مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1969 إلى آخر سبتمبر سنة 1969) - صـ 859

(114)
جلسة 23 من يونيه سنة 1969

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد شلبي يوسف - وكيل مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة حسنين رفعت ومحمد عبد العزيز يوسف ومحمد فتح الله بركات وأبو بكر محمد عطية - المستشارين.

القضية رقم 1551 لسنة 10 القضائية

( أ ) - عامل "عامل يومية" أجر إضافي.
الأصل عدم تشغيل العمال يوم الجمعة وعدم صرف أجورهم عنه - الاستثناءات التي ترد على هذا الأصل.
(ب) - عامل "عامل يومية". الجهة التي تملك إصدار الأمر بالعمل أيام الجمع والعطلات الرسمية هي الجهة الإدارية المشرفة على حسن سير المرفق - وجوب مراعاة الصالح العام والاعتمادات المالية المدرجة في ميزانيتها لهذا الغرض.
(جـ) - عامل "عامل يومية". الجهة الملزمة قانوناً بصرف أجر أيام الجمع "مستعمرة الجذام" الجهة الملزمة قانوناً بصرف أجر أيام الجمع هي الجهة التي كلفت العامل بالعمل في أيام الجمع - مرتب أيام الجمع لا يدخل في الأجر الكامل المقرر دفعه للعامل بمقتضى قرار رئيس الجمهورية رقم 280 الصادر في مارس 1957 - مثال.
1 - في يوم 4 من نوفمبر سنة 1953 أصدر مجلس الوزراء قراراً قضى بعدم تشغيل جميع العمال أيام الجمع إلا إذا اقتضت الحالة تشغيلهم وبشرط عدم صرف أجور لهم عن هذه الأيام، على أن يأخذوا راحة بدلاً عنها، وفي 28 من إبريل سنة 1954 أصدر مجلس الوزراء قراراً آخر بإلغاء هذا القرار فأصبحت هذه الحالة تحكمها القواعد التنظيمية العامة الصادرة في هذا الشأن ومقتضاها كما جاء بالمذكرة التي عرضت على مجلس الوزراء لدى إصداره قراره المؤرخ 4 نوفمبر سنة 1953 - أن الأصل عدم تشغيل العمال في أيام الجمع وعدم جواز صرف أجور لهم عن هذه الأيام لمخالفة ذلك للقواعد المالية وإنما يجوز إذا اقتضته الضرورة وأملته المصلحة العامة وسمحت الاعتمادات المالية المدرجة في الميزانية بمنح أجور عن هذه الأيام.
2 - إن القاعدة الأصلية التي يمكن على أساسها منح أجور عن أيام الجمع والعطلات الرسمية هو وجود مقتض من الصالح يلزم معه تشغيل العامل في هذه الأيام الأمر الذي يستوجب معه في جميع الأحوال صدور الإذن بذلك من الجهة المختصة مراعية في ذلك الاعتمادات المالية المدرجة في ميزانيتها لهذا الغرض وإذ كان الثابت أن المدعي خلال الفترة محل النزاع كان منتدباً في مستشفى الجذام لمرضه فهي باعتبارها الجهة الإدارية المشرفة على حسن سير المرفق - هي التي تقدر مقتضيات الصالح العام في اتخاذ مثل هذا الإجراء وهي التي تصدر الأمر بالتشغيل أيام الجمع.
3 - إن تحديد الجهة الملزمة قانوناً بصرف أيام الجمع أمر يجب بحثه من ناحية في ضوء الأحكام المقررة بمقتضى القرار الجمهوري رقم 280 الصادر في مارس 1957 والملابسات التي دعت إلى استصداره - ومن ناحية أخرى فيما إذا كان أجر أيام يدخل في حساب أجر العامل المقرر قانوناً - فمن الناحية الأولى يبين من استقراء القرار الجمهوري سالف الذكر أنه صدر بغية تحقيق أغراض إنسانية بحتة فأشار إلى وضع الموظفين والعمال والمصابين بالجذام ليكونوا تحت الإشراف الطبي على أن يقوموا في محيط المرضى ببعض الأعمال التي تتناسب مع حالتهم الصحية وعملهم الأصلي ذلك بغرض صرف مرتباتهم أو أجورهم كاملة مدة ندبهم إذ أن مرض الجذام من الأمراض التي تحتاج إلى وقت طويل جداً للعلاج مما يؤدي إلى استنفاد جميع إجازاتهم ثم يتوقف بعدها صرف مرتباتهم أو أجورهم التي هي السبيل الوحيد لرزقهم - ومن ثم فالندب في هذه الحالة غير الندب بالمعنى المعروف قانوناً إذ الأخير يتسم بالتأقيت ويراعى فيه دائماً مصلحة العمل إذ لا يسوغ إجراؤه إلا إذا كانت حالة العمل في الوظيفة الأصلية تسمح بذلك - ومن ثم فيجب تفسير الأجر الكامل المستحق للعامل في ضوء الظروف الاستثنائية التي أملت صدور هذا القرار - بالأجر الذي يستحقه العامل قانوناً وأجر العامل باليومية يحسب في جملته بعد استبعاد أيام الجمع ليكون الأصل فيها أنها أيام الراحة الأسبوعية التي لا يعمل فيها ولا يتقاضى بالتالي أجراً عنها - وترتيباً على ذلك فإن مرتب أيام الجمع لا يدخل في الأجر الكامل المقرر دفعه للعامل بمقتضى قرار رئيس الجمهورية سالف الذكر - ومن ثم فلا تلزم الجهة التي يعمل بها بدفع أجر للمدعي عن أيام الجمع ولا يغير من ذلك أن الجهة قامت بدفع أجر المدعي عن هذه الأيام اعتباراً من 1/ 12/ 1962 - ومتى كان الأمر كذلك فإن الجهة المنتدب إليها المدعي - التي كلفته بالعمل في أيام الجمع - هي الملزمة قانوناً بصرف هذه الأجور - إذا توافرت الشرائط المقررة قانوناً لذلك.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تجمل حسبما يبين من أوراقها في أن المدعي أقام الدعوى رقم 935 لسنة 10 القضائية أمام المحكمة الإدارية المذكورة بعريضة أودعت قلم كتابها في 20/ 8/ 1963 بعد قبول طلب الإعفاء من الرسوم المقدم منه في 4/ 6/ 1963 والمقيد برقم 719 لسنة 10 ق طالب فيها باستحقاقه أجره عن أيام الجمع التي اشتغلها ولم يمنح عنها راحة اعتباراً من 6/ 8/ 1959 تاريخ دخوله مستشفى الجذام بالعامرية حتى 1/ 12/ 62 تاريخ صرف أجره عن أيام الجمع وبإلزام الإدارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - وقال شرحاً لدعواه إنه التحق بالإدارة بمهنة نجار باليومية الدائمة في 20/ 12/ 1947 وفي 1/ 8/ 1959 أصيب بمرض الجذام وأدخل مستشفى الجذام بالعامرية في 6/ 8/ 1959 ولا يزال موجود بها وتقوم المصلحة بصرف أجره طبقاً لقراري رئيس الجمهورية رقمي 280 الصادر في 30/ 3/ 1957، 809 لسنة 58، كما وافق القومسيون الطبي على ندبه داخلياً، ومنذ دخوله المستشفى وهو يعمل أيام الجمع دون أن يحصل على أيام راحات مقابل لها لإقامته الدائمة بالمستشفى كما هو ثابت من إقراراتها وأنه يحق له المطالبة بأجره عن أيام الجمع التي اشتغلها منذ دخوله مستشفى الجذام في 6/ 8/ 1959.
وعقبت مصلحة الموانئ والمنائر على الدعوى فقالت إن المدعي التحق بالخدمة بوظيفة نجار باليومية وفي سنة 1947 وفي سنة 1959 أصيب بمرض الجذام ووافق القومسيون الطبي على انتدابه بمستعمرة الجذام بالعامرية اعتباراً من تاريخ عزله فيها يوم 6/ 8/ 1959 لمدة سنتين وفقاً للقرار الجمهوري رقم 280 لسنة 57 بشأن انتداب الموظفين والمستخدمين المرضي الجذام وقد تحملت المصلحة أجره عن أيام العمل الفعلية عن فترة الانتداب طبقاً لهذا القرار وبعد انقضاء السنتين ولما لم يشف المدعي من مرضه فقد تجدد انتدابه داخليا بالمستشفى لمدد متوالية كل منها ستة أشهر، وفي 12/ 10/ 1962 ورد للمصلحة طلب المستشفى ومرفقاً به طلب من المدعي مؤرخ 4/ 11/ 1962 بطلب صرف أجره عن أيام الجمع لأنه يعمل بالمستشفى بصفة مستمرة، وقد عززت المستشفى هذا الطلب بكتابها المؤرخ 20/ 11/ 1962 الذي أكد فيه أن المدعي يعمل فعلاً وأنه لا يأخذ أجازات أو راحات أسبوعية بحكم مرضه - وأردفت جهة الإدارة بأن تشغيل العمال أيام الجمع والإجازات بصفة استثنائية أمر يحتم موافقتها عليه مقدماً حتى يمكن صرف الأجور المستحقة له بناءً على هذه الموافقة والمدعي لم يخطر الإدارة باشتغاله أيام الجمع إلا بعد تقديم الشكوى المؤرخة 4/ 11/ 1962 وقد وافق مدير المصلحة بالنيابة في 5/ 12/ 1962 على منح المدعي مقابل اشتغاله أيام الجمع والراحات اللاحقة على صدور قراره بالموافقة دون المدة السابقة على ذلك وأخطرت المصلحة مستشفى الجذام بصرف أجور أيام الجمع اعتباراً من 1/ 12/ 1962 - أما أيام الجمع السابقة فلا تلتزم المصلحة بدفع أجر المدعي عنها لعدم سابقة الحصول منها على موافقة بتشغيله وقد صرف للمدعي أجره عن أيام الجمع اعتباراً من 1/ 12/ 1962 - أما المدة السابقة فإن طلبه لا أساس له من القانون - وطلبت المصلحة رفض الدعوى.
وبجلسة 22/ 6/ 1964 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه ويقضي باستحقاق المدعي أجره عن أيام الجمع والعطلات التي كلف بالعمل فيها اعتباراً من 6/ 8/ 59 وحتى 1/ 12/ 1962 وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق المالية من تاريخ الاستحقاق وألزمت الإدارة بالمصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة - وأسست المحكمة قضاءها على أن مجلس الوزراء كان قد قرر في 4/ 11/ 53 عدم تشغيل عمال اليومية أيام الجمع ثم عاد وقرر في 28/ 4/ 1954 العدول عن قراره الأول وإلغاءه ومن ثم فقد أصبحت حالة العمال الذين يكلفون بالعمل في أيام الجمع والعطلات والإجازات بأنواعها محكومة بالقواعد العامة - ومن المبادئ المسلمة أن العامل يخضع في الجهة المنتدب للعمل فيها للأوامر والتعليمات الصادرة إليه من تلك الجهة فيخصص وقته وجهده لأداء واجبات وظيفته ومن تعليمات تلك الجهة سواء في أوقات العمل الرسمية أو بعدها وسواء في أيام العمل المعتادة أو في أيام الجمع والعطلات بأنواعها - وأن المدعي ولئن كان من عمال مصلحة الموانئ والمنائر إلا أنه أصيب بمرض الجذام وتقرر عزله اعتباراً من 6/ 8/ 1959 وفي الوقت ذاته تقرر ندبه للعمل في هذه المستشفى وصرف أجره إليه طبقاً لأحكام قراري رئيس الجمهورية سالفي الذكر فمن ثم فإنه يتلقى أوامر التكليف من المستشفى المذكورة - وأنه إذا كانت هذه المستشفى أكدت بكتابها المؤرخ 20/ 11/ 1962 بأن المدعي يكلف فعلاً بالعمل في أيام الجمع فإنه لا يلزم قانوناً الحصول على موافقة مصلحة الموانئ والمنائر مقدماً على التصريح له بالعمل في هذه الأيام.
وقد طعنت إدارة قضايا الحكومة بصفتها على هذا الحكم مؤسسة طعنها بأن القاعدة التي تحكم استحقاق العامل أجراً عما يجاوز أيام العمل الرسمية هو وجوب التزام حدود الاعتمادات المالية المقررة ويتفرع عن ذلك أنه إذا صدر اعتماد مالي معين كان من واجب الإدارة أن تلتزم حدوده فيما تصدره من قرارات مرتبط تنفيذها به فإن جاوزته فقد قرارها عند التجاوز - سنده المالي ووقع القرار على محل قبل أن تتوافر له شرائطه القانونية - وقد جاءت أسباب الحكم قاصرة عن مناقشة مدى توافر الاعتمادات المالية المدرجة بميزانية مصلحة الموانئ والمنائر لمواجهة الصرف على أيام الجمع خلال السنوات التي قضت باستحقاق المطعون ضده لأجر هذه الأيام التي عمل خلالها، فإنه إذا أخذ بأسباب الحكم - على الفرض الجدلي - فيما ذهب إليه من عدم لزوم موافقة مصلحة الموانئ مقدماً على التصريح للمطعون ضده بالعمل أيام الجمع اكتفاء بموافقة المستشفى التي ندب للعمل بها، فقد خالف الحكم القانون ذلك أن قيام المطعون ضده بالعمل أيام الجمع بفرض تكليف المستشفى له لا ينشئ له مركزاً قانونياً في المكافأة عن هذه الأعمال ما لم يصدر الإذن بالصرف في حدود الاعتمادات المالية المقررة - فإذا كان الثابت أن مدير مصلحة الموانئ والمنائر وهو الذي يملك الإذن بالصرف في هذه الحالة نص في قراره المؤرخ 5/ 12/ 1962 بالتصديق على طلب المطعون ضده المؤرخ 4/ 11/ 1962 بصرف أجر أيام الجمع التي يشتغلها اعتباراً من تاريخ التصديق فمن ثم فلا يجوز الأخذ بما ذهب إليه الحكم باستحقاق المطعون ضده لأجر أيام الجمع في الفترة السابقة على التصديق - هذا وإنه لم يثبت من الأوراق أن المطعون ضده قد كلف بالعمل في تلك الأيام وفق ما تقتضيه المصلحة العامة حتى تتوافر شروط منحه الأجر، ذلك أن عدم منح المطعون ضده إجازة في أيام الجمع كان أمراً اقتضته حالته المرضية التي استلزمت عزله بالمستشفى ومنعه من مغادرتها كما أن الحكم خالف القانون أيضاً إذ قضى باستحقاق المطعون ضده لأجر أيام الجمع في مواجهة مصلحة الموانئ والمنائر ذلك أن التزام هذه المصلحة طبقاً للقرار الجمهوري رقم 809 لسنة 58 يجد حده الطبيعي في الأجر الأصلي عن الأيام العادية فمن ثم فعمله أيام الجمع تلتزم به الجهة الإدارية التي أدى العمل لصالحها - وهي المستشفى - طالما قرر الحكم أنها صاحبة الاختصاص في الإذن له بالعمل خلال هذه الأيام - وأضافت الطاعنة أن الحكم أيضاً قضى بما لم يطلبه الخصوم إذ قضى باستحقاق المدعي للأجر عن أيام الجمع والعطلات بينما لم يطلب المدعي سوى الأجر عن أيام الجمع التي اشتغلها.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة صورة قرار السيد رئيس الجمهورية رقم 809 لسنة 1958 المرافق للأوراق في شأن مرضى الجذام ومرتباتهم يبين أن وزير الصحة رفع مذكرة وافق عليها السيد رئيس الجمهورية - ضمنها "أنه صدر قرار جمهوري برقم 280 في مارس سنة 1957 - بالموافقة على انتداب الموظفين والمستخدمين المصابين بالجذام من المصالح المختلفة للعمل بمستعمرات الجذام ليكونوا تحت الإشراف الطبي والعلاجي على أن تتحمل مصالحهم المنتدبين منها صرف مرتباتهم طيلة مدة الانتداب على أن يقوموا في محيط المرضى ببعض الأعمال التي تتناسب مع حالتهم الصحية وعملهم الأصلي وذلك لاستمرار صرف مرتباتهم إذ أن مرض الجذام من الأمراض التي تحتاج إلى وقت طويل جداً للعلاج مما يؤدي إلى استنفاد جميع إجازاتهم المقررة لهم - ثم يوقف بعدها صرف مرتباتهم التي هي السبيل الوحيد الذي يعولون به أنفسهم وأولادهم - وقد صدر هذا القرار بناءً على ما تقدمت رئاسة القوات الجوية للوزارة بطلب ندب أحد موظفيها الفنيين من الدرجة السابعة "السيد عبد الفتاح فرج" للعمل بإحدى مستعمرات الجذام لإصابته بمرض الجذام حتى يتمكن من صرف مرتبه كاملاً طيلة مدة انتدابه فيستعين به على سد نفقات المعيشة - وقد تقدمت بعض المصالح المختلفة بطلبات انتداب بعض عمال اليومية بها - وحيث إن القرار الجمهوري المشار إليه لا يسري على هؤلاء العمال كما جاء بفتوى مجلس الدولة الذي أشار بذلك - إلا أنه لما كانت الحكمة متوفرة بالنسبة لعمال اليومية أنهم في ذلك شأن الموظفين والمستخدمين خصوصاً أن فئة العمال هي الفئة العاملة الكادحة الأكثر تعرضاً للإصابة بمرض الجذام فإن العدالة تقتضي استصدار قرار جمهوري بسريان نفس أحكام القرار الجمهوري ر قم 280 لسنة 1957 على عمال اليومية جميعاً أسوة بباقي الموظفين والمستخدمين وأسوة بما اتبع في انتداب عمال اليومية المصابين بالدرن".
ومن حيث إنه سبق لهذه المحكمة أن قضت بأنه في يوم 4 من نوفمبر سنة 1953 أصدر مجلس الوزراء قراراً قضى بعدم تشغيل جميع العمال أيام الجمع إلا إذا اقتضت الحالة تشغيلهم وبشرط عدم صرف أجور لهم عن هذه الأيام، على أن يأخذوا راحة بدلاً عنها، وفي 28 من إبريل سنة 1954 أصدر مجلس الوزراء قراراً آخر بإلغاء هذا القرار فأصبحت هذه الحالة تحكمها القواعد التنظيمية العامة الصادرة في هذا الشأن ومقتضاها كما جاء بالمذكرة التي عرضت على مجلس الوزراء لدى إصداره قراره المؤرخ 4 نوفمبر سنة 1953 - أن الأصل عدم تشغيل العمال في أيام الجمع وعدم جواز صرف أجور لهم عن هذه الأيام لمخالفة ذلك للقواعد المالية وإنما يجوز إذا اقتضته الضرورة وأملته المصلحة العامة وسمحت الاعتمادات المالية المدرجة في الميزانية بمنح أجور عن هذه الأيام.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعي كان يشغل وظيفة نجار بمصلحة المواني والمنائر بدرجة صانع دقيق 300/ 500م اعتباراً من سنة 1947 وقد تدرج أجره بالعلاوات حتى وصل إلى 440 م في 1/ 5/ 63 وقد أصيب خلال سنة 1959 بمرض الجذام وتقرر عزله بمستشفى الجذام اعتباراً من 6/ 8/ 1959 وقد وافق القومسيون على تجديد انتدابه وبتاريخ 12/ 11/ 1962 ورد كتاب من المستشفى مرفق به طلب محرر منه ومؤرخ 4/ 11/ 1962 بطلب صرف أيام الجمع التي اشتغلها بالمستشفى منذ التحاقه بها من 6/ 8/ 1959 إذ أنه يعمل بها بصفة مستمرة وأن المستشفى قررت بكتابها المؤرخ 20/ 11/ 1962 أنه يعمل فيها أيام الجمع وأنه لا يأخذ إجازات أو راحات أسبوعية بحكم مرضه (يراجع رد جهة الإدارة)، وقد عرض الأمر على مدير مصلحة الموانئ والمنائر بتاريخ 5/ 12/ 1962 فوافق على منحه أجراً عن أيام الجمع اعتباراً من 1/ 12/ 1962 - دون الأجر عن المدة السابقة - وهي محل النزاع في الدعوى الماثلة بحجة أن المصلحة لا تلتزم بها لعدم سبق تصديقها على تشغيل المدعي.
ومن حيث إن للفصل في النزاع المعروض يتعين استظهار أمرين - أولهما الجهة التي تملك إعطاء الإذن بتشغيل العامل أيام الجمع والعطلات وتقدير مقتضيات الضرورة التي يتطلبها الصالح العام مع ما يتطلبه ذلك من وجود اعتمادات مالية، وثانيهما: الجهة الملزمة بدفع أجر أيام الجمع وذلك في ضوء القواعد السالف بيانها.
ومن حيث إنه بالنسبة للأمر الأول - وهو الخاص بالجهة التي تملك إصدار الأمر بالعمل أيام الجمع والعطلات الرسمية - فإن القاعدة الأصلية التي يمكن على أساسها منح أجور عن أيام الجمع أو العطلات الرسمية هو وجود مقتض من الصالح يلزم معه تشغيل العامل في هذه الأيام الأمر الذي يستوجب معه في جميع الأحوال صدور الإذن بذلك من الجهة المختصة مراعية في ذلك الاعتمادات المالية المدرجة في ميزانيتها لهذا الغرض وإذ كان الثابت أن المدعي خلال الفترة محل النزاع كان منتدباً في مستشفى الجذام لمرضه فهي باعتبارها الجهة الإدارية المشرفة على حسن سير المرفق - هي التي تقدر مقتضيات الصالح العام في اتخاذ مثل هذا الإجراء وهي التي تصدر الأمر بالتشغيل أيام الجمع.
ومن حيث إنه بالنسبة للأمر الثاني وهو الجهة الملزمة قانوناً بصرف أجر أيام الجمع - فإن الأمر يجب بحثه من ناحية في ضوء الأحكام المقررة بمقتضى القرار الجمهوري سالف الذكر والملابسات التي دعت إلى استصداره - ومن ناحية أخرى فيما إذا كان أجر أيام الجمع يدخل في حساب أجر العامل المقرر قانوناً - فمن الناحية الأولى يبين من استقراء القرار الجمهوري سالف الذكر أنه صدر بغية تحقيق أغراض إنسانية بحتة فأشار إلى وضع الموظفين والعمال والمصابين بالجذام بمستعمرة الجذام ليكونوا تحت الإشراف الطبي على أن يقوموا في محيط المرضى ببعض الأعمال التي تتناسب مع حالتهم الصحية وعملهم الأصلي ذلك بغرض صرف مرتباتهم أو أجورهم كاملة مدة ندبهم إذ أن مرض الجذام من الأمراض التي تحتاج إلى وقت طويل جداً للعلاج مما يؤدي إلى استنفاذ جميع إجازاتهم ثم يتوقف بعدها صرف مرتباتهم أو أجورهم التي هي السبيل الوحيد لرزقهم - ومن ثم فالندب في هذه الحالة غير الندب بالمعنى المعروف قانوناً إذ الأخير يتسم بالتأقيت ويراعى فيه دائماً مصلحة العمل إذ لا يسوغ إجراؤه إلا إذا كانت حالة العمل في الوظيفة الأصلية تسمح بذلك - ومن ثم فيجب تفسير الأجر الكامل المستحق للعامل في ضوء الظروف الاستثنائية التي أملت صدور هذا القرار - بالأجر الذي يستحقه العامل قانوناً وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن أجر العامل باليومية يحسب في جملته بعد استبعاد أيام الجمع ليكون الأصل فيها أنها أيام الراحة الأسبوعية التي لا يعمل فيها ولا يتقاضى بالتالي أجراً عنها - وقد استخلصت هذه المحكمة ذلك بما ورد في كتاب وزارة المالية الدوري بملف رقم 234 - 9/ 53 المؤرخ 16 ديسمبر سنة 1945 في شأن صرف مبلغ على الحساب لعمال اليومية ومن في حكمهم تنفيذاً لكادر العمال من أنه "ترى وزارة المالية تيسيراً عليهم ألا يصرف لهم على الحساب إلا بما يوازي أجرة شهرين من الأجور الحالية..." ويكون تقدير الأجرة على أساس 25 يوماً - وبما ردده كتاب وزارة المالية رقم 1 - 31/ 17/ الصادر في نوفمبر سنة 1946 من أن قاعدة المحاسبة تكون على أساس الأجرة اليومية المقررة بمقتضى كادر العمال مضروبة في 25 يوماً - كذلك بما جاء في كتاب وزارة المالية (المراقبة العامة لمستخدمي الحكومة) ملف 234 - 1/ 320 الصادر في 27 نوفمبر سنة 1948 تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 7 نوفمبر سنة 1948 بشأن الموظفين الذين حولت وظائفهم من اليومية إلى درجات والمستخدمين الذين كانوا باليومية ثم وضعوا على درجات بعد ديسمبر سنة 1944 من أنه (ب) يمنح كل منهم في الدرجة التي وضع فيها ماهية تعادل أجرته اليومية مضروبة في 25 يوماً. ويبين من هذا العرض المتقدم أن العمل أيام الجمع وصرف أجور عنها مخالف للقواعد المالية، لهذا صدرت قرارات مجلس الوزراء منظمة للعمل في هذه الأيام محددة ذلك بالقيود التي ارتأتها - وترتيباً على ذلك فإن مرتب أيام الجمع لا يدخل في الأجر الكامل المقرر دفعه للعامل بمقتضى قرار رئيس الجمهورية سالف الذكر - ومن ثم فلا تلزم الجهة التي يعمل بها بدفع أجر المدعي عن أيام الجمع ولا يغير من ذلك أن المصلحة المذكورة قامت بدفع أجر للمدعي عن هذه الأيام اعتباراً من 1/ 12/ 1962 للأسباب السالف بيانها - ومتى كان الأمر كذلك فإن الجهة المنتدب إليها المدعي - التي كلفته بالعمل في أيام الجمع - هي الملزمة قانوناً بصرف هذه الأجور - إذا توافرت الشرائط المقررة قانوناً لذلك.
ومن حيث إن المدعي اختصم في دعواه الماثلة مصلحة الموانئ والمنائر - وهي غير ملزمة قانوناً بدفع أجور عن هذه الأيام - فمن ثم يتعين الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض دعوى المدعي وبإلزامه بالمصروفات - والمدعي وشأنه في الالتجاء إلى القضاء مطالباً بحقه من الجهة الملزمة بصرف الأجر عن العمل أيام الجمع إذ كان له ثمة وجه حق قانوني في المطالبة بهذا الأجر.
ومن حيث إن من أصابه الخسر في دعواه يلزم بمصروفاتها - فمن ثم يتعين إلزام المدعي بها.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.