بالتطبيق لأحكام القانون سالف الذكر، لا فرق في ذلك بين من طبق القانون في حقه تطبيقاً صحيحاً ومن لم يطبق هكذا في حقه، وأياً كانت طبيعة المخالفة القانونية أو نوع الانحراف في تحصيل الواقع أو تطبيق القانون، لأن القصد من المنع هو عزل القضاء عن نظر مثل هذه المنازعات استقراراً للوضع بالنسبة إلى تحديد القيمة الايجارية للأماكن، إذ أنه لا يجوز سماع الدعوى بطلب إلغاء قرار المجلس أياً كانت طبيعة المخالفات التي ينعاها صاحب الشأن على هذا القرار، ما دامت لا تنحدر به إلى درجة الانعدام.
ومن حيث إنه لما كانت المدعية لا تنازع في خضوع عقارها لأحكام القانون رقم 46 لسنة 1962 سالف الذكر، وإنما تنازع في تقدير مجلس المراجعة للقيمة الايجارية لهذا العقار للأسباب التي استندت إليها في دعواها، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خالف القانون، إذ انتهى إلى الحكم بإلغاء قرار مجلس المراجعة، وما يؤكد سلامة هذا النظر ما جرى عليه القرار التفسيري رقم 3 لسنة 1964 الصادر من اللجنة العليا المشكلة طبقاً لنص المادة 6 مكرر ب من القانون رقم 46 لسنة 1962 المضافة بالقانون رقم 133 لسنة 1963 إذ نص على أن "تكون قرارات مجلس المراجعة في شأن تقدير القيمة الايجارية هي وحدها غير القابلة للطعن أما قرارات المجلس في شأن خضوع المباني للقانون رقم 46 لسنة 1962 المشار إليه، فإنه يجوز الطعن فيها أمام الجهات المختصة".
ومتى كان الأمر كذلك، فإن القرار الصادر من مجلس المراجعة في شأن العقار موضوع المنازعة، وهو خاضع للقانون رقم 46 لسنة 1962 كما سلف البيان، يكون نهائياً وغير قابل للطعن فيه أمام القضاء.
ومن حيث إنه من ناحية أخرى، لا حجة فيما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن ثمة بطلاناً قد لحق قرار مجلس المراجعة، لعدم قيام المجلس بإبلاغ المدعية بأن المستأجرين قد قدموا تظلماً من قرار التقدير أمامه، لتتمكن من الحضور لإبداء وجهة نظرها، حتى لا يكون ثمة إخلال بحق الدفاع، ذلك أن أحكام القانون رقم 46 لسنة 1962، وكذلك نصوص قرار وزارة الإسكان رقم 540 لسنة 1962 المعدل بالقرار رقم 140 لسنة 1963 المنظم لإجراءات التظلم من قرار لجنة التقدير والفصل في التظلم بوساطة مجلس المراجعة، قد خلت مما يوجب إخطار مالك العقار بأن تظلماً قد رفع من المستأجر عن قرار لجنة التقدير، أو مما يوجب إبلاغه كذلك بالجلسة المعينة أمام مجلس المراجعة لنظر هذا التظلم، بل، إن هذه النصوص قد خلت جميعاً مما يؤخذ منه أن هذا الإعلان يعتبر إجراء جوهرياً في ذاته، بحيث يترتب على مجرد إغفاله بطلان القرار بحسب مقصود الشارع، ولما كان الإعلان غير لازم قانوناً على هذا الوجه فإن إغفال إجرائه لا يلحق بالتالي بقرار مجلس المراجعة أي بطلان أو انعدام، ذلك أن التظلم المقدم لمجلس المراجعة لا يختصم المالك، بل يختصم قرار لجنة التقدير ذاته والمفروض أن المالك قد قدم مستنداته أمام لجنة التقدير، طبقاً لما تشترطه المادة الرابعة من القانون رقم 46 لسنة 1962 المتقدم ذكره، وهو ما حدث في المنازعة المعروضة بالفعل، إذ يبين من الأوراق أن المدعية كانت قد تقدمت بجميع مستنداتها أمام لجنة التقدير، وهي التي اعتمدت عليها في تقدير إيجار الوحدات السكنية المذكورة.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه، إذ ذهب غير هذا المذهب، يكون قد خالف القانون فيما قضى به، ومن ثم يتعين القضاء بإلغائه، وبعدم جواز نظر الدعوى، مع إلزام المدعية بمصروفات الدعوى.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم جواز نظر الدعوى، وألزمت المدعية بمصروفات الدعوى