مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 853

(113)
جلسة 23 من يونيه سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد شلبي يوسف - وكيل مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة حسنين رفعت ومحمد فتح الله بركات ومحمد بهجت عتيبة وأبو بكر محمد عطية - المستشارين.

القضية رقم 1444 لسنة 10 القضائية

موظف "معاش".
المعاش قد أصبح بعد تقرير إعانة غلاء المعيشة يتكون من عنصرين متكاملين، المعاش الأصلي وإعانة غلاء المعيشة التي أضيفت إليه - المعاش الذي يستحق للأبناء والذي يخصم منه ما يكون لهم من إيرادات لا يمكن أن ينصرف إلى المعاش الأصلي وحده - المقصود به المعاش الأصلي وملحقاته - أساس ذلك.
إن المرتبات والمعاشات قد أصبحت بعد تقرير إعانة غلاء المعيشة لمواجهة الزيادة في النفقات تتكون من عنصرين متكاملين: المرتب أو المعاش الأصلي وإعانة غلاء المعيشة التي أضيفت إليه ومن ثم فإن "المعاش الذي يستحق" للأبناء والذي يخصم منه ما يكون لهم من إيرادات. لا يمكن أن ينصرف إلى المعاش الأصلي وحده، وإنما يجب أن يفسر المقصود من عبارة المعاش الذي يستحق بأنه المعاش الأصلي وملحقاته أي مضافاً إليه إعانة غلاء المعيشة وترتيباً على ذلك فإنه يتعين قبل إجراء خصم الإيراد من المعاش، أن يحدد أولاً مبلغ المعاش - بإضافة إعانة غلاء المعيشة إلى المعاش الأصلي ثم يجري بعد ذلك خصم الإيراد من مجموعها.
ولو قلنا بغير ذلك، لانتهى بنا هذا القول، إلى استبعاد إعانة غلاء المعيشة - وهي جزء متمم للمعاش الذي يستحق - من حساب المعاش الذي يرتب للمستحق الذي له إيراد، وحرمان صاحب الإيراد الذي يكون إيراده، مساوياً للمعاش المستحق أصلاً دون إضافة إعانة غلاء المعيشة، من هذه الإعانة كلية، وحرمان صاحب الإيراد الذي يكون إيراده أقل من ذلك من جزء من هذه الإعانة وفي كلا الحالتين سيكون صاحب الإيراد أسوأ حالاً ممن لا إيراد له، وسيختلف "المعاش الذي يستحق" للأبناء والمفروض أنه غير متغير بالنسبة إليهم جميعاً - لأنه خلاف المعاش الذي يرتب لمن كان له إيراد منهم - باختلاف أحوالهم من حيث استحقاقهم لإيراد من عدمه، وهو ما لا يحقق الحكمة التي قصد إليها الشارع.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدها بصفتها قيمة على زوجها أقامت الدعوى رقم 323 لسنة 10 القضائية ضد وزارة الخزانة (إدارة المعاشات) أمام المحكمة الإدارية لوزارة الخزانة بموجب صحيفة أودعتها سكرتارية المحكمة في 27/ 3/ 1963 بعد أن صدر بتاريخ 19/ 9/ 1962 قرار بقبول طلب معافاتها من الرسوم، وقالت شرحاً لدعواها أنه بعد وفاة المرحوم أحمد علي الذي كان موظفاً بهيئة البريد قرر لنجله محمد صلاح الدين زوج المدعية معاش شهري قدره 3 جنيهات و699 مليماً وقد استبعد من هذا المعاش مبلغ 770 مليماً قيمة إيراده من ثمانية قراريط أرض زراعية ورثها عن والده، وقد نازعت إدارة المعاشات في تقاضي إعانة غلاء المعيشة عن الجزء المستقطع من معاشه دون سند من القانون. وطلبت في ختام صحيفة دعواها الحكم بأحقيتها بصفتها في إعانة غلاء المعيشة على الجزء المستقطع من معاش زوجها وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية مع إلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد ردت الجهة الإدارية على الدعوى بقولها أن السيد/ محمد صلاح الدين زوج المدعية استحق معاشاً عن والده المرحوم أحمد علي الموظف السابق بالهيئة العامة للبريد، وذلك طبقاً للفقرة الثانية من المادة 28 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 والتي تقضي بأنه "لا حق للأبناء الذين بلغوا إحدى وعشرين سنة كاملة في يوم وفاة عائلهم في المعاش إلا إذا كانوا مصابين بعاهات تمنعهم قطعاً من كسب عيشهم، ففي هذه الحالة يمنحون المعاش إلى يوم وفاتهم، وإذا كان للمستحق إيراد برتب له معاش يعادل الفرق بين المعاش الذي يستحقه وبين الإيراد السنوي مقدراً بصفة نهائية وقت الاستحقاق، فإذا تساوى الإيراد بالمعاش أو زاد فلا يرتب للمستحق معاش".
ولما كان للسيد المذكور إيراد قدره 779 مليماً شهرياً فقد ربط له معاش شهري قدره 2 جنيهان و929 مليماً بعد استنزال مبلغ 779 مليماً قيمة إيراده الشهري، وصرفت له أيضاً إعانة غلاء على معاشه البالغ 2 جنيهان و929 مليماً أي بعد استبعاد إيراده الشهري.
وبتاريخ 13/ 7/ 1953 تقدمت المدعية بشكوى ضمنتها طلب حساب إعانة غلاء المعيشة المستحقة على معاش زوجها السيد/ محمد صلاح الدين باعتبار مقداره قبل استبعاد إيراده المشار إليه، فاستطلعت الوزارة رأي إدارة الفتوى والتشريع لوزارة الخزانة عما إذا كانت إعانة الغلاء تمنح على أساس مقدار المعاش الأصلي أم على أساس المعاش بعد استنزال الإيراد.
وقد أجابت إدارة الفتوى في 24/ 11/ 1955 بأنها ترى حساب إعانة الغلاء المستحق للسيد/ محمد صلاح الدين على أساس المعاش الأصلي مما يتفق ومفهوم نص المادة 28 من القانون رقم 37 لسنة 1929.
وقد استمر العمل بهذه الفتوى بعد اعتمادها من السيد وكيل الوزارة إلى أن طرح موضوع مماثل على إدارة الفتوى والتشريع بالوزارة بشأن استطلاع الرأي فيما إذا كان منح إعانة غلاء المعيشة على المعاشات التي تخفض نتيجة خصم الإيرادات منها على أساس المعاش قبل خصم الإيراد الشهري منه أم بعده، وجاء رد إدارة الفتوى في 31/ 10/ 1959 متضمناً أن الموضوع قد عرض على اللجنة الثالثة فرأت أن المادة 28 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 في شأن المعاشات المدنية تنص على أنه لا حق للأشخاص الآتي بيانهم في المعاش أو المكافأة.. إلخ.. النص، ويبين من هذه المادة أن المعاش الذي يرتب لصاحب الإيراد السنوي والذي يعادل الفرق بين المعاش الأصلي والإيراد هو المعاش المستحق قانوناً والذي يتعين معاملة صاحبه وفقاً لمقداره عند تقدير إعانة الغلاء المستحقة عليه، لذلك انتهى رأي اللجنة إلى منح إعانة غلاء المعيشة على المعاشات وكذلك تخفيضها على أساس المعاش المستحق بعد خصم الإيراد السنوي لصاحب المعاش، وقد أخذت الإدارة العامة للمعاشات برأي اللجنة في شأن معاش السيد/ محمد صلاح الدين.
وبجلسة 6 من يونيو سنة 1964 قضت المحكمة ببطلان الخصم الذي أجرته الجهة الإدارية من إعانة غلاء المعيشة المستحقة على المعاش المقرر لزوج المدعية، وأحقيتها بصفتها قيمة عليه في صرف ما سبق خصمه وحساب إعانة الغلاء على المعاش الأصلي المستحق له مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات، وأقامت قضاءها على أن الأصل في قانون المعاشات عدم استحقاق من بلغوا الحادية والعشرين من الأبناء والأخوة للمعاش، إلا أنه رؤى لاعتبارات خاصة تتصل بالكفالة الاجتماعية أن يرتب لهم معاش يمكنهم من كسب عيشهم، وذلك إذا كانوا مصابين بعاهات تجعلهم عاجزين عجزاً كلياً عن السعي للكسب، وأخذاً بهذا النظر فقد كان من الطبيعي إذا كان لمستحق المعاش إيراد أن يخصم هذا الإيراد من المعاش المستحق له، ولما كانت إعانة غلاء المعيشة قد قررت لمواجهة الزيادة في نفقات المعيشة فإنها تتصل لذلك بالإيراد الدوري المضافة إليه ويصبح المجموع وحدة من ناحية التطبيق القانوني، ما لم يكن هناك من النصوص ما يقرر صراحة الفصل بينهما وأخذاً بالحكمة من نص المادة 28 فقرة 2 من القانون 37 لسنة 1929 سالف الذكر، فإنه وقد قرر للمصاب بعاهة تمنعه قطعياً من كسب عيشه معاش، فإن إعانة الغلاء المقررة قانوناً يجب أن تضاف إلى المعاش ويتعين النظر إلى هذا المجموع كوحدة عند خصم ما قد يكون لمستحق المعاش من إيراد، وهذا ما يتفق مع صريح النص ومفهومه والحكمة التي اقتضته، والقول بغير ذلك يؤدي إلى نقص في المعاش، وقد أضافت المحكمة إلى ذلك قولها أن المادة 6 من القانون 37 لسنة 1929 المعدلة بالقانون رقم 545 لسنة 1953 تنص على أنه "لا يجوز للحكومة ولا لصاحب الشأن المنازعة في أي معاش تم قيده متى تم مضي اثنا عشر شهراً من تاريخ تسليم السركي المبين فيه المعاش إلى صاحب الشأن" وهذا النص من الشمول والإطلاق بحيث يدخل فيه أي منازعة في المعاش أصلاً ومقداراً وذلك حتى يستقر الوضع بالنسبة للحكومة وصاحب المعاش على السواء، ومن ثم فما كان يجوز لجهة الإدارة إعمالاً لهذا النص أن تنازع في المعاش الذي يقرر لزوج المدعية بعد سنوات من تقريره وتسليم السركي، ذلك أن تعديل قيمة صافي المعاش استناداً إلى حساب إعانة الغلاء يعتبر منازعة في مقدار المعاش.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون عليه أخطأ في تطبيق القانون حين ذهب إلى استحقاق إعانة غلاء المعيشة على المعاش المستحق مضافاً إليه الإيراد المخصوم قولاً بأن هذا هو ما يتمشى مع صراحة النص ومفهومه وما يهدف إليه المشرع، والصحيح في القانون أن تحسب إعانة غلاء المعيشة على أساس المعاش المستحق قانوناً، وبالرجوع إلى نص المادة 28 من القانون رقم 37 لسنة 1929 نجد أن معاش المستحق قانوناً لصاحب الإيراد ممن جاء ذكرهم بالمادة هو الفرق بين المعاش المقرر والإيراد ومن ثم فإن هذا المعاش هو الواجب أن تحسب على أساسه إعانة غلاء المعيشة، ولا وجه إلى ما ذهب إليه الحكم من أن حساب إعانة غلاء المعيشة على المعاش المستحق قانوناً لذي الإيراد "بعد استبعاد إيراده" يؤدي إلى نقص في معاشه، لأن الأمر يتعلق باستحقاق إعانة غلاء المعيشة لا باستحقاق المعاش، ومن المقرر أن هناك خلافات في طبيعة كل منهما وفي سندها القانوني هذا وقد أخطأ الحكم المطعون عليه كذلك حين ذهب إلى تطبيق نص المادة السادسة من القانون رقم 37 لسنة 1929 على الحالة المعروضة مقرراً عدم جواز المنازعة في إعانة غلاء المعيشة بعد مضي سنة من ربطها ذلك أن إعانة غلاء المعيشة لا يسري عليها ما انطوت عليه قوانين المعاشات بالنسبة إلى مرد السقوط.
ومن حيث إن الفقرة الثانية من المادة 28 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 تقضي بأنه "لا حق للأبناء الذين بلغوا إحدى وعشرين سنة كاملة في يوم وفاة عائلهم في المعاش إلا إذا كانوا مصابين بعاهات تمنعهم قطعاً من كسب عيشهم، ففي هذه الحالة يمنحون المعاش إلى يوم وفاتهم، وإذا كان للمستحق إيراد يرتب له معاش يعادل الفرق بين المعاش الذي يستحقه ويبن الإيراد السنوي مقدراً بصفة نهائية وقت الاستحقاق، فإذا تساوى الإيراد بالمعاش أو زاد عنه فلا يرتب للمستحق معاش".
ومن حيث إنه يمكن إجمال الأحكام التي تضمنتها هذه الفقرة في ثلاثة أحكام:
الأول - إنه - كأصل عام - لا حق للأبناء الذين بلغوا إحدى وعشرين سنة كاملة في يوم وفاة عائلهم في المعاش.
الثاني - إذا كان الأبناء مصابين بعاهات تمنعهم قطعاً من كسب عيشهم، فإنهم يمنحون المعاش إلى يوم وفاتهم.
الثالث - إذا كان للأبناء المستحقين للمعاش طبقاً للحكم السابق إيراد، فإنه يرتب لهم معاش يعادل الفرق بين المعاش الذي يستحقونه وبين الإيراد السنوي، فإذا تساوى الإيراد بالمعاش أو زاد عنه فلا يرتب للمستحقين أي معاش.
وهذا الحكم الأخير هو النتيجة المنطقية للحكمة التي استهدفها الشارع من نص الفقرة الثانية من المادة 28 سالفة الذكر وهي رعاية الأبناء الذين قد يكونون - رغم بلغوهم سن الرشد - عاجزين عجزاً كلياً عن كسب عيشهم بسبب إصابتهم بعاهات تمنعهم من هذا الكسب، ولا يكون لهم إيراد يساوي المعاش الذي يستحق لهم.
ومن حيث إنه لا يمكن قصر "المعاش الذي يستحق" طبقاً لمفهوم هذه الفقرة والحكمة من تشريعها على المعاش المنصوص عليه في القانون رقم 37 لسنة 1929 دون سواه من ملحقات قد تقررها قوانين أو قرارات أخرى خلاف القانون المشار إليه.
ومن حيث إن المرتبات والمعاشات قد أصبحت بعد تقرير إعانة غلاء المعيشة لمواجهة الزيادة في النفقات تتكون من عنصرين متكاملين: المرتب أو المعاش الأصلي وإعانة غلاء المعيشة التي أضيفت إليه ومن ثم فإن "المعاش الذي يستحق" للأبناء والذي يخصم منه ما يكون لهم من إيرادات. لا يمكن أن ينصرف إلى المعاش الأصلي وحده، وإنما يجب أن يفسر المقصود من عبارة "المعاش الذي يستحق" بأنه المعاش الأصلي وملحقاته أي مضافاً إليه إعانة غلاء المعيشة. وترتيباً على ذلك فإنه يتعين قبل إجراء خصم الإيراد من المعاش، أن يحدد أولاً مبلغ المعاش - على نحو ما توضح - بإضافة إعانة غلاء المعيشة إلى المعاش الأصلي ثم يجرى بعد ذلك خصم الإيراد من مجموعها.
ولو قلنا بغير ذلك، لانتهى بنا هذا القول، إلى استبعاد إعانة غلاء المعيشة وهي جزء متمم للمعاش الذي يستحق، من حساب المعاش الذي يرتب للمستحق الذي له إيراد، وحرمان صاحب الإيراد الذي يكون إيراده مساوياً للمعاش المستحق أصلاً دون إضافة إعانة غلاء المعيشة، من هذه الإعانة كلية، وحرمان صاحب الإيراد الذي يكون إيراده أقل من ذلك من جزء من هذه الإعانة وفي كلتا الحالتين سيكون صاحب الإيراد أسوأ حالاً ممن لا إيراد له، وسيختلف "المعاش الذي يستحق" للأبناء والمفروض أنه غير متغير بالنسبة إليهم جميعاً - لأنه خلاف المعاش الذي يرتب لمن كان له إيراد منهم - باختلاف أحوالهم من حيث استحقاقهم لإيراد من عدمه، وهو ما لا يحقق الحكمة التي قصد إليها الشارع.
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم، يكون الحكم المطعون عليه، قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً حين قضى بأن موقف الجهة الإدارية كان سليماً حين كانت تعتبر المعاش المستحق لزوج المدعية هو المعاش المستحق له أصلاً مضافاً إليه إعانة غلاء المعيشة وتجري خصم إيراده من المعاش محسوباً على هذا النحو، وأنها قد انحرفت من التطبيق السليم حين عدلت عن ذلك إلى خصم إيراد زوج المدعية من المعاش المستحق له دون إضافة إعانة غلاء المعيشة ثم منحة إعانة غلاء المعيشة على المعاش المستحق له بعد خصم الإيراد، فيكون الطعن بالنسبة إلى هذا القضاء غير مستند إلى سند من القانون، ويتعين رفضه، مع إلزام الحكومة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.