مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 840

(111)
جلسة 21 من يونيه سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ المستشار مصطفى كامل إسماعيل - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي ومحمد طاهر عبد الحميد وأحمد علي البحراوي وعلي لبيب حسن - المستشارين.

القضية رقم 940 لسنة 13 القضائية

( أ ) جنسية "مصريون أصلاء". "الاتفاق الذي عقد بين الحكومة المصرية والحكومة الإيطالية في 14 من إبريل 1923".
إن الليبيين الذين كانوا يقيمون بمصر قبل دخول الجيوش الإيطالية أراضي ليبيا والذين قيدت أسماؤهم بدفاتر القنصلية الإيطالية منذ ذلك التاريخ حتى إبرام الاتفاق المشار إليه اعتبروا تابعين لإيطاليا - لأولاد هؤلاء الأشخاص اختيار الجنسية المصرية في مدى سنة من توقيع هذا الاتفاق إن كانوا بالغين أو خلال سنة من بلوغهم سن الرشد - عدم اختيار الجنسية اللبيبة لا يعتبر إبقاء على الجنسية المصرية - الاختيار المنصوص عليه في الاتفاقية المشار إليها لا بد من ممارسته كتابة بعمل إيجابي وفقاً لما أشارت إليه قوانين الجنسية.
(ب) جنسية "الرعوية المحلية المصرية". "نشوء الجنسية المصرية".
وجود الرعوية المحلية المصرية مع عدم تعين ضوابط ثابتة لها يجعل من غير الميسور أن تتحول بحالتها إلى الجنسية المصرية - عند إعادة تنظيم نشوء الجنسية المصرية اختار المشرع من بين التشريعات المتعددة التي تناولت الرعوية المحلية الأمر العالي الصادر في 29 من يونيو 1900 في شأن من يعتبرون من المصريين عند إجراء العمل بقانون الانتخاب الصادر في أول مايو سنة 1883 واتخذه أساساً لتعيين الآباء المصريين، حكمة ذلك.
1 - إن الليبيين الذين كانوا يقيمون بمصر قبل دخول الجيوش الإيطالية أراضي ليبيا والذين قيدت أسماؤهم بدفاتر القنصلية الإيطالية منذ ذلك التاريخ حتى إبرام الاتفاق سالف الذكر، قد اعتبروا تابعين لإيطاليا، وقد أجيز لأولاد هؤلاء الأشخاص اختيار الجنسية المصرية في مدى سنة من توقيع الاتفاق سالف الذكر، إن كانوا بالغين، أو خلال سنة من بلوغهم سن الرشد إن كانوا قصرا، والمدعي كان قاصراً وقت توقيع الاتفاق المشار إليه، وقد كان يحق له قانوناً اختيار الجنسية المصرية خلال سنة من بلوغه سن الرشد، ولكن الثابت، وعلى أي قانون يجيب له بلوغ سن الرشد أنه لم يعمل حق الاختيار المقرر بمقتضى الاتفاق المبين آنفاً، ولا يغني عن ذلك، ما ذهب إليه من أنه لم يختر الجنسية الليبية، فيكون قد بقي على جنسيته المصرية بعد بلوغه سن الرشد، لأن هذا الاختيار يجب أن يمارسه من يريد الإفادة منه بعمل إيجابي يصدر من جانبه ويجب أن يكون كتابة، كما أشارت إلى ذلك المادة 20 من قانون الجنسية رقم 19 لسنة 1929 إذ نصت على أن التقديرات وإعلانات الاختيار يجب أن توجه إلى وزير الداخلية، وأن تسلم في القطر المصري إلى المحافظة أو المديرية، وقد ورد مثل هذا النص في المادة 22 من المرسوم بقانون الصادر في 26 من مايو سنة 1926 في شأن الجنسية المصرية، وهذه القاعدة وإن لم ترد بالاتفاق الذي عقد بين الحكومة المصرية والحكومة الإيطالية، إلا أنها من الأمور البديهية التي يستحيل إعمال حق الاختيار بغير افتراضها، هذا فضلاً عن أن الثابت أن المدعي قيد بدفاتر القنصلية الإيطالية بالقاهرة في 2 من نوفمبر سنة 1926، فيكون قد أفصح عن إرادته على هذا الوجه أما القرائن التي ساقها المدعي للتدليل على اعتباره من رعايا الجمهورية العربية المتحدة وهو القيد في جدول الانتخاب وعضوية الاتحاد الاشتراكي والإقامة بالبلاد والاقتراع للتجنيد فليست قاطعة في إثبات الجنسية الأصلية للجمهورية العربية المتحدة ما دام القانون لا يمنحها له ولا يعتبره من رعايا الجمهورية.
2 - إن الرعوية المحلية المصرية على الرغم من أنها كانت محققة الوجود، إلا أنها لم تعين لها ضوابط ثابتة، فكان من غير الميسور أن تتحول بحالتها إلى الجنسية المصرية، بيد أن المشرع عندما أعاد تنظيم نشوء الجنسية المصرية، ومع تسليمه بأنها لم تخلق في نظر أحكام القانون الدولي، إلا يوم 5 من نوفمبر سنة 1914، رأى أن في الأخذ بهذه القاعدة مساساً بالكرامة القومية التي تأبى فناء الجنسية المصرية، وهي في نظر المصريين قائمة منذ أجيال طويلة، فاختار من بين التشريعات المتعددة التي تناولت الرعوية المحلية، الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900 في شأن من يعتبرون من المصريين عند إجراء العمل بقانون الانتخاب الصادر في أول مايو سنة 1883م، واتخذه أساساً لتعيين الآباء المصريين اعتداداً منه بالأمر الواقع.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إنه ولئن كان تقرير الطعن قد أودع قلم كتاب هذه المحكمة في يوم 14 من يونيه 1967، على حين صدر الحكم المطعون فيه بجلسة 21 من فبراير سنة 1967، إلا أن الثابت من الأوراق، أن الطاعن كان قد تقدم في 22 من إبريل سنة 1967، أي خلال ستين يوماً من تاريخ صدور الحكم المطعون فيه، إلى لجنة المساعدة القضائية بهذه المحكمة بطلب إعفائه من الرسوم، قيد تحت رقم 227 لسنة 13 القضائية، فصدر قرار اللجنة بإجابته إلى طلبه في 31 من مايو سنة 1967، وإذ أودع تقرير الطعن قلم كتاب هذه المحكمة في يوم 14 من يونيه سنة 1967 فإنه يكون قد أودع في الميعاد، على نحو ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة في خصوص أثر طلب المساعدة القضائية في قطع ميعاد الطعن أمامها، ومن ثم يكون الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 3240 لسنة 19 القضائية ضد السيدين/ وزير الداخلية ومدير عام مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية، بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 21 من يونيه سنة 1965، طلب فيها "الحكم باعتباره مصري الجنسية بدلاً من الجنسية الليبية مع إلزام المدعى عليهما بالمصاريف ومقابل الأتعاب". وتوجز أسانيد دعواه في أنه ولد في 9 من يوليه سنة 1908 من أبوين مصريين ولكنه فوجئ أخيراً بإخطار من مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية تضمن اعتباره ليبي الجنسية، لأن والده كان قد قيد اسمه في سجلات القنصلية الإيطالية في سنة 1926 باعتباره ليبي الجنسية على حين أن القيد في سجلات القنصلية المذكورة تم تنفيذاً للمرسوم بقانون الصادر في 26 من مايو سنة 1926 الذي نشر في 31 من مايو سنة 1926 عندما كان قد تجاوز هو سن البلوغ، فلا يكون هذا القيد، في نظره، منتجاً أثره بالنسبة إليه، كما أنه لم يختر الجنسية الليبية، ولا تعتبره المملكة الليبية ليبي الجنسية، فضلاً عن أنه منذ ولد لم يغادر البلاد، وقد سبق له الاقتراع للتجنيد في سنة 1927، وأعفي لعدم اللياقة الطبية، إلى جانب أنه مقيد بجدول الانتخاب منذ بلوغه سن الرشد، وأنه عضو في الاتحاد الاشتراكي العربي، وقد أجابت الجهة الإدارية على الدعوى بأن والد المدعي (السيد/ يونس بيدس) من مواليد جالو التابعة لمديرية بني غازي بطرابلس الغرب، وأنه حضر إلى البلاد وأقام بناحية كرداسة بمركز امبابة، وقد جاء بكتاب قنصلية إيطاليا في 20 من أكتوبر سنة 1939، إن والد المدعي مقيد بسجلاتها الخاصة بالطرابلسيين تحت رقم 168 (منذ 14 من يونيه سنة 1919، ومن ثم فإن المدعي ووالده يعتبران داخلين في الجنسية الليبية طبقاً للمادتين الأولى والثانية من الاتفاق المصري الإيطالي المبرم في 14 من إبريل سنة 1923، في شأن الطرابلسيين، فوالده مقيد بسجلات الطرابلسيين بقنصلية إيطاليا منذ 14 من يونيه سنة 1919 كما سلف البيان، والمدعي كان وقتذاك قاصراً يتبع والده في اكتساب تلك الجنسية، وحين بلغ سن الرشد لم يتقدم خلال السنة التالية بطلب يقرر فيه اختيار الجنسية المصرية، بل على العكس، أكد رغبته في الاحتفاظ بالجنسية الليبية، وذلك بقيد اسمه في سجلات الليبيين في 2 من نوفمبر سنة 1926، ثم بحصوله في سنة 1929، على شهادة تخوله التمتع بالصفة الإيطالية "سجل ليبيا" وتمسكه بهذه الشهادة أمام القضاء، أما سابقة اقتراعه للتجنيد وإعفاؤه منه، وقيد اسمه بجدول الانتخاب، وعضويته في الاتحاد الاشتراكي، فكلها ليست من أسباب كسب الجنسية المصرية، ولو صح إعمال أحكام المرسوم بقانون الصادر في 26 من مايو سنة 1926 فإنه لا يعتبر بالغاً سن الرشد في ظله، لأن سن الرشد بالنسبة للأجانب الراغبين في التجنس بالجنسية المصرية يحدد وفقاً لقانون الدولة الأجنبية لطالب التجنس.
ومن حيث إنه بجلسة 21 من فبراير سنة 1967 قضت محكمة القضاء الإداري "برفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات". وأقامت قضاءها على أن الثابت أن والد المدعي قيد بسجلات الطرابلسيين بالقنصلية الإيطالية بالإسكندرية في سنة 1919 تحت رقم 168 وأنه من ثم فقد كان من بين من حوتهم الكشوف الأولى للاتفاق الذي عقد بين الحكومة المصرية والحكومة الإيطالية في 14 من إبريل سنة 1923، وهذا الاتفاق هو الواجب الإعمال في حق المدعي ومفاده أن الليبيين الذين كانوا يقيمون بمصر قبل دخول الجيوش الإيطالية أراضي ليبيا والذين قيدت أسماؤهم بدفاتر القنصلية الإيطالية منذ ذلك التاريخ حتى إبرام الاتفاق سالف الذكر، قد اعتبروا تابعين لإيطاليا، وقد أجيز لأولاد هؤلاء الأشخاص اختيار الجنسية المصرية في مدى سنة من توقيع الاتفاق سالف الذكر، إن كانوا بالغين، أو خلال سنة من بلوغهم سن الرشد إن كانوا قصراً، والمدعي كان قاصراً وقت توقيع الاتفاق المشار إليه، وقد كان يحق له قانوناً اختيار الجنسية المصرية خلال سنة من بلوغه سن الرشد، ولكن الثابت، وعلى أي قانون يجيب له بلوغ سن الرشد أنه لم يعمل حق الاختيار المقرر بمقتضى الاتفاق المبين آنفاً، ولا يغني عن ذلك، ما ذهب إليه من أنه لم يختر الجنسية الليبية، فيكون قد بقي على جنسيته المصرية بعد بلوغه سن الرشد، لأن هذا الاختيار يجب أن يمارسه من يريد الإفادة منه بعمل إيجابي يصدر من جانبه، ويجب أن يكون كتابة، كما أشارت إلى ذلك المادة 20 من قانون الجنسية رقم 19 لسنة 1929، إذ نصت على أن التقديرات وإعلانات الاختيار يجب أن توجه إلى وزير الداخلية، وأن تسلم في القطر المصري إلى المحافظة أو المديرية، وقد ورد مثل هذا النص في المادة 22 من المرسوم بقانون الصادر في 26 من مايو سنة 1926 في شأن الجنسية المصرية، وهذه القاعدة وإن لم ترد بالاتفاق الذي عقد بين الحكومة المصرية والحكومة الإيطالية، إلا أنها من الأمور البديهية التي يستحيل إعمال حق الاختيار بغير افتراضها، هذا فضلاً عن أن الثابت أن المدعي قيد بدفاتر القنصلية الإيطالية بالقاهرة في 2 من نوفمبر سنة 1926، فيكون قد أفصح عن إرادته على هذا الوجه أما القرائن التي ساقها المدعي للتدليل على اعتباره من رعايا الجمهورية العربية المتحدة وهو القيد في جدول الانتخاب وعضوية الاتحاد الاشتراكي والإقامة بالبلاد والاقتراع للتجنيد فليست قاطعة في إثبات الجنسية الأصلية للجمهورية العربية المتحدة ما دام القانون لا يمنحها له ولا يعتبره من رعايا الجمهورية.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن المدعي وقد ثبتت له الجنسية المصرية بحق الدم فإنه مصري بحق الإقليم، إذ أنه من مواليد سنة 1908 واستمر مقيماً في الأراضي المصرية حتى صدر قانون الجنسية في سنة 1926 والقانون رقم 19 لسنة 1929، ولم يثبت أنه تخلى عن هذه الجنسية، ووجود شهادة في ملف والده تفيد أنه طلب منحه الجنسية الإيطالية لا ينهض دليلاً على صحة هذه الشهادة من حيث إنه هو الذي طلب ذلك، كما أن طلب التخلي عن الجنسية المصرية ليس حقاً إرادياً بل يجب صدور قرار من وزير الداخلية بالموافقة على ذلك إعمالاً لحكم المادة 20 من قانون الجنسية رقم 19 لسنة 1929، وهذا ما لم يثبت في حقه كما لم يثبت أيضاً أنه هو الذي طلب قيده في سجلات القنصلية الإيطالية، بل أنه حتى مع التسليم جدلاً بحدوث ذلك، فليس من حق المدعي التخلي عن جنسيته المصرية إلا إذا صدر قرار بذلك من وزير الداخلية، ولما كان والده يعتبر من المصريين الأصلاء بحكم قانون الجنسية العثماني الذي استمر ساري المفعول في هذه المدة من 19 من يناير سنة 1869 حتى 5 من نوفمبر سنة 1914 فإنه لا يسري في حق المدعي ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من ضرورة تقديم طلب لاختيار الجنسية المصرية لأنه تسري في حقه نصوص الاتفاق المبرم بين مصر وإيطاليا في 14 من إبريل سنة 1923.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه صحيح للأسباب التي بني عليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة وتضيف إليها في مقام الرد على أوجه الطعن، أن الرعوية المحلية المصرية على الرغم من أنها كانت محققة الوجود، إلا أنها لم تعين لها ضوابط ثابتة، فكان من غير الميسور أن تتحول بحالتها إلى الجنسية المصرية، بيد أن المشرع عندما أعاد تنظيم نشوء الجنسية المصرية، ومع تسليمه بأنها لم تخلق في نظر أحكام القانون الدولي، إلا يوم 5 من نوفمبر سنة 1914، رأى في الأخذ بهذه القاعدة مساساً بالكرامة القومية التي تأبى فناء الجنسية المصرية، وهي في نظر المصريين قائمة منذ أجيال طويلة، فاختار من بين التشريعات المتعددة التي تناولت الرعوية المحلية، الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900 في شأن من يعتبرون من المصريين عند إجراء العمل بقانون الانتخاب الصادر في أول مايو سنة 1883م، واتخذه أساساً لتعيين الآباء المصريين اعتداداً منه بالأمر الواقع. ولما كان الثابت أن والد المدعي من أصل ليبي، من مواليد جالو التابعة لمديرية بني غازي، وأنه ولئن حضر إلى البلاد وأقام بناحية كرداسة مركز إمبابة، إلا أنه سبق فحص جنسيته، وقد حسمت القنصلية الإيطالية الأمر فقررت أنه يقيد بسجلات القنصلية العامة تحت رقم 600 في 31 من ديسمبر سنة 1924، بناءً على قيده بسجلات القنصلية الإيطالية للطرابلسيين تحت رقم 168 منذ 14 من يونيه سنة 1919، لما كان ما تقدم هو الثابت، فإنه لا يعتبر مصرياً بحسب الحالات الأربع المنصوص عليها في الأمر العالي الصادر في 29 من يونيه سنة 1900 فضلاً عن أنه كان من رعايا دولة أجنبية.
ومن حيث إنه على مقتضى ما تقدم، يكون الطعن غير قائم على أساس سليم من القانون ومن ثم يتعين القضاء برفضه موضوعاً، مع إلزام الطاعن بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

"حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت الطاعن بمصروفاته".