أحكام المحكمة الدستورية العليا - الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 - صـ 1065

جلسة 3 يناير 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: نهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف وماهر البحيري، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

قاعدة رقم (74)
القضية رقم 132 لسنة 18 قضائية "دستورية"

1 - المحكمة الدستورية العليا "ولايتها".
الولاية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا في شأن الرقابة القضائية على المشروعية الدستورية تتعلق بالنصوص أياً كان محلها أو موضوعها أو نطاق تطبيقها أو السلطة التي أقرتها أو أصدرتها.
2 - دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
مناط المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - أن تتوافر علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي - وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
3 - تنظيم الحقوق "سلطة تقديرية".
السلطة التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق هي سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها.
4 - مبدأ المساواة أمام القانون "مؤداه".
مؤدى هذا المبدأ أنه لا يجوز لأي من السلطتين التشريعية أو التنفيذية مباشرة اختصاصاتها التشريعية بما يخل بالحماية المتكافئة التي كفلها الدستور للحقوق جميعها.
5 - مبدأ المساواة أمام القانون "تمييز مبرر".
مغايرة القانون بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعاً فيما بينها إذا كان تقديره قائماً على أسس موضوعية، مستلهماً أهدفاً مشروعة، كافلاً وحدة القاعدة القانونية في شأن المتماثلين ظروفهم، يجعل القانون واقعاً في دائرة السلطة التقديرية للمشرع متضمناً تمييزاً مبرراً.
6 - تشريع "نص الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 98 لسنة 1976 بشأن منح إعانات للعاملين المدنيين بسيناء - وقطاع غزة ومحافظات القناة: تمييز مبرر".
استناد هذه الفقرة إلى أسس موضوعية فيما قررته - مؤداه اعتبارها غير متبنية تمييزاً تحكمياً يخل بأحكام المادة 40 من الدستور.
1 - الولاية التي تباشرها المحكمة الدستورية العليا في شأن الرقابة القضائية على المشروعة الدستورية، إنما تتعلق بالنصوص القانونية أياً كان محلها أو موضوعها أو نطاق تطبيقها أو السلطة التي أقرتها أو أصدرتها. وأن غايتها رد النصوص القانونية المطعون عليها إلى أحكام الدستور، تثبتاً من اتفاقها أو تعارضها معها.
2 - المصلحة الشخصية والمباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن تتوافر ثمة علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان البين من الأوراق، أن المدعى عليه الثاني - وباعتباره أحد العاملين بالشركة المدعية - كان قد أقام دعواه الموضوعية مستهدفاً بها الحكم بإلزامها بضم إعانة التهجير - التي تقررت لمن كانوا يعملون حتى 31/ 12/ 1975 بمحافظات القناة - إلى مرتبه، وذلك عملاً بأحكام القانونين رقمي 98 لسنة 1976 بشأن منح إعانات للعاملين المدنيين بسيناء وقطاع غزة ومدن القناة و58 لسنة 1988 في شأن ضم إعانة التهجير إلى المرتب والمعاش؛ وكان المشرع قد كفل أصل الحق في هذه الإعانة بالفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 98 لسنة 1976 المشار إليه؛ وكان الحكم بعدم دستوريتها مؤداه إبطالها بأثر رجعي يرتد إلى تاريخ العمل بها؛ فإن مصلحة المدعية تنحصر في النعي على هذه الفقرة مخالفتها الدستور حتى إذا أبطلتها هذه المحكمة سقط ما بني عليها من أحكام انتظمتها باقي فقراتها، ولا يكون كذلك ثمة محل لتطبيق قواعد ضم هذه الإعانة إلى المرتب المنصوص عليها في المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 58 لسنة 1988 المشار إليه.
3 - الأصل في السلطة التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتعتبر تخوماً لها لا يجوز تخطيها، تقديراً بأن الدستور لا يكفل للحقوق ضماناتها إلا بقصد توكيد فعاليتها، بما يحول بين المشرع وإهدار الحقوق التي كفلها الدستور أو تهميشها عدواناً على مجالاتها الحيوية التي يرتبط وجودها بها، فلا تتنفس إلا من خلالها.
4، 5 - مبدأ المساواة أمام القانون - وبقدر تعلقه بالحدود التي تباشر فيها هذه المحكمة ولايتها - مؤداه أنه لا يجوز لأي من السلطتين التشريعية أو التنفيذية أن تباشر اختصاصاتها التشريعية التي ناطها الدستور بها بما يخل بالحماية المتكافئة التي كفلها للحقوق جميعها، سواء في ذلك تلك التي نص عليها أو التي حددها القانون، وبمراعاة أن الحماية المتكافئة أمام القانون التي اعتد الدستور بها، لا تتناول القانون من مفهوم مجرد، وإنما بالنظر إلى أن القانون تعبير عن سياسة محددة أنشأتها أوضاع لها مشكلاتها، وأنه تغيا بالنصوص التي تضمنها تحقيق أغراض بذواتها من خلال الوسائل التي حددها.
وكلما كان القانون مغايراً بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعاً فيما بينها؛ وكان تقديره في ذلك قائماً على أسس موضوعية؛ مستلهماً أهدافاً لا نزاع في مشروعيتها؛ وكافلاً وحده القاعدة القانونية في شأن أشخاص تتماثل ظروفهم بما لا يتجاوز متطلباتها؛ كان القانون واقعاً في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع، ولا يعتبر بالتالي قانوناً مشتبهاً فيه، بل متضمناً تمييزاً مُبرراً لا ينال من مشروعيته الدستورية أن تكون المساواة التي توخاها وسعى إليها، بعيدة حسابياً عن الكمال Mathematical Nicety، ولا أن يكون تطبيقها عملاً قد أخل بها.
6 - الإعانة الشهرية التي منحتها الفقرة الأولى المطعون عليها للعاملين المدنيين الذي كانوا يعملون بمدن القناة حتى 31/ 12/ 1975، لا يجوز فصلها عن موجباتها باعتبار أن صرفها كان ناجماً عن نزوح أسرهم بعد عدوان إسرائيل على مصر في يونيو 1967، إلى مدن جديدة استضافتهم، وبقصد مواجهة الأعباء التي تحملوها في ظروفهم الجديدة.
وكان ينبغي بالتالي أن يكون استحقاقها مرتبطاً ببقاء هذه الأوضاع على حالتها هذه في شأن مدن القناة جميعها، فإذا زايلتها، كان لازماً أن يحدد المشرع تاريخاً لانتهاء حق أهلها في بدل التهجير؛ وكان المشرع بالخيار بين أن يجعل زوال هذا الحق مرتبطاً بعودة السفن إلى قناة السويس استئنافاً منها لملاحتها فيها - وهو أمر غير محدد بتاريخ معين يكون معروفاً سلفاً - وبين أن يكون تاريخ انتهاء هذا البدل معلوماً بصورة لا تجهيل فيها.
وقد آثر المشرع قطع النزاع حول هذا الموضوع، فاختار أن يظل هذا البدل قائماً حتى انتهاء السنة المالية لعام 1975 في 31/ 12/ 1975 بوصفها فترة زمنية محددة التاريخ؛ وانطلاقاً من الحرص على توفير الرعاية الكاملة لأهل مدن القناة جزاء معاناتهم وما قدموه طوال حياتهم الوظيفية. ولا يستقيم بالتالي مساواة هؤلاء بمن يعمل بمنطقة القناة بعد 31/ 12/ 1975، بل يكون التمييز بينهما ضرورياً باعتبار أن بدل التهجير ظل مرتبطاً وجوداً وعدماً بالأوضاع الاستثنائية التي عايشتها مدن القناة بعد السيطرة التي بسطتها إسرائيل على ضفتها الشرقية.
وعلى ذلك، تكون الفقرة الأولى من المادة الثانية المطعون عليها، مستندة إلى أسسها الموضوعية، غير متبنية تمييزاً تحكمياً يخل بنص المادة 40 من الدستور.


الإجراءات

بتاريخ السادس والعشرين من نوفمبر سنة 1996، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالبة الحكم بعدم دستورية نص المادة الثانية من القانون رقم 98 لسنة 1976 بشأن منح إعانات للعاملين المدنيين بسيناء وقطاع غزة ومحافظات القناة، المعدل بالقانون رقم 58 لسنة 1988 في شأن ضم إعانة التهجير إلى المرتب والمعاش.
قدمت هيئة قضايا الدولة، مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى، واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعى عليه الثاني كان قد أقام الدعوى رقم 814 لسنة 1994 أمام محكمة الإسماعيلية الابتدائية ضد الشركة المدعية طالباً الحكم بإلزامها بمنحة إعانة التهجير وضمها إلى مرتبه اعتباراً من 18/ 4/ 1988 وذلك بالنسب والحدود المنصوص عليها في القانونين رقمي 98 لسنة 1976 بشأن منح إعانات للعاملين المدنيين بسيناء وقطاع غزة ومدن القناة، و58 لسنة 1988 في شأن ضم إعانة التهجير إلى المرتب والمعاش، وذلك مع صرف الفروق المالية المستحقة والمترتبة على الضم، موضحاً أنه التحق بالشركة المدعى عليها منذ عام 1972؛ وكان من بين المنتدبين منها للعمل بمدن القناة في 31/ 12/ 1975، وينطبق عليه بالتالي شروط منح تلك الإعانة، فلا يجوز الامتناع عن ضمها إلى مرتبه، وذلك عملاً بأحكام القانونين المشار إليهما.
وأمام المحكمة الابتدائية المذكورة تقدمت الشركة المدعى عليها - المدعية في الدعوى الماثلة - بمذكرة دفعت فيها بعدم دستورية المادة الثانية من القانون رقم 98 لسنة 1976 بشأن منح إعانات للعاملين المدنيين بسيناء وقطاع غزة ومحافظات القناة المعدل بالقانون رقم 58 لسنة 1988 في شأن ضم إعانة التهجير إلى المرتب والمعاش. بيد أن تلك المحكمة قضت بجلسة 30/ 5/ 1996 بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الدعوى، وإحالتها إلى محكمة مركز الإسماعيلية الجزئية، حيث قيدت أمامها برقم 126 لسنة 1996.
وإذ قدرت هذه المحكمة جدية الدفع بعدم الدستورية السابق إبداؤه من الشركة المدعى عليها أمام المحكمة الابتدائية، فقد صرحت لها باتخاذ إجراءات الطعن بعدم دستورية نص المادة الثانية من القانون رقم 98 لسنة 1976 المعدل بالقانون رقم 58 لسنة 1988، وأجلت نظر الدعوى إلى جلسة 3/ 12/ 1996 لتقديم ما يفيد الطعن عليها، فأقامت الشركة المدعية الدعوى الماثلة.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى الماثلة تأسيساً على أن مناعي الشركة المدعية في شأن النص المطعون فيه، قد انحصرت في الشروط التي تطلبها لاستحقاق العاملين المدنيين المخاطبين بأحكامه للإعانة الشهرية المنصوص عليها فيه، وما إذا كانت الفترة المحدودة التي قضاها المدعى عليه الثاني في العمل بإحدى محافظات القناة تصلح سبباً لاستحقاقه هذه الإعانة على ضوء ما تقرر بشأنها من نصوص قانونية، وهو ما لا يثير - في تقديرها - مسائل دستورية مما تختص المحكمة الدستورية العليا بالفصل فيها، بل يندرج تحت اختصاص محكمة الموضوع.
وحيث إن هذا الدفع، مردود أولاً: بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الولاية التي تباشرها في شأن الرقابة القضائية على المشروعية الدستورية، إنما تتعلق بالنصوص القانونية أياً كان محلها أو موضوعها أو نطاق تطبيقها أو السلطة التي أقرتها أو أصدرتها. وأن غايتها رد النصوص القانونية المطعون عليها إلى أحكام الدستور، تثبتاً من اتفاقها أو تعارضها معها.
ومردود ثانياً: بأن الدعوى الدستورية الماثلة تدور حول طلب الشركة المدعية الحكم بعدم دستورية نص قانوني اتخذه أحد العاملين لديها موطئاً لطلبه - في الدعوى الموضوعية التي أقامها ضدها - بأن تضم إلى راتبه إعانة التهجير التي يدعى استحقاقها وفقاً لأحكام القانونين رقمي 98 لسنة 1976 و58 لسنة 1988 المشار إليهما، بما مؤداه تعلق الدعوى الدستورية الماثلة بمطاعن محلها ذات القاعدة القانونية التي قام النزاع الموضوعي على أساسها، وغايتها إبطال هذه القاعدة من خلال الحكم بعدم دستوريتها. وتلك هي عين الدعوى الدستورية التي يدخل الفصل فيها في ولاية هذه المحكمة.
وحيث إن المادة الثانية من القانون 98 لسنة 1976 بشأن منح إعانات للعاملين المدنيين بسيناء وقطاع غزة ومحافظات القناة، تنص في فقرتها الأولى على أن: تمنح إعانة شهرية بواقع 25% من الراتب الأصلي الشهري لمن كانوا يعملون حتى 31 من ديسمبر سنة 1975 بمحافظات القناة والذين عادوا إليها، أو الذين ما زالوا يقيمون في المحافظات المضيفة من العاملين المدنيين الخاضعين لأحكام نظام العاملين المدنيين بالدولة، أو نظام العاملين بالقطاع العام أو المعاملين بكادرات خاصة أو العاملين في المنشآت الخاضعة لأحكام القانون رقم 26 لسنة 1954 بشأن بعض الأحكام الخاصة بالشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة، وكذا العاملين بالجمعيات التعاونية وذلك بحد أقصى قدره عشرون جنيهاً وبحد أدنى قدره خمسة جنيهات.
وتقضي فقرتها الثانية: بأن تستهلك هذه الإعانة مما يحصل عليه العاملون بمحافظتي بور سعيد والإسماعيلية بعد أول يناير سنة 1976 من نصف العلاوات الدورية أو علاوات الترقية أو أية تسويات تترتب عليها زيادة في المرتب الأصلي، فإذا لم يحصل العامل على أية زيادة في المرتب خلال أية سنة، تستهلك الإعانة بواقع خمس قيمتها الأصلية.
وتنص الفقرة الثالثة: على أنه بالنسبة إلى من يعملون بمحافظة السويس، فيبدأ الاستهلاك من هذه الإعانة طبقاً للقواعد السابقة اعتباراً من التاريخ الذي يحدد بقرار رئيس مجلس الوزراء.
وحيث إن القانون رقم 58 لسنة 1988 في شأن ضم إعانة التهجير إلى الراتب والمعاش، ينص في مادته الأولى على أن يعاد حساب الإعانة المنصوص عليها بالقانون رقم 98 لسنة 1976 بشأن منح إعانات للعاملين المدنيين بسيناء وقطاع غزة ومحافظات القناة الخاضعين لأحكامه، على أجورهم الأساسية المستحقة في 12 أبريل 1986. ويعتبر العاملون الذين صدرت قرارات تعيينهم بالنقل قبل أول يناير سنة 1976 ولم يتسلموا العمل بسبب أدائهم الخدمة الإلزامية أو استبقائهم بها، من بين العاملين الذين تطبق عليهم أحكام القانون رقم 98 لسنة 1976 المشار إليه.
وتقضي مادته الثانية في فقرتها الأولى بأن تضم الإعانة المشار إليها في المادة السابقة إلى الأجر الأساسي للعامل اعتباراً من 12 أبريل 1986، حتى وإن تجاوز بها الربط المقرر لدرجة الوظيفة؛ وفي فقرتها الثانية بأن يستمر العامل في تقاضي العلاوات الدورية وعلاوات الترقية المستحقة بعد هذا التاريخ بما يجاوز الحد الأقصى المسموح ببلوغه بالعلاوات الدورية، وذلك بمقدار يعادل قيمة الإعانة المضمومة للأجر الأساسي بالتطبيق للفقرة السابقة.
وحيث إن المصلحة الشخصية والمباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن تتوافر ثمة علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الفصل في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان البين من الأوراق، أن المدعى عليه الثاني - وباعتباره أحد العاملين بالشركة المدعية - كان قد أقام دعواه الموضوعية مستهدفاً بها الحكم بإلزامها بضم إعانة التهجير - التي تقررت لمن كانوا يعملون حتى 31/ 12/ 1975 بمحافظات القناة - إلى مرتبه، وذلك عملاً بأحكام القانونين رقمي 98 لسنة 1976 بشأن منح إعانات للعاملين المدنيين بسيناء وقطاع غزة ومدن القناة و58 لسنة 1988 في شأن ضم إعانة التهجير إلى المرتب والمعاش؛ وكان المشرع قد كفل أصل الحق في هذه الإعانة بالفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 98 لسنة 1976 المشار إليه؛ وكان الحكم بعدم دستوريتها مؤداه إبطالها بأثر رجعي يرتد إلى تاريخ العمل بها؛ فإن مصلحة المدعية تنحصر في النعي على هذه الفقرة مخالفتها الدستور حتى إذا أبطلتها هذه المحكمة سقط ما بني عليها من أحكام انتظمتها باقي فقراتها، ولا يكون كذلك ثمة محل لتطبيق قواعد ضم هذه الإعانة إلى المرتب المنصوص عليها في المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 58 لسنة 1988 المشار إليه.
وحيث إن المدعية تنعي على الفقرة الأولى من المادة الثانية المطعون عليها إخلالها بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه في المادة 40 من الدستور، تأسيساً على ما يأتي:
1 - أن هذه الفقرة تقيم تمييزاً تحكمياً بين فئتين من العاملين تتحدان في المركز القانوني؛ أولاهما تلك التي تواجد أفرادها بحكم عملهم في إحدى محافظات القناة قبل 31/ 12/ 1975، وثانيتهما تلك التي عمل أفرادها في هذه المحافظات ذاتها بعده، فبينما كفل المشرع لأولاهما الحق في الإعانة الشهرية التي نص عليها، فقد حجبها عن ثانيتهما دون أسس موضوعية بالمخالفة للاتجاه الذي كان سائداً قبل العمل بالفقرة المطعون عليها، وهو اتجاه بدأ بالقرارين رقمي 1، 2 الصادرين عام 1967 عن الوزير المقيم بمنطقة القناة، كافلاً بهما منح مقابل تهجير للعاملين بمنطقة القنال الذين يقومون بتهجير أسرهم إلى خارجها.
2 - قرن المشرع ذلك بالفقرة الرابعة من المادة 6 من قرار رئيس الجمهورية رقم 934 لسنة 1969 التي تحيل في شأن تحديد من يعتبر من أبناء سيناء وقطاع غزة ومحافظات القناة، إلى القواعد التي يصدر بها قرار من وزير الشئون الاجتماعية.
3 - وإعمالاً لهذا التفويض، صدر القرار الوزاري رقم 119 لسنة 1969 مؤكداً - في مجال تطبيقه - على اعتبار تواجد العامل في إحدى هذه المناطق والخدمة بها في 5/ 6/ 1967 شرطاً لازماً. بل إن المادة الأولى من القانون رقم 98 لسنة 1976 المشار إليه، تمنح إعانة شهرية بواقع 20% من الراتب الأصلي لأبناء سيناء وقطاع غزة من العاملين المدنيين الذي كانوا يخدمون بهذه المناطق في 5/ 6/ 1967، وذلك على نقيض الإعانة التي كفلتها الفقرة الأولى من مادته الثانية لمن كانوا يعملون بإحدى محافظات القناة حتى 31/ 12/ 1975 ولو كان عملهم بها بعد وقوع عدوان يونيو 1967، وهو ما يعني - عند المدعية - تقرير إعانة مع تخلف سببها وصرفها بالتالي لغير مستحقيها، ولا أدل على ذلك من أن المدعى عليه الثاني لم يكن له من صلة بمحافظة السويس إلا بعد ندبه إليها في 21/ 1/ 1975 حتى تم نقله منها في 7/ 8/ 1979 للعمل بجهة أخرى.
وحيث إن الأصل في السلطة التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها، وتعتبر تخوماً لها لا يجوز تخطيها، تقديراً بأن الدستور لا يكفل للحقوق ضماناتها إلا بقصد توكيد فعاليتها، بما يحول بين المشرع وإهدار الحقوق التي كفلها الدستور أو تهميشها عدواناً على مجالاتها الحيوية التي يرتبط وجودها بها، فلا تتنفس إلا من خلالها.
وحيث إن مبدأ المساواة أمام القانون - وبقدر تعلقه بالحدود التي تباشر فيها هذه المحكمة ولايتها - مؤداه أنه لا يجوز لأي من السلطتين التشريعية أو التنفيذية أن تباشر اختصاصاتها التشريعية التي ناطها الدستور بها بما يخل بالحماية المتكافئة التي كفلها للحقوق جميعها، سواء في ذلك تلك التي نص عليها أو التي حددها القانون، وبمراعاة أن الحماية المتكافئة أمام القانون التي اعتد الدستور بها، لا تتناول القانون من مفهوم مجرد، وإنما بالنظر إلى أن القانون تعبير عن سياسة محددة أنشأتها أوضاع لها مشكلاتها، وأنه تغيا بالنصوص التي تضمنها تحقيق أغراض بذواتها من خلال الوسائل التي حددها.
وكلما كان القانون مغايراً بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعاً فيما بينها؛ وكان تقديره في ذلك قائماً على أسس موضوعية؛ مستلهماً أهدافاً لا نزاع في مشروعيتها؛ وكافلاً وحده القاعدة القانونية في شأن أشخاص تتماثل ظروفهم بما لا يتجاوز متطلباتها؛ كان القانون واقعاً في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع، ولا يعتبر بالتالي قانوناً مشتبهاً فيه، بل متضمناً تمييزاً مبرراً لا ينال من مشروعيته الدستورية أن تكون المساواة التي توخاها وسعى إليها، بعيدة حسابياً عن الكمال Mathematical Nicety، ولا أن يكون تطبيقها عملاً قد أخل بها.
وحيث إن الإعانة الشهرية التي منحتها الفقرة الأولى المطعون عليها للعاملين المدنيين الذي كانوا يعملون بمدن القناة حتى 31/ 12/ 1975، لا يجوز فصلها عن موجباتها باعتبار أن صرفها كان ناجماً عن نزوح أسرهم بعد عدوان إسرائيل على مصر في يونيو 1967، إلى مدن جديدة استضافتهم، وبقصد مواجهة الأعباء التي تحملوها في ظروفهم الجديدة.
وكان ينبغي بالتالي أن يكون استحقاقها مرتبطاً ببقاء هذه الأوضاع على حالتها هذه في شأن مدن القناة جميعها، فإذا زايلتها، كان لازماً أن يحدد المشرع تاريخاً لانتهاء حق أهلها في بدل التهجير؛ وكان المشرع بالخيار بين أن يجعل زوال هذا الحق مرتبطاً بعودة السفن إلى قناة السويس استئنافاً منها لملاحتها فيها - وهو أمر غير محدد بتاريخ معين يكون معروفاً سلفاً - وبين أن يكون تاريخ انتهاء هذا البدل معلوماً بصورة لا تجهيل فيها.
وقد آثر المشرع قطع النزاع حول هذا الموضوع، فاختار أن يظل هذا البدل قائماً حتى انتهاء السنة المالية لعام 1975 في 31/ 12/ 1975 بوصفها فترة زمنية محددة التاريخ؛ وانطلاقاً من الحرص على توفير الرعاية الكاملة لأهل مدن القناة جزاء معاناتهم وما قدموه طوال حياتهم الوظيفية. ولا يستقيم بالتالي مساواة هؤلاء بمن يعمل بمنطقة القناة بعد 31/ 12/ 1975، بل يكون التمييز بينهما ضرورياً باعتبار أن بدل التهجير ظل مرتبطاً وجوداً وعدماً بالأوضاع الاستثنائية التي عايشتها مدن القناة بعد السيطرة التي بسطتها إسرائيل على ضفتها الشرقية.
وحيث إنه بالبناء على ذلك، تكون الفقرة الأولى من المادة الثانية المطعون عليها، مستندة إلى أسسها الموضوعية، غير متبنية تمييزاً تحكمياً يخل بنص المادة 40 من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.