أحكام المحكمة الدستورية العليا - الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 - صـ 1077

جلسة 3 يناير 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: نهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدي محمد علي وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف وماهر البحيري، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

قاعدة رقم (75)
القضية رقم 129 لسنة 18 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
مناط هذه المصلحة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي - ذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
2 - تنظيم الحقوق "إطاره".
السلطة التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق حدها قواعد الدستور.
3 - حق التقاضي "مساواة".
الناس لا يتمايزون فيها بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي - عدم تمايزهم كذلك في نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم الخصومة أو في طرق الطعن - عدم جواز تحميل النفاذ إلى القضاء بأعباء تقيد أو تعطل أصل الحق فيه.
4 - خصومة قضائية "مصاريفها":
الأصل في الخصومة القضائية ألا تكون نفقاتها عبئاً إلا على من صار ملزماً بها بمقتضى حكم نهائي.
5 - مساواة المواطنين أمام القانون "التقاضي".
مؤدى مساواة المواطنين أمام القانون ويندرج تحتها مساواتهم أمام القضاء أن الحقوق عينها يلزم أن تنتظمها قواعد موحدة - سواء في مجال التداعي بشأنها أو الدفاع عنها أو استئدائها.
6 - تشريع "نص الفقرة الثانية من المادة 14 من القانون رقم 90 لسنة 1944 في شأن الرسوم القضائية - إخلال بالمساواة".
ما قررته هذه الفقرة من جواز اقتضاء مصروفات الخصومة القضائية جبراً قبل الفصل استئنافياً في الحق المتنازع عليه إنما يغاير بين حقوق آحاد الناس التي يعتبر ثبوتها بحكم نهائي لازماً للحمل على أدائها - كفالتها كذلك لأفضلية دون مسوغ للجهة الإدارية.
7 - حق الدفاع - خصومة قضائية "مصروفات".
حق الدفاع وثيق الصلة بالخصومة القضائية - انبساط هذا الحق على مرحلتيها ابتدائياً واستئنافياً - عدم جواز تحميل مصروفاتها غير من خسر نهائياً الحقوق محلها.
8 - خصومة قضائية "مصروفات".
كان لازماً ألا تكون مصروفات الخصومة القضائية عبئاً على من أقامها كلما كان محقاً فيها - بغير استنفاد مرحلتي التقاضي لا يكون مسار الخصومة القضائية مكتملاً ولا محدداً من يكون من أطرافها متحملاً بمصروفاتها.
9 - خصومة قضائية "مصروفاتها" - حق الملكية.
اقتضاء مصروفات الخصومة القضائية قبل استقرار الحق فيها يجرد ذمم الملاحقين بها من بعض عناصرها الإيجابية دون حق - انطواء ذلك على إخلال بالحماية التي كفلها الدستور للملكية - امتداد هذه الحماية للأموال جميعها بما في ذلك الحقوق الشخصية.
10 - دستور "نظام ضريبي: عدالة اجتماعية" - خصومة قضائية "مصروفات".
قيام النظام الضريبي وفقاً للدستور على أساس من العدل محدداً من منظور اجتماعي - عدم اقتصار ذلك على شكل دون آخر من الأعباء المالية التي تفرضها الدولة على مواطنيها وفقاً للمادة 119 من الدستور - من المتعين ارتباط مصروفات الخصومة القضائية بما انتهى إليه الحكم النهائي الصادر فيها من قضاء.
11 - تشريع "نص الفقرة الثانية من المادة 14 من القانون رقم 90 لسنة 1944: عدالة اجتماعية".
وفقاً لهذا النص، من خسر دعواه بحكم ابتدائي لا يكون إلا غارماً بمصروفاتها ولو كان بقاء أو زوال هذا الحكم ما فتئ معلقاً: عدم اعتبار ذلك إنصافاً في مجال تطبيق المادة 38 من الدستور.
1 - المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية التي تطرح على هذه المحكمة، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان النزاع الموضوعي الذي أثير الدفع بعدم الدستورية بمناسبته، يتعلق بما إذا كان يجوز لقلم كتاب محكمة جنوب القاهرة أن يستصدر ضده المدعي أمراً قضائياً بتقدير الرسوم النسبية محسوبة على أساس ما حكم به عليه ابتدائياً، ثم تنفيذ هذا الأمر جبراً، ودون تربص بقضاء المحكمة الاستئنافية التي يعتبر حكمها في النزاع الموضوعي شرطاً لجواز هذا التنفيذ، فإن مصلحة المدعي لا تتعلق بكامل أجزاء الفقرة الثانية المطعون عليها، وإنما تنحصر فيما ورد بعجزها من أن الاستئناف لا يحول دون تحصيل الرسوم القضائية ممن خسر الدعوى في مرحلتها الابتدائية. وبها يتحدد نطاق الدعوى الدستورية.
2 - إن السلطة التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، حدها قواعد الدستور التي تبين تخوم الدائرة التي لا يجوز اقتحامها بما ينال من الحق محل الحماية أو يؤثر في محتواه، ذلك أن لكل حق دائرة يعمل فيها ولا يتنفس إلا من خلالها، فلا يجوز تنظيمه إلا فيما وراء حدودها الخارجية. فإذا انبسط المشرع عليها أو تداخل معها، كان ذلك أدخل إلى مصادرة الحق أو تقييده.
3 - إن الناس جميعاً لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم الخصومة عينها، ولا في فعالية ضمانة الدفاع التي يكفلها الدستور أو المشرع للحقوق التي يدعونها، ولا في اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طلبها، ولا في طرق الطعن التي تنتظمها، كذلك لا يجوز أن يكون النفاذ إلى القضاء محملاً بأعباء مالية أو إجرائية تقيد أو تعطل أصل الحق فيه، ولا أن يكون منظماً بنصوص قانونية ترهق الطريق إليه، وتجعل من التداعي مخاطرة لا تؤمن عواقبها، متضمناً تكلفة تفتقر إلى سببها، نائياً عماً يعتبر إنصافاً في مجال إيصال الحقوق إلى أصحابها، أو مفتقراً إلى الضوابط المنطقية التي يحاط اقتضاء الحق بها.
4 - الأصل في الخصومة القضائية ألا تكون نفقاتها عبئاً إلا على من صار ملزماً بها بمقتضى حكم نهائي، ذلك أن الحقوق المتنازع عليها يظل أمرها قلقاً قبل الفصل نهائياً في الخصومة القضائية، فإذا صار الحكم بشأنها نهائياً، غدا حائزاً لقوة الأمر المقضي، مؤكداً للحقيقة الراجحة التي قام عليها والتي لا تجوز المماراة فيها، منطوياً على قاعدة موضوعية لا تجوز معارضتها بعلتها ولا نقضها ولو بالإقرار أو اليمين، لازماً تنفيذه إعمالاً لمبدأ الخضوع للقانون، فلا يجوز تعديل الحقوق التي قررها ولا الآثار التي رتبها، ما ظل هذا الحكم قائماً. بل إن الامتناع عن تنفيذه من قبل الموظفين العموميين المكلفين بذلك، يعد جريمة معاقباً عليها وفقاً لنص المادة 72 من الدستور.
5، 6 - مساواة المواطنين أمام القانون، ويندرج تحتها تساويهم أمام القضاء Egalité devant la justice، مؤداها أن الحقوق عينها ينبغي أن تنتظمها قواعد موحدة، سواء في مجال التداعي بشأنها، أو الدفاع عنها أو استئدائها. وكلما كان التمييز في مجال طلبها من خلال الخصومة القضائية؛ أو اقتضائها بعد الفصل فيها، غير مبرر؛ وكان هذا التمييز منهياً عنه دستورياً؛ وكان لا يجوز تنفيذ الأحكام جبراً كلما كان الطعن فيها استئنافياً جائزاً، ما لم يكن الحكم مشمولاً بالنفاذ المعجل في الأحوال التي حددها المشرع حصراً، وكان ما تقرر بالفقرة المطعون عليها في شأن الخصومة القضائية من جواز اقتضاء مصروفاتها جبراً قبل الفصل استئنافياً في الحق المتنازع عليه، مؤداه أن تعتبر مصروفاتها هذه - في مجال استيفائها قسراً - واقعة في منطقة النفاذ المعجل، ملحقة بالأحوال التي حددها المشرع لوجوبه أو لجوازه، مشبهة حكماً بها؛ وكانت الفقرة المطعون عليها تغاير - بنصها - بين حقوق آحاد الناس، التي يعتبر ثبوتها بحكم نهائي لازماً للحمل على أدائها، وتلك التي لا يكون صدور هذا الحكم شرطاً لاقتضائها جبراً إذا طلبتها الجهة الإدارية لنفسها؛ فإن نص هذه الفقرة يكون مؤكداً لأفضلية كفلتها دون مسوغ لهذه الجهة، فلا يستقيم حكمها ونص المادة 40 من الدستور.
7 - إن حق الدفاع وثيق الصلة بالخصومة القضائية من زاوية تجلية جوانبها؛ وتقويم مسارها؛ ومتابعة إجراءاتها؛ وعرض حججها بما يكفل تساند دعائمها، والرد على ما يناهضها؛ وإدارة دفاع مقتدر بياناً لوجه الحق فيما يكون هاماً من المسائل التي تثيرها الخصومة القضائية، وعلى الأخص من خلال المفاضلة بين بدائل متعددة ترجيحاً لأكثرها اتصالاً بها، وأقواها احتمالاً في مجال كسبها، مع دعمها بما يكون منتجاً من الأوراق؛ وكان التقاضي على درجتين - وكلما كان مقرراً بنصوص قانونية آمرة - يعني أن للخصومة القضائية مرحلتين لا تبلغان نهايتهما إلا بعد الفصل استئنافياً فيها؛ وكان حق الدفاع ينبسط بالضرورة على هاتين المرحلتين باعتبارهما متكاملتين ومحددتين للخصومة القضائية محصلتها الختامية في شأن الحقوق المتنازع عليها؛ فإن مصروفاتها لا يجوز أن يتحملها غير من خسر نهائياً هذه الحقوق.
8 - إن إرساء دعائم الحق والعدل، وإن كان هدفاً نهائياً ووحيداً للوظيفة القضائية، إلا أن المشرع وازن بين دورها الأصيل في مجال إيصال الحقوق إلى أصحابها دون نقصان، وبين أن يتخذها البعض مدخلاً لإرهاق من يطلبون هذه الحقوق وإعناتهم، انحرافاً بالخصومة القضائية عن مسارها، بما يؤكد مجاوزتها الأغراض التي شرع حق التقاضي من أجلها؛ وكان لازماً بالتالي ألا تكون مصروفاتها عبئاً على من أقامها، كلما كان محقاً فيها. فإذا خسر دعواه ابتدائياً، ظل النضال من أجل الحقوق التي طلبها ممتداً إلى المرحلة التي تليها، باعتبار أن التقاضي على درجتين يكاد أن يكون أصلاً ينتظم التداعي في أعم الأحوال وأغلبها. وبغير استنفادهما معاً، يظل مصير الحقوق المدعى بها متردداً بين ثبوتها وانتفائها؛ ولا يكون مسار الخصومة القضائية مكتملاً ولا محدداً مراكز أطرافها، ومن يكون منهم متحملاً بمصروفاتها.
9 - للخصومة القضائية خاتمتها الطبيعية التي تبلغها عند الفصل نهائياً في الحقوق المتنازع عليها. واقتضاء مصروفاتها قبل استقرار الحق فيها، إنما يعرض الملاحقين بها لمخاطر لا يستهان بها، يندرج تحتها تحصيلها قبل أوانها جبراً وإدارياً باعتبارها ديناً يجرد ذممهم المالية - التي لا تتناول إلا مجموع الحقوق التي يملكونها والديون التي يتحملون بها - من بعض عناصرها الإيجابية، فلا يكون اقتطاعها منها بحق، بل عبئاً سلبياً واقعاً عليها دون سند، مما يخل بالأحكام التي تضمنتها المادتان 32 و34 من الدستور اللتان تمدان الحماية المقررة بهما إلى الأموال جميعها، لا تمييز في ذلك بين ما يكون منها من قبيل الحقوق الشخصية أو الحقوق العينية أو حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية، ذلك أن الحقوق العينية التي تقع على عقار - بما في ذلك حق الملكية - تعتبر مالاً عقارياً. أما الحقوق العينية التي تقع على منقول، وكذلك الحقوق الشخصية - أياً كان محلها - فإنها تعد مالاً منقولاً، فلا يكون اغتيالها أو تقويض أسسها، إلا عدواناً عليها ينحل بهتاناً، وينبغي أن يكون عصفاً مأكولاً.
10، 11 - ما تنص عليه المادة 38 من الدستور من قيام النظام الضريبي على أساس من العدل محدداً من منظور اجتماعي، لا يقتصر على شكل دون آخر من الأعباء المالية التي تفرضها الدولة على مواطنيها وفقاً لنص المادة 119 من الدستور، بل تكون ضرائبها ورسومها سواء في تقيدها بمفهوم العدل محدداً على ضوء القيم التي ارتضتها الجماعة وفق ما تراه حقاً وإنصافاً؛ وكانت الخصومة القضائية هي الإطار الوحيد لاقتضاء الحقوق التي ما طل المدين بها في أدائها؛ وكان النزاع الموضوعي في شأن هذه الحقوق لا ينحسم بغير الحكم النهائي الصادر في هذه الخصومة، فإن مصروفاتها يتعين أن ترتبط بما انتهى إليه من قضاء. ولئن صح القول بأن الرسوم القضائية التي يستوفيها قلم كتاب المحكمة بعد الفصل ابتدائياً في الخصومة القضائية، إنما يعاد تسويتها على ضوء الحكم النهائي الصادر فيها؛ إلا أن المرحلة الاستئنافية قد تمتد زمناً طويلاً، فلا يكون من خسر دعواه بحكم ابتدائي إلا غارماً لمصروفاتها ولو كان بقاء أو زوال هذا الحكم ما فتئ معلقاً، فلا تتصل يده بالتالي بالأموال التي دفعها، بل تظل منحسرة عنها دون حق، يناضل من أجل استعادتها حتى بعد صدور الحكم النهائي لمصلحته. وتلك مخاطر لا يجوز التهوين منها، لاتصالها بمراكز مالية ينبغي صونها، وبحقوق قد يكون ملتزماً بأدائها لغيره، وكذلك بفرص العمل وبقواه في مجال الاستثمار، ولا يعتبر ذلك إنصافاً في مجال تطبيق نص المادة 38 من الدستور.


الإجراءات

في الرابع والعشرين من نوفمبر سنة 1996، أودع المدعي صحيفة الدعوى الماثلة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 14 من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية المعدل بالقانون رقم 7 لسنة 1995.
قدمت هيئة قضايا الدولة، مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعى عليه الرابع كان قد أقام ضد المدعي في الدعوى الدستورية الماثلة وآخر الدعوى رقم 253 لسنة 1989 تجاري كلي جنوب القاهرة بطلب إلزام أولهما بتقديم كشف حساب عن أرباح الشركة التي أقاموها فيما بينهم لاستغلال كازينو قصر النيل، وأن يؤدي إليه مبلغ 329654.25 جنيهاً تمثل صافي نصيبه في الأرباح التي حققتها. وقد أجابته محكمة أول درجة إلى طلباته هذه، وألزمت المحكوم عليه بها بمصروفات الدعوى، فاستأنف حكمها وقيد استئنافه برقم 3371 لسنة 112 قضائية. ثم فوجئ باستصدار وحدة المطالبة بمحكمة جنوب القاهرة أمراً قضائياً ضده متضمناً تقدير الرسوم التي يلتزم بأدائها؛ وشرعت بعدئذ في التنفيذ عليه بمبلغها قبل الفصل في الاستئناف المرفوع منه، فعارض في أمر التقدير؛ ثم دفع أثناء نظر معارضته بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 14 من القانون رقم 90 لسنة 1944 المعدل بالقانون رقم 7 لسنة 1995 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية. وقد قدرت المحكمة التي تنظر المعارضة في أمر التقدير، جدية دفعه، وأجلت نظر المعارضة إلى جلسة 27/ 11/ 1996 لاتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية، فأقام الدعوى الماثلة.
وقد مضت محكمة الاستئناف في نظر استئنافه، ثم قضت بجلسة 8 أبريل 1997 - بعد تصحيح ما وقع في حكمها من أخطاء مادية - بتعديل الحكم المستأنف إلى إلزامه بأن يؤدي إلى المستأنف ضده مبلغ 10217.35 جنيهاً والمصروفات المناسبة عن الدرجتين، ومبلغ عشرين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة.
وحيث إن المادة 14 من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية معدلاً بالقانون رقم 7 لسنة 1995، تنص على ما يأتي:
فقرة أولى: "يلزم المدعي بأداء الرسوم المستحقة عند تقديم صحيفة دعواه إلى قلم الكتاب، كما يلزم بأداء ما يتحق عنها من رسوم أثناء نظرها وحتى تاريخ قفل باب المرافعة فيها.
فقرة ثانية: وتصبح الرسوم التزاماً على الطرف الذي ألزمه الحكم بمصروفات الدعوى، وتتم تسويتها على هذا الأساس، ولا يحول الاستئناف دون تحصيل هذه الرسوم.
فقرة ثالثة: وتسلم للمحكوم له صورة تنفيذية من الحكم دون توقف على تحصيل باقي الرسوم الملتزم بها الغير".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية التي تطرح على هذه المحكمة؛ لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان النزاع الموضوعي الذي أثير الدفع بعدم الدستورية بمناسبته، يتعلق بما إذا كان يجوز لقلم كتاب محكمة جنوب القاهرة أن يستصدر ضده المدعي أمراً قضائياً بتقدير الرسوم النسبية محسوبة على أساس ما حكم به عليه ابتدائياً، ثم تنفيذ هذا الأمر جبراً، ودون تربص بقضاء المحكمة الاستئنافية التي يعتبر حكمها في النزاع الموضوعي شرطاً لجواز هذا التنفيذ، فإن مصلحة المدعي لا تتعلق بكامل أجزاء الفقرة الثانية المطعون عليها، وإنما تنحصر فيما ورد بعجزها من أن الاستئناف لا يحول دون تحصيل الرسوم القضائية ممن خسر الدعوى في مرحلتها الابتدائية. وبها يتحدد نطاق الدعوى الدستورية.
وحيث إن المدعي ينعي على الفقرة الثانية من المادة 14 من قانون الرسوم القضائية المطعون عليها، تخويلها قلم كتاب المحكمة تحصيل الرسوم القضائية ممن خسر دعواه ابتدائياً رغم أن استئنافها لا زال ماثلاً أمام جهة الطعن، مما يمثل إخلالاً بصون الدستور للملكية الخاصة، وبمبدأي الحماية القانونية المتكافئة والخضوع للقانون، وكذلك إهداراً للحق في الدفاع، تأسيساً على أن من خسر دعواه في مرحلتها الابتدائية، قد يكسبها استئنافياً، فلا تكون الرسوم التي حصلها قلم كتاب المحكمة مستندة إلى حق، بل إن تحصيلها على هذا النحو يعني جواز اقتضائها قسراً، ووقوع صراع بين خصوم الدعوى إذا طلبها من حكم لمصلحته استئنافياً من قلم كتاب المحكمة.
بل إن الفقرة الثانية المطعون عليها، تمثل استثناء من مبدأ عدم جواز تنفيذ الأحكام جبراً قبل نهائيتها. وإعمال تلك الفقرة قيد كذلك على حق التقاضي، فلا يكون ولوج الطريق إليه معبداً بالنظر إلى الأعباء المالية التي يتحملها المواطن دون ضرورة، حال أن وظيفة القضاء من أولى المهام التي قامت الدولة عليها، وحسبها أن تغطي نفقاتها من الخزانة العامة، مما يصم الفقرة المطعون عليها بمخالفتها لأحكام المواد 34 و40 و64 و65 و68 و69 من الدستور.
وحيث إن السلطة التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، حدها قواعد الدستور التي تبين تخوم الدائرة التي لا يجوز اقتحامها بما ينال من الحق محل الحماية أو يؤثر في محتواه، ذلك أن لكل حق دائرة يعمل فيها ولا يتنفس إلا من خلالها، فلا يجوز تنظيمه إلا فيما وراء حدودها الخارجية. فإذا انبسط المشرع عليها أو تداخل معها، كان ذلك أدخل إلى مصادرة الحق أو تقييده.
وحيث إن الناس جميعاً لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم الخصومة عينها، ولا في فعالية ضمانة الدفاع التي يكفلها الدستور أو المشرع للحقوق التي يدعونها، ولا في اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طلبها، ولا في طرق الطعن التي تنتظمها، كذلك لا يجوز أن يكون النفاذ إلى القضاء محملاً بأعباء مالية أو إجرائية تقيد أو تعطل أصل الحق فيه، ولا أن يكون منظماً بنصوص قانونية ترهق الطريق إليه، وتجعل من التداعي مخاطرة لا تؤمن عواقبها، متضمناً تكلفة تفتقر إلى سببها، نائياً عما يعتبر إنصافاً في مجال إيصال الحقوق إلى أصحابها، أو مفتقراً إلى الضوابط المنطقية التي يحاط اقتضاء الحق بها.
وحيث إن الأصل في الخصومة القضائية ألا تكون نفقاتها عبئاً إلا على من صار ملزماً بها بمقتضى حكم نهائي، ذلك أن الحقوق المتنازع عليها يظل أمرها قلقاً قبل الفصل نهائياً في الخصومة القضائية، فإذا صار الحكم بشأنها نهائياً، غدا حائزاً لقوة الأمر المقضي، مؤكداً للحقيقة الراجحة التي قام عليها والتي لا تجوز المماراة فيها، منطوياً على قاعدة موضوعية لا تجوز معارضتها بعلتها ولا نقضها ولو بالإقرار أو اليمين، لازماً تنفيذه إعمالاً لمبدأ الخضوع للقانون، فلا يجوز تعديل الحقوق التي قررها ولا الآثار التي رتبها، ما ظل هذا الحكم قائماً. بل إن الامتناع عن تنفيذه من قبل الموظفين العموميين المكلفين بذلك، يعد جريمة معاقباً عليها وفقاً لنص المادة 72 من الدستور.
وحيث إن مساواة المواطنين أمام القانون، ويندرج تحتها تساويهم أمام القضاء Egalité devant la justice، مؤداها أن الحقوق عينها ينبغي أن تنتظمها قواعد موحدة، سواء في مجال التداعي بشأنها، أو الدفاع عنها أو استئدائها. وكلما كان التمييز في مجال طلبها من خلال الخصومة القضائية؛ أو اقتضائها بعد الفصل فيها، غير مبرر؛ كان هذا التمييز منهياً عنه دستورياً؛ وكان لا يجوز تنفيذ الأحكام جبراً كلما كان الطعن فيها استئنافياً جائزاً، ما لم يكن الحكم مشمولاً بالنفاذ المعجل في الأحوال التي حددها المشرع حصراً، وكان ما تقرر بالفقرة المطعون عليها في شأن الخصومة القضائية من جواز اقتضاء مصروفاتها جبراً قبل الفصل استئنافياً في الحق المتنازع عليه، مؤداه أن تعتبر مصروفاتها هذه - في مجال استيفائها قسراً - واقعة في منطقة النفاذ المعجل، ملحقة بالأحوال التي حددها المشرع لوجوبه أو لجوازه، مشبهة حكماً بها؛ وكانت الفقرة المطعون عليها تغاير - بنصها - بين حقوق آحاد الناس، التي يعتبر ثبوتها بحكم نهائي لازماً للحمل على أدائها، وتلك التي لا يكون صدور هذا الحكم شرطاً لاقتضائها جبراً إذا طلبتها الجهة الإدارية لنفسها من جهة أخرى؛ فإن نص هذه الفقرة يكون مؤكداً لأفضلية كفلتها دون مسوغ لهذه الجهة، فلا يستقيم حكمها ونص المادة 40 من الدستور.
وحيث إن حق الدفاع وثيق الصلة بالخصومة القضائية من زاوية تجلية جوانبها؛ وتقويم مسارها؛ ومتابعة إجراءاتها؛ وعرض حججها بما يكفل تساند دعائمها، والرد على ما يناهضها؛ وإدارة دفاع مقتدر بياناً لوجه الحق فيما يكون هاماً من المسائل التي تثيرها الخصومة القضائية، وعلى الأخص من خلال المفاضلة بين بدائل متعددة ترجيحاً لأكثرها اتصالاً بها، وأقواها احتمالاً في مجال كسبها، مع دعمها بما يكون منتجاً من الأوراق؛ وكان التقاضي على درجتين - وكلما كان مقرراً بنصوص قانونية آمرة - يعني أن للخصومة القضائية مرحلتين لا تبلغان نهايتهما إلا بعد الفصل استئنافياً فيها؛ وكان حق الدفاع ينبسط بالضرورة على هاتين المرحلتين باعتبارهما متكاملتين ومحددتين للخصومة القضائية محصلتها الختامية في شأن الحقوق المتنازع عليها؛ فإن مصروفاتها لا يجوز أن يتحملها غير من خسر نهائياً هذه الحقوق.
وحيث إن إرساء دعائم الحق والعدل، وإن كان هدفاً نهائياً ووحيداً للوظيفة القضائية، إلا أن المشرع وازن بين دورها الأصيل في مجال إيصال الحقوق إلى أصحابها دون نقصان، وبين أن يتخذها البعض مدخلاً لإرهاق من يطلبون هذه الحقوق وإعناتهم، انحرافاً بالخصومة القضائية عن مسارها، بما يؤكد مجاوزتها الأغراض التي شرع حق التقاضي من أجلها؛ وكان لازماً بالتالي ألا تكون مصروفاتها عبئاً على من أقامها، كلما كان محقاً فيها. فإذا خسر دعواه ابتدائياً، ظل النضال من أجل الحقوق التي طلبها ممتداً إلى المرحلة التي تليها، باعتبار أن التقاضي على درجتين يكاد أن يكون أصلاً ينتظم التداعي في أعم الأحوال وأغلبها. وبغير استنفادهما معاً، يظل مصير الحقوق المدعى بها متردداً بين ثبوتها وانتفائها؛ ولا يكون مسار الخصومة القضائية مكتملاً ولا محدداً مراكز أطرافها، ومن يكون منهم متحملاً بمصروفاتها.
ولئن جاز استثناء وفقاً لنص المادة 185 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، أن يتحمل من كسب دعواه بمصروفاتها كلها أو بعضها، فذلك في أحوال محددة حصراً يجمعها مجاوزة الخصومة القضائية للحدود التي كان ينبغي أن تترسمها؛ إما لرفعها تشهياً في شأن حقوق مسلم بها؛ أو تدليساً من خلال إخفاء مستنداتها الفاصلة فيها؛ أو إسرافاً بإنفاق مبالغ بمناسبتها لا فائدة منها، فكان حقاً أن تكون مصروفاتها في هذه الأحوال جميعها على من سعى بالخصومة القضائية إلى غير وجهتها، منحرفاً بها عن أهدافها، ولو صار كاسباً لدعواه.
وحيث إن ذلك مؤداه، أن للخصومة القضائية خاتمتها الطبيعية التي تبلغها عند الفصل نهائياً في الحقوق المتنازع عليها. واقتضاء مصروفاتها قبل استقرار الحق فيها، إنما يعرض الملاحقين بها لمخاطر لا يستهان بها، يندرج تحتها تحصيلها قبل أوانها جبراً وإدارياً باعتبارها ديناً يجرد ذممهم المالية - التي لا تتناول إلا مجموع الحقوق التي يملكونها والديون التي يتحملون بها - من بعض عناصرها الإيجابية، فلا يكون اقتطاعها منها بحق، بل عبئاً سلبياً واقعاً عليها دون سند، مما يخل بالأحكام التي تضمنتها المادتان 32 و34 من الدستور اللتان تمدان الحماية المقررة بهما إلى الأموال جميعها، لا تمييز في ذلك بين ما يكون منها من قبيل الحقوق الشخصية أو الحقوق العينية أو حقوق الملكية الأدبية والفنية والصناعية، ذلك أن الحقوق العينية التي تقع على عقار - بما في ذلك حق الملكية - تعتبر مالاً عقارياً. أما الحقوق العينية التي تقع على منقول، وكذلك الحقوق الشخصية - أياً كان محلها - فإنها تعد مالاً منقولاً، فلا يكون اغتيالها أو تقويض أسسها، إلا عدواناً عليها ينحل بهتاناً، وينبغي أن يكون عصفاً مأكولاً.
وحيث إن ما تنص عليه المادة 38 من الدستور من قيام النظام الضريبي على أساس من العدل محدداً من منظور اجتماعي، لا يقتصر على شكل دون آخر من الأعباء المالية التي تفرضها الدولة على مواطنيها وفقاً لنص المادة 119 من الدستور، بل تكون ضرائبها ورسومها في تقيدها بمفهوم العدل محدداً على ضوء القيم التي ارتضتها الجماعة وفق ما تراه حقاً وإنصافاً؛ وكانت الخصومة القضائية هي الإطار الوحيد لاقتضاء الحقوق التي ماطل المدين بها في أدائها؛ وكان النزاع الموضوعي في شأن هذه الحقوق لا ينحسم بغير الحكم النهائي الصادر في هذه الخصومة، فإن مصروفاتها يتعين أن ترتبط بما انتهى إليه من قضاء. ولئن صح القول بأن الرسوم القضائية التي يستوفيها قلم كتاب المحكمة بعد الفصل ابتدائياً في الخصومة القضائية، إنما يعاد تسويتها على ضوء الحكم النهائي الصادر فيها؛ إلا أن المرحلة الاستئنافية قد تمتد زمناً طويلاً، فلا يكون من خسر دعواه بحكم ابتدائي إلا غارماً لمصروفاتها ولو كان بقاء أو زوال هذا الحكم ما فتئ معلقاً، فلا تتصل يده بالتالي بالأموال التي دفعها، بل تظل منحسرة عنها دون حق، يناضل من أجل استعادتها حتى بعد صدور الحكم النهائي لمصلحته. وتلك مخاطر لا يجوز التهوين منها، لاتصالها بمراكز مالية ينبغي صونها، وبحقوق قد يكون ملتزماً بأدائها لغيره، وكذلك بفرص العمل وبقواه في مجال الاستثمار، ولا يعتبر ذلك إنصافاً في مجال تطبيق نص المادة 38 من الدستور.
وحيث إنه متى كان ذلك، فإن الفقرة المطعون عليها - في الحدود المتقدم بيانها - تكون مخالفة لأحكام المواد 32 و34 و38 و40 و68 و69 من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 14 من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية، وذلك فيما تضمنته من أن الطعن في الحكم بطريق الاستئناف لا يحول دون تحصيل الرسوم القضائية ممن حكم ابتدائياً بإلزامه بها، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.